هل هناك صفقة إيرانية- اميركية؟ وهل هناك محادثات أم مفاوضات إيرانية- أميركية؟ اسئلة قد تثير بعضهم بخاصة ممن يضعون العلاقة بين الطرفين في اطار المواجهة التي لا خيار سواها. وقد تأتي الإجابة عن هذه الأسئلة محتكمة للنفي، بخاصة من جانب الأطراف التي تضع المسألة في إطار التوتر، وغياب الظروف الملائمة لعقد محادثات أو صفقات، لكن مراجعة لتاريخ العلاقة تكشف أن المحادثات والصفقات كلها جاءت في أوج حالات الاحتقان والتراشق والسُباب السياسي. لنا أن نتصور مشهداً لشخصين على خلاف، لكن بينهما منافع ومصالح مشتركة، تجبرهما على ركوب حافلة واحدة أحياناً، يستفيدان من كل أساليب الارتباط ليُطلع كل طرف الشريك الإجباري بما يريد، لكن مع الحفاظ على الهيئة المتجهمة والعابسة في وجه الطرف الآخر، ومع المواظبة على إيصال رسالة الى الآخرين بأنهما لن يتنازلا مطلقا. وهذا المثال يصدق على إيران وأميركا. فطوال اكثر من 30 سنة من القطيعة، كانت هناك مواقف مشتركة وجلسات حوار وحديث شفاف عن المواقف، والوقوف بحياد، وتبادل رسائل التهنئة أحياناً والنصيحة أحياناً أخرى والدعوة إلى مناظرة أحياناً أخرى من دون أن تغيب عن المشهد لهجة التهديد والوعيد. رجال الثورة يحاورون الأميركيين في 1980 جرت محادثات بين مسؤولين أميركيين وعدد من رجال الثورة الإيرانية أبرزهم الدكتور بهشتي، حيث أوصل للأميركيين رسالة بأن استقبال الشاه سيكون حافزاً على تقوية مشاعر العداء لأميركا لدى الشعب الإيراني، وأن اي محاولة للانقلاب على الثورة ستكون اميركا مسؤولة عنها بسبب نفوذها العميق داخل صفوف الجيش الإيراني. أعقب ذلك لقاء بروس لينغلن وهنري بيركت مع رئيس الوزراء الإيراني مهدي بازركان ووزير خارجية الثورة في ذلك الوقت ابراهيم يزدي، حيث نقلا إليها رسالة بأن قبول الشاه على الأراضي الاميركية جاء لأسباب انسانية، وكان جواب يزدي أن استقبال الشاه أخرج الأمور في إيران عن السيطرة. تكرر لقاء المسؤولين الإيرانيين مع الطرف الاميركي في احتفالات الذكرى ال 25 لانتصار الثورة الجزائرية حيث جرت محادثات بين مهدي بازركان وإبراهيم يزدي ومصطفى جمران الذين حضروا الاحتفال، وبريجينسكي المستشار الأمني للرئيس الاميركي جيمي كارتر، وكانت هذه المحادثات قبل ثلاثة أيام من السيطرة على السفارة الاميركية في طهران. كانت للكشف عن هذه المحادثات تبعاته على حكومة بازركان، حيث تصدى له حزب جمهوري اسلامي الذي أُسس على يد عدد من قادة الثورة ووجه بياناً ومساءلة لبازركان حول ما إذا كان اللقاء مع بريجينسكي ينسجم مع الحركة الثورية للشعب الإيراني، وقد يكون ذلك الشرارة التي أشعلت مشكلة احتلال السفارة. ووجهت أحزاب إيرانية رسالة لبازركان تقول فيها إن السياسة الاميركية لن تتغير إلا بإقدامات ثورية وسياسية. وعلى رغم حديث المعارضين عن أن هذه المحادثات أُجريت من دون علم آية الله الخميني، إلا أن ابراهيم يزدي أعلن صراحة أن احتمال اللقاء مع مسؤولين اميركيين كان وارداً وتم وضع الخميني في صورة هذه الاحتمالية. وفي النهاية قادت أولى المحادثات إلى احتلال السفارة الاميركية، وإن كانت هذه المحادثات لم تصل إلى نتيجة في شأن 21 بليون دولار هي أرصدة إيران لدى اميركا، إضافة إلى مصير الشاه، فهي قادت إلى قطع العلاقات بين الجانبين. بعد عام على ذلك، كان رئيس