على رغم استعدادات التيارين الاصلاحي والمتشدد في ايران لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة في 18 الشهر الجاري، فالأرجح أن تأتي النتائج غير حاسمة وغير متناغمة مع ما تعمل من أجله وتنتظره تيارات الاصلاح الايراني. من دون شك، لا يستبعد هذا الكلام فوز الاصلاحيين، لكنه يعني أن الفوز، في حال تحققه، قد لا يتجاوز نسبة ضئيلة. بل ان النسبة قد تفقد معناها نتيجة الفوز المنتظر للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي يتوقع ان يتبوأ كرسي رئاسة البرلمان. والواقع ان هذه الصورة المرجحة لنتائج الانتخابات المقبلة لم تكن واردة قبل عام. بل ان القسم الأعظم من المراقبين للشأن الايراني كان يرى ان الاصلاحيين هم رواد مستقبل ايران وصانعو قوانينها ودستورها. والواقع ان الرئيس محمد خاتمي نفسه عاش، بل لا يزال يعيش، على أمل أن يفضي هدوءه ورباطة جأشه السياسي وتجنبه الصراعات الجانبية، الى ضمان فوز تياره في الانتخابات. والأرجح أنه اعتقد ان مثل هذا الفوز سيطلق يده، الى حد بعيد، في تنفيذ برامجه الاصلاحية بعد انتقال مؤسسة البرلمان من أغلبية يمينية الى أغلبية مؤيدة له. والسبب الأول في تحول الأوضاع لغير صالح خاتمي يكمن في أن الأخير لم يستطع الاحتفاظ بلحمة الائتلاف الواسع الذي التف حوله في الانتخابات الرئاسية في 1997. والواقع ان هذا الائتلاف كان صعباً ومعقداً ولم يكن من الأكيد أن يستطيع هو، أو أي اصلاحي آخر، ان يحتفظ به في ظل اجواء ايرانية لا تني تتأزم. وللتذكير يمكن الاشارة الى أن الائتلاف ضم متشددين سابقين من أقصى اليسار الديني كمحمد محتشمي ومهدي كروبي وخوئينيها ومسؤولين مباشرين عن احتجاز الرهائن الأميركيين في 1978، ويساريين ومثقفين دينيين في الجامعات تمتزج توجهاتهم الدينية بشعارات ليبيرالية وثورية يصعب التمييز بين حدودها، الى دينيين مختلفين مع المرجعية الدينية الراهنة نتيجة أمور فقهية لا تمت الى أفكار الاصلاح وتوجهاته بصلة، فضلاً عن اصلاحيين من مدرسة رفسنجاني كغلام حسين كرباستشي وكوادر البناء وفائزة رفسنجاني ممن وجدوا ان ظهور خاتمي قد يغنيهم عن غياب رفسنجاني عن مسرح السياسة، وعن علمانيين وكتّاب وصحافيين لم يجدوا خلال عتمة الأوضاع الايرانية غير كوّة الاصلاح لدى خاتمي للتطلع الى المستقبل. كان التصور هو ان ينجح خاتمي في الاحتفاظ بلحمة هذا الائتلاف العشوائي. لكن التيار الديني المتشدد الذي تُعرف رموزه بدهاء سياسي غير ضئيل على رغم ان المظاهر لا توحي بذلك، نجح بإيذاء الائتلاف في العمق. والاسلوب الأول الذي انتهجه اليمين المتشدد لإضعاف بنية الاصلاح، تمثل في محاولات جرّ أنصار خاتمي الى صراعات مكشوفة ودموية في بعض الحالات. وكانت قناعة اليمين ان هذه المواجهات قد تأزّم الجو الداخلي للاصلاحيين نتيجة اختلافهم في شأن طريقة الرد على الاستفزازات. والأسلوب الثاني تمثل في استفراد القضاء، وهيكليته الأساسية يمينية محافظة، من خلال رموز الاصلاحيين آية الله منتظري وكرباستشي ووزير الداخلية السابق عبدالله نوري. وكان اعتقاد اليمنيين ان هذه الممارسات لن تضعف القبضة التنظيمية للاصلاحيين فحسب، بل ستكشف محدودية