اختتم وزراء الخارجية العرب اجتماعهم في القاهرة امس وانسحب وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف من الجلسة الختامية احتجاجاً على البيان الذي اقره الوزراء بالغالبية في جلسة مغلقة بعد فشل مشاورات جانبية في التوصل الى صياغة توفيقية تضمن اجماعاً. وكان اللافت دعوة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الى رفع العقوبات الاقتصادية عن العراق، وقوله ان دولاً اجنبية "تمارس ابتزازاً ضد المصالح القومية العربية". ووجه نداء من اجل وقف "التعايش مع هذا الوضع الذي لا نرى معه ضوءاً في نهاية النفق المظلم الذي حشرنا فيه جميعاً شئنا ام أبينا" راجع ص4. وعبر البيان عن "انزعاج" الوزراء العرب ورفضهم الخيار العسكري ضد العراق، وتأكيدهم تضامنهم مع شعبه. وحضوا على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ودعوا القيادة العراقية الى الكف عن استفزاز الجيران. ولليوم الثاني على التوالي قصفت طائرات اميركية مواقع صواريخ في شمال العراق، في وقت اكد مسؤول عراقي ان بغداد تواصل ارسال تعزيزات عسكرية الى الجنوب تحسباً لأي "اعتداء"، وأشار الى ان هذه التعزيزات لا تستهدف الكويت. واعتبر الصحاف ان البيان الوزاري كان "متحيزاً ضد العراق، يمكن ان يعطي واشنطنولندن ذريعة لشن هجمات جديدة" على بلاده. واعرب البيان الختامي للاجتماع الوزاري عن رفض استخدام الخيار العسكري ضد العراق وما ترتب عليه من وقوع ضحايا ابرياء بين العراقيين، وطالب باعتماد الحل الديبلوماسي في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وحض الحكومة العراقية على التعاون الكامل مع المجلس لتنفيذ هذه القرارات. ودعا الوزراء المجلس الى اعادة العلاقة بين الاممالمتحدةوالعراق لتأكيد صدقية الأممالمتحدة. وأعربوا عن تضامنهم مع الشعب العراقي والعمل معه لانهاء الحظر. وطالب البيان القيادة العراقية بوقف سياسات "استفزاز الجيران" واتخاذ الخطوات اللازمة لاثبات النيات السلمية تجاه الكويت والدول المجاورة "قولاً وعملاً". واحتج الصحاف خلال الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري التي شهدت تلاوة البيان الختامي وغادر القاعة مع الوفد المرافق الى مقر اقامته في فندق "النيل هيلتون"، حيث عقد مؤتمراً صحافياً هاجم فيه اجتماع وزراء الخارجية العرب. والتزم الوزراء في البيان بذل الحكومات العربية الجهود اللازمة في اطار التعاون مع الاممالمتحدة ومجلس الأمن لرفع العقوبات عن العراق، وفق برنامج زمني محدد، ومتزامن مع عملية المراجعة الشاملة التي حددتها الالتزامات الدولية. وأقر الوزراء تشكيل لجنة عربية للتحرك العملي في هذا الاتجاه تضم وزراء خارجية سورية والسعودية والامارات ومصر والأردن والدولة العربية العضو في مجلس الأمن والأمين العام للجامعة. وتدخل رئيس الجلسة فاروق الشرع للحؤول دون تدهور الموقف وفقدان السيطرة على الجلسة، ودعا الى الهدوء وذكّر بأن "استمرار الخلافات لن يؤدي الى شيء. علينا ان نعمل على حسم الخلافات وبلورة موقف موحد تجاه العراق". وبحثت الجلسة المغلقة خمسة مشاريع قرارات قدمتها مجموعة الغردقة مصر والسعودية واليمن وسورية وسلطنة عمان، والعراق والسودان والاتحاد المغاربي اضافة الى ورقة دول مجلس التعاون الخليجي التي قدمها الامير سعود الفيصل. وأمام تباين المشاريع وتزايد الخلافات اعلن الدكتور عصمت عبدالمجيد تعليق الجلسة المغلقة. وعاد الوزراء الى جلسة مغلقة ثانية، لاحظ الشرع وعبدالمجيد والوزير عمرو موسى ان بدايتها غير مبشرة نتيجة الدخول في جدل في شأن التزام العراق قرارات مجلس الأمن، وموضوع الرقابة على اسلحة الدمار الشامل العراقية وفقاً للمبادرات المطروحة في مجلس الأمن. ورد الصحاف في شكل عصبي على اتجاه وزراء الخارجية، لدعم اقتراح خليجي بتضمين البيان الختامي فقرة، وأكد ان ذلك يعني "تكريس الوجود الاجنبي ويمثل انتقاصاً