الحكومة محمد علي رجائي يصل إلى قناعة بضرورة حل مشكلة الرهائن، وتم قبول وساطة الجزائر مما ادى إلى اطلاق سراحهم. بعد ذلك بسنوات كان المستشار الأمني لرونالد ريغان ماك فارلين يصل إلى طهران عام 1986 لبحث قضية الرهائن في بيروت، وعلى رغم زعم الإيرانيين في شكل رسمي بأن المسؤولين الإيرانيين رفضوا إجراء محادثات معه وفريقه، لكن إيران تلقت كمية صواريخ اميركية بعد فترة قصيرة ومن ثم أطلق سراح أحد الرهائن الاميركيين، وقالت اميركا وقتها إن المحادثات تجاوزت موضوع الرهائن وبيع الأسلحة إلى إعادة العلاقات. بعد اعتداءات 11 ايلول سبتمبر، كان الرئيس الإيراني محمد خاتمي يتقدم بالتعزية الى الشعب الاميركي، ومع أن حكومة كلينتون ارسلت رسائل عدة تعبّر عن رغبتها بالحوار والتفاوض مع إيران وإعادة العلاقات، إلا أن حكومة خاتمي لم تستجب لذلك، ولم يفلح الاعتذار الرسمي الذي قدمته وزيرة الخارجية الاميركية عن دور بلادها في إسقاط حكومة مصدق الوطنية، في جعل خاتمي يصافح كلينتون، ويقال إنه لجأ إلى الدورة الصحية في ممر الأممالمتحدة حتى لا يضطر إلى مصافحة كلينتون. وقبل الحرب على افغانستان، كانت محادثات سرية طويلة تجرى بين مسؤولين اميركيين وإيرانيين كما يكتب رايان كروكر في مذكراته، واستمرت المحادثات أيضاً حول موضوع الحرب في العراق. مع مجيء نجاد إلى السلطة، ومن دون خوف من أي رد فعل، وجه خطاب نصيحة إلى بوش في أيار مايو 2006، لكن الرسالة التي تكونت من 18 صفحة لاقت استقبالاً بارداً من الطرف الاميركي. فهي لم تحمل أي مقترحات في شأن الموضوع النووي الإيراني، وإنما حملت مجموعة عظات... وقرأتها الصحافة الاميركية على أنها رغبة إيرانية في فتح باب للتفاوض. مع مجيء اوباما إلى الرئاسة واصل نجاد محاولات التقارب من خلال رسالة تهئنة لم ترض المحافل الأصولية في إيران. وخلال السنوات الأخيرة، عقدت طهران محادثات مع الطرف الاميركي في شأن العراق وأفغانستان، ولا يوجد ما يمنع محادثات في شأن سورية أيضاً. وفي الحديث عن صفقة استراتيجية مفترضة بين الجانبين، لا بد من العودة أولاً إلى حقيقة الموقف الإيراني من العلاقة، ويجدر هنا التوقف عند تصريحات صدرت أخيراً عن هاشمي رفسنجاني، في اجابة عن سؤال حول العلاقة مع اميركا، إذ يقول مستعيراً عبارة من ونستون شرشل:"بالنسبة الينا، ما من عدو دائم أو صديق دائم، الدائم لدينا هو مصالحنا الوطنية". ويعتقد رفسنجاني الذي بدأ يستعيد حضوره على الساحة الإيرانية بعد الدفع بنجاد بعيداً من دائرة مقربي المرشد، أن هذا الشكل من العلاقة لا يمكن أن يستمر، فأميركا هي القوة الأولى في العالم، وما دامت لدول مثل الصينوروسيا حوارات وعلاقات مع اميركا، فلماذا لا يكون لنا كذلك؟ الحقيقة أن تصريحات رفسنجاني في هذا الوقت بالذات، تأتي منسجمة مع حالة نقاش عام في إيران ترمي إلى القبول بالحوار مع اميركا، بمعنى أن المفاوضات لا تعني الاستسلام للإرادة الاميركية. وإذا كانت فكرة الولاء والبراء المستمدة من القرآن هي التي حكمت جزءاً كبيراً من التوجه الإيراني نحو العلاقة مع واشنطن، فالآراء المرحبة بالتفاوض اليوم تقول إن"الاسلام لم يأمرنا بقطع العلاقة مع من يختلفون عنا في العقيدة". مع تلك الدعوات، ما زالت إيران تنظر بعين الشك إلى سلوك اميركا السياسي نحوها... ولذلك، فإن أي صفقة مفترضة