سلطة خاتمي وتؤلب انصاره عليه نتيجة اتضاح عجزه عن حماية أطراف تحالفه الفضفاض. والأسلوب الثالث تمثل في تشجيع اليمينيين بشكل غير مباشر لعصابات القتل والارهاب، عبر مؤسسة الأمن والاستخبارات والشرطة، مع تمنيات خفية بتزايد النشاطات المسلحة لمنظمة مجاهدي خلق الايرانية عبر الحدود مع العراق. فهذه الوضعية يمكن أن توحي بصعوبة أوضاع ايران اقليمياً، كما يمكن أن تفاقم تخوفات بعض تيارات الاصلاح من أن لا يفضي الانفتاح الذي يدعو اليه خاتمي الا الى انتعاش قوى "الثورة المضادة" و"أعداء الاسلام والجمهورية الاسلامية" و"مبادئ الخميني العظيمة". وهذا بدوره قد يؤدي الى نشوء خلافات بين الاصلاحيين في شأن درجة الاصلاح المطلوبة وطبيعته. لكن الأسلوب الأهم من ذلك كله، والذي أسهم في شكل جدي بتقسيم صفوف التيار الاصلاح، تمثل في تشجيع المتشددين لرفسنجاني على الترشح للانتخابات. فرفسنجاني الذي يفضل أن يقدم نفسه على أنه اصلاحي مستقل، يمكن أن يمتص قوة النفوذ الشعبي للاصلاحيين ويجمع حوله جزءاً حيوياً من الناخبين الذين التفوا في السابق حول برنامج خاتمي. وهو، في الوقت نفسه، شخصية صعبة يمكن أن يبعث ترشّحه على اختلالات عميقة بين الاصلاحيين. وهو، الى ذلك، يحرم هؤلاء كرسي رئاسة البرلمان حتى في حال حصولهم على أغلبية لافتة، نظراً لشخصيته وتاريخه وخبرته السابقة في البرلمان. والواقع ان حدس اليمينيين جاء صحيحاً. إذ لم يمض وقت طويل على ترشح رفسنجاني حتى انقسم التيار الاصلاحي فريقين: فريق أعلن تفضيله التعاون معه لدوره الأساسي في الحرب العراقية - الايرانية 1980 - 1988 وبرامجه الاصلاحية المعتدلة التي عمل من أجلها في فترتي رئاسته اللتين سبقتا رئاسة خاتمي. وفريق دعا الى رفض التعاون معه والتحوط من التحالف معه باعتباره مرشح المتشددين الذكي الذي يريد "اللعب على الحبلين" و"ركوب موجة الاصلاح" بهدف تقليص سلطة خاتمي عند تسلّمه رئاسة البرلمان. والحال ان المتشددين أبدوا براعة كبيرة حين اطلقوا سراح الكادر القيادي في حركة كوادر البناء كرباستشي قبل فترة قصيرة، بناء على توصية من رفسنجاني لا من خاتمي. فكرباستشي الذي أدى دوراً مؤثراً في فوز خاتمي الساحق في الانتخابات الرئاسية، أصبح يبدي مرارة غير قليلة نتيجة قناعته بان خاتمي تخلى عن تأييده في أصعب اللحظات ولم يعمل ما فيه الكفاية لتجنيبه السجن والاتهامات. وهذه المرارة قد تكون كافية، في حد ذاتها، لإعادته الى صف معلمه الأول رفسنجاني. ان صورة الأوضاع واتجاهات السياسة في ايران، عشية الانتخابات، تبدو غامضة ومبهمة مع وجود خيط واضح من الاحباط يشق بيئة الاصلاحيين نتيجة انقسامهم غير المعلن من جهة، ونتيجة ثقل التيار المتشدد الذي يحرص، في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ ايران الحديث، على الإيحاء بأنه أقوى مما كان في سنواته الثلاث الماضية. واخيرا فما ما يزيد في انقسام الاصلاح عودة رفسنجاني الى ملعب الانتخابات، هو المعروف في الأوساط العالمية بمهندس التصنيع العسكري الايراني وبابتسامته الصدامية ودعواته التي يصعب التفريق بينها وبين دعوات الدكتور حسن الترابي الى الاصلاح والانفتاح على العالم الخارجي.