عاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو من زيارته لطوكيو حاملاً انجازاً بفتح مكتب تمثيل تجاري لليابان في تل أبيب في تشرين الاول اكتوبر المقبل، وعلى رغم اهمية هذا الانجاز من وجهة النظر الاسرائيلية، كخطوة اولى على طريق تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، الا ان اليابان ربطت تعزيز هذه العلاقات بإحراز تقدم في مسيرة السلام. ويبدو ان الجانب الاسرائيلي كان يتوقع فشل او على الاقل عدم نجاح زيارة نتانياهو لليابان، خصوصاً لجهة جذب المستثمرين اليابانيين الى الاستثمار في اسرائيل. وقد اعترف بهذا الواقع دان غليرمان رئيس اتحاد غرف التجارة الاسرائيلية، الذي قارن بين زيارة اسحق رابين لطوكيو وزيارة نتانياهو، وأوضح الفارق الكبير بين الزيارتين موضحاً ان "رحلة رابين كانت ناجحة جداً وبمثابة انفراج في العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية، والاستقبال الذي لقيناه قبل ثلاث سنوات كان نتيجة عملية السلام، فقد فهموا ان المقاطعة العربية انتهت". اما اليوم وبعد تدهور عملية السلام فقد اشار الى انه لا يعرف "اذا كان نتانياهو يستطيع ان يقنع الشركات الآسيوية بالاستثمار في منطقة تبدو غير مستقرة". ولاحظ غليرمان ان تباطؤ عملية السلام "قد يدفع الشركات التي لم تلتزم بعد الاستثمار الى التفكير مرتين قبل ان تقبل على الاستثمار في اسرائيل". وسبق لرئيس وزراء اليابان ريوتارو هاشيموتو قد حذر في شباط فبراير الماضي وزير الخارجية الاسرائيلية ديفيد ليفي اثناء زيارته طوكيو، من انعكاسات بعض قرارات حكومة نتانياهو على السلام. التبادل التجاري لقد انتظر الاسرائيليون طويلاً، حتى جاءتهم فرصة اقامة تبادل تجاري مع اليابان العام 1994، إثر زيارة رئيس الوزراء السابق اسحق رابين الى طوكيو، ثم تبعتها في العام 1995 اول زيارة لإسرائيل قام بها رئيس وزراء اليابان هوتومييشي موراياما. وتشير الاحصاءات الى ان الصادرات الاسرائيلية الى اليابان بلغت 03.1 مليار دولار في العام 1995، ثم ارتفعت الى 14.1 مليار دولار العام 1996، بنسبة 6.10 في المئة، ويحتل الماس المرتبة الاولى للصادرات الاسرائيلية بقيمة 729 مليون دولار، تليه المنتجات الغذائية 66 مليون دولار، والالبسة 6 ملايين دولار، وشبه المواصلات 3 ملايين دولار. اما واردات اسرائيل من اليابان فارتفعت بنسبة 33 في المئة، وذلك من 811 مليون دولار العام 1995 الى 08.1 مليار دولار العام 1996. وهكذا تراجع الفائض في الميزان التجاري لمصلحة اسرائيل من 219 مليوناً الى 60 ألف دولار فقط. لذلك اقترح الجانب الاسرائيلي على الجانب الياباني تشكيل مجلس اقتصادي مشترك ليكون وسيلة لجذب المستثمرين اليابانيين الى الاستثمار في اسرائيل وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، غير ان الجانب الياباني لم يبت بهذا الاقتراح وأكد موقفه الثابت بربط تعزيز العلاقات الاقتصادية بإحراز تقدم في عملية السلام. دور سياسي لحجم اقتصادي ويأتي هذا الموقف في اطار سياسة تعتمدها طوكيو في تحركها في المنطقة، وقد لخصتها مصادر ديبلوماسية يابانية عن الشكل الآتي: اولاً: ان