جاء الاعلان عن تورط مسؤولين من وزارة الأمن الايرانية في حوادث القتل الغامضة التي شهدتها طهران وطاولت كتاباً ومعارضين من ذوي الاتجاه الليبيرالي، ليثير العديد من التساؤلات عن الجهة الدينية التي زودت المنفذين والمخططين لهذه الجرائم السياسية بالفتوى التي تضفي على القتل صفة المشروعية، على افتراض ان تلك العمليات هدفت الى تصفية معارضين سياسيين ولم تكن لإحراج الرئيس محمد خاتمي وعرقلة برامجه الاصلاحية لإسقاطه في ما بعد، على اساس انه فشل في تحقيق الأمن الاجتماعي والانفتاح السياسي والتنمية الاقتصادية. وبينما رحبت الأوساط القريبة من المرشد آية الله علي خامنئي بما اعتبرته الخطوة الأولى من عملية كشف الحقائق، دعت اوساط الرئيس الى غربلة حقيقية لوزارة الأمن وإقالة وزيرها قربان علي دري نجف آبادي باعتباره فرض اصلاً على الرئيس من قبل اليمين المحافظ اثناء تشكيل الوزارة. وتساءلت هذه الأوساط، حتى قبل الكشف بصورة علنية عن تورط مسؤولين من الوزارة في هذه الجرائم، عن سر رحلات الوعظ والارشاد التي كان يقوم بها مسؤولو الوزارة الى المدن والاقاليم وهم يحاولون اعاقة تشكيل لجنة تحقيق لكشف الملابسات، مما يعني انهم اما ضالعون او لا يريدون كشف الحقائق عن الوزارة. ويحاول اقطاب اليمين المحافظ الذي اثيرت حوله الشبهات الدفاع عن عمل الوزارة وهم يحذرون من "فتنة" متشبثين بنظرية "المؤامرة" للخروج بموقف يدفع الاتهامات او التلميحات التي اطلقتها صحيفة "سلام" التي توصف بأنها مقربة من الرئيس، عما اسمته بارتباط عمليات القتل الاخيرة بحوادث العنف السياسي ومهاجمة معارضي اليمين المحافظ من قبل انصار "حزب الله" تنظيم غير مرخص وهو اليد غير القانونية لليمين الديني التقليدي. وتعهد الرئيس محمد خاتمي للمرة الألف بملاحقة المجرمين والذين يهربون من تنفيذ القانون، مؤكداً ان الحرب داخل النظام نفسه بين الاجنحة "حرب غير مقدسة" وانما "الحرب المقدسة طرفاها الحرية وحرمة الانسان، ومن يريد لهذا الانسان ان يعيش ذليلاً"، وقال خاتمي في رسالة مهمة لوزارة الأمن والعاملين فيها ان امن البلد رهن بجهود العاملين المخلصين في الوزارة وهم اكدوا انهم دعامة للأمن والحريات، واصفاً المتورطين "بخلايا مريضة في جسد الوزارة الطاهر" ومحذراً من ان تتأثر الوزارة بالدعايات والاشاعات. وأيد خطوة الوزارة في الكشف عن المنحرفين وهو يحاول التأكيد مجددا انه رمز الوفاق الوطني. اما رئيس البرلمان الايراني علي اكبر ناطق نوري فحذر من "مؤامرة" قال ان "العدو يريدها" لايران. وقال وهو يدفع عن الوزارة الهزة الكبيرة التي تعرضت لها ان وزارة الأمن، وبعد ثبوت تورط عدد من مسؤوليها، هي اكثر من غيرها قلقاً لهذا الموضوع، مشدداً على ان تعزيز الأمن الوطني وسيادته ومصالح النظام والشعب يبقى المبدأ الأساس وان النظام يتعامل بحزم شديد مع اي مجموعة او شخص يعمل ضد هذا المبدأ. وأشاد نوري بوزارة الأمن وقدرتها على "كشف هذه المؤامرة" في ضوء ارتفاع اصوات نادت بپ"الثواب والعقاب"، اي معاقبة المسؤولين عن اجهزة الأمن حتى غير المتورطين "من العدل ان نقول ان قوى الأمن عملت بشكل ممتاز وتستحق الثناء". وأضاف: "يجب ان لا نعتبر الموضوع منتهياً، فهو اكثر تعقيداً مما نتصور. وإذا تابعنا هذه الأيام الوكالات والاذاعات الاجنبية فسندرك ان الأعداء يريدون اهدافاً اخرى". وأكد رفضه الكامل لما قامت به المجموعة المتورطة وقال: "لا يمكن ان نقبل ان تجتمع جماعة في زاوية ما وتقرر لنفسها وتهدد امن البلاد". وأضاف "ان للبلد نظاماً تحكمه ولاية الفقيه... يجب على الحكومة ان تقرر ومجلس الشورى الاسلامي يتابع قراراتها بصفته جهازاً مشرفاً". وأعاد نوري التأكيد انه "يجب ان لا نسمح للأجانب بالتدخل في شؤوننا الداخلية". وطالب 17 من اعضاء البرلمان في رسالة وجهوها الى ناطق نوري بفتح تحقيق موسع يعني استدعاء وزير الأمن قربان علي دري نجف آبادي وارجاع ملف الحوادث الاخيرة الى لجنة المجالس والشؤون الداخلية. وتوقعت صحف طهران اعفاء وزير الأمن حجة الاسلام قربان علي دري نجف آبادي وحدوث تغييرات اساسية في هيكلية الوزارة. وكان بيان اصدرته وزارة الأمن الايرانية كشف عن تورط بعض العاملين "المنحرفين" في الوزارة في حوادث قتل عدد من الكتاب والمعارضين الليبراليين. وأكد البيان ان الوزارة وبالتعاون مع لجنة خاصة شكلها الرئيس خاتمي لمتابعة الموضوع اعتقلت بعضهم وهي تلاحق الآخرين، وذكرت ان "عدداً من مسؤولي وزارة الأمن المنحرفين وممن لم يدركوا مسؤولياتهم بشكل صحيح متورطون في هذه الأعمال الارهابية وانهم نفذوا جرائمهم من دون رجوع الى قرار من الوزارة وهم بلا شك اداة لجهات سرية نفذوا جرائمهم لأغراض الاجانب". واعتبر البيان تورط مسؤولين من وزارة الأمن "خيانة لمبادئ الجهود المجهولين لإمام الزمان وهي التسمية الايرانية التي تطلق على رجال الأمن وهي وجهت صفعة قوية ايضاً الى سمعة الجمهورية الاسلامية. وراح ضحية هذه الحوادث المريبة زعيم حزب الشعب القومي المعارض داريوش فروهر وزوجته بروانة فروهر اللذان اغتيلا الشهر قبل الماضي في منزلهما طعناً بالسكاكين على ايدي مجهولين اضافة الى الكاتبين محمد جعفر بويندة ومحمدمختاري وجميعهم من ذوي الاتجاه الليبرالي المعارض لحكومة المؤسسة الدينية". وتسعى اجهزة النظام الى التشبث بپ"شماعة" "مجاهدي خلق" التي ارتكبت خطأ بتنفيذ او تبني محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس محاكم طهران حجة الاسلام علي رازيني. وقال مدير عام الأمن في وزارة الداخلية ان "اثنين من الارهابيين كانا على دراجة بخارية اقتربا من سيارة رازيني في شارع امير كبير بالقرب من مجمع الامام الخميني القضائي حيث مكتب رازيني وقام احدهما بلصق عبوة ناسفة على السيارة التي سرعان ما انفجرت وأدت الى مقتل احد المارة وإصابة خمسة آخرين بينهم صبي في الرابعة عشرة من العمر، اضافة الى رازيني الذي اصيب بجراح بليغة في ساقه وبطنه وصدره". وبعيداً عن نظرية الشماعة والمؤامرة فان هناك من يشير الى مهدي الهاشمي شقيق صهر حسين علي منتظري الذي اعدم العام 1988 لادانته بالتآمر ومحاولة اغتيال الامام الراحل وتنصيب خليفته آنذاك مكانه في منصب ولاية الفقيه الذي ما زال بعضهم يعتقد بأن لأنصاره امتدادات داخل وزارة الأمن والحرس الثوري الذي ساهم في تأسيسه. اما منظمة "مجاهدي خلق" فقد تكون هذه المرة خارج المعادلة لكن محاولة اغتيال رازيني ستلقي مجدداً بظلالها على نظرية "المؤامرة" على الأقل لدى الاركان الحقيقيين للنظام. ويقول ايراني كانت وزارة الأمن اعتقلته ان التحقيق معه الذي استمر اربعة اشهر في زنزانة انفرادية كشف ان المحققين الاثنين حاولا مع اعترافهم ببراءته من التهم المنسوبة، جره الى الادلاء باعترافات غير صحيحة لتبرير وجهة نظرهم الأولى حوله والتي تولدت من تقارير مغرضين. وأضاف بعدما برأت محكمة الثورة ساحته من "تعريض الأمن الوطني للخطر" ان المحاكمة شهدت مفارقات مثيرة عندما حاول مسؤولو الأمن صاروا في المحاكمة ثلاثة "الحصول على ادلة اثبات لتهم وجهت له بعد الاعتقال"، اي انه عندما اعتقل لم تكن للوزارة اية ادلة ضده. وتساءل كيف سمح الادعاء العام للوزارة باعتقاله من دون اي دليل ليقضي اكثر من ستة اشهر في السجن، اربعة منها في زنزانة منفردة. وقال انه حاول اقناع محققيه بأن ما يقومون به هو الانحراف بعينه لأنهم يتحولون تدريجاً الى جهاز يحفظ الجهاز ويبرر لأعماله، بدلاً من الحفاظ على الثورة الاسلامية وأمن المواطنين.