خيمت اجواء متشائمة على إمكان عودة العراق عربياً بعد الازمات التي شهدتها الجامعة العربية وانسحاب وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف من اجتماع وزراء الخارجية العرب، احتجاجاً على عدم تبني الوزراء مطالب عراقية حددها خلال لقائه الامين العام الدكتور عصمت عبدالمجيد عشية بدء الاجتماع. وكشفت مناقشات الوزراء وخلافاتهم عن فجوة كبيرة في المواقف بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق ورفض الدول الست، بدرجات متفاوتة، اي حديث عن مصالحة مع بغداد في ظل وجود القيادة العراقية الحالية. وروت مصادر عربية ل "الوسط" ان مشاركة العراق في اجتماعات وزراء الخارجية جاءت في اعقاب اتصالات قام بها وزيرا الخارجية السوري فاروق الشرع الرئيس الحالي لمجلس الجامعة واليمني عبدالقادر باجمال بوصف بلاده صاحبة الدعوة. وحدد الصحاف مطالبة العراق في اربع نقاط هي ادانة الاعتداءات الاميركية - البريطانية على العراق، ورفض الاعتذار، ودعم بلاده في حقها الحصول على تعويضات عن الاضرار التي اصابتها جراء استمرار الحصار، وتأكيد رفض التدخل في شؤونه الداخلية ومساندته في بسط سيادته على شمال العراق وجنوبه في مناطق الحظر الجوي التي حددتها واشنطن ولندن. وتلقت الجامعة موافقة العراق، في اجازة عيد الفطر بعدما ثارت تكهنات حول اعتذاره اثر حملة الانتقادات الاعلامية على لسان مسؤولين عراقيين ضد مسؤولين عرب، بسبب إرجاء اجتماعات وزراء الخارجية أسابيع عدة واستبعاد العراق من اجتماعات "مجموعة الغردقة" التي تضم مصر والسعودية وسورية واليمن وسلطنة عُمان. وقال وزير الخارجية المصري عمرو موسى، ل "الوسط"، ان الاجتماع الخماسي هدف الى بلورة موقف عربي يسعى الى الحؤول دون حدوث انقسام في اجتماع الوزراء العرب. وبدا ان اجتماعي "مجموعة الغردقة" في القاهرةوالغردقة لم يحسما الخلافات، فقد تمسكت دول الخليج بموقفها لجهة تضمين مشروع البيان اعتذار العراق للكويت. وخلال 12 ساعة من الاجتماعات المغلقة لوزراء الخارجية العرب لم يتم التوصل الى صياغة ترضي العراق للوصول الى قرار يحظى بالإجماع العربي، اذ تمسك كل طرف بمواقفه وفشلت وساطات موسى والشرع في حلحلة مواقف الجانبين. ونجح الشرع في منع حدوث عراك بين عدد من الوزراء العرب لكنه لم يتمكن من الحؤول دون حدوث تراشق كلامي طال بدايات احتلال العراق للكويت وتحميل الرئيس صدام حسين مسؤولية الوضع الذي وصل اليه الشعب العراقي. وانتهى الاجتماع بانسحاب الصحاف لكن الوزراء واصلوا اجتماعهم للاتفاق على الصياغة النهائية وحذفوا لفظة اعتذار العراق بعد جدل استمر نحو ساعتين ولم تتم اي وساطة لإعادة الصحاف الى الاجتماع وهو ما دعاه الى مغادرة القاهرة صبيحة اليوم التالي. ودافع وزراء مصر وسورية والسعودية والكويت عن البيان واكدوا انه في مصلحة العراق وتبارى وزراء آخرون بإبداء استغرابهم لانسحاب الصحاف من الاجتماع واتهمه احدهم بأنه جاء "بتعليمات واضحة" من الرئيس صدام حسين وانه لا يستطيع تجاوزها وجاء لإفشال اجتماع القاهرة. وتهكم الصحاف على اللجنة العربية التي تم تشكيلها لإجراء محادثات مع الاممالمتحدة لرفع معاناة الشعب العراقي وقال: "لجنة عربية من دون مشاركة العراق... كيف هذا؟". وانتهى الاجتماع الى ان عقد قمة عربية شاملة بات مسألة غير واردة وصدرت دعوات لعقدها من دون مشاركة العراق. وعلمت "الوسط" ان وزيري الخارجية السوري واليمني سيعيدان فتح حوار مع بغداد في محاولة لتليين مواقفها ووقف انتقاداتها للدول العربية، وتلطيف الاجواء بما يضمن مشاركة وزير خارجية العراق في الدورة المقبلة لمجلس الجامعة في آذار مارس المقبل ستنتقل اليه رئاستها من سورية. وعلمت "الوسط" ان اتصالات تجرى حالياً بين الجامعة والعواصم العربية اعضاء اللجنة للترتيب للاجتماع المقبل الذي تستضيفه سورية. واعتبر الامين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد، ان الاجتماع لم يفشل على رغم انسحاب العراق، واصر على ان القرار الصادر هو لمصلحة بغداد، رافضاً تحفظات بغداد عن اللقطات التي استخدمها البيان، وقال "كان يمكن للصحاف ان يستمر ويتحفظ ويبدي وجهة نظره، والانسحاب لم يكن مجدياً". وغادر الوزراء العرب القاهرة مخلفين ازمة سياسية جديدة بعدما كشفت المناقشات التي دارت ان مواقف الدول العربية في آب اغسطس 1990 هي نفسها في العام 1999. وانضمت الازمة السياسية الى الازمة المالية التي تشهدها الجامعة منذ شهور، الامر الذي دفع الديبلوماسيين في الجامعة الى التساؤل عن استمرارهم في الجامعة العربية ومستقبلها.