خسرت الشركات اليابانية الكثير في الاسواق الخارجية بسبب ارتفاع قيمة الين، خصوصاً في الاسواق التي تتعامل بعملات مستقرة ازاء الدولار مثل دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى رغم الجهود التي بذلتها ولا تزال تبذلها هذه الشركات لتجنب الخسائر في منطقة الخليج، فقد فشلت في ذلك بسبب ارتفاع اسعار منتجاتها، لكن المسؤولين في الشركات اليابانية يفتخرون بقدرة هذه الشركات على تخفيف هذه الخسائر قدر الامكان، بفضل المرونة الكبيرة التي تتمتع بها المنتجات اليابانية، وقال هؤلاء: "لو أصاب عملة أي دولة صناعية في العالم ما أصاب الين لكانت سلع تلك الدولة فقدت كامل قدرتها التنافسية والسعرية". لقد شهدت حركة التبادل التجاري بين منطقة الخليج واليابان تطورات مهمة خلال السنوات الاخيرة، وتشير الاحصاءات الى تراجع الصادرات الخليجية بنسبة 6،16 في المئة خلال عام 1991 عن عام 1990، اذ بلغت 56،19 مليار دولار، أما واردات اليابان من دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة فقد بلغت 9،7 مليار دولار بزيادة 4،16 في المئة. وتمثل الصادرات الخليجية الى اليابان نحو 25 في المئة من اجمالي صادراتها الى دول العالم في الوقت الذي تشكل الواردات الخليجية من اليابان نحو 5،13 في المئة من اجمالي وارداتها من دول العالم. وفي العام 1992 ارتفع حجم التبادل التجاري الى 2،35 مليار دولار في مقابل 46،27 مليار في عام 1991، وهو تطور جيد، غير أنه تراجع في العام 1993 الى 4،32 مليار دولار. وقد شمل التراجع، حسب احصاء هيئة التجارة الخارجية اليابانية "جيترو" الصادرات والمستوردات، ولوحظ ان الصادرات اليابانية الى دول مجلس التعاون الخليجي الست تراجعت بنسبة 33،8 في المئة، من 6،9 مليار دولار عام 1992 الى 8،8 مليار دولار عام 1993، ويعود السبب الى ارتفاع سعر صرف الين الياباني في مقابل الدولار الاميركي بنسبة 18 في المئة، ما جعل البضائع اليابانية أقل قدرة على منافسة البضائع الاوروبية والآسيوية والاميركية. كما تراجعت المستوردات اليابانية بدورها من دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 8،7 في المئة، من 6،25 الى 6،23 مليار دولار، وذلك بسبب تراجع اسعار النفط الخام ومنتجاته في الاسواق العالمية، مع العلم ان الدول الخليجية تحتل المرتبة الاولى على لائحة مستوردات النفط اليابانية وقد تجاوز حجم هذه التجارة المليار برميل، وهي تشكل أكثر من 67 في المئة من مستوردات اليابان النفطية. وفي العام 1994 استمر ارتفاع سعر صرف الين الياباني في مقابل الدولار الاميركي وتجاوزت نسبة هذا الارتفاع 20 في المئة، الامر الذي ساهم ايضاً في تراجع حجم الصادرات اليابانية الى دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة كبيرة بلغت 1،31 في المئة خلال الأشهر التسعة الاولى من العام، وبلغ حسب احصاءات "جيترو" نحو 4،5 مليار دولار، في مقابل 84،7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 1993. شريك تجاري تعتبر السعودية أهم شريك تجاري لليابان، وتساوي حصتها نحو نصف حجم الحركة التجارية بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي، وأشارت احصاءات "جيترو" الى تراجع حجم التبادل التجاري السعودي - الياباني في العام 1993 بنسبة 2،13 في المئة، اذ بلغ 96،12 مليار دولار، في مقابل 94،14 مليار دولار عام 1992. ولوحظ ان صادرات اليابان الى المملكة تراجعت من 84،4 الى 08،4 مليار دولار، كما تراجعت مستورداتها منها من 1،10 الى 88،8 مليار دولار، ووصف هذا التراجع بأنه الاول