يجب أن تركز من وجهة النظر الإيرانية على حدوث تغيير فعلي في السياسية الاميركية يرتكز على محاور عدة أهمها: توقف الإدارة الاميركية عن القيام بأي فعل هدفه اسقاط النظام في إيران، احترام وحدة الأراضي الإيرانية، القبول بمشروعية دور إيران في المنطقة. وفي هذا السياق، تتعامل إيران مع ملفات العراق وأفغانستان كبالونات اختبار لما يمكن أن يقود إليه التفاوض مع الولاياتالمتحدة. في الخطاب الإيراني على هذا الصعيد، لا بد من القيام بعملية تفكيك بين ثلاث مقولات في ما يتعلق بالعلاقات الإيرانية- الاميركية وهي: 1- المفاوضات. 2- العلاقات الديبلوماسية. 3- العلاقات الحسنة. ان صفقة مقبلة بين الطرفين لا تعني بالضرورة الوصول إلى العلاقات الحسنة بقدر ما يمكن وصفها بالإقرار المتبادل بمصالح كل طرف. والملاحظة التي يمكن التوقف عندها، هي أن الجميع بمن فيهم من ينظرون عقائدياً وفكرياً الى خيار القطيعة يحمّلون الطرف الاميركي مسؤولية قطع العلاقات، ويعتقدون أن الخطأ الاميركي حدث منذ أن قررت الولاياتالمتحدة قطع العلاقات مع إيران. لا تريد إيران لعلاقتها مع الولاياتالمتحدة أن تكون"علاقة الذئب بالحمل"، فأميركا من وجهة النظر الإيرانية تمارس سياسة سلطوية، والشروط الأربعة التي وضعتها للعلاقات مع إيران - وهي: رعاية حقوق الإنسان، عدم دعم الإرهاب، عدم السعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وعدم التدخل في عملية السلام بين العرب وإسرائيل - تصب في هذه الخانة، وطوال تاريخ العلاقة لم تتعامل الولاياتالمتحدة مع إيران كدولة مستقلة. وعلى رغم محاولات عدد من الساسة الإيرانيين إحداث تقدم على مستوى عودة العلاقات، إلا أن السياسة الإيرانية في المجموع وبخاصة على صعيد قيادة الثورة لم تكن لديها رغبة قوية لإقامة علاقات مع الولاياتالمتحدة الاميركية. يصف الطرف الإيراني نمط التعامل الاميركي بأنه غير عادل، فاشتراط وقف الدعم عن"حزب الله"والمقاومة الفلسطينية مقابل إنهاء المقاطعة والعقوبات الاقتصادية هو أسلوب غير مناسب ومعاملة غير عادلة. والسؤال الذي رافق على الدوام مشكلة العلاقات الإيرانية- الاميركية، ويطرح اليوم بقوة هو: إذا كان استئناف العلاقات أو إدامة القطيعة هو الذي يصب في مصلحة الشعب الإيراني؟ دعوة الى الحوار؟ على رغم حديث المصالح الذي يعلو الآن، فإن الحديث عن الاحترام المتبادل ودعوة إيران للحوار أمر يحدث للمرة الأولى، لا تستطيع إيران تجاهله. والسؤال الذي يطرح نفسه هو امكانية حدوث تسوية أميركية - إيرانية من دون تقديم ضمانات تكفل أمن الدولة العبرية ومصالحها. وهل يمكن أن تحدث إيران تغييراً كبيراً في ايديولوجيتها لإنجاح ذلك؟ وإن كان الجواب بالنفي، فإلى أي مدى يمكن كلاً من الولاياتالمتحدة والجمهورية الإسلامية فصل المسارين مع إسرائيل، بخاصة أن إيران تشكل بالنسبة الى إسرائيل عدواً وجودياً، خلافاً للحال مع أميركا حيث العداء مصلحي. على صعيد الخطاب السياسي الإيراني، فإن هذا الخطاب لا ينبئ بأن إيران ستسجل تراجعاً في ما يتعلق بموقفها من إسرائيل. ولذلك، فإن وقف الدعم ل"حزب الله"ليس مطروحاً كخيار في إيران بصرف النظر عن توجه الجناح الحاكم لإيران، وذلك ما يعبر عنه علي رضا سالاري، رئيس طاولة اميركا الشمالية في وزارة الخارجية الإيرانية بقوله: إيران التي أعرفها