لم يكن سلطان أبو العينين، "الابن المدلل" لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسس حركة "فتح" ورئيسها والممثل الاول له ولهما في لبنان، لم يكن ينتظر الحكم الغيابي بالاعدام الذي اصدره في حقه القضاء اللبناني اخيراً، ذلك انه، على حد قول مصادر فلسطينية، لم يتلق اشارات تفيد انه قيد المحاكمة، ولم يستدع رسمياً للتحقيق او على الاقل لم يظهر ان السلطة اللبنانية مستعجلة في التصدي لممارساته غير القانونية بدليل عدم تطرق وسائل الاعلام في لبنان لمسألة المحاكمة هذه وبدليل حرية تنقله خارج المخيمات الفلسطينية في الجنوب، اذ وصل الى بيروت وكسروان وقابل مسؤولين رسميين ومرجعيات دينية ولم يقل له احد "ما أحلى الكحل في عينيك". لا بل لم يوقفه حاجز أمني انفاذاً لمذكرة توقيف صادرة في حقه. فضلاً عن ان وسائل الاعلام غطت تحركاته. لذلك تقول المصادر نفسها، كان رد فعله الكلامي عنيفاً واستفزازياً. ولذلك ايضاً كان رد فعل عرفات اكثر استفزازية للسلطة اللبنانية، لا سيما عندما أصدر قراراً فورياً بترقية أبو العينين الى رتبة عميد بعدما أمضى سنوات طويلة في رتبة عقيد. وعندما طلب من الامين العام لجامعة الدول العربية التدخل مع السلطات اللبنانية لإلغاء الحكم القضائي الصادر في حق ممثله في لبنان. وعندما أثار الموضوع مع الاتحاد الاوروبي عبر مبعوثه الدائم الى الشرق الاوسط ميغيل انخيل موراتينوس ومع عدد من الدول العربية الفاعلة والمؤثرة. وأخيراً عندما ركز عرفات وأبو العينين على ان "القضية سياسية" لا قضائية وان حلها يتم بالاتصال مع الجهة السياسية التي تقف وراء الحكم الصادر للتوصل الى تسوية . الا ان رد فعل عرفات وأبو العينين لم يؤديا الى نتيجة لأن السلطات اللبنانية اعتبرت ان الموضوع قضائي. والقضاء مستقل في لبنان ولا يستطيع احد التدخل في أعماله وأحكامه، وقد عبر رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص عن ذلك قاطعاً الطريق على أي مراجعة خارجية مع لبنان تتعلق بالحكم الصادر على الرجل عندما قال ان الموضوع قضائي وان الاعتراض على الحكم الصادر يمكن ان يتم بعد تسليم المسؤول الفلسطيني الاول نفسه للقضاء اللبناني. لا بل ان التسليم يعيد المحاكمة من جديد، وعندها فإن الأدلة سواء التي لدى الدولة اللبنانية او لدى المسؤول هي التي تحدد الاتجاه الذي ستسلكه المحاكمة وتالياً نوعية الحكم الذي سيصدر. وقد عبر عن الموقف نفسه مندوب لبنان لدى جامعة الدول العربية أمام الأمين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد عندما استدعاه للاستفسار منه عن القضية أو للتدخل فيها. كما عبر عن هذا الموقف ايضاً المسؤولون السوريون لرئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي أبو اللطف اثناء زيارته الأخيرة لدمشق الامر الذي دفعه الى الامتناع عن زيارة لبنان بعدها ربما لأنه تلقى نصيحة "سورية" بعدم جدوى اثارة هذا الموضوع مع السلطات فيه. علماً ان زيارته لسورية وللبنان كانت مقررة قبل انفجار قضية أبو العينين وكان الهدف منها التشاور كالعادة في الوضع الاقليمي وفي تطورات عملية السلام، وفي الوضع الفلسطيني في لبنان خصوصاً من النواحي الاجتماعية والحياتية والاقتصادية. سياسي أم قضائي؟ هل قضية أبو العينين سياسية ام قضائية؟ المصادر اللبنانية الرسمية تؤكد قضائيتها من خلال الحيثيات التي بنى عليها القضاء اللبناني حكم الاعدام على أبو العينين، وأبرزها انه مارس اجتياحاً لمناطق لبنانية، وشكل عصابة مسلحة الى آخر ما هناك من اتهامات. اما المصادر الفلسطينية فتؤكد الطابع السياسي لهذه القضية من دون ان تنفي صحة الحيثيات المذكورة وان في صورة جزئية. وهي تعتبر ان المسؤول الفلسطيني "العرفاتي" الاول في لبنان ارتكب خطأ او قام بعمل غير مدروس عندما اندفع في ما سمته وسائل الاعلام اللبنانية اقامة معسكرات تدريب داخل مخيم عين الحلوة وتخريج مقاتلين و"تشكيل عصابة مسلحة" كما اعتبرها القضاء اللبناني. وما حصل فعلاً جرى تضخيمه كثيراً في الاعلام لاعتبارات متنوعة. ذلك ان المعسكرات ليست موجودة بل هناك ملعب كرة قدم يضم في احدى زواياه بضع غرف. وقد حصلت فيه عملية اعادة تأهيل لعشرين عنصراً كل اسبوع. وهؤلاء أشخاص عاديون يعملون خلال النهار وفي الليل يحرسون مكاتب "فتح" والمنظمة ليكسبوا عيشهم. وعلى افتراض انهم "عصابة"، فهل هم "العصابة" الوحيدة الموجودة داخل مخيم عين الحلوة؟ وهل تخلو المخيمات الفلسطينية الموجودة في البقاع والشمال من جماعات مسلحة يمكن ان يسري عليها الامن القضائي نفسه، أي "عصابة مسلحة"؟ ولماذا لم يتم التعامل مع هذه "العصابات" بالطريقة نفسها التي عومل بها أبو العينين؟ ولماذا تتجاهل السلطات اللبنانية وجود امن فلسطيني داخل المخيمات الاخرى واحياناً قضاء فلسطينياً، اذ في مخيم نهر البارد في شمال لبنان اقدمت عناصر فلسطينية مسلحة بعد مصافحة الامين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة رئيس دولة اسرائيل عازر وايزمن أثناء جنازة العاهل الاردني الراحل الملك حسين على مهاجمة مكاتب الجبهة والاعتداء على عناصرها. ثم تدخلت "وحدات" فلسطينية رسمية اودعت المهاجمين السجن داخل المخيم. وبعد ذلك اقدمت عناصر موالية لهم على تهريبهم منه. ولا يزالون فارين حتى الآن. ألا يشكل ذلك كله خرقاً للقضاء وسيادة لبنان؟ أليس هناك سلاح في مخيمات الفلسطينيين في كل مناطق لبنان؟ اليس هناك آلاف "سلطان أبو العينين" داخلها؟ فلماذا لم تصدر احكام في حقهم او لماذا لم يلاحقوا؟ اما في ما يتعلق باتهام أبو العينين باجتياح مناطق لبنانية فإن المصادر الفلسطينية نفسها تعترف بأن له مكاتب على حدود مخيم عين الحلوة، لكن خارج الارض الاصلية للمخيم. لكن جماعات وفصائل فلسطينية اخرى اجتاحت ولا تزال تجتاح مناطق لبنانية خارج المخيمات ولم تردعها السلطات اللبنانية. وأبرز هذه الاجتياحات في اقليم الخروب. أين الحقيقة عن موضوع أبو العينين ؟ هل هي لدى المصادر اللبنانية الرسمية او لدى المصادر الفلسطينية؟ المصادر الديبلوماسية العربية تعتبر ان الحقيقة موجودة لدى الفريقين، وتعتبر ايضاً ان للحكم القضائي اللبناني خلفية سياسية قد تكون مبررة على رغم ان خلفيتها القانونية وتالياً القضائية موجودة باعتراف الفلسطينيين انفسهم. وهي تعزو اعتبارها الى جملة أمور أبرزها الصراع بين سورية ولبنان، بحكم تلازم مساريهما التفاوضيين، مع اسرائيل وبحكم اعتبارات اخرى بين السلطة الوطنية الفلسطينية التي يترأسها ياسر عرفات. وهذا الصراع كان دائماً موجوداً في الماضي واتخذ أحياناً اشكالاً سياسية وأحياناً أخرى اشكالاً دموية كان لبنان ساحتها سواء قبل الاجتياح الاسرائيلي العام 1982 او بعده. لكنه تفاقم بعد انطلاق عملية السلام في مدريد العام 1991 وتحديداً بعد ضرب عرفات وحدة الموقف العربي بفصله المسار الفلسطيني عن المسارين السوري واللبناني بعد مفاوضات سرية مع اسرائيل ثم بتوقيعه اتفاقاً معها في اوسلو العام 1993. وتعزو المصادر الديبلوماسية العربية نفسها اعتبارها ان الحقيقة موجودة عند الفريقين الى سلسلة احداث او تطورات حصل بعضها او يمكن ان يحصل من شأنه إلحاق الضرر بسورية. منها مبادرة حركة "فتح" الى محاولة الامساك بمخيم عين الحلوة وضم جماعات تابعة لسورية وأخرى حليفة لها. وفي البداية لم تمانع السلطة اللبنانية وطبعاً سورية في ذلك لأن مؤيدي عرفات اكثر عدداً وقوة ولأن المنظمة تضخ اموالاً تساعد فلسطينيي المخيم على الصمود في وجه المشاكل الاجتماعية ولأن الامساك بالمخيم يضع حداً بعض الشيء لجماعات أصولية فلسطينية بدأت تتسبب بمشاكل لبيروتودمشق خارج المخيم. ولم تمانعا ايضاً في ذلك لأنهما موجودتان داخل المخيم استعلامياً واستخبارياً ولأن علاقاتهما مع قيادات فتحاوية فيه جيدة جداً. الا انهما ادركتا بعد ذلك ان الامساك بعين الحلوة وفقاً للطريقة التي يتم بها سيحوله معقلاً لعرفات لا مكان لخصومه فيه، وكلهم حلفاء لسورية. فبدأتا العمل لإفشاله وحصلت حوادث اكدت ذلك. لكن الفتحاويين لم يفهموا "الرسالة" فكان لا بد من "رسالة" واضحة وصارمة، تمثلت في الحكم بالاعدام على سلطان أبو العينين. ومن الاحداث والتطورات ايضا قيام أبو العينين بتحرك سياسي لافت خارج المخيمات ابرزه زيارة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في بكركي أي في عمق كسروان وزيارة اخرى لرئيس الحكومة الدكتور سليم الحص وزيارات اخرى متنوعة. وفي اثناء هذه الزيارات كان أبو العينين يبدأ كلامه بالتحيات الحارة "من الاخ أبو عمار" لمضيفه ثم بنقل موقف او رسالة شفهية او شيء من هذا القبيل. وطبيعي ان يثير ذلك حفيظة سورية ولبنان خصوصاً في ظل الوضع السياسي الداخلي البالغ التعقيد والاستقرار السياسي والامني الهش وفي ظل الوضع الاقليمي الصعب. وطبيعي ان يخيفهما لأن سوابق عرفات في استعمال الساحة اللبنانية تحقيقاً لأهدافه، ومنها حشر سورية، كثيرة جداً. ومن الإشارات استقبال عرفات الدكتور سومر نجل رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري ونائبه السابق الأمر الذي ربما اثار قلقاً في دمشق من احتمال تعاون عرفات ورفعت داخل سورية، وربما أثار أيضاً ذكريات قديمة أبرزها دعوة رفعت عرفات لزيارته في دمشق بعد اجتياح اسرائيل لبنان العام 1982 على رغم انه كان "طرد" منها للتو واستقباله اياه في منزله والسماح له بعقد اجتماع مع زعماء عدد من الفصائل الفلسطينية المقيمين في دمشق. علماً ان