من نوعه منذ عام 1980. وخلال الاشهر التسعة الاولى من عام 1994، انخفضت التجارة السعودية - اليابانية بنسبة 5،15 في المئة، إلاّ أن الرياض لا تزال اكبر شريك تجاري شرق أوسطي لطوكيو اذ بلغ التبادل التجاري بين الجانبين 4،8 مليار دولار ، ونجم الانخفاض عن التراجع الكبير في صادرات طوكيو الى المملكة بنسبة 3،22 في المئة، وكذلك من انخفاض قيمة صادرات السعودية الى اليابان بنسبة 5،13 في المئة، من 93،6 مليار دولار الى ستة مليارات دولار فقط، ما قلص الفائض التجاري للمملكة مع اليابان من 8،3 مليار دولار الى 56،3 مليار دولار. وشكل النفط الخام الذي تراجعت قيمة الصادرات منه بنسبة 6،7 في المئة في العام 1993 نحو 72 في المئة من اجمالي قيمة الصادرات السعودية الى اليابان، وانخفض اجمالي قيمة الصادرات من 98،6 مليار دولار عام 1992 الى 46،6 مليار دولار عام 1993. وعلى رغم هذا التراجع الملحوظ، ما زالت السعودية محتفظة بمركزها كثاني أكبر مصدر نفطي لليابان، وتبلغ حصتها من الفاتورة النفطية اليابانية 4،23 في المئة، في مقابل 3،26 في المئة للامارات التي تحتفظ بالمركز الاول. وسجلت حركة التجارة بين الاماراتواليابان ايضاً تراجعاً طفيفاً من 48،11 مليار دولار عام 1993 الى 39،11 مليار دولار عام 1994. ولوحظ ان الصادرات اليابانية الى الامارات سجلت تراجعاً كبيراً بنسبة 2،11 في المئة، إذ انخفض مجموعها من 5،2 الى 25،2 مليار دولار، وذلك بسبب ارتفاع سعر صرف الين في مقابل الدولار الاميركي. وطبقاً لأرقام هيئة التجارة الخارجية اليابانية، تراجعت صادرات اليابان من السيارات الصغيرة الى أسواق الامارات بنسبة 3،20 في المئة، من 493 مليون دولار الى 393 مليون دولار. بينما زادت قيمة الصادرات من الباصات بنسبة 83 في المئة، وتراجعت صادرات الشاحنات الكبيرة بنسبة 4،10 في المئة، من 8،165 مليون دولار الى 148 مليون دولار. وتراجعت الصادرات اليابانية من اجهزة التسجيل بنسبة 19 في المئة، من 325 مليون دولار الى 262 مليون دولار. وأجهزة التلفزيون بنسبة 25 في المئة، من 122 مليون دولار الى 91 مليون دولار، وأجهزة الفيديو بنسبة 8،12 في المئة، من 134 مليون دولار الى 117 مليون دولار. إلاّ أن صادرات اليابان من اجهزة الاتصالات المختلفة سجلت نمواً كبيراً بلغت نسبته 28 في المئة، من 143 مليون دولار الى 183 مليون دولار. الاستثمارات اليابانية ويبدو ان استمرار ارتفاع سعر صرف الين في مقابل الدولار الاميركي بدأ يهدد الركائز الاقتصادية لليابان. وكانت عودة الانتعاش الاقتصادي مترددة حتى قبل الارتفاع الذي سجله اخيراً سعر الين اذ ان الناتج المحلي الاجمالي الياباني تراجع 9،0 في المئة بين الربعين الثالث والرابع من العام الماضي، ما جعل نسبة النمو الاقتصادي عام 1994 لا تتجاوز 6،0 في المئة. وعمد الخبراء الاقتصاديون الناشطون في طوكيو في الاسابيع القليلة، وحتى المتفائلون منهم، الى إعادة النظر نزولاً في توقعاتهم الخاصة بالنمو الاقتصادي الياباني للعام الجاري، فمؤسسة "سولومون براذرز آسيا" تكهنت بأن نسبة النمو في الناتج المحلي الاجمالي لن تتجاوز 2،0 في المئة. أما المتوسط الذي تشير اليه الاسواق عامة فهو 8،1 في المئة، في حين تقول وكالة التخطيط الاقتصادي، التابعة للحكومة اليابانية، ان الاقتصاد الياباني سينمو بنسبة 8،2 في المئة العام الجاري. لكن حتى هذه الوكالة تعترف بأن تكهنها لم يعد واضحاً بسبب الارتفاع الاخير في قيمة الين. ولم يؤد إعلان الحكومة اليابانية عن زيادة الانفاق العام، وبمزيد من التحرير الاقتصادي، الاّ الى تعميق الشعور العام بعدم الارتياح. واضطر ياسوو شيتا، حاكم بنك اليابان المركزي، الى استخدام سلاحه الاخير وربما قبل الموعد الذي يفضله، وهو خفض سعر فائدة الخصم 75،0 في المئة، ما جعل هذا السعر واحداً في المئة وهو رقم قياسي جديد. ومع هذا لم يتأثر الين بهذه الوعود والتدابير وتراجعت اسعار الاسهم اليابانية لكنها استعادت جزءاً ضئيلاً جداً من عافيتها. ويقول روبيرت فيلدمان، مدير الابحاث الاقتصادية لدى مؤسسة "سولومون براذرز آسيا": "من المحتمل ان تجر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الين الاقتصاد الياباني الى تراجع او انهيار متفلت من أي ضوابط". ويثير هذا السيناريو الرعب لدى البعض لأن المخاوف التي يعرب عنها الناشطون في "سولومون برذرز آسيا" ليست عامة شائعة. لكن يوجد من عناصر هذا السيناريو في الواقع ما يحمل معظم المراقبين على الاتفاق على أن الانكماش الاقتصادي صار، بفضل ارتفاع سعر الين المطرد، مشكلة حقيقية مماثلة. ويتوقع المراقبون أن لا تساهم الاستثمارات الصناعية في تحسين الوضع الاّ قليلاً، علماً بأن هذه الاستثمارات تشكل ثاني اكبر قطاع في الاقتصاد الياباني بعد الاستهلاك الخاص. ويذكر ان الاستثمارات الصناعية بدأت تراجعاً مطرداً منذ أربع سنوات، ومن المستبعد ان تنتعش خلال العام الجاري الاّ بنسبة تصل الى نحو 9،1 في المئة فقط،. ويبدو ان نسبة متزايدة من الاستثمارات الصناعية ستلجأ الى خارج اليابان، أي الى دول في شرق آسيا، تتدنى فيها الاجور واسعار المواد الاولية عما هي عليه في اليابان وينمو الاقتصاد فيها بنسبة أكبر مما ينمو بها الاقتصاد الياباني، والمنتظر ان تزداد نسبة الاستثمارات الصناعية خارج اليابان بسبب ارتفاع قيمة الين. ولكن لماذا لا تتجه الاستثمارات اليابانية الى الخليج؟... لقد انتقد المسؤولون الخليجيون ضآلة حجم الاستثمارات اليابانية في دول مجلس التعاون الخليجي والذي يقل عن نسبة واحد في المئة من مجموع الاستثمارات اليابانية في الخارج. ويشير بعض الدراسات الى أن عدد المشاريع الخليجية - اليابانية المشتركة يبلغ حالياً 213 مشروعاً منها 14 مشروعاً صناعياً، ويبلغ حجم الاستثمارات اليابانية في هذه المشاريع 280 مليار ين نحو 8،2 مليار دولار في حين ان اجمالي الاستثمارات اليابانية في العالم يبلغ 7،28 تريليون ين نحو 387 مليار دولار. ويأخذ المسؤولون الخليجيون على اليابانيين اللجوء الى الاماكن البعيدة، في حين ان منطقة الخليج أقرب جغرافيا الى اليابان من مناطق اخرى بعيدة صدرت اليها رساميل كبيرة، مثل اميركا اللاتينية. ووجّه المسؤولون الخليجيون دعة الى اليابانيين ليأخذوا في الاعتبار حجم التجارة في تحديد الاستثمارات، فلا يجوز ان تستثمر اليابان في فنزويلا وحدها ما يقارب حجم استثمارها في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من ان تجارتها معها لا تزيد عن المليار دولار، مع العلم ان الاستثمار في دول الخليج يصنف من بين الاكثر ربحية في العالم، وتؤكد دراسة اقتصادية دولية حديثة ان البيئة الاستثمارية في دول مجلس التعاون تعتبر ثالث اكثر المناطق جاذبية للاستثمار بعد الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية. وسبق لوزير الصناعة والكهرباء السعودي المهندس عبدالعزيز الزامل الذي رئس الوفد الخليجي الى مؤتمر طوكيو في تشرين الثاني نوفمبر الماضي ان ذكّر اليابانيين بأنهم فقدوا 20 مليار دولار من حصة الاستثمار في سوق دول مجلس التعاون خلال العشرين عاماً الماضية بسبب ضياع فرص أو ذهاب هذه الاستثمارات الى مناطق اخرى.