تعيش بورصات آسيا ازمة تقضم المليارات من موجوداتها، وتنعكس آثارها على معظم المراكز المالية العالمية، خصوصاً الآسيوية منها. واذا كانت هذه الازمة التي عصفت بتايلاندا وسببت تراجع مؤشر بورصة بانكوك بنسبة 50 في المئة لها بعض التفسيرات الهيكلية التي تعود الى طبيعة اقتصادها، فان انعكاساتها على اسواق المنطقة ككل لا تستند الى اي منطق اقتصادي وليست لها مبررات عضوية مرتبطة بطبيعة اقتصادات تلك الدول. وحتى لو اعتبرنا ان العولمة، بشكلها الاقليمي، تجعل الترابط بين الاسواق يبرر لعبة التراجع المترابط، فان هناك كثيراً من المعطيات التي تدعو الى التساؤل عن اسباب تفاقم هذه الازمة واتساعها على رغم تدخل الاجهزة العالمية والمؤسسات النقدية بسرعة منذ حوالي شهر، في بداية الازمة التايلاندية، على عكس ما حصل خلال ازمة البيزو المكسيكي. قبل اكثر من شهرين بدأت الضغوط على اقتصاد المنطقة الآسيوية على شكل مضاربات على عملات الدول التي يطلق عليها اسم "النمور الصغيرة" ماليزياواندونيسيا وتايلاندا والفيليبين لتميزها عن "النمور الاربعة" كوريا وتايوانوسنغافورةوهونغ كونغ. وكانت مؤشرات كثيرة تدل على تراجع نسبة النمو في بعض هذه الدول، الا انه كان من غير المتوقع ان تتسع رقعة الازمة لتصيب كل هذه الدول في الوقت ذاته، خصوصاً سنغافورة او هونغ كونغ، اللتين تعتبران قلعتين ماليتين حصينتين. واللافت ان هذه الازمة انفجرت في مرحلة مهمة جداً من حياة المنطقة السياسية، فهي جاءت بعد عودة هونغ كونغ الى الصين، وترحيب الدول الآسيوية المعنية بضلوع الصين بدور اقليمي آسيوي يوازي ثقلها المالي الجديد. كما ان الدول التي تتعرض لهذا الضغط المالي تشكل نواة مجموعة دول شرق آسيا أسيان وهي تتطلع ايضاً للعب دور اقليمي من خلال تدخلها لتهدئة الوضع في كمبوديا، وقبولها بورما عضواً في المنظمة، على رغم الضغوط الاميركية لابقاء الحصار الاقتصادي والسياسي على نظام الجنرالات في رانغون. لذلك رأى بعضهم في هذه الازمة رغبة في "تدجين" تلك القوى الاقتصادية الصاعدة، بينما فسرها البعض الآخر بوجود اسباب اقتصادية مؤهبة وعوامل ضعف في اقتصادات تلك الدول. ولا بد ان الحقيقة تكمن وراء هذين الاحتمالين المتنافرين والمترابطين في آن واحد. لقد كانت بداية الازمة عندما تراجعت العملة التايلاندية بات. والحقيقة ان خبراء كثيرين قرعوا ناقوس الخطر بالنسبة الى تايلاندا منذ فترة غير قصيرة. فهي على رغم نسبة النمو السريعة التي حققتها في السنوات العشر الماضية، مستفيدة بشكل مذهل من عملية انتقال عمليات التصنيع من اليابان والدول الغربية الى المناطق ذات اليد العاملة الرخيصة، لم تستطع ان ترافق نموها هذا بتطوير هيكلية مجتمعها الاقتصادي. وعلى عكس ما حدث في كوريا وتايوان، فهي لم تربط ارتفاع مستوى دخلها من التصنيع واعادة التصدير، برفع مستوى التعليم من جهة وتحسين مستوى الخدمات الاساسية مثل شبكات النقل والهاتف والمصارف وشركات التأمين، اضافة الى الفساد في الادارات الحكومية، وغلاء المعيشة بشكل فاحش من دون تأمين الخدمات المنتظرة. وأدى كل هذا الى تراجع القوة التنافسية