حفلت جلسات المؤتمر الثامن والتسعين للاتحاد البرلماني الدولي التي انعقدت في القاهرة اخيراً بمفارقات ومفاجآت خصوصاً في المجال الاقليمي وما يتعلق بالعلاقات الشرق اوسطية، كانت المبادرات الايرانية أبرزها، خصوصاً انها تواكبت مع بدء عهد الرئيس الجديد محمد خاتمي، واعلانه المتكرر عن رغبته في تبني سياسات هادئة تجاه الطرف العربي من اجل إحداث التقارب بين الطرفين. وقد استجاب الوفد الايراني للرغبة العربية بالتوحد حول اقتراح لبنان إضافة بند جديد الى جدول اعمال المؤتمر في شأن انسحاب اسرائيل من جنوبلبنان، ووافق على سحب اقتراحه الخاص بمناقشة قضية المستوطنات الاسرائيلية. وتأكدت النيات الايرانية مرة اخرى على شكل اقتراح تقدمت به طهران خلال اتصالاتها مع وفود عربية، ومنها الاجتماع مع رئيس الاتحاد الدولي الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري، الذي قال ل "الوسط" ان "الوفد البرلماني الايراني تقدم باقتراح انشاء منظمة برلمانية للدول الاسلامية". وعلى رغم تأكيد سرور أن "اللقاء مع الوفد الايراني لم يبحث في أية علاقات ثنائية بين برلماني البلدين، ولم تطرح فيه أية مبادرات في هذا الشأن"، الا ان مصدرا برلمانيا مصريا قال ل "الوسط": "على الرغم من عدم وجود علاقات ثنائية الا ان قوة التنسيق في المؤتمرات الدولية مع ايران خصوصاً في الشأن الفلسطيني تعطي الامل في التطور وان كان مشوبا بالحذر من الجانبين". ولم تكن المبادرات الايرانية وحدها مفاجأة المؤتمر، وانما جاء التنسيق العربي - العربي بصورة تجاوزت الخلافات الحكومية، خصوصاً لجهة توحيد المواقف تجاه طرح القضية اللبنانية على المؤتمر. وفي هذا السياق وافقت الكويت على سحب اقتراحها الخاص بإخلاء المنطقة من اسلحة الدمار الشامل الذي جاء تعبيراً عن تخوفها من العراق، فيما سحب العراق اقتراحه في شأن الحصار المفروض عليه وتأكيد وحدة وسلامة اراضيه، وسحبت ليبيا اقتراحها الخاص بالحصار المفروض عليها. وعلق مراقبون بقولهم ان تلك التنازلات عبّرت عن رغبة بالتنسيق العربي على رغم ما للاقتراحات من دلالات وارتباط لصيق بينها وبين المنظور الوطني لكل دولة. وعلى رغم عدم حصول الاقتراح اللبناني الذي اصبح عربياً على غالبية الاصوات اللازمة من اعضاء المؤتمر، الا ان حصوله على 697 صوتاً اكد امكان التحرك العربي الفعال على الساحة الدولية، خصوصاً في ظل الالتزام العملي تجاه المسائل المتفق عليها. وقال مسؤول تنفيذي مصري ان فشل المجموعة العربية في الحصول على غالبية الاصوات اللازمة لتسجيل الاقتراح اللبناني على جدول الاعمال يرجع الى ضعف اتصالها بمجموعتي عدم الانحياز والكتلة الافريقية لحشد اصواتها تأييدا لاقتراحها، ما سمح لتلك الوفود بتشتت اصواتها. ولم يصمد التنسيق العربي سوى ثمان واربعين ساعة لتعود الخلافات الداخلية الى الظهور، لا سيما تجاه عملية السلام. وجاء البيان الذي اعلنته المجموعة العربية عشية زيارة وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت الى المنطقة، ليفجر تلك الخلافات مجددا. فمندوب العراق سجل تحفظه عن البيان انطلاقا من رفض بلاده المبدئي للمفاوضات السياسية في شأن قضية الاراضي المحتلة وتأييدها المنهجي لتحرير كامل التراب العربي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كل الارض من البحر الى النهر . اما مندوب السودان فاكتفى بانتقاد محتوى البيان من دون تسجيل موقف رسمي، خصوصاً لجهة مطالبة البيان المجتمع الدولي وراعي عملية السلام الولاياتالمتحدة ببذل مزيد من الجهد لالزام اسرائيل العودة الى المفاوضات. وكان من الطبيعي في ظل التحفظ العراقي والانتقاد السوداني ظهور ملامح مواجهة فجرها رئيس مجلس الشعب السوري السيد عبدالقادر قدورة الذي ابدى امتعاضه من منطق العراق، وتساءل من هي الدولة العربية التي اعلنت رسميا رفضها عملية السلام. وكالمعتاد في كل الفعاليات الدولية الشعبية وقعت مواجهة عراقية - كويتية وتبادل رئيسا الوفدين الاتهامات، وحرص الجانب الكويتي على تكرار اتهام العراق بحيازة اسلحة الدمار الشامل وتضليل العالم في قضية الاسرى المحتجزين لديه، فيما اتهم العراق جارته بتصعيد التوتر في منطقة الخليج وحيازة اسلحة لا تحتاج اليها. واحتدمت خلافات الطرفين قبل 24 ساعة من انتهاء المؤتمر حينما تبادلا كلاماً قاسياً في جلسة رسمية دفع رئيس الاتحاد الى شطبه. ويمكن القول ان الوفود العربية نجحت في المقابل في مواجهة مزاعم اسرائيلية عدة بعدم مسؤولية الدولة العبرية عن تصاعد العنف في المنطقة والتزامها تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين. وفي مواجهة ما اعلنه رئيس الوفد الاسرائيلي مائير شيتريت من صعوبة تصور سلام في المنطقة تصاحبه تفجيرات في قلب تل ابيب، قال رئيس المؤتمر في تعقيبه المباشر: "ولا يمكن في المقابل القاء المسؤولية على الشعوب المحتلة وتبرئة المحتلين". واحتدت المواجهة لتتحول الى حصار حيث كشفت كلمات كل الوفود العربية حقيقة الممارسات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة وعدم التزامها الاتفاقات الموقعة عليها، فيما سيطرت قضية السلام ومسؤولية اسرائيل عن تعثرها على المحادثات الثنائية بين وفود الدول العربية وممثلي البرلمان الاوروبي على وجه الخصوص. وفي تعليقه على البيان العربي، قال عضو "اوروبي" في اللجنة التنفيذية للاتحاد ان "العرب يتحدثون بخطاب جديد من ابرزه عدم توجيه الاتهام الى السياسة الاسرائيلية والاكتفاء باعتبار الحكومة الحالية مسؤولة عن تعثر المسيرة السلمية وهي اشارة الى امكان وجود مناخ مختلف في ظل حكومات اخرى"