وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    «موديز» ترفع تصنيف السعودية إلى «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ايلي حبيقة يتذكر . عون كان شريكي في "الاتفاق الثلاثي" ، قررت الهجرة إلى البرازيل فقال الحريري ... 1
نشر في الحياة يوم 01 - 09 - 1997

"تريدني أن أتذكر الحرب وأنا أريد أن أنساها. أنا لا اشتري لأبني ألعاباً على صورة بنادق أو مسدسات لئلا يحب الحرب أو يسأل عن تجربتنا. طموحي ان لا يضطر جيل آخر الى عيش التجربة المريرة التي عشناها".
هذا ما قاله رئيس حزب "الوعد" الوزير ايلي حبيقة قبل ستة أعوام مغلقاً الباب أمام مشاركته في سلسلة "يتذكر". تظاهرنا يومها بتفهم الأسباب ورحنا نكرر السؤال بين فترة وأخرى، ويكرر الجواب وطال امتحان الصبر... وها هو "ايلي حبيقة يتذكر".
يخشى الصحافي دائماً أن لا ينجح في دفع السياسي الى قول كل ما يعرف. ونادراً ما يخشى أن يقول السياسي كل ما يعرف. وذاكرة ايلي حبيقة خزنة معلومات وأسرار فهو يعرف الكثير عن اللعبة واللاعبين وهو لاعب بارز في ملف الحرب والسلام.
لا يمكن فهم النظام الحالي في لبنان من دون العودة الى "الاتفاق الثلاثي" الذي كشف بتوقيعه وسقوطه شروط عودة السلام الى لبنان. وكان ذهاب حبيقة رئيس الهيئة التنفيذية ل "القوات اللبنانية" الى دمشق ليوقع في 28 كانون الأول ديسمبر 1985 اتفاق سلام مع رئيس حركة "أمل" نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أشبه بمغامرة لأنه كان يعني انقلاباً كاملاً في الخيارات الداخلية والاقليمية ل "القوات" والفريق الذي تنتمي اليه. وبعد أقل من عشرين يوماً سقط "الاتفاق الثلاثي" على دوي القذائف في "المنطقة الشرقية" التي سيرغم حبيقة على مغادرتها وتركها في عهدة القائد الجديد ل "القوات" رفيقه اللدود سمير جعجع ورئيس الجمهورية أمين الجميل الذي ستؤدي معارضته الاتفاق الى عطب دائم في علاقته مع دمشق.
وبعد ثمانية أشهر، وتحديداً في 27 أيلول سبتمبر 1986، سيحاول حبيقة العودة عسكرياً الى بيروت الشرقية لكن المحاولة فشلت ولم يتمكن من العودة الا بعد ازاحة العماد ميشال عون من قصر بعبدا في 13 تشرين الأول اكتوبر 1990.
في هذا الحوار الذي تنشره "الوسط" على حلقات يقول حبيقة ان قصة "الاتفاق الثلاثي" بدأت برسالة وجهها الى دمشق في ختام خلوة استمرت أياماً في منزل رجل الأعمال آنذاك رفيق الحريري في دوردان قرب باريس. وبعد سرد الوقائع التي أدت الى التوقيع يقول إن سقوط الاتفاق يرجع في جانب منه الى عدم تمكن "شريكه" العماد عون من القيام بما وعد به. ويكشف انه وصل خاسراً الى باريس وقرر الهجرة الى البرازيل حين أبلغه الحريري ان السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري يسأل عنه، وسيذهب حبيقة الى دمشق ومنها الى زحلة. وبدل الهجرة الى البرازيل "سيهاجر" حبيقة لاحقاً الى "الجمهورية الثانية" برلماناً وحكومات متعاقبة. وسيتحدث عن لقاءين عقدهما مع العماد عون في قصر بعبدا كاشفاً أنه زود الجنرال، بناء على طلب مسؤول سوري رفيع، تفاصيل العملية العسكرية التي ستستهدف اخراجه من بعبدا في محاولة لاقناعه بالخروج بلا خسائر.