القيادة السورية بادرت يومها فور علمها بالامر الى توجيه برقية لعرفات تطلب منه مغادرة الاراضي السورية خلال ساعات قبل ان تضطر للجوء الى مواقف اخرى، فاستجاب وغادر الى تونس لكنه عاد بحراً الى طرابلس في شمال لبنان وخاض معركة عسكرية، خاسرة طبعاً، ضد سورية وحلفائها من اللبنانيينوالفلسطينيين. ومن الاحداث والتطورات أيضاً عودة القيادة الاساسية ل"القوات اللبنانية" المحظورة المقيمة في الخارج الى قيادة فروع هذه "القوات" في المنفى. وكان لبعضها علاقات جيدة مع فلسطينييعرفات في أواخر مراحل الحروب في لبنان. وكان لبعضها علاقات مع اسرائيل. وتخشى ان توظف هذه العلاقات المزدوجة لدعم "القوات" وتالياً لاستعمالها من اجل خربطة الوضع السوري في لبنان. ومن التطورات قدرة عرفات ومؤيديه من الفلسطينيين على استغلال الحساسيات المذهبية بين المسلمين لاستعادة مواقع قوية على الساحة السياسية اللبنانية، واستخدامها ضد سورية. وأخيراً هناك اعتقاد سوري بأن عرفات يرمي من حركته داخل مخيم عين الحلوة الى استدراج لبنان للسيطرة عليه مباشرة، الأمر الذي يعطل خطة سورية في استعمال الفلسطينيين لمحاربة اسرائيل في حال انسحابها من لبنان من دون اتفاق معها. ذلك ان العالم سيحملها مع لبنان مسؤولية هذه المحاربة وقد يحاسبها او قد يتغاضى عن مبادرة اسرائيل الى محاسبتها على ذلك عسكرياً. إضافة الى ان لدى دمشق ملفاً كبيراً لأبو العينين ينطوي على معلومات تؤكد تعاونه مع أعداء سورية. بماذا تعلق المصادر اللبنانيةوالفلسطينية على هذه المعطيات؟ تتمسك المصادر اللبنانية بقضائية موضوع أبو العينين. أما المصادر الفلسطينية فتعترف بأن عرفات قد يكون تعمد "زكزكة" دمشق باستقبال نجل سومر الأسد، لكنها تقول انه يعرف ان رفعت الأسد لا دور له في سورية لا الآن ولا في المستقبل. وان عرفات يعرف الانعكاسات السلبية لمبادرته في الداخل السوري وعليه، اذ سيعتبره فلسطينيو سورية والسوريون أنفسهم منفذاً لمخططات اسرائيل. ويعرف ايضاً صعوبة النجاح في القيام بذلك. كما انها تقول ان حجة استدراج لبنان وتالياً سورية لدخول مخيم عين الحلوة لا تهمه كثيراً او ليست قوية لأن سورية لا تختبئ وراء اصابعها عندما تريد القيام بأي عمل. وقد ظهر ذلك عندما التقت قادة "الجهاد الاسلامي لتحرير فلسطين" و"حزب الله" وفصائل فلسطينية اخرى في دمشق اخيراً وبعد العمليتين اللتين نفذهما "الجهاد" ضد الاحتلال الاسرائيلي في جنوبلبنان وعندما اكدوا علناً ان كفاحهم ينطلق وسيبقى ينطلق من كل الاراضي العربية المحتلة. كيف يحل موضوع أبو العينين؟ لا حل سياسياً له الآن على الاقل. والحل القضائي اي القبض عليه ومحاكمته وجاهياً قد لا يكون سهلاً لأنه قد يبقى في مخيم الرشيدية القريب من صور. وقد لا يكون مطلوباً ايضاً. لكن الاثر الذي أراد لبنان وسورية تحقيقه من الحكم القضائي في حق "الابن المدلل" لعرفات حصل، وهو وضعه مع جماعته "في الزاوية" اي في موقع دفاعي. وهذا هو المطلوب في المرحلة الراهنة. علماً ان أبو العينين قد يعود بطريقة او بأخرى الى اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية بطلاً