في ظرف اسبوعين تقريباً، زار الرباط ابيل ماتوتيس، وخايمي مايور اوريخا، وخافيير أريناس وزراء الخارجية والداخلية والعمل الاسبان، فيما ينتظر ان يبدأ رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا ازنار زيارة رسمية للمغرب في اذار مارس المقبل، يرأس خلالها مع نظيره المغربي الدكتور عبداللطيف الفيلالي القمة المغربية - الاسبانية الرابعة في سياق تطبيق مقتضيات معاهدة الصداقة والتعاون المبرمة بين البلدين في تموز يوليو 1991. وتعكس هذه الزيارات عزم الجانبين المغربي والاسباني على تعزيز العلاقات الثنائية في اعقاب مرحلة من الفتور نتيجة الاجراءات التي قامت بها السلطات الاسبانية لتشديد مراقبتها للحدود مع المغرب عبر مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين، اضافة الى الخلافات على اتفاقية الصيد البحري. وإذا كانت زيارة اوريخا قد استهدفت في الأساس طمأنة الرباط حيال التدابير الأمنية الاسبانية على الحدود، فإن زيارة ماتوتيس أعطت الأمل في انقشاع التوتر الذي خيم على أجواء البلدين بعد سلسلة احداث خلفت موجة استياء في الرباط كان آخرها الاعلان عن انضمام اسبانيا الى الجهاز العسكري لحلف شمال الأطلسي بما يجعل قيادة للحلف في المنطقة التي تتولاها مدريد تشمل مدينتي سبتة ومليلية وجزر الخالدات وهي أجزاء مغربية محتلة مافتئت الرباط تطالب بعودتها الى السيادة المغربية. وجاء ذلك الاعلان في اعقاب لقاء الوزير ماتوتيس مع محمد عبدالعزيز زعيم جبهة بوليساريو التي تنازع المغرب السيادة على الصحراء الغربية، وهو ما جعل الرباط تلغي لقاءين مع مسؤولين اسبان رداً على ذلك الاجتماع الذي تم في قصر سانتا كروز كونه اساءة متعمدة ضد المغرب، فيما كانت الرباط قد رفضت منذ أوائل السبعينات استقبال الزعيم الانفصالي الكاناري كوبيليو، تعبيراً عن رغبتها في ان تكون لها أفضل العلاقات مع اسبانيا، فضلاً عن عزوفها عن استخدام المعارضين للحكم الاسباني كورقة ابتزاز. وما زاد في تعكير الأجواء المغربية - الاسبانية، قيام سلطات مدريد بتعزيز وجودها العسكري في سبتة ومليلية بذريعة وقف تدفق المهاجرين السريين، حيث تم نشر حوالى 600 جندي اسباني على الشريط الحدودي لمليلية و200 آخرين في مدينة سبتة للمشاركة الى جانب عناصر من الحرس المدني الاسباني في مهمات المراقبة بغية جعل المناطق الحدودية "حاجزاً يتعذر على المهاجرين السريين اختراقه". وكما هو متوقع، فتحت هذه الاجراءات الأبواب لمواجهة ديبلوماسية بين البلدين، على رغم سعي مدريد الى التقليل من أهمية وجودها العسكري هذا، واعتباره "حدثاً ظرفياً في سياق الأنشطة المدنية التي ينفذها الجيش"، وليس بهدف اضفاء طابع عسكري على الوجود الاسباني في المنطقة، لكن ذلك لم يمنع الأوساط السياسية المغربية من التعبير عن قلقها من الخطوة الاسبانية والنظر اليها بحذر شديد. ومن المؤكد ان ظهور ردود فعل رافضة من المغرب دفع الحكومة الاسبانية الى بحث انعكاسات هذه التطورات على محور علاقات الرباط - مدريد، خصوصاً في ضوء تزايد الاهتمام الاسباني بقرار المغرب انهاء اتفاق الصيد البحري المبرم مع الاتحاد الأوروبي، ذلك ان الاتجاه الذي كرسته علاقات البلدين في السنوات العشر الأخيرة، يعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية حيث كان من نتائجه ارتفاع مفاجئ للاستثمارات الاسبانية في المغرب، وبالتالي استفادة المغرب بشكل رئيسي من صندوق دعم التنمية الاسباني، كما يظهر ارادة الحكومة الاسبانية الحالية التي يرأسها خوسيه ماريا ازنار زعيم الحزب الشعبي اليميني في اعتماد هذا النهج الذي تبلور في عهد حكومة فيليبي غونزاليس الاشتراكية لتطوير العلاقات مع المغرب، واستمرارها على الشكل الذي سارت عليه خلال سنوات التفاهم والتعاون الأخيرة.