للصناعة التحويلية لتايلاندا، مع بروز منافسين جدد على ساحة اليد العاملة الرخيصة، مثل فيتنام، او الصين التي بدأت بجذب صناعات هونغ كونغوتايوان الى داخل اراضيها حيث اليد العاملة الرخيصة والسوق الضخمة. ومن هنا لم يكن غريباً تفسير هذه المؤشرات السلبية في اقتصاد بانكوك بتراجع اقتصادها، وترجمة هذا التحليل حسب قواعد السوق التي لا ترحم، اي مضاربة ومراهنة على تراجع العملة التايلاندية، خصوصاً انها مرتبطة بسلة عملات مختلفة يهيمن عليها الدولار. وقد سارعت الدول المنتمية الى منظمة "آسيان" الى نجدة "البات"، غير ان المضاربين تحولوا فجأة الى المضاربة على عملات تلك الدول بادئين بالپ"بيزو" الفيليبيني، ومن ثم ال "رينغيت" الماليزي. إنهيارات متلاحقة وشهدت الفيليبين السيناريو نفسه فارتفعت الفائدة خلال أيام من 15 في المئة إلى 42 في المئة، ودفع البنك المركزي أكثر من مليار دولار في عشرة أيام للدفاع عن عملته. وكانت النتيجة الأولية تراجع البورصة في مانيلا 9 نقاط مؤشراً لانتقال المستثمرين من الاستثمار في البورصة الى سوق العملات سعياً وراء الفوائد المرتفعة. وكذلك الأمر بالنسبة الى بورصة ماليزيا التي فقدت خمس نقاط في أيام قليلة. والأمر نفسه حصل مع اندونيسيا، التي اضطر مصرفها المركزي الى التخلي عن دعم "الروبية" بطريقة غير مباشرة، وذلك بتوسيع هامش تلاعب قيمتها داخل سلة العملات من 8 في المئة الى 12 في المئة. ووصل الأمر الى سنغافورة التي يتمتع اقتصادها بنتائج باهرة وتملك من الاحتياط النقدي ما يسمح لها بالدفاع عن عملتها دولار سنغافوري، لكن تصريحات وزير المال ريشارد هو الذي أشار الى رغبة سنغافورة بترك السوق تقرر سعر العملة الوطنية، إن دلت على شيء فعلى ان سنغافورة قررت أيضاً ترك عملتها في مهب سوق المضاربات وأن المسؤولين فيها أدركوا أن العملية كبيرة ومن العبث التصدي لها بالوسائل الكلاسيكية. وعلى عكس ما حصل في المكسيك العام 1992 تدخل صندوق النقد الدولي بسرعة مع غيره من المؤسسات المالية العالمية لتجنب أزمة مالية عالمية، وتم وضع اعتماد بقيمة 3.4 مليار دولار بتصرف سلطات النقد التايلاندية stand-by credit وكذلك قدمت اليابان مساعدة بقيمة مليار دولار، وأعلنت الصين استعدادها لصرف مليار دولار آخر. ورافق هذا وضع آلية مراقبة لاقتصاد تايلاندا من قبل صندوق النقد الدولي. لكن على رغم هذه الاجراءات لم تهدأ العاصفة، وتابعت البورصات الآسيوية - والعالمية أيضاً - تراجعها. وبدأت الأزمة تأخذ منحى سياسياً. وكان أول رد فعل سياسي من قبل الرئيس الفيلبيني فيديل راموس الذي اتهم "جهات خارجية بالضغط على العملة الوطنية". لكن الهجوم الأقوى والمباشر جاء على لسان رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد الذي ذهب الى حد اتهام التكتلات المالية العالمية الكبرى بالرغبة "بهدم اقتصاد دول آسيان عن طريق خلخلة نظام عملاتها". ومن المعروف أن صناديق التوفير والاستثمار، وفي مقدمها الأميركية، هي المقصودة في تصريحات المسؤولين الآسيويين. ومع أن وزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت تصدت لتصريحات رئيس وزراء ماليزيا، إلا أنه تابع حملته على "جهات مالية غربية تسعى للتأثير على سياسات دول الآسيان". ولم يكتف بهذا بل اتهم الملياردير الأميركي الهنغاري الأصل جورج سورس بالتدخل مباشرة والمضاربة على عملات دول منظمة "آسيان" بهدف الضغط عليها لعدم قبول بورما عضواً في المنظمة. ذلك أن هذه الأزمة تزامنت مع موعد قبول منظمة "آسيان" لعضوية ثلاث دول جديدة هي لاوس وكمبوديا وبورما. وقد تصاعدت الأحداث الأخيرة في كمبوديا بحيث تم تعليق قبولها، غير أن لاوس وبورما تم قبولهما على رغم الضغوط التي مارستها الولاياتالمتحدة ضد قبول بورما لانتهاك نظامها العسكري حقوق الانسان. ولم ينف جورج سورس مضاربته بالعملات الآسيوية، لا بل على العكس فهو ربط تراجع اقتصاد دول المنطقة بمواقفها السياسية العامة، خصوصاً قبول بورما ذات النظام العسكري كعضو في مجموعتها. وهكذا أخذت الأزمة هذا اللون السياسي الذي يشكل منذ فترة خلفية نزاع بين رؤية آسيوية لنسق السياسة العامة والديموقراطية، وبين تعريف الغرب للديموقراطية ودور حقوق الانسان في الشأن العام. ويتزعم رئيس سنغافورة لي كوان يوو الحركة المطالبة باعتراف الغرب بخصوصيات آسيا في هذا المجال، ويشاركه الرئيس الماليزي هذا الاتجاه الذي يمكن تلخيصه بمبدأ الأمة قبل المجتمع والمجتمع قبل الفرد. وهنا يبرز التفاوت بين موقف الولاياتالمتحدة حيال بورما ونظامها العسكري الذي تحاربه، وموقف دول "آسيان" التي سبق لها أن قبلت عضوية فيتنام قبل أن تعيد الأخيرة علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. وتعتبر دول "آسيان" ان الأولويات في عملية التطور في آسيا مختلفة عنها في أوروبا، وان الديموقراطية تأتي في الدرجة الثانية بعد تطوير الاقتصاد والمجتمع ورفع مستوى التعليم. ولكن ما هو دور صناديق النقد والاستثمار في الخلاف بين الغرب، خصوصاً واشنطن، ومجموعة الدول الآسيوية التي شقت طريقها نحو النمو الاقتصادي؟ الواقع ان صناديق الاستثمار وكل المؤسسات المالية، وجورج سورس أيضاً عبر صندوق استثماره "كانتوم فوند" تقوم بتحليل دائم للأوضاع الاقتصادية لكل الدول والمجموعات الاقتصادية. وهي تحاول الاستفادة من التفاوت بين تقديرات السوق والتقديرات الرسمية - أو الاسمية المعلنة - للعملات أو للأسهم أو لسندات الخزينة المطروحة في الأسواق العالمية، وذلك عن طريق استباق حركة السوق التي تسعى الى تحقيق التوازن بين سعر السوق الحقيقي والسعر المعلن. وهذا هو هدف عملها لتحقيق مكاسب لمن ائتمنها على أمواله لتشغيلها. وفي كثير من الحالات ينتقد السياسيون، في الدول الغربية وفي آسيا، المؤسسات المالية الكبرى وعملياتها في أسواق النقد والعملات، لتبرير تراجع عملة، أو إخفاق سياسة اقتصادية معينة. ولكن ما يجب التشديد عليه هو أن الأسواق المالية والمؤسسات التي تقف وراءها لا تتحرك ولا تستفيد إلا من الثغرات التي تخلفها سياسة معينة أو اتجاه اقتصادي معين، كما هو الحال في تايلاندا وكما كان في المكسيك، أو في بريطانيا العام 1992 حين ربح جورج سورس مليار دولار بالمضاربة على العملة البريطانية. ولكن