من حق الايرانيين ان يحتفلوا بفوز فريقهم على الفريق الاميركي في المونديال. وتبدو المبالغة مبررة في ضوء عقدين من الاحتكاكات والتصادم والقطيعة. ولعلها صدفة مفيدة ان يتواجه البلدان على ملعب كرة القدم بدلاً من مياه الخليج. وربما ذكرت المباراة الفريقين بضرورة الخضوع لقواعد اللعبة واحترام صافرة الحكم الدولي وضرورة تسجيل الاهداف في ظل الروح الرياضية. من حق الايرانيين ان يحتفلوا بالفوز، ومن واجب القيادة الايرانية ان تدرك حدوده. فكرة القدم لم تكن يوماً رمزاً لقوة "الشيطان الاكبر" وجبروته. وهو ما يرسم حدوداً للامتحان والابتهاج. ومن واجب القيادة الايرانية ان تتذكر ان كأس العالم في كرة القدم شيء وكأس العالم عموماً شيء آخر. وان ملعب الأولى صغير وان ملعب الثانية هو العالم بأسره. وان مباراة كأس نهاية القرن وبدايات القرن المقبل لُعبت وحُسمت. وهي دارت بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي وانتهت بنجاح الاميركيين في تسجيل اصابات قتلت الاتحاد السوفياتي ودفعته الى التاريخ. وهكذا عندما ينتهي مهرجان كأس العالم في كرة القدم سيتحتم على ايران ان تعود الى التفكير بحقائق العالم، اي الملعب الكبير، وطريقة التعامل او التعايش مع واشنطن حاملة الكأس ولقب القوة العظمى الوحيدة. في عالم المعسكرين كان باستطاعة دولة ما الاحتماء بالمظلة السوفياتية وتجاهل وجود الولاياتالمتحدة. وأحياناً كان باستطاعة تلك الدولة التحرش بحلفاء الولاياتالمتحدة والسعي الى اضرام النار في ثيابهم او تصديرها الى داخل حدودهم. واستعار "الوكلاء" هيبتهم من قدرتهم على التطوع لهذا النوع من الادوار والاندراج في مخطط زعزعة استقرار الفريق المقابل. لكن هذه اللعبة صارت جزءاً من التاريخ ولا بد اليوم من مواجهة الحقائق الباردة. قبل عقدين حدث الزلزال الايراني. وأدرجت تلك الثورة في خانة الثورات الكبرى في القرن. وثمة من حلم بتغيير العالم او على الأقل بتغيير في العالم الاسلامي. وعلى رغم الارتجاج الذي حصل في انحاء كثيرة من العالم الاسلامي فان ايران، وبسبب طبيعة انتمائها وغرقها في الحرب مع العراق وغياب النموذج الناجح، لم تستطع التغيير وان كان لا يمكن انكار التأثير. ووسط انشغال ايران بالحرب مع العراق وتالبا في ذيولها كانت المبارزة الاميركية - السوفياتية تبلغ ذروتها وجاءت النتيجة صارخة. العالم الحالي اميركي بامتياز. والقوة العظمى الوحيدة ليست بعيدة عن اي دولة. فهي موجودة في العاصمة او عند الحدود او في المياه. وبهذا المعنى تجد كل دولة نفسها على خط التماس مع اميركا. فالولاياتالمتحدة معبر الزامي في الطريق الى مجلس الأمن وصندوق النقد الدولي والتكنولوجيا ووصولاً الى مرور انابيب النفط. وحتى الادوار الاقليمية ترسم في ضوء العلاقة مع خط التماس الاميركي. بهذا المعنى تصبح القطيعة مع اميركا طريقاً الى العزلة لا ورقة قوة. لا تستطيع ايران تجاهل القوة العظمى الوحيدة. وصور الاميركيين اسرى في سفارة بلادهم في طهران صارت من التواريخ التي يتعذر تكرارها. والدرس الاميركي في المواجهة مع العراق كان قاسياً له ولغيره. في المقابل لا تستطيع الولاياتالمتحدة تجاهل حقائق المنطقة وهي ان ايران دولة مهمة لاستقرار الخليج ودولة معنية بنفط قزوين ودولة حاضرة في آسيا الوسطى وأفغانستان ودولة قادرة على وضع العراقيل امام السلام في الشرق الأوسط، هذا عدا الرغبة ولعل الاقرار الاميركي بهذه الحقائق في المنطقة هو الذي جعل ادارة كلينتون تعبر عن رغبتها في الانتقال عملياً من احتواء ايران الى تطبيع العلاقة معها. ولم تتردد اولبرايت في ارشاد ايران الى طريق التطبيع وهو قطع العلاقة بما تسميه واشنطن الارهاب والانضمام الى خيار السلام في النزاع العربي - الاسرائيلي. أبدت واشنطن استعدادها لاتخاذ القرار لكن رقصة التطبيع تحتاج الى اثنين، اي الى قرار ايراني ايضاً. والواقع ان مصير التطبيع مع الولاياتالمتحدة مرتبط بمسار معركة واسعة في طهران بدأت عملياً مع انتخاب الرئيس محمد خاتمي. فمصير "حوار الحضارات" لا ينفصل في النهاية عن بناء دولة القانون وإعادة بناء المجتمع المدني. اي عن حسم عملية الانتقال من منطق الثورة الى منطق الدولة. وهنا لا يمكن انكار حصول قدر من التغيير سهل لادارة كلينتون ارسال اشاراتها الاخيرة. لكن هذا القدر من التغيير ضاعف رغبة المحافظين في استنزاف خاتمي الذي اضطر الى الرد على تحدي عزل وزير الداخلية المقرب منه بتعيينه نائباً له. يبقى ان المباراة الحاسمة ستدور خلال الشهور المقبلة على الملعب الايراني نفسه. ووحده فوز خاتمي في المباراة يضمن عودة ايران لاعباً طبيعياً ومقبولاً على الملعبين الاقليمي والدولي.