ليس فقط لن تعترف بإسرائيل كدولة بل ولن تقيم علاقات معها. ورفض الاعتراف هذا لا يأتي من فراغ، لأنه إن حدث فسيعني إفراغاً للثورة من مضمونها. وإن كان تطبيع العلاقات مع واشنطن قد يعود بالنفع على الجانبين، إلا أنه قد يكلف طهران ثمناً سياسياً باهظاً، فالعداء مع اميركا بوصفها رأس الاستكبار وعدو المستضعفين، هو من القواعد الأساسية للثورة الإسلامية، واتساع الخلاف والمواجهة مع واشنطن سيمكّن الحكومة في طهران من تعزيز جبهتها الداخلية، سواء في حشد أنصارها أو لجم معارضيها. ينظر خامنئي الى التصريحات الاميركية والمتضمنة الرغبة في التفاوض على أنها لا تعدو"كونها خدعة"، ويسخر من اعتقاد البعض بأن"التفاوض سيزيل العداء"، فالخصومة من وجهة نظره لا تزول بالتفاوض. وفي موضع آخر، يشرح أسباب رفض المحادثات لأكثر من مرة ويخلص إلى أن إيران وصلت إلى نتيجة بعد تفحص تجارب الدول الأخرى ومشورة أصحاب الاختصاص، فالتفاوض مع الولاياتالمتحدة الاميركية يتنافى مع المصالح الوطنية الإيرانية ويتعارض بالتالي معها. والسبب في رأيه هو الاستكبار، فالمستكبر عندما يجري محادثات مع دولة أخرى، فذلك لا يعني أنه سيقبل وجهة نظرها، ?والاستكبار ليس وحده السبب، فخامنئي يرى في العلاقات والمفاوضات مع"دولة تعمل وتخصص موازنة للإطاحة بنظام الحكم في إيران حماقة وخيانة". لكن خامنئي لم ينف قيام علاقات بصورة قطعية وإنما أبقى الباب موارباً جاعلاً المسألة محكومة بمصلحة إيران، وسبق أن قال خامنئي في حديث للنخب الثقافية في مدينة يزد عام 2007: العلاقة مع اميركا في الوقت الحاضر لا تحمل أي نفع لإيران، ولكن في اليوم الذي ستكون فيه العلاقات ذات نفع للشعب الإيراني سأكون أول شخص يؤيد ذلك. يطرح منظرو التقارب اليوم فكرة تقول: نحن لا نقول إن اميركا والجمهورية الإسلامية يجب أن تكونا دولتين صديقتين، لكن الطرفين يجب أن ينظرا إلى هذه القضية في شكل منطقي. فالولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي كانت بينهما حرب باردة، لكن اكبر سفارة لروسيا كانت في واشنطن وأكبر سفارة لأميركا كانت في موسكو. وفي المجمل، فإن أي صفقة أو مفاوضات ستكون مرتكزة على عدد من القضايا: الملف النووي الايراني: تتخذ قضية"الغرور الوطني"أو العزة الوطنية مكاناً بارزاً في الخطاب الإيراني وترتبط بصورة أساسية بالملف النووي، وقد ربط خامنئي بصورة علنية بين الموضوع النووي والعزة الوطنية، وأظهر استطلاع للرأي أُجري عام 2011 أن 98 في المئة من الإيرانيين من بينهم معارضون للنظام يعتبرون التمسك بالطاقة النووية حقاً وطنياً لإيران. ولذلك فليس مبالغة القول إنه لا يوجد زعيم في إيران يمكنه التراجع أو تقديم تنازلات في الموضوع النووي. ما تريده إيران على هذا الصعيد هو القبول بها دولة نووية، ترى طهران أن"الإقرار بحقها في تخصيب اليورانيوم على اراضيها"هو الدليل الذي تريده كعلامة على صدق النيات. وتعتقد إيران أن الفتوى الصادرة على مرشد الثورة علي خامنئي في هذا الشأن هي الضمانة التي يطلبها الغرب وأميركا. وتؤكد الفتوى حرمة صنع وتخزين واستخدام السلاح النووي الذي يؤدي الى ازهاق ارواح بريئة او الإضرار بها وبالبيئة على المدى الطويل، معتبراً ان المبدأ الدفاعي في ايران لا يعتمد على اسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والجرثومية. قطاع