سألنا حبيقة أيضاً عن بشير الجميل وما قاله الرئيس المنتخب بعد لقائه العاصف في نهاريا مع رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن الذي خاطب بشير بقسوة وذكره بأن "جيشي يحتل بيروت وجيشك لا يحتل القدس". وتحدث حبيقة عن الاتهامات التي وجهت في أعقاب اغتيال بشير الى جهاز الأمن والمعلومات الذي كان يرأسه. وأشار الى اعادة اعتقال قاتل الرئيس المنتخب بعد تهريبه من سجنه.
وروى حبيقة ما يعرفه عن أحداث صبرا وشاتيلا التي اتهم بالضلوع فيها وهو يؤكد أنه لم يكن فيها "لا مقرراً ولا منفذاً". وكشف علاقة هذه الأحداث ب "الشرارة" التي كان الاسرائيليون يبحثون عنها لتبرير اجتياح أول عاصمة عربية.
وعن الديبلوماسيين الايرانيين الذين اختفوا إبان الغزو الاسرائيلي للبنان يؤكد حبيقة ان جهاز الأمن في "القوات" لم يتسلم هؤلاء، وان الأنباء عن قتلهم ودفنهم قرب المجلس الحربي في الكرنتينا شائعات سربتها قيادة "القوات" في عهد سمير جعجع.
ويتحدث عن اللقاء اليتيم الذي عقده مع جعجع في دارة الرئيس الحريري في قريطم وعن محطات سياسية وأمنية. ويعترف في الحوار بأن دولة المؤسسات لم تقم وان القبائل اللبنانية تتحارب حالياً بأسلحة السلطة والاقتصاد والفساد.
في هذه الحلقة يتحدث وزير الموارد المائية والكهربائية عن الأحداث التي تبعت توقيع الاتفاق الثلاثي. وسيعود في الحلقة الثانية الى البدايات والتوقيع وبعدها الى محطات سياسية وأمنية. وهنا نص الحلقة الأولى:
كيف كان اللقاء مع عبدالحليم خدام؟
- حصل لقاء تعارف في يوم الوصول ولقاء آخر في يوم التوقيع. كان اللقاء جيداً. واللقاء مع ابو جمال سهل دائماً. في اللقاء الاول قال ما معناه انه كان يشك في ان تصدر عن فريق "القوات" خطوة متقدمة في اتجاه الحل. الواقع انه خيمت على كل اللقاءات آنذاك حصيلة التجارب بين القيادة السورية والرئيس امين الجميل ومحاولات الاتفاق المتكررة وما تخللها من مناورات. لهذا ربما كانت هناك علامة استفهام حول قدرة فريقنا على الثبات في موقفه وعلى التزام ما يتعهده.
هل ابلغت الرئيس الجميل قبل توجهك الى دمشق؟
- كانت العملية علنية وفي تلك الفترة لم اعد اتصل بأمين.
هل التقيت سمير جعجع بعد عودتك؟
- نعم. كان كريم بقرادوني قد سبقني إلى زيارته فور عودتنا وابلغه ان الاجواء لم تكن جيدة. هذا ما عرفته لاحقاً. ابلغه ما معناه ان حبيقة ابرم اتفاقاً مع السوريين ووضعك خارجه. في الفترة التي كنا نتفاوض حول "الاتفاق الثلاثي" كان سمير يحاول، من تحت الطاولة، مد خيوط مع امين بواسطة مخابرات الجيش كانت بقيادة العقيد سيمون قسيس. وبدأت عملية تنسيق بين جماعة سمير وفريق من المخابرات. وارسل سمير في اتجاه امين اشارات مفادها انه لا يؤيد العملية التي تحدث. هنا نشأت علاقات بين جعجع وفريق من الكتائبيين المؤيدين للجميل وتحديداً ما كان يسمى سابقاً "قوات الپ75" واقليم المتن الشمالي الكتائبي. وضع سمير هذه العلاقة على نار خفيفة في انتظار حصوله على ضمانات وتأكده من حصته، وحين ابلغه بقرادوني أوحى اليه بأن وضعه ليس مضموناً قرر سمير السير في علاقته مع امين.
