ما لم تظهر نتائج التحقيقات في ما تردد عن اعتقال السلطات اعضاء شبكة تتغذى وتتحرك بفعل "قوى اجنبية" فان المؤكد ان عمليات القتل الغامضة التي طاولت كتّاباً ومثقفين من ذوي التوجه السياسي الليبرالي المعارض، سترسم مشهداً مختلفاً في ايران عن مشهد السنوات القليلة الماضية بين اجنحة النظام. أثارت عمليات القتل الذعر والقلق وحركت لدى اوساط المدافعين عن القيم مخاوف جادة على النظام برمته، لأن من الواضح ان مسلسل القتل المريب يستهدف الحكومة الدينية وبرامج الرئيس محمد خاتمي الاصلاحية. وبمعنى آخر علميات القتل هدفت الى اظهار ايران غير مستقرة ولجرّ اليمين واليسار الدينيين الى مواجهة مفتوحة يشترك فيها الليبراليون وباقي التيارات، حتى المعارضة المسلحة التي تقودها منظمة "مجاهدي خلق". وجاءت عمليات القتل في خضم النقاش الساخن بين مفردات النظام على موضوع الاعتداء على "سياح" اميركيين، بما دفع الى الاعتقاد بأن اليمين المحافظ وانصاره المتشددين هم الذين يستفيدون من ابعاد الليبراليين عن الساحة عبر الاغتيال واشاعة اجواء الذعر ولكن قراءة بسيطة للوقائع الاخيرة، ولطبيعة التفكير الديني لجناح اليمين المحافظ، وفقدان الشمولية والتعددية في مراكز القوى تجعل من السذاجة اتهام احد من انصار النظام، مهما كانت توجهاته، بالوقوف وراء هذه الحوادث الغامضة لانها وقتت بشكل لافت مع الاحتفال بالذكرى الخمسينية لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ومع صدور قرار عن الاممالمتحدة يتهم ايران بانتهاك حقوق الانسان، اضافة الى ان هذه الحوادث جاءت في سياق الاشتباكات بين انصار الاصلاحيين، ومعهم اليسار الديني وانصار اليمين المحافظ خصوصاً اثر الاعتداء على الباص الذي كان ينقل اميركيين في طهران. كذلك فان طريقة انصار "حزب الله" في التعامل مع الاحداث، والتهديد الذي اطلقه عدد من زعماء هؤلاء المتشددين الموالين لليمين المحافظ بمحاربة الليبراليين "الذين يريدون السيطرة على النظام وايجاد جمهورية ثالثة بعيداً عن الاسلامية"، ربما توحي بأن عناصر غير منضبطة من انصار "حزب الله" قد تكون ضالعة في حوادث القتل الاخيرة، وهو ما لمّح اليه الرئيس محمد خاتمي الذي لم يستبعد ايضاً الأيدي الاجنبية. الا ان منظمة "مجاهدي خلق" تظل المتهم الاول لدى الايرانيين في هذه الحوادث على خلفية محاولة زعزعة النظام العام 1994 من خلال عمليات كبيرة. ومع ان معظم قواعد المنظمة في العراق، الا ان هيكليتها وتنظيمها القوي وماضيها في عمليات وحوادث مشابهة، تجعلها المتهم الاول لدى ايران في هذه العمليات المريبة. وهذا الاتهام اطلقه بشكل مباشر وزير الداخلية عبدالواحد موسوي لاري، ووزير الامن قربان علي دري نجف آبادي، حتى قبل ان يعلن المرشد آية الله علي خامنئي ان "المنافقين" وهي التسمية الايرانية ل "مجاهدي خلق" هم اداة تنفيذ مؤامرة، ارجع خامنئي خيوطها الى اميركا قائلاً انها تتحمل بشكل مباشر او بالواسطة مسؤولية الحوادث الاخيرة في طهران. ويفكر الايرانيون بطريقة "المؤامرة" لاعادة الاستقرار النفسي للمجتمع خصوصاً المرشد خامنئي الذي شدد على الوحدة الوطنية والوفاق بين الاجنحة مشيراً الى ان خلافات التيارات الرسمية توفر فرصة لاعداء النظام كي ينفذوا مخطط تقويضه. وربط بين تخصيص اميركا موازنة مالية بقيمة 20 مليون دولار ضد ايران وبين اطلاق اذاعة الحرية لايران من براغ والحوادث الاخيرة التي جاءت تؤكد انها عمليات منظمة يربطها خيط واحد. ولكن… هل فهم الايرانيون الدرس؟ ان صراع الاجنحة وعلى رغم تأكيدات خامنئي على الوحدة والوفاق ظل مسيطراً حتى في تفسير هذه الظاهرة لان صحيفة "سلام" المقرّبة من خاتمي لم تخف رغبتها في اقالة وزير الامن الحالي ملمحة الى ان الرئيس لا يتفق معه، وهو اساساً فرض عليه من اليمين المحافظ، كما ذكرت الصحيفة .