اذا كان الوجود العسكري الاميركي في منطقة الخليج، مسألة حيوية في اوروبا واسيا، فإن رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كوان يو يتوقع خفض هذا الوجود بسبب المشاكل الاقتصادية داخل الولاياتالمتحدة. وفي رأي كون يو انه حتى اذا تمكنت الولاياتالمتحدة من خفض العجز المالي والتجاري وزيادة انتاجيتها، فإنها غير راغبة في تحمل نفقات الامن العالمي، وهي ستستمر بالاعتماد على حلفائها خصوصاً المانياواليابان، في اقتسام هذا العبء. وقد حصل ذلك اثناء حرب الخليج التي كانت اليابان طرفاً فيها من غير ان تكون حاضرة فيها عسكرياً، وساهمت في تحمل جزء ملحوظ من نفقاتها وصل الى نحو 13 مليار دولار، ووصفها المراقبون في ذلك الوقت بأنها تمثل صورة "التاجر الذي يحقق الارباح في حماية كابوي مفلس". هل حققت اليابان فعلاً ارباحاً من نتائج حرب الخليج؟ العلاقات السياسية بين الدول تكون عادة المرآة التي تعكس طبعية العلاقات الاقتصادية، والعكس صحيح، حتى أن بعض رجال الاعمال يرى أن العلاقة السياسية هي بمثابة توظيف لاستثمار العلاقة الاقتصادية. ومن هنا تبقى العلاقات الاقتصادية بين الدول محكومة بتطور العلاقات السياسية. وتطبيقاً لهذا المبدأ حصلت بعض التغيرات في جغرافية العلاقات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي، خلال السنوات الاخيرة التي أعقبت حرب الخليج مع العلم ان تطور اسعار صرف العملات في مقابل الدولار الاميركي ساهم بشكل اساسي في هذه التغيرات، خصوصاً لجهة التبادل التجاري. لقد بلغ حجم التبادل التجاري بين منطقة الخليج واليابان في العام 1991 نحو 4،27 مليار دولار، واشارت الاحصاءات الى تراجع الصادرات الخليجية بنسبة 6،16 في المئة عن عام 1990، اذ بلغت 56،19 مليار دولار، اما واردات اليابان من دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة فبلغت 9،7 مليار دولار بزيادة 4،16 في المئة. وتمثل الصادرات الخليجية الى اليابان نحو 25 في المئة من اجمالي صادراتها الى دول العالم في الوقت الذي تشكل الواردات الخليجية من اليابان نحو 5،13 في المئة من اجمالي وارداتها. وفي العام 1992 قفز حجم التبادل التجاري الى 2،35 مليار دولار مسجلاً رقماً قياسياً، وهو تطور جيد، غير انه تراجع في العام 1993 الى 4،32 مليار دولار، وشمل التراجع حسب احصاء هيئة التجارة الخارجية اليابانية "جيترو" الصادرات والواردات، ولوحظ ان الصادرات اليابانية الى دول مجلس التعاون الست تراجعت بنسبة 33،8 في المئة، من 6،9 مليار دولار عام 1992 الى 8،8 مليار دولار عام 1993. واستمر التراجع في العام 1994 بنسبة 9،3 في المئة الى 11،31 مليار دولار، الاّ أن الفائض التجاري مع اليابان لدول مجلس التعاون ارتفع بنسبة 5،12 في المئة الى 6،16 مليار دولار، بعد تراجعه على مدى الاعوام الثلاثة السابقة. واظهر تقرير "جيترو" ان صادرات اليابان الى دول المجلس تراجعت بنسبة 6،17 في المئة الى 274،7 مليار دولار. شريك تجاري وتعتبر السعودية أهم شريك تجاري لليابان، وتساوي حصتها نحو نصف حجم الحركة التجارية بين اليابان ودول مجلس التعاون، وأشارت احصاءات "جيترو الى تراجع حجم التبادل التجاري السعودي لليابان في العام 1993 بنسبة 2،13 في المئة، اذ بلغ 96،12 مليار دولار، مقابل 94،14 مليار دولار عام 1992. ولوحظ ان صادرات اليابان الى المملكة تراجعت من 84،4 الى 08،4 مليار دولار، كما تراجعت مستورداتها منها من 1،10 الى 88،8 مليار دولار، ووصف هذا التراجع بأنه الاول من نوعه منذ عام 1980. وفي العام 1994 حقق فائض الميزان