من سيادة العراق". وتحفظ الصحاف عن مشروع مجموعة الغردقة مما ادى الى مطالبة الشرع اعضاء الوفود بمغادرة القاعة وقصر الاجتماع على الوزراء ورؤساء الوفود فقط. وفي هذه الجلسة تمت تلاوة مشروع الغردقة الذي يدعو العراق الى الالتزام بقرارات مجلس الأمن وتأكيد الالتزام بترسيم الحدود الكويتية ويدعو الاممالمتحدة ومجلس الأمن الى العمل لرفع معاناة الشعب العراقي ويؤكد وحدة العراق وسلامة اراضيه. ولم يحسم الاجتماع مسألة عقد القمة العربية وتركها لمشاورات تجرى بين وزراء الخارجية. ولم يلب البيان المطالب العراقية اذ انه لم يدن الغارات الاميركية - البريطانية على العراق، ولم يدعم مطالبة العراق بتعويضات. وكانت خلافات حادة نشبت اثناء الاجتماع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون من جهة ووزير الخارجية العراقي من جهة اخرى، وحمّل كل طرف الآخر مسؤولية الوضع في منطقة الخليج واستمرار الازمة العراقية. وذكّر الصحاف الوزراء بطلبات ضمّنها مشروع بيان قدمه الى الجامعة يدعو الوزراء الى ادانة الاعتداءات الاميركية - البريطانية على بلاده ورفع الحظر عن العراق ودعمه في الحصول على تعويضات وعدم الاعتراف بمناطق الحظر الجوي فوق شمال وجنوب العراق. ورد نائب رئيس الوزراء الكويتي وزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد بتأكيد ضرورة الالتزام العراقي غير المشروط بقرارات مجلس الامن، محملاً بغداد مسؤولية ما يتعرض له الشعب العراقي. واكد تعاطف الجميع مع "هذا الشعب المغلوب على امره". وساند وزراء خليجيون الشيخ صباح وطالبوا العراق بالاعتذار عن العدوان. وقال احد الوزراء: "اذا كنا نتحدث عن المصالحة فيجب ان تكون البداية اعتذار عراقي عن احتلال الكويت". وتحفظت دول خليجية عن موضوع القمة، ولفتت الى ان الجامعة ليست المكان المعني ببحث اخلاء العراق من اسلحة الدمار الشامل، وتحفظت عن ادانة العمليات العسكرية الاخيرة ضد العراق. وتحدث في الجلسة المغلقة وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، الذي رفض اتهامات العراق للكويت وبلاده، وحذّر الصحاف من التمادي في هذه الاتهامات، مشيراً الى ان ذلك ليس في مصلحة العراق او شعبه. ضرب مواقع صواريخ وهاجم الطيران الاميركي امس ولليوم الثاني على التوالي مواقع لاطلاق صواريخ ارض - جو في شمال العراق. وأعلنت وزارة الدفاع الاميركية ان طائرة من طراز "اف - 15"، اطلقت صاروخاً بعد الظهر على موقع للصواريخ في الشمال، بعدما رصد رادار الموقع الطائرة الاميركية تمهيداً لاطلاق صواريخ باتجاهها. وأفاد بيان اصدرته قيادة اركان عملية "نورثرن ووتش" في قاعدة انجيرليك في تركيا ان حادثاً آخر وقع في المنطقة اذ اطلقت مقاتلة من نوع "اي آي - 6 بي" تابعة لمشاة البحرية المارينز ومقاتلتان من نوع "اف - 16" صواريخ مضادة للرادار على موقع آخر للصواريخ العراقية قرب مدينة الموصل. وتابع البيان ان طائرة اخرى من نوع "اف - 16" اطلقت صاروخاً مضاداً للرادارات على موقع آخر للصواريخ العراقية في المنطقة نفسها. وفي لندن اكدت وزارة الدفاع البريطانية ان الطائرات البريطانية لم تكن طرفاً في هذا الحادث. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول عراقي تأكيده استمرار ارسال تعزيزات عسكرية عراقية الى الجنوب. وقال حاكم محافظة البصرة الفريق الركن احمد ابراهيم حماش: "نحن مستعدون لكل الاحتمالات والمواجهة البرية والجوية". لكنه نفى بشدة ان يكون الهدف من التعزيزات تهديد أمن الكويت، وقال: "ليست لنا قوات قريبة من الكويت"، مؤكداً ان "العراق لن يعتدي على احد لكنه لن يقبل بأي اعتداء عليه". في غضون ذلك غادرت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت واشنطن امس في جولة تشمل روسيا والسعودية ومصر وبريطانيا وفرنسا، لاجراء محادثات مع كبار المسؤولين في هذه الدول ستركز في معظمها على الوضع العراقي.