شغل البحث في الهوية الوطنية الفنان التشكيلي العربي طويلاً، فقد كان من الهموم الأولى التي رافقت الصيغ المعاصرة للوحة التشكيلية. حتى ان هذا الهم سبق اهتمام الفنان العربي بمتطلبات أساسية ملازمة للعمل الفني. وكان أن برزت المشاغل الجماليّة متأخّرة، لتكون بيان ولادة حساسية - بل حساسيات - جديدة على الخريطة التشكليّة العربيّة. وهذا الهاجس، نجده في الأعمال الاخيرة لمنيرة موصلي "الواسطي وأنا". فالواسطي لا يحضر هنا نصاً مستلهماً، ولا انعكاساً بصرياً فحسب، بل رؤيا متكاملة، ومشروع بحث عن هويّة ابداعيّة. والفنانة السعودية، بتأكيدها على النص الذي وضعه الشاعر أحمد فرحات، والنص المكتوب بخط الفنان مكي ناصر، وبإلحاحها على الاستخدام المباشر لأعمال الفنان الواسطي، تسعى إلى انجاز عمل يكرس هذه المؤثرات النص، الخط، الصورة باعتبارها مكونات أساسية تدخل في نسيج العمل الفني وليست مدخلاً له. فالواسطي وضع ملامح مدرسة متميزة في فن الرسم، مع أنّه - برأينا - لم ينشغل طويلاً بهذا الهم. وهو بوضعه الرسوم التوضيحية لمقامات الحريري، وضع أيضاً مجمل المفاهيم البصرية المميزة لرؤيا الشرق التي تُخضع القواعد البصرية الوضعية لمتطلبات القصد الروحي، بلغة الشكل واللون والبناء بعد ان كانت مقتصرة على النص والكتابة. إسقاط قواعد المنظور ولعل من أهم خصائص الفنون الاسلامية، حساب الأبعاد البصرية وفق معايير روحية تجعل المطلق نقطة الارتكاز الأساسية للمشهد، وتستبعد بذلك كل المفاهيم البصرية للفن الغربي. ونجد منيرة موصلي تسقط من حسابها اولاً المفهوم الهندسي للمنظور، ليصبح السطح المستوي للوحة فضاء مطلقاً تتوزع فيه رسوم الواسطي كولاج والنص المكتوب بحريّة، وتتشكّل تبعاً لنسق جديد يقوم على اعتبارات مختلفة منها طبيعة العمل الفني وأدواته، بعيداً عن أي حسابات تصويرية اكاديمية. الضوء مثلاً لا يسقط على اشكال الفنانة السعوديّة من مصدر محدد، بل ينبعث من الاشكال ذاتها، ما يدفعها إلى استخدام ألوان مستحضرة محلياً تمتاز بحيويتها وحرارتها. وهي بذلك ترسّخ المناخ الخاص الذي قصدته منذ البداية في البحث عن ملامحها الخاصة، وتؤكد أيضاً اتفاق المعالجة التقنية مع خصوصية هذه الملامح، وإن بدت مغالية أحياناً في استخدام هذه الوسائط. أشياء الحياة المهمّشة اللافت في أعمال منيرة موصلي - كما يلاحظ الفنان حسين جمعان - انها بسيطة، تلتقط الاشياء المهمشة في حياتنا وتخلق منها عالمها الفني الذي يموج بسحر الدهشة. تلتقط الأشياء التي ترانا ولا نراها: نبتة، جلد، مسمار، رمل، خيش، خيوط، اسلاك، وبر... ونعجب اننا لم ننتبه إلى أهميّتها قبل أن تبعث في عمل متكامل. ان صمت المتأمل عين الكلام، والمشاهد لهذا الفن بحواسه التي انتشت يدرك هذا الاداء المبتكر لماهية الحياة وطاقاتها الابداعيّة. حين نشاهد الواسطي، تشتعل الحواس بنشوة قد يُضيء بعض أسبابها التحليل المنطقي، الا ان سرها ينطوي على اسرار اخرى: بعضها الوان الشرق المتقدة وبعضها انسياب الخطوط المرهفة ومنها الكثير... والفنانة في سيرها "السرنمي" وراء الواسطي، واطمئنانها إليه، تلتقط من التلوين شيئاً ومن النحت ومن المعالجة الغرافيكية لسطح اللوحة، ومن كل شيء بسط الواسطي عليه ظله/ ظلها... لتكون هي النص مكتوباً بلغة الواسطي