النفط والغاز: تريد إيران على هذا الصعيد الحصول على ضمانات تحد من سعي الولاياتالمتحدة التي تجهد للسيطرة على حقول النفط والغاز في تركمانستان في شكل جدي منذ عقد من الزمن، وتخطط لأنابيب نفط من تركمانستان عبر أفغانستان لتصل إلى بحر العرب، ولخط غاز من تركمانستان إلى باكستان مروراً بأفغانستان، وذلك للحد من النفوذ الروسي والإيراني في هذه المنطقة. ولذلك، تريد إيران تراجع اميركا عن اجهاض خط الغاز بين إيران وأفغانستان، كما تريد انجاز مشروع خط النفط الذي يجمع بين تركمانستان وإيران وصولاً إلى بحر العرب، وذلك كفيل بتخليص إيران من قلقها الذي يتعاظم مع تعاظم حضور الولاياتالمتحدة في المناطق الحساسة والاستراتيجية في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز تحت غطاء"الناتو"من خلال معاهدات واتفاقيات اقتصادية وسياسية. أمن منطقة الخليج والوجود العسكري الاجنبي: تبدو قضية الأمن بخاصة في منطقة الخليج هاجساً ملحاً بالنسبة الى إيران ومخططي سياستها، وخلال السنوات الخمس الماضية تكررت الدعوات الى ضرورة التوصل الى إتفاقية أمنية في الخليج، وتقول هذه الدراسات إن التحديات القائمة لا يمكن الجمهورية الإسلامية مواجهتها إلا بترتيبات أمنية واقتصادية وسياسية تتم بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. ترى طهران أن السياسات الأمنية والعسكرية للولايات المتحدة في منطقة الخليج ووجود قواتها المكثف بعد عام 1990 سبب اساسي في تعزيز مأزق الأمن في هذه المنطقة، وتقف عائقاً يضعف السعي للتقارب بين ايران والدول العربية. وتريد إيران من اميركا ألا تستثنيها من اي اتفاق أمني في شأن هذه المنطقة. أفغانستان إيران قلقة مما سيرتبه الخروج الاميركي من أفغانستان على الصعيدين الأمني والسياسي، على رغم دعوتها المتكررة لخروج القوات الأجنبية من هذا البلد، وتؤكد أن"أمن افغانستان هو أمن إيران". ومنذ أن دخلت الحكومة الأفغانية في محادثات مع الولاياتالمتحدة الأميركية"لتقنين الوجود العسكري الخارجي في أفغانستان"وإيران لا تكف عن الحديث عن التأثيرات الخطيرة لهذا التطور، بخاصة مع تزايد الحديث عن بقاء قواعد عسكرية أميركية في أفغانستان، حيث ستبقي الولاياتالمتحدة الأميركية قواعد عدة في نقاط إستراتيجية في هرات وقندهار ومزار شريف وبغرام ولغمان. ويدور النقاش حالياً حول عدد هذه القواعد بين ثلاث وخمس وسبع قواعد ستستقر في مناطق عدة من أفغانستان. ولن تقبل واشنطن بأقل من ثلاث قواعد، لأن روسياوالصينوإيران والهند ودول آسيا الوسطى تقع في دائرة الإستراتيجية الأميركية التي تحاك في أفغانستان، وستكون قاعدة بغرام أهمها إذ تعد القاعدة الاميركية الأهم في أفغانستان بسبب تجهيزاتها المتقدمة، والمساحة التي تقوم عليها والتي تتجاوز 20 هكتاراً. وبلغت تكلفة اقامة هذه القاعدة أكثر من 200 مليون دولار، وتضم سجناً مخفياً يحتجز فيه 700 سجين، تجرى فيه عمليات استجواب وتحقيق. وتقول إيران إن الولاياتالمتحدة توظف هذه القاعدة لإنجاز المهمات السرية وتطبيق سياستها تجاه دول المنطقة. وتؤكد أن طائرة التجسس من دون طيار التي اسقطتها أُطلقت من قاعدة في أفغانستان يرجح أنها بغرام. أخيراً، أعلنت طهران إلقاء القبض على جاسوس اميركي تلقى تدريباً في هذه القاعدة. وتصف إيران هذه القاعدة