عندما ألقي القبض على عبدالله أوجلان في روما وأعلن الخبر مدير الأمن العام التركي نجاتي بيليجان، قطعت محطات التلفزيون التركية بثها الاعتيادي وبدأت تنشر طوال اليوم التطورات والتفاصيل المتعلقة بخبر الاعتقال. وظهرت على شاشات التلفزيون أمهات الجنود اللواتي فقدن أولادهن في جنوب شرقي البلاد، بالاضافة إلى المئات من الأشخاص المعوقين الذين فقدوا أذرعهم أو سيقانهم في هذه المنطقة، وكانوا يصرخون قائلين: "احضروا هذا الشخص إلى تركيا". وكان أوجلان، زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني، قد اضطر لمغادرة سورية، كما يعتقد الأتراك، إثر ضغوط الحكومة التركية والتي وصلت إلى درجة التهديد بالحرب. وانتقل أوجلان إلى روسيا في البدء، ومنها إلى ايطاليا بعد ذلك. ولم يكن الرأي العام التركي يتوقع أن يتجه أوجلان إلى موسكو، بل أن غالبية الأتراك كانت تتوقع أن تنشب الحرب مع سورية بسبب زعيم حزب العمال الكردستاني. والتزمت روسيا الصمت ازاء التأكيدات التركية المتعلقة بوجود أوجلان في موسكو إلى حين مغادرته الأراضي الروسية. وقام رئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف قبل أن يتم إلقاء القبض على أوجلان بارسال رسالة إلى نظيره التركي مسعود يلماز أبلغه فيها أن أوجلان غادر موسكو. ومن المحتمل، بقوة، أن يكون قد قام قبل ليلة من ذلك بابلاغ تركيا برقم الرحلة والجهة التي سيتوجه إليها أوجلان. وعندما ألقي القبض على أوجلان في روما، لم تتصل السلطات الايطالية بالجهات التركية التي يجب أن تخاطبها في مثل هذه الحالات. بل اتصلت بالسلطات الألمانية التي تبحث هي الأخرى بواسطة الانتربول الدولي عن أوجلان الذي توجه إليه تهمة اغتيال ثلاثة أتراك في المانيا. وتبلغ مدير الأمن العام التركي الخبر من زملائه الألمان عندما كان يستمع إلى محاضرة في بون تتعلق بتنظيمات الشرطة، وقام بنقل الخبر إلى أنقرة فكان وقعه كالقنبلة. كان خبر الاعتقال بالنسبة إلى أنقرة والأتراك عموماً بمثابة "العيد"، فاعتقال أوجلان الذي يوصف ب "الارهابي" في الغرب منذ حوالي عامين وينظر إليه بشكل عام كزعيم سياسي على الصعيد الدولي، كان أمراً مهماً جداً للحكومة التركية، التي تبحث عنه منذ 15 سنة. ويعتبر حزب العمال الكردستاني، الحزب الوحيد الذي استطاع ان يلعب دوراً مهماً في حركات التمرد الكردية في تاريخ الجمهورية التركية، وأن يحصل على الدعم من الشمال والجنوب والغرب، وأن يكون صوته مسموعاً على الساحة الدولية. ومع أن كل الأخبار المتعلقة بحزب العمال الكردستاني هي ايجابية بالنسبة إلى أنقرة، إلا أنها غير كافية، ذلك ان السؤال الأساسي المطروح هو: ماذا سيحدث بعد الآن؟ إن التساؤلات في هذا الشأن كثيرة. فهل توجه أوجلان إلى ايطاليا، حسبما يقول بعضهم، اثر اتفاق مسبق تم التوصل إليه بينه وبين السلطات الايطالية؟ فقد كان لافتاً ان ايطاليا سمحت قبل فترة بعقد اجتماع ما يسمى ب "البرلمان الكردي" في المنفى في أراضيها، فيما وقفت تركيا منذ البدء ضد تجزئة الأراضي العراقية وتأسيس دولة كردية في شمال العراق. لكن ألم تقم الولاياتالمتحدة قبل فترة بتقوية احتمال تأسيس هذه الدولة في تلك المنطقة، من خلال اتفاقية واشنطن التي تم التوصل إليها بين الزعيمين الكرديين مسعود البارزاني وجلال الطالباني وبجهود أميركا بالذات؟ وإذا كان هناك من يعتقد بأن واشنطن ترغب في تجريد أوجلان من هذا المثلث وترغب أيضاً في ازالة حزب العمل الكردستاني من موازين الشرق الأوسط، فإن المنطق نفسه يقود إلى الاعتقاد بأن تركيا ستفقد في هذه الحالة ورقة مهمة كانت تطرحها للوقوف ضد تأسيس دولة كردية في شمال العراق. لقد بات واضحاً أن ايطاليا لن تسلّم أوجلان لتركيا، فقد أكد ذلك رئيس الوزراء الايطالي ماسيمو داليما قائلاً: "إن ايطاليا دولة ديموقراطية، وأن القوانين الايطالية لا تسمح بإعادة أي شخص لدولة يتم تطبيق أحكام الاعدام فيها...". والاعتقاد السائد هو أن قيام ايطاليا بإعادة أوجلان لتركيا سيكون بمثابة مفاجأة. ومن ناحية أخرى تستعد أنقرة لإلغاء حكم الاعدام. ولكن بات من المفهوم ان الرد الايطالي في كل الأحوال سيكون سلبياً في شأن تسليم أوجلان. ومع أن الموقف الايطالي في شأن طلب أوجلان منحه حق اللجوء السياسي لم يتضح، فليس من المتوقع أن يتم منحه هذا الحق بسهولة. وكانت إجابات رئيس الوزراء الايطالي في هذا الصدد كالآتي: "هل سنمنحه حق اللجوء السياسي أم لا، ان اللجنة المخولة هي التي ستتخذ القرار في هذا الشأن، لكننا لا ننوي نقل هذه القضية إلى دول أخرى". ويلاحظ من خلال هذه الإجابة ان رئيس الوزراء الايطالي يرفض منذ الآن قبول الطلب الذي قد يأتي من المانيا في شأن المطالبة بتسليمها أوجلان. إلا أنه في حال قبول ايطاليا طلب لجوء أوجلان، يجب عليها أن تأخذ في الاعتبار الاضرار التي ستلحق بعلاقاتها مع تركيا. لقد انفتحت صفحة جديدة لكل من تركيا والمنطقة والأكراد مع اعتقال أوجلان في روما. وتتفق وسائل الاعلام التركية مع وجهة نظر غربية تقول: "إن أي شيء لن يكون كالسابق بعد الآن". وقد ظهرت المؤشرات الأولى لهذا التوجه في روما، فقد أكد رئيس الوزراء الايطالي أن بلاده تقف بشكل قاطع ضد الارهاب، إلا أنه ذكر بعد ذلك أنه يأمل أن يكون قدوم زعيم حزب العمال الكردستاني إلى روما في إطار تخليه عن الارهاب وقيامه بالبحث عن طريق للسلام. لكن الجهات التركية الرسمية، التي تعتبر أوجلان مسؤولاً عن مقتل 35 ألف شخص، فإنها لا تعر أي أهمية لاعلان أوجلان تخليه عن الارهاب. أما المكان الذي يمكن ان يشغله تصريح رئيس الوزراء الايطالي باللغة الايطالية، فمكانه غير معروف في هذه الصفحة الجديدة، خصوصاً أن الكتب المتعلقة بالأكراد تكتب بالانكليزية