تتحرك قيادات الأحزاب السياسية التونسية في شيء من السرية استعداداً للانتخابات المحددة في الخريف المقبل. وعلى رغم ان اتحاد الشغل لن يكون طرفاً مباشراً في هذه الانتخابات ويمكن أن يكون عبر مرشحيه ضمن مختلف الأحزاب خصوصاً الحزب الحاكم التجمع الدستوري الديموقراطي فإن له كلمته التي سيسمعها بعد مؤتمره الذي سيعقد قريباً، وهو الذي ألقى بحجر ظهرت له دوائر موجات متعددة في بحيرة تلك الانتخابات الساكنة عندما طرح قضية مشاركة المنظمة النقابية في الانتخابات العامة "ومشروعية ان يكون له نواب يدافعون عن ألوانه ومواقفه ضمن البرلمان المقبل". ولا يبدو أن للاتحاد النقابي أي حظوظ إذا دخل الانتخابات باعتبار أنه لن يستفيد من جمع الأصوات التي يحصل عليها في الدوائر على الصعيد الوطني، لذلك فإنه لن يستطيع تحقيق نجاح أي من مرشحيه لو أقدم ورشح نواباً عنه في الانتخابات لكن المراقبين يتحدثون عن احتمالات تنسيق أكبر قد يأخذ شكلاً أكثر أو أقل تنظيماً بين النواب الذين يتحدرون من الأحزاب المختلفة في الحكم وفي المعارضة والذين لهم انتماءات نقابية معينة. وفي المقابل فإن أحزاب المعارضة بصدد تنظيم صفوفها مدركة انها لا يمكن أن تنافس الحزب الحاكم على المقاعد ال 140 ولكن المنافسة ستكون بينها شديدة على تقاسم ما بين 32 و36 مقعداً. وإذ تسعى الأحزاب الممثلة حالياً في البرلمان اما على الحفاظ على أسبقيتها في رأس القائمة وابراز نفسها كأحزاب متصدرة للمعارضة في ظل استحالة منافسة الحزب الحاكم فإن حزبين على الأقل سيسعيان للدخول هذه المرة الى البرلمان بعدما كان عدد الأصوات التي حصل كل منهما عليها في الانتخابات الماضية سنة 1994 لم يخولهما تجاوز عدد مجلس النواب. وهذان الحزبان هما التجمع الاشتراكي التقدمي وهو حزب قومي يساري اشتراكي والحزب الاجتماعي الليبيرالي الذي شقته الخلافات. أما أحزاب المعارضة الكبيرة نسبياً فتسعى الى احتلال مكان بارز في الحياة السياسية النيابية، وهي أربعة أحزاب ممثلة في البرلمان، كما تسعى أيضاً الى رأب صدع صفوفها. وإذا كان التجمع الاشتراكي التقدمي قد بدا دوماً منسجماً فإن الحزب الاجتماعي الليبيرالي الذي تأسس سنة 1988 ونال ترخيصه الرسمي بوصفه أحد الأحزاب الستة القانونية والذي جاء استجابة لشريحة مهمة تتمثل في العاملين في المهن الحرة من محامين وأطباء ومهندسين ورجال أعمال قد عرف منذ ولادته هزات كبيرة وانشقاقات، فإن اقتراب موعد الانتخابات قد دفع الفريقين الى التوجه نحو ايجاد حل وسط بانتخاب مكتب سياسي توفيقي عاد لرئاسته زعيم الحزب ومؤسسه منير الباجي وهو رجل عريق في النضال من أجل التعددية وحقوق الانسان. لكن من سيتصدر قائمة أحزاب المعارضة؟ يقول أنصار حزب الوحدة الشعبية انهم سينالون أكبر عدد من المقاعد العائدة للمعارضة بعدما كانت حركة الديموقراطيين الاشتراكيين تحتل الموقع الأول بين المعارضين. أما أنصار الديموقراطيين الاشتراكيين فيجيبون بالنفي ويقولون انهم سيكونون في صدارة المعارضة. ولعل مما يزيد في حظوظ حزب الوحدة الشعبية الذي يتزعمه محمد بن الحاج عمر وفقاً لتقديرات المراقبين على الساحة السياسية التونسية انه سيكون مرشحاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة غالباً وهو مما يمكن أن يزيد في لمعان الحزب الذي سيكون له مرشحه في أول انتخابات رئاسية تعددية في البلاد في تاريخها، وهو عنصر موضوعي لا ينبغي لا إغفاله ولا التقليل من أهميته رغم ان حظوظ محمد بن الحاج عمر في تلك الانتخابات أمام الرئيس بن علي هي شبه منعدمة.