بأنها"تهديد أمني"لجيران أفغانستان. وما زال يتواجد على الأرض الأفغانية ما يتراوح بين 150 إلى 160 ألف جندي من 37 دولة، ومع تنفيذ المعاهدة سيتخذ الوجود الأميركي شكلاً أكثر تحديداً سواء من حيث الموقع أو عدد الجنود، وأياً يكن هذا الشكل، فإنه سيشكل تحدياً أو تهديداً أمنياً أو إستراتيجياً للدول المجاورة وفي مقدمها إيران. وتبدي طهران قلقاً من نص مبهم في المعاهدة يقول إن أفغانستان"لن تكون منطلقاً لعمل عسكري اميركي ضد دولة أخرى"، ويتعلق السؤال بإمكانية أن تكون أفغانستان نقطة عبور أو توقف في أي عمل عسكري اميركي ضد إيران. كما أن الإبهام ما زال يحيط بموضوع القواعد العسكرية وكذلك الوظائف والأدوار التي ستضطلع بها هذه القواعد. ويبدو أن القلق الإيراني يأخذ في الاعتبار ما يجري على حدودها الشمالية مع اذربيجان، خصوصاً أن القاعدة الجوية الاميركية هناك هي"الحل"الذي تتحدث عنه اسرائيل على صعيد تزويد طائراتها بالوقود اثناء شن هجوم على إيران. وتربط إيران بين الوجود الاميركي على حدودها الشرقية في أفغانستان والوجود الذي يتعزز بالقرب من حدودها الشمالية، آخذة في الاعتبار السياسات الاميركية في منطقة بحر قزوين، التي تسعى إلى عزل ايران، ومد خطوط النفط من أذربيجان إلى تركيا في الغرب، وتعزيز حضورها العسكري المباشر في تلك المنطقة، فضلاً عن تعزيز وجودها في بلدانها المستقلة حديثاً نسبياً. النفوذ الايراني في العراق يحتل العراق مكانة مهمة في الإستراتيجية السياسية الإيرانية، إن لم يكن هو الأهم. وتهتم إيران في صورة أساسية بأن يبقى الشيعة من الاتجاهات السياسية المناصرة لها على رأس هرم السلطة والأكثر تأثيراً. وعلى رغم كون العراق يعيش حالياً حالة من الضعف وعدم الاستقرار السياسي، لكن موقعه الجيوبوليتيكي، وموقع العراق الحساس من جسم الأمة العربية ودوره في خلق التوازن الإقليمي في مواجهة القوى الأخرى غير العربية وفي مقدمها إيران، يبقى صاحب الدور الكبير في تعيين الرؤية المستقبلية للعراق. تتخذ الإستراتيجية الإيرانية صفة الواقعية العملية الرامية الى تحقيق وحماية مصالحها في العراق، وهذه الإستراتيجية تصاغ بتأثير: الموقف من المنافسين إقليمياً ودولياً، التغيرات في شمال العراق، قوة الشيعة سياسياً، المشكلات الحدودية وقضايا الخلاف. والعراق إلى اليوم من الممكن أن يشكل تهديداً للمنافع الوطنية الإيرانية. وتتراوح الإستراتيجية الإيرانية بين"تحقيق الأمن"و"صناعة الفرصة". سورية: ما زالت إيران ببعدها الرسمي، ممثلة بالمرشد الأعلى للثورة والتيار الأصولي وعدد من المرجعيات الدينية تؤيد الحكومة السورية منذ بداية الثورة، وتعتقد أن: - الثورة في سورية لا تملك شرعية الثورات العربية الأخرى. - الثورة في سورية مرتبطة بالخارج. - الحكومة السورية ما زالت تتحكم بالأوضاع ولن يكون مصير نظام الحكم فيها مشابهاً لما جرى لأنظمة زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي. - استخدم التيار الأصولي الإيراني، مصطلحات مماثلة للمصطلحات التي استخدمت في مواجهة حالة الاحتجاج التي شهدتها إيران عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009. ومن هذه المصطلحات مصطلح"الفتنة". لكن الخطاب الأصولي الإيراني تجاه الثورة في سورية لم يبقِ على ثباته، وشابه بعض التغيير، حيث جرى توجيه