التقيت الرئيس سليمان فرنجية في زغرتا قبل التوقيع ماذا حدث؟
- كان اللقاء جيداً ولم نتحدث ابداً في موضوع جعجع. قلت له يا فخامة الرئيس انت قمت سابقاً بمحاولة وفاقية نحن نريد منك ان تساعدنا لانهاء هذه الحرب ونريد دعمك. وقد أبدى الرئيس فرنجية حماسه، ولم تكن هناك مطالب او شروط لا من جهتنا ولا من جهته. كانت المرة الاولى التي التقيه فيها. اجرينا اتصالاً بالسوريين وعبرنا عن رغبتنا في الاجتماع بالرئيس فرنجية لاطلاعه على الاتفاق تفادياً لتكرار ما حصل في جنيف ولوزان اي لتفادي ظهور عوائق مفاجئة تفجر ما اتفق عليه. كان الرئيس فرنجية مهتماً بالتوجه العام وليس بالتفاصيل.
ألم تشعر بأن خصومك في "القوات" يعدون لعمل عسكري ضدك؟
- كنا تحدثنا مع السوريين عن وجود بعض الحالات التي يمكن ان يساعدنا حلها على خفض التشنج. وطرحنا عليهم موضوع الموقوفين لديهم من "القوات" فاطلقوا سراحهم واقمنا لهم احتفالاً حضره سمير وقطع قالب الكاتو. في 31 كانون الاول ديسمبر خرجت من منزلي في ادما كسروان في طريقي الى مكتبي في الكرنتينا. وكنت قبل ذلك اشتريت شقة وجاء من يقول لي ان من الافضل تسجيلها قبل بدء السنة الجديدة لتلافي دفع رسوم اضافية. وقررت يومها ان اتوقف في جونية لتسجيل الشقة وهذا ما حصل. توجه اسعد شفتري الذي كان رئيساً لجهاز الامن والمعلومات حينها، وهو يقيم في المبنى نفسه الذي اسكنه، الى مقر الجهاز بسيارة مشابهة لسيارتي وبقيت انا في جونية لتسجيل الشقة. بعد انتهاء المعاملات ولدى وصولي مع صديق الى منطقة ضبية لاحظت وجود ثلاثة اعمدة من الدخان في مكان بعيد، وسألت فكان الرد انها من دخان القمامة في مكب برج حمود.
راودتني شكوك إذ كان شكل أعمدة الدخان لافتاً وقلت لهم ان يسألوا هل هناك عمليات امنية. طلبنا جهاز الامن فقالوا ان لا علم لديهم. بعد ثوان اتصلوا بنا من الجهاز وقالوا توقفوا حيث انتم وعودوا اذ ان هناك عمليات امنية. توقفنا وعدنا. وفي وقت لاحق توجهت الى مكتبي واجرينا تحقيقاً وتبين انهم اعدوا لي مكمناً فشاءت الصدف ان يقع اسعد الشفتري فيه. كان المكمن معداً بصورة محكمة كي لا ينجو احد. وقتلت في الحادث والدة ستريدا زوجة سمير جعجع اذ تصادف وجودها في مكان قريب. فالمسلحون الذين رتبوا المكمن امطروا بالرصاص كل السيارات المحيطة بسيارتي وقتلوا ركابها. نجا اسعد بالصدفة فقد كانت السيارة التي يستقلها مصفحة. اصيبت بقذيفة "آر.بي.جي." في الصندوق فاشتعل واصيبت بالرصاص. تصرف السائق بوعي وجرأة فقد كانت السيارة تشتعل لكنه تابع السير متجاوزاً الكمين فاصطدم بالجسر الذي يتجه الى المتن الشمالي. عندها لم يعد قادراً على المتابعة. فتحا الابواب وصعدا في اول سيارة مرت وتوجها الى مقر الجهاز. التصفيح انقذ الشفتري من الرصاص والشظايا ولكن لو اصابت القذيفة التصفيح لكان قتل. القذيفة اصابت مكاناً غير مصفح في الصندوق ولم تخترق الشظايا التصفيح.