بعدما عمّ مبدأ اقتصاد السوق والتجارة الحرة العالم لا يمكن توجيه الاتهام الى من يقوم بتطبيق سياسة السوق هذه للكسب والاستفادة من أخطاء الآخرين. وقد استفادت الدول الصناعية الجديدة كثيراً من حركة أسواق المال في بناء صناعاتها واقتصادها. ومن أحد عوامل نجاحها حرية انتقال أموال المستثمرين اللاهثين وراء الربح التي تدفقت على الدول ذات معدلات النمو العالية... والتي غالباً ما تنسحب بمجرد تراجع معدلات النمو، أو بروز فرص ربح أكثر في منطقة أخرى من العالم. ولكن لماذا شدد مهاتير محمد على اتهام جورج سورس بالذات؟ ولماذا أكد جورج سورس، في رد فعله العلني على رئيس وزراء ماليزيا، اهتمامه بالضغط على منظمة "آسيان" لرفض عضوية بورما؟ يقول المتابعون لأعمال الملياردير الأميركي أنه يهتم بشكل مباشر ببورما لأن صندوق الاستثمار الذي يملكه ومركزه في نيويورك الى جانب صندوقه النقدي، ينفذ مشاريع ضخمة جداً في بورما، أهمها مشروع "مؤسسة المجتمع المنفتح". وتشمل مشاريعه مجالات عدة من التربية الى الصحة العامة مروراً بانشاء الطرق والسدود واقامة تجمعات سكنية، وصولاً الى انشاء جمعيات تهتم بنشر تعاليم حقوق الانسان والحقوق المدنية. ويمكن الاطلاع على سعة نشاط صندوق الاستثمار هذا عبر شبكة انترنيت حيث هناك أكثر من 53 مركزاً باسم الصندوق، والكثير منها يتعلق ببورما، وأبرزها "بورما بروجكت" وعنوانه [email protected]. ولا شك في ان قبول بورما في المنظمة، سيخفف عن المسؤولين فيها ضغوط المؤسسات المالية الدولية ويخرجهم من "المبارزة الفردية مع سورس"، ويسمح لهم بالاتكال على الآليات والمساعدات التي تضمنها لهم عضويتهم في "آسيان". ومن هنا يتبين ان اتهام مهاتير محمد لسورس، لم يكن محض صدفة. وقد تبرز هذه الأزمة رغبة دول "آسيان" بالدفاع عن "حديقتها الخلفية"، والتصدي لمحاولات الهيمنة المالية التي تحاول فرضها المؤسسات المالية الدولية على قراراتها السياسية، ولكنها في الوقت نفسه تظهر مدى ارتباط الأسواق المالية في العالم وعمقه، وتشابك مصالحها وخضوعها لقواعد واحدة. اهتزاز الثقة والآن ماذا سيحصل؟ هل تتابع البورصات تراجعها ويكون شهر تشرين الأول اكتوبر المقبل كما حصل عام 1987، شهر الهزة المالية العالمية المنتظرة وانهيار البورصات العالمية؟ تشير كل الدلائل الى أن حلقة التراجع في آسيا لم تصل الى مداها النهائي. فالعملية دخلت في دائرة مغلقة، والثقة التي هي من أهم عوامل نجاح الأسواق المالية وثباتها، ما زالت مفقودة. لكن الانعكاسات لا بد ان تكون مختلفة من دولة الى أخرى. ويمكن القول ان تايلاندا ستكون الخاسر الأكبر في هذه العملية، فصندوق النقد الدولي فرض عليها شروطاً قاسية جداً، وربطها بالمعونات والضمانات التي ينوي تقديمها، ومنها عدم تجاوز نسبة تضخم اقتصادها 2.5 في المئة لهذه السنة، وجعله حوالي 3.5 في المئة للسنة المقبلة بعدما تجاوز 6.9 السنة الماضية في محاولة لپ"تبريد" العجلة الاقتصادية ولجم التضخم اضافة الى ان تايلاندا فقدت في معركة الدفاع عن عملتها "البات" اكثر من 4.23 مليار دولار من احتياطي نقدها من اصل 30 