نقد مبطن لأداء الحكومة السورية على صعيد تنفيذ الإصلاحات. وعقدت إيران لقاءات مع المعارضة السورية، وطالبت بإجراء انتخابات حرة تضمن التعددية، لكنها ظلت تصر على منح وقت للأسد. وتقف ايران بقوة امام التدخل العسكري الخارجي في سورية، وأرسلت رسائل تهديد واضحة بأن هذا الخيار يعني حالة حرب مع إيران. ستواجه سورية عقوبات وحصاراً، وستقوم إيران بمواصلة تقديم الدعم المالي والسياسي للنظام السوري، وستقدم له خبراتها في مجال مواجهة العقوبات الاقتصادية والعسكرية، وسيكون للنفوذ الإيراني في العراق دوره في الالتفاف على العقوبات وكسر الحصار المفروض على دمشق. لكن ذلك يعني أيضاً أن تفتح إيران المجال لروسيا ليكون لها مزيد من النفوذ في سورية. وقد تسعى إيران إلى محادثات مع المعارضة السورية، تحصل من خلالها إيران على ضمانات تحفظ بعض نفوذها، واستمرار وصول دعمها ل"حزب الله"، مقابل أن ترفع طهران حمايتها عن الأسد وتدخل في عملية مفاوضات مع تركياوروسيا وربما اميركا لترتيب مرحلة ما بعد الأسد. وهذا السيناريو وإن كان ليس المفضل بالنسبة الى طهران، إلا أنه خيار ستسعى إليه إن وصلت إلى قناعة بأن النظام السوري ساقط لا محالة. ويقال إن الرسالة التي حملها اردوغان من اوباما إلى خامنئي تضمنت في جزء منها دعوة اميركية لحل الأزمة في سورية بتعاون الأطراف المؤثرة مثل اميركا وروسياوإيران. وفقاً لعملية التفكيك السابقة، فالحديث عن تسوية أميركية- إيرانية قد لا يقود إلى مصالحة، وربما لن يتجاوز استئناف العلاقات، لكن الصفقة محتملة على قاعدة تفاهمات تشمل مناطق النفوذ والترتيبات الأمنية والحصص الاقتصادية، والملف الإسرائيلي لن يكون تفصيلاً عابراً فيها. موقف الخميني من أميركا القول بأن الخميني كان يرفض العلاقات مع اميركا بالمطلق يجانب الحقيقة. كان الخميني يرى أن العلاقات القائمة بين واشنطنوطهران، هي علاقات"السادة بالعبيد، ولذلك لا بد من تغييرها لتصبح علاقات سليمة"، كما ورد في كتابه"صحيفة النور"، واذا لم يكن تغييرها متاحاً فلا حاجة لها، وكان يردد:"ماذا نفعل بالعلاقة مع اميركا؟ نحن لا نحتاجها، هم الذين يحتاجون العلاقات معنا". وفي خلاصة، نستطيع القول إن خطاب الخميني -الذي ما زال حاضرا بقوة إلى اليوم- تجاه الولاياتالمتحدة الاميركية لم يكن يرفض العلاقة بصورة مطلقة، لكنها كانت مشروطة بألا تكون قائمة على التبعية، ووضَعَ حدوداً واضحة وحادة بين العلاقة والتبعية. وحدد الخميني خمسة شروط للعلاقات السليمة والحسنة: الاحترام المتبادل ? حق تقرير المصير ? اجتناب اي شكل من أشكال إعمال السلطة أو البحث عنها ? حفظ المنافع الوطنية ? تحقيق العدالة. يرى الخطاب الإيراني في أغلبه، أن مسألته مع الولاياتالمتحدة الاميركية هي مسألة"الاستكبار والاستضعاف"، وترى إيران أنها تقف في جبهة المستضعفين في مواجهة الجبهة الأخرى"المستكبرين"، مع ملاحظة أن إيران وإن كانت تدّعي حماية المستضعفين، إلا أنها تتحدث عن نفسها دائما كمستضعف. ويقول رفسنجاني في مقابلة نشرتها فصلية الدراسات الدولية، إنه قام في السنوات الأخيرة من عمر الامام الخميني، بمخاطبته من خلال رسالة خطية، طرح خلالها سبعة موضوعات، نصح الخميني بأنها يجب أن تُحَلّ في حياته، لأنها بغير ذلك ستتحول إلى معضلة، وكان في مقدم هذه الموضوعات العلاقة مع اميركا.