كان المكمن عملية مشتركة بين امين وسمير. وجاءت الاشارة من مجلة "المسيرة" التي تحدثت عن اغتيال "الاتفاق الثلاثي" او مقتله على نهر الموت اي المكان الذي حصل فيه المكمن. عندها اوقفنا اعداد مجلة "المسيرة" فتصاعد الحديث عن لجم الحريات الاعلامية علماً ان "المسيرة" هي مجلة "القوات". اي ان فريقاً في "القوات" صار يتحدث عن القهر ومصادرة الحريات. زارني جعجع وقال لي: "يجب ان نحقق في الحادث، اكيد ان امين الجميل وراء العملية التي تستهدفنا. يجب ان نتماسك ونتضامن". وكما يقولون حاول سمير ان يدفعني الى النوم على حرير. لكن كل التقارير كانت تشير الى علاقة له بالحادث.
امين وسمير
هل فكرت في اغتياله آنذاك؟
- لا. كان السؤال ماذا نستطيع ان نفعل. انا ذاهب الى سلام مع افرقاء كنا نتقاتل معهم فهل يجوز ان ادخل في حرب "اهلية" داخل الفريق الذي اذهب الى السلم على رأسه؟ اعتبرت ان الطريقة الفضلى هي تسريع الامور ليتمكن المشروع السياسي العام من احتضان الجميع وعندها سيتردد كثيرون في القيام بعمليات عسكرية او امنية لعرقلته. كان هذا خياري على رغم وجود توجه لدى مجموعة كبيرة من قيادات "القوات" وثكناتها الى حسم الامور عسكرياً والغاء الفريق الذي يستعد لعمل عسكري قبل ان يتوحد ويكمل استعداداته خصوصاً انه كانت لدينا امكانات.
حينذاك طرحت السؤال: لنفترض اننا حسمنا ضد سمير فماذا نفعل بأمين وهو رئيس للجمهورية ولديه الجيش؟ هل نقسم الشرقية شرقيتين ام ثلاث؟ وهل نشعل حرباً في الداخل واين تقف؟ استنتجت ان الافضل هو الاستمرار في الحركة السياسية. هنا لا بد من القول انه لم يكن في استطاعتي الاستناد الى شريكي في "الاتفاق الثلاثي" بسبب عدم حماسة جنبلاط للاتفاق وبسبب حدود المناطق آنذاك.
هنا ظهر جو تخويني ضدي يقول ان ايلي باع بشير الجميل وباع القضية وبدأوا يروجون عن علاقة لي باغتيال بشير وانني في الاساس عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي وزرعت في "القوات". راحت الشائعات تنتشر وبدأ العسكريون في "القوات" بطرح الاسئلة. لقد اقدمت انا على خيار صعب وتحول جذري في العلاقة مع الطرف الآخر لكن ماكينة "القوات" لم تكن قادرة على اللحاق بهذا التحول فالماكينة تشبه القطار الذي لا يستطيع الدوران بسرعة.
ظهرت الصورة كأنني اخترت مع مجموعة خياراً يشكل افتراقاً عن الجسم الاساسي لپ"القوات". وحتى الفريق الذي كان معي كان موقفه ينطلق من تأييد لي اكثر مما هو تأييد مستند الى الاتفاق ونصوصه. كانوا يقولون لي نحن عرفناك محارباً شجاعاً ومسؤولاً وفياً ومستعدون للسير معك الى اي مكان تريد، لكن هذا لم يكن كافياً فخيار السلام كان صعباً ويستلزم تضحيات وقبول اشياء وحقائق جديدة. ولاحظت ان النقاش داخل "القوات" لم يكن حول خيار السلام بل هل ايلي حبيقة يمكن ان يخون ام لا.