ملياراً وسجل سعر الصرف بالنسبة الى الدولار تراجعاً بلغ 30 في المئة وتراجعت البورصة 20 في المئة خلال شهر واحد. ويمكن تطبيق السيناريو نفسه على الدول الاخرى، لكن بنسبة مختلفة وأقل ضراوة. فعلى رغم تراجع البيزو الفيليبيني بنسبة 11 في المئة والرينغيت الماليزي بنسبة 9 في المئة فان اقتصاد كل من ماليزياواندونيسيا على رغم بعض نقاط الضعف، مثل ركاكة النظام المصرفي وتنامي الدين الخارجي، يستطيع الخروج بهدوء من الازمة من دون تراجع في نسب النمو وتكون التضحية الوحيدة خسارة بعض الثقة لدى المستثمرين وبعض النقاط في مؤشر البورصة. وكذلك الامر بالنسبة الى الفيليبين التي تراجعت عملتها بنسبة 8 في المئة ورمت في محرقة الدفاع عنها اكثر من 6 مليارات دولار قبل ان تتركها عائمة. اما بالنسبة الى سنغافورةوهونغ كونغ فالامر مختلف تماماً. فعلى رغم وصول التوتر الى بورصة الدولتين فان مناعة اقتصادهما تقف امام نفق العواصف اضافة الى ان احتياط النقد لدى كل منهما ضخم الى حد انه قادر على ردع اي مغامر من المضاربة على العملة. وتملك "سلطة هونغ كونغ المالية" HKMA مثلاً 82 مليار دولار يضاف اليها 120 ملياراً احتياط نقد الصين التي اعلنت انها ستدافع عن دولار هونغ كونغ مهما كان الثمن. وهذه الترسانة المالية وحدها كافية لجعل اي مضارب يحسب الف حساب قبل المضاربة على عملتها. وأفضل مثال على ذلك تصريح سورس بأن "من يود الدخول في مضاربة على دولار هونغ كونغ لن يربح مالاً…". وحدها تايوان بقيت بعيدة عن التوتر المالي الذي عرفته المنطقة نظراً الى ان المؤشرات الاقتصادية للجزيرة الغنية هي اكثر من ايجابية، فنسبة النمو متواصلة وتزيد عن 6.4 في المئة. ونسبة التضخم تحت السيطرة وهي تحت حدود 4.3 في المئة مع فائض ايجابي في ميزان المدفوعات الخارجي يبلغ 9.14 مليار دولار. وكل هذا يؤكد نظرية ان المؤشرات الاقتصادية الضعيفة لبلد ما هي التي تسهل المضاربات على عملته. غير ان تايوان تملك ايضاً احتياطياً نقدياً من العملة الصعبة يبلغ 95 مليار دولار الثالث في العالم بعد اليابانوالصين ما يجعل المضاربين يفكرون ملياً قبل الاقدام على درس المؤشرات خوفاً من ترك ثروتهم في ساحة معركة لا يملكون فيها سلاحاً جدياً لربحها المضاربة والأرباح... والخسائر! كيف يمكن المضاربة على العملات وكيف تتم عملية الربح؟ الدخول في عالم هذه "الرياضة" المالية، يمكن ان يدر بعض الارباح… كما يمكن ان "يخرب البيوت لأن هذه العملية هي اولاً واخيراً، على رغم الصفات التقنية التي يمكن ان تلازمها، هي مراهنة فعلية. وللقيام بالمراهنة والمضاربة يجب توافر ثروة بشكل يطمئن فيه المصرف الذي يتعامل مع المضارب خصوصاً لجهة الملاءة المالية التي تقف وراء المراهن ومن امكان تسديد الخسائر التي يمكن ان تلحق به. والتعامل مع مصرف او عميل مالي او مكتب صرافة هو امر حتمي في عملية المضاربة المالية التي تسمى "سواب" من الانكليزية وتعني حرفياً الصابون، وهي مشتقة من تطبيقات الفعل التي تشير الى تدافع العقاقيع الناتجة من رغوة الصابون. وتقضي العملية بالمراهنة على هبوط سعر صرف عملة معينة يمكن