اليابان تطمح جدياً للعب دور مؤثر في عملية السلام يتناسب وحجمها الاقتصادي والسياسي في العالم. ثانياً: ان المساهمة اليابانية لن تقتصر على تمويل مشاريع التسوية بين الدول المعنية بالمسيرة السلمية في المنطقة، ولا عند حدود مشاركتها في اعمال اللجان المتخصصة المنبثقة عن المفاوضات المتعددة الاطراف، بل انها على استعداد للمساهمة مالياً وديبلوماسياً وعسكرياً لإثبات حضورها في هذه المسيرة. ثالثاً: ان اليابان تطمح لأن تصبح عضواً دائماً في مجلس الامن الدولي تتمتع بحق النقض الفيتو على قدم المساواة مع الدول الخمس الكبرى الحالية الدائمة العضوية. رابعاً: ان اليابان تريد حضوراً مميزاً في النظام الشرق اوسطي الجديد من خلال استعدادها للمساهمة في تمويل وتنفيذ مشاريع انمائية واقتصادية، على مستوى المنطقة ككل. لذلك لوحظ انه في الوقت الذي تمت فيه زيارة نتانياهو الى طوكيو، وقّعت اليابان مع مصر وثائق مساهمتها في تمويل مشروع جسر قناة السويس بقيمة مئة مليون دولار، في مقابل 60 مليون دولار مساهمة الحكومة المصرية، وهو يربط آسيا وأفريقيا، وستقوم مصر بتنفيذ عمليات الانشاء على ضفتي القناة بارتفاع 5.49 متر، فيما تتولى اليابان بناء جسم الجسر بارتفاع 70 متراً فوق سطح المياه وبطول 47 كيلومتراً، على ان ينتهي العمل فيه مطلع العام 2001. وسبق لليابان ان قدمت قرضاً للبنان قيمته 130 مليون دولار مخصص لمعالجة تلوث الشاطئ اللبناني والتجهيزات المائية، وأكدت استعدادها لدعم جهود الشركات اليابانية للدخول في سوق المنافسة على مشاريع الاعمار، واتخذ البرلمان الياباني قراراً بخفض الفائدة على القروض المعطاة للبنان من 7.2 الى 5.2 في المئة، وستطبق هذه الفائدة على القرض المشار اليه ومدته 25 سنة مع فترة سماح تمتد لسبع سنوات مقبلة. ويعكس الاهتمام اليابانيبلبنان من خلال تطور حركة سفر اليابانيين، وقد منحت سفارة لبنان في طوكيو 150 سمة دخول عام 1995، لكن هذا الرقم تضاعف خلال الثلاثة اشهر الاولى من عام 1996، اذ منحت السفارة نحو 540 سمة دخول لليابانيين الى لبنان ومعظهم يمثل شركات ترغب في الاستثمار في لبنان، الامر الذي حمل السفير اللبناني في طوكيو سمير شما الى التأكيد على رغبة اليابان في تنفيذ قرار سبق ان اتخذته قبل الحرب اي مطلع السبعينات بأن تكون بيروت مقراً لإدارة عملياتها الاقتصادية في الشرق الاوسط، مع العلم ان عدد الشركات العاملة في لبنان وصل العام 1975 الى اكثر من مئة شركة. وهناك مشاريع استثمارية عدة، ابدى اليابانيون استعدادهم للمساهمة فيها، مثل مشروع يقضي بإنشاء مصنع لتجميع بعض انواع السيارات في منطقة اريتز الاسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة، وهو يستوعب تشغيل اكثر من 500 عامل فلسطيني، لكن تنفيذه مرهون بمفاوضات بين اليابانيين والفسطينيين والاسرائيليين، والمفاوضات بدورها مرهونة بتوافر الاستقرار في اطار تحقيق السلام في المنطقة. استثمارات خارج الحدود وتنسجم سياسة اليابان في الشرق الاوسط مع حرصها على تعزيز تجارتها واستثماراتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتشير احصاءات هيئة التجارة الخارجية جيترو الى ان التجارة الخليجية - اليابانية سجلت رقماً قياسياً بلغ 5.37 مليار دولار العام 1996، اذ بلغت صادرات طوكيو الى الخليج 2.7 مليار دولار بزيادة 5.11 في المئة عن صادراتها العام 1995 البالغة 5.6 مليار دولار، اما وارداتها من الخليج، فبلغت 2.30 مليار دولار بزيادة 9.11 في المئة عن العام 1995 البالغة 27 مليار دولار، وبذلك يكون الفائض التجاري ارتفع لمصلحة دول الخليج بنسبة 12 في المئة الى 23 مليار دولار. ويعود سبب هذا الفائض الى زيادة قيمة واردات اليابان من نفط الخليج نتيجة ارتفاع الاسعار. ومن الطبيعي ان يترافق هذا التطور في العلاقات التجارية، مع تدفق استثمارات يابانية الى الخليج، لكن مسؤولين خليجيين انتقدوا ضآلة حجم هذه الاستثمارات، الذي يقل عن نسبة واحد في المئة من مجموع الاستثمارات اليابانية في الخارج، ويشير بعض الدراسات الى ان عدد المشاريع الخليجية - اليابانية المشتركة يبلغ حالياً 213 مشروعاً منها 14 مشروعاً صناعياً، ويبلغ حجم الاستثمارات اليابانية في هذه المشاريع 280 مليار ين نحو 8.2 مليار دولار في حين ان اجمالي الاستثمارات اليابانية في العالم تبلغ 7.28 تريليون ين نحو 387 مليار دولار. ويأخذ المسؤولون الخليجيون على اليابانيين اللجوء الى الاماكن البعيدة، في حين ان منطقة الخليج اقرب جغرافياً الى اليابان من مناطق اخرى بعيدة صدرت اليها رساميل كبيرة مثل اميركا اللاتينية. ودعا المسؤولون الخليجيون اليابانيين الى الاخذ بالاعتبار حجم التجارة في تحديد الاستثمارات، فلا يجوز ان تستثمر اليابان في فنزويلا وحدها ما يقارب حجم استثمارها في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، على رغم ان تجارتها معها لا تزيد عن المليار دولار، مع العلم ان الاستثمار في دول الخليج يصنف من بين الاكثر ربحية في العالم، وتؤكد دراسة اقتصادية دولية حديثة ان البيئة الاستثمارية في دول مجلس التعاون تعتبر ثالث اكثر المناطق جاذبية للاستثمار بعد الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية. وتتغير الاسباب التي تدعو الشركات اليابانية الى استثمار اموالها خارج الحدود، وحتى وقت قريب كان الصناعيون اليابانيون يستثمرون خارج حدود بلادهم لكي يخففوا من وطأة الاحتكاك التجاري مع الدول الاخرى وليتجنبوا ايضاً دفع التكاليف المرتفعة في اليابان نفسها الناتجة عن ارتفاع قيمة الين الياباني. والجدير بالذكر ان ما تم استثماره طيلة العام 1994، خارج اليابان، وصل الى 1،41 مليار دولار، ويشكل اقل من ثلثي ما تم استثماره في عام الذروة 1989، عندما استحقت اليابان لقب اكبر مستثمر اجنبي في العالم كله على مدار عامين، ولم يبرز منافس لها الا الولاياتالمتحدة عام 1991. لكن ما يحصل حالياً هو ان الشركات اليابانية تزداد اتجاهاً الى اقامة مقرات عامة محلية خارج حدود اليابان تتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات الحاسمة، لا سيما في آسيا بغية اقامة علاقات مع تكتلات اقتصادية اقليمية. وتعيد هذه الوحدات المحلية استثمار ضعفي ما كانت تعيد استثماره من ارباح منذ خمسة اعوام وذلك في خدمة الاسواق الاقليمية .