"قوات" ومخابرات
بعد ثلاثة ايام ابلغني جهاز الامن والمعلومات بعملية عسكرية يحضرها جعجع ضدي بالتنسيق مع استخبارات الجيش اللبناني. وقالوا لي ان استخبارات الجيش ستزود سمير شاحنات عسكرية واذا تعذر تأمين الشاحنات فانهم يجمعون لوحات عسكرية لتسليمها اليه لضمان سرية العمليات. وذكروا ان مؤيديه في مقر قيادته في البربارة يطلون شاحنات بلون شاحنات الجيش ويثبتون عليها لوحات عسكرية. وقالوا ان العملية قد تتم في غضون يومين بالاسلوب الذي تمت فيه عملية الصفرا في 7 تموز يوليو 1980 ضد ميليشيا حزب الوطنيين الاحرار، اي تتوجه قافلة مموهة وتصل الى قرب المراكز القيادية فيقفز الشباب من الشاحنات لاحتلالها. وابلغني الشباب انهم اعدوا كمائن على الطرق لتدمير القافلة.
شعرت بأننا ننزلق نحو حلقة مفرغة. قلت لهم: "اذا اطلقنا اول رصاصة من يضبط آخر المشط". اتصلت بسمير جعجع فقالوا لي انه ليس موجوداً وتوجه الى القطارة للمشاركة في رياضة روحية. طلبت التحدث الى مساعده وابلغته المعلومات الموجودة لدينا. لا اذكر اسم من تحدثت اليه وربما كان نادر سكر. بعد نصف ساعة اتصل سمير بي فأبلغته المعلومات وقلت له ان العملية افتضحت واعدت الكمائن ضدها. وقلت له ان العملية ستؤدي الى اراقة الدماء. فأجاب: "لا وجود لعملية من هذا النوع ولا يجرؤ احد على التحرك من دون علمي، انا في رياضة روحية وسأكلمك لاحقاً".
بعد ساعة اتصل سمير بي وقال لي: "جماعة الامن عندك سيخربون بيتك، انهم يعطونك معلومات شي طالع شي نازل. لدينا شاحنات نحملها امتعة وفرشات للمقاتلين في الجبهة. اذا كانت هذه معلومات الامن تهانينا". قلت له: "ربما كنت على حق لكنني اردت اطلاعك على الاجواء التي اعيش فيها".
وعلى رغم شعورنا بأن الانفجار حتمي رحت اسعى الى تفاديه. في 13 كانون الثاني يناير توجه الرئيس امين الجميل الى دمشق في محاولة اخيرة لاقناعه بالدخول في "الاتفاق الثلاثي" لكنه رفض وتبلغنا نحن من سورية انه لم يمش. قال لهم سأفكر.
الجنرال شريك
وحصل اشتباك في المتن خلال وجود أمين في دمشق؟
- نعم. انا كان لدي شريك كنت متكلاً عليه في موضوع "الاتفاق الثلاثي" وهو شريك يفترض ان يمشي الاتفاق اذا وقف على رجليه وهو ميشال عون.
انا كنت استبعد الحسم العسكري بسبب وجود هذا الشريك. كان عون مطلعاً على تفاصيل الاتفاق والى اين نذهب، وكان مطلعاً ايضاً على تحركات استخبارات الجيش وبدايات التنسيق بينها وبين سمير. والحقيقة ان لقاءات سرية كانت تعقد ليلاً بيني وبين العماد عون مرة في حالات واخرى في منزله وكان الواحد منا قريباً من الآخر. وذكرت لك ان الجانب العسكري في الاتفاق الثلاثي اعده عون وتسلمناه بخط الضابط فؤاد الاشقر وهو كان المسؤول عن امنه ومن اقرب الناس اليه وضابط التنسيق بيننا.
وقبل ان يتوجه امين الجميل الى دمشق تحدثت مع الجنرال. قلت له: امين سيذهب الى دمشق وسيعود. في حال عدم الاتفاق اعتقد بأنه لن تكون هناك زيارة ثانية وستتصاعد الازمة الى حد ان احداً لن يستطيع ان ينام في اي مكان من الامكنة. سيحصل توتر وحذر داخل "القوات" وبين وحدات الجيش والاستخبارات وعلينا ضبط الوضع. الطريقة الوحيدة لضبط الموقف هي ان تنزل الالوية التي تثق بها بشكل مباشر على الارض. قال عون: كيف انزل هذه الالوية وماذا سيحدث بعد ذلك؟ قلت: "اذا مشى الاتفاق ولم يمش امين نوحد القوى ويمكن ان نصل الى حدود تشكيل مجلس ثورة او صيغة اخرى ولا يعود امين رئيساً للجمهورية فنحن يمكننا ان نرغمه على الاستقالة ويمكن ان نصعد الى قصر بعبدا وتتسلم انت القيادة في انتظار انتظام الاوضاع".