ايضاً ان تكون اسعر اسهم او سندات في مرحلة معينة بعد ثلاثة اشهر مثلاً. عندها يلجأ المضارب الى استدانة مبلغ كبير من هذه العملة لأجل معين ثلاثة اشهر مثلاً. ويقوم بعدها بصرف المبلغ وتحويله الى عملة اخرى عملة الملجأ. وينتظر حلول موعد تسديد القرض، فاذا صحت تحليلاته وانخفضت قيمة صرف العملة التي تم على اساسها القرض يعيد المبلغ المستدان، بعد صرف ما يوازي هذا المبلغ حسب السعر الجديد. ويكون الفارق المتبقي ربحاً صافياً له بعد حسم قيمة العمولات وفوائد القرض. وعملياً يكتفي المضارب بتمرير اوامر شراء لدى مصرفه الذي يكتفي بدفع او بقبض الفارق، وتكون العملية كلها بشكل "ورقي". وقوة كبار المستثمرين وصناديق الاستثمار تكمن في القدرة على الاقتراض للمراهنة، وهذا ليس متوافراً لصغار المراهنين. وحين تكون المراهنة بالملايين ان لم يكن بالمليارات فان الفوارق يمكن ان تشكل مبالغ طائلة. الملياردير يلقبونه رجل المليار دولار فهو ربح العام 1992 مليار دولار من المضاربة على الجنيه الاسترليني. لكنه يفضل لقب الفيلسوف المالي. فيما يسميه كثيرون مورد آلات النسخ اذ ارسل الى هنغاريا إبان العهد الشيوعي 100 الف آلة نسخ لمكافحة رقابة الاعلام الرسمي على الاعلام. ولد العام 1930 في هنغاريا، وفي العام 1944 عندما دخل الالمان المجر، اضطر والده اليهودي المحامي لشراء اوراق مزورة لاخفاء اصله اليهودي خوفاً من اضطهاد النازيين. وفي العام 1947 هربت العائلة من الحكم الشيوعي الى بريطانيا. ودخل الابن الجامعة لمتابعة دروس في الفلسفة، لكنه انتقل عند خروجه الى العمل في المصارف، قبل ان يسافر العام 1956 الى الولاياتالمتحدة. وفي اوائل الستينات بدأ العمل في فرع المقاصة المتخصص بالمضاربات بين مختلف اسواق البورصة. ويقول انه اكتشف يومها "ان اموالاً كثيرة يمكن جنيها من جراء نقل اموال بين مختلف انحاء المعمورة نظراً الى اختلاف اسعار صرفها بين نقطة واخرى". وفي نهاية السبعينات كان قد كوّن ثروة طائلة جداً، لكنه لم يصبح مشهوراً الا في العام 1992 حين راهن على تراجع الجنيه الاسترليني فاقترض الكثير منه لأجل قصير وحوّله الى ماركات المانية… وتحقق ما راهن عليه وخرج الجنيه الاسترليني من نظام النقد المالي الاوروبي وفقد ما يزيد عن 12 في المئة من قيمته وكان الفرق ربحاً صافياً لسورس يعادل المليار دولار. وأنشأ سورس العديد من الصناديق المتخصصة بمساعدة الدول الشيوعية سابقاً، بشكل يفوق المساعدات الاميركية الفيديرالية لهذه الدول اكثر من 160 مليون دولار فقط للعام 1996. وأسس الكثير من المراكز التي تشجع التعليم ونشر الثقافة، في كل انحاء العالم. وهو يهتم حالياً بتنفيذ مشاريع في 31 بلداً من البلدان المتخلفة والنامية رصد لها مبالغ كبيرة، ومنها بورما. والمعروف ان لديه حساسية مرضية لا يخفيها تجاه العسكر والشيوعيين بشكل عام، ولا يتردد في اعطاء رأيه في السياسة الواجب اتباعها لكبار المسؤولين مارغريت ثاتشر العام 1992 ويدعم بقوة نشاطات جمعيات حقوق الانسان. وقد انفق الصندوق الذي أسسه لهذه الغاية في نيويورك اكثر من مليار دولار العام الماضي.