التجاري السعودي مع اليابان نمواً ملحوظاً بلغت نسبته سبعة في المئة، اذ ارتفع من 8،4 مليار دولار الى 1،5 مليار دولار. واظهرت ارقام رسمية يابانية ان الارتفاع في فائض المملكة مع اليابان تحقق على رغم انخفاض حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام المذكور بنسبة 4،10 في المئة من نحو 13 مليار دولار الى 6،11 مليار دولار. وسجلت الصادرات اليابانية الى الاسواق السعودية انخفاضاً كبيراً بلغت نسبته 20 في المئة من اربعة مليارات دولار الى 2،3 مليار دولار، في حين تراجعت قيمة الواردات اليابانية من المملكة بنسبة 7،5 في المئة من 8،8 مليار دولار الى 3،8 مليار دولار. وحافظت السعودية على مكانتها كأكبر أسواق دول التعاون للصادرات اليابانية على رغم تراجع وارداتها، وتلتها دولة الامارات بواردات قيمتها 25،2 مليار دولار بتراجع نسبته 2،11 في المئة، كما انخفضت واردات سلطنة عمان بنسبة 7،11 في المئة والكويت بنسبة 8،29 في المئة والبحرين بنسبة 2،22 في المئة وبينما ارتفعت واردات قطر بنسبة هامشية بلغت واحداً في الالف. وتركز تراجع الواردات في اجهزة تكييف الهواء والاجهزة الالكترونية السمعية والبصرية والاجهزة الكهربائية المنزلية بسبب نقل تصنيع تلك الاجهزة الى خارج اليابان. كما تركز التراجع في واردات السيارات اليابانية الى دول المجلس التي تشكل 1،41 في المئة من اجمالي صادرات اليابان الى تلك الدول، اذ انخفضت قيمتها بنسبة 7،17 في المئة ووصلت قيمتها الى 988،2 مليار دولار. وانخفضت واردات سيارات الصالون والشاحنات بنسبة 5،22 في المئة و22 في المئة على التوالي وارتفعت واردات باصات الركاب بنسبة 37 في المئة لتبلغ قيمتها 1،231 مليون دولار. وارتفعت قيمة صادرات دول المجلس الى اليابان العام الماضي بنسبة 2،1 في المئة الى 8،23 بليون دولار، شكل النفط الخام 8،75 في المئة منها وبقيمة 18 مليار دولار، بتراجع نسبته اربعة في الالف عما كان عام 1993. بينما ارتفعت صادرات المشتقات النفطية بنسبة 11 في المئة الى 4،2 مليار دولار لتعوض بذلك تراجع صادرات النفط الخام. الاستثمارت اليابانية ومن الطبيعي ان يرافق هذا التطور في العلاقات التجارية، قيام استثمارات يابانية في الخليج، ولكن المسؤولين الخليجيين انتقدوا ضآلة حجم هذه الاستثمارات الذي يقل عن نسبة واحد في المئة من مجموع الاستثمارات اليابانية في الخارج، ويشير بعض الدراسات الى أن عدد المشاريع الخليجية - اليابانية المشتركة يبلغ حالياً 213 مشروعاً منها 14 مشروعاً صناعياً، ويبلغ حجم الاستثمارات اليابانية في هذه المشاريع 280 مليار ين نحو 8،2 مليار دولار في حين ان اجمالي الاستثمارات اليابانية في العالم تبلغ 7،28 تريليون ين نحو 387 مليار دولار. ويأخذ المسؤولون الخليجيون على اليابانيين اللجوء الى الاماكن البعيدة، في حين ان منطقة الخليج اقرب جغرافيا الى اليابان من مناطق اخرى بعيدة صدرت اليها رساميل كبيرة مثل اميركا اللاتينية. ودعا المسؤولون الخليجيون اليابانيين الى الاخذ في الاعتبار حجم التجارة في تحديد الاستثمارات فلا يجوز ان تستثمر اليابان في فنزويلا وحدها ما يقارب حجم استثمارتها في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، على رغم ان تجارتها معها لا تزيد عن المليار دولار، مع العلم ان الاستثمار في دول الخليج يصنف من بين الاكثر ربحية في العالم، وتؤكد دراسة اقتصادية دولية حديثة ان البيئة الاستثمارية في دول مجلس التعاون تعتبر ثالث اكثر المناطق جاذبية للاستثمار بعد الولاياتالمتحدة واوروبا الغربية.