هذا الاجتماع عقد في حالات قبل يومين من توجه امين الى دمشق. قلت له: "القوات" لن تشتبك مع الجيش، اذا نزلت الالوية سترسم حدوداً بين الفريقين ونكمل مشروعنا. "قوات" سمير ستكون موجودة في الشمال وغير قادرة على الوصول الى بيروت. الجيش موجود على الارض ونحن موجودون في بيروت. وفي هذا الوضع لن يحصل اتصال على الارض بين سمير وأمين وحين يشعر امين بأننا معاً في مواجهته سيضطر الى التسليم بالامر الواقع. قال عون: كيف؟ قلت: ينزل جيشك على الطريق. فاجاب: انا جيشي منتشر على الجبهات ولا استطيع اتخاذ قرار بانزال الجيش على الطريق فكيف افرغ الجبهات؟ قلت: وماذا لو اخترعنا مشكلة امنية كبيرة الى درجة يصبح معها انزال الجيش الحل الوحيد لضبط الوضع فهل تمشي؟ قال: نعم. فقلت: امين سيكون في دمشق ولن يتمكن من الغاء امرك بانزال الجيش، نحن نقوم بعمل عسكري محدود في المتن وتنزل انت جيشك على الطريق. واذا سألك امين تستطيع ان تقول له انا حميت جماعتك او منعت الناس من الاقتتال؟ فقال: انا جاهز.
اتفقنا على ان يتم انزال اللواءين الثامن والعاشر اي الاقل تأثراً باجواء استخبارات الجيش.
بقرادوني مجدداً
هل نسقت مع سورية لتسهيل سحب الالوية من الجبهات؟
- لا، لم يكن هناك قرار بسحب الالوية من الجبهات اعتقد ان هذه الالوية كانت ألوية احتياط. خلال وجود امين في دمشق نفذنا العملية في المتن وعند الظهر سألناه هل انت جاهز فقال جاهز. بدأ الجيش بالانتشار وانسحبنا. واعتبرنا حينذاك ان الارض صارت في عهدة قوى حليفة وان الخطر العسكري لم يعد داهماً.
في اليوم التالي خيم هدوء مشوب بالتوتر. جاءتني عناصر من الفريق المؤيد لسمير وقالت هذا هو امر العمليات، في السادسة صباحاً ستبدأ التحركات. هناك عناصر في عين الرمانة مع اسلحتها وستهاجم العناصر الثكنات. اتصلت بكريم بقرادوني وسألته اين سمير؟ فأجاب: بتعرفوا، قاعد مع الملائكة في القطارة. اجبته: لا اعرف مع من هو قاعد في القطارة مع الملائكة ام مع الشياطين؟ يا كريم هناك عملية عسكرية يتم تحضيرها. اجاب: سأذهب لرؤيتك.
جاء كريم وكنا تأكدنا من المعلومات وضبطنا تحركات في بعض المناطق. قال كريم: يا ايلي جماعة الامن يتسببون في خلاف الاخ مع اخيه وفي خلاف الشخص مع نفسه. ساعة خبرية من هنا وساعة خبرية من هناك. يا ايلي سمير ليس بهذا الوارد. ولانك عقلاني اقول لك انا اضمن بنسبة 99 في المئة ان ليس هناك شيء. قلت له: انا اضمن لك مئة في المئة ان العملية ستنفذ. لماذا نتسبب في اراقة الدماء. اذا كنتم لا تريدون "الاتفاق الثلاثي" فانا لا استطيع السير فيه رغما عن "القوات". اجمعو الهيئة التنفيذية لپ"القوات" واطرحوا عليها استقالة رئيسها او اقالته واذا حصل ذلك انا مستعد للذهاب الى منزلي وهكذا يذهب الاتفاق مع من وقعه.
قال كريم: "شو هالخبريات يا ايلي لا هذه مطروحة ولا تلك مطروحة. الاتفاق وقع وباركته سورية فهل يمكن الغاؤه بهذه الطريقة؟ سمير لن يجن ويعرف انه لا يستطيع ان يدير ظهره لأمين". شعرت بأن كريم في وضع من اثنين: اما ان سمير لم يضعه في الجو وهو يفعل ذلك ويمكن ان يضحي بكريم، واما انه على اطلاع والطريقة الوحيدة للحصول منه على الخبر هي ان تؤذيه. ايذاء كريم كان يعني فتح المعركة. اعتقال كريم كان يعني اعطاء سمير مبرراً لبدء الاشتباك.
مدافع "الرفاق"
في تلك الفترة كنت انقطعت عن التوجه الى منزلي في ادما وصرت انام وايلي المر نجل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الحالي ميشال المر في منزل لوالده في الاشرفية. في تلك الليلة وحوالي الثالثة فجراً قال لي ايلي المر، لنذهب الى النوم. اجبته: المعلومات تذهب وتجيء انا افضل البقاء في المكتب كي ارى كيف سيطلع الصبح علينا. وفي السادسة صباحاً بدأ تنفيذ الخطة وانهمرت النيران علينا من كل الاتجاهات من المجلس الحربي نفسه ومن المتن ومن مواقع اخرى. قطعوا كل اجهزة الاتصالات وصبوا كل نيرانهم على مكتبي.
تركز القصف على مكتبي كأنهم ارادوا الخلاص مني من دون التسبب في معركة شاملة. اعتقد بأن جعجع نفسه كان راغباً في التخلص مني من دون مواجهة واسعة مع الثكنات. كان يريد ازاحتي ليرث "القوات" لكنه لم يكن راغباً على ما اعتقد في معركة طاحنة تضعفها الى درجة يصبح معها امين الطرف الاقوى. كان لدي في المكتب خط مباشر بيني وبين الجنرال عون. طلبته فرد. قلت له هل انت في اجواء ما يجري فقال نعم. قلت: ما لا افهمه هو ان النار تأتي من عندك؟ فأجاب: لدينا بعض المشاكل، يبدو ان اصحابك دخلوا على الخط - وكان يقصد مخابرات الجيش. سنضبط المسألة خلال وقت قصير. في اي حال سمير لديه قافلة تحاول التوجه الى بيروت لكنني لن اسمح لها بعبور النفق في ضبية اعطيت اوامر للواء الثامن بمنعها من عبور النفق. قلت: يكفي ان تمنع القافلة من التقدم في اتجاه بيروت ونحن يمكننا استيعاب الوضع خلال ساعتين.
الهجوم المعاكس... والقافلة
من كان يهاجمك من المجلس الحربي؟
- وحدات بقيادة نادر سكر. المكتب الذي كنت فيه لديه حرس ولكن ليست لديه وحدات عسكرية مقاتلة. كانت لدينا وحدات موالية قريبة ولكن لم تكن لديها ذخائر تكفي لقتال يومين او ثلاثة في مراكزها فالذخائر موجودة في المستودعات. بعد نحو ساعتين بدأ الهجوم الذي استهدفنا يخف وظهر نوع من خط الجبهة. عندها بدأنا هجوماً معاكساً لفك الطوق عن المراكز لكنه كان صعباً جداً لأنهم كانوا استولوا في بداية هجومهم على المواقع الحساسة وصارت استعادة كل موقع تستلزم عملية.
في هذا الوقت بلغتني معلومات ان القافلة التابعة لسمير وهي تضم دبابات وشاحنات عبرت النفق من دون صدام مع الجيش. وقفوا في وجه بعضهم ثم حصلت اتصالات وعبرت القافلة. اتصلت بالعماد عون وقلت له: اوقفنا الهجوم هنا ولكن يبدو ان القافلة قطعت وستصلهم امدادات. اجاب: لن يتوجه الى بيروت، قلنا له جعجع ان يتوجه الى اقليم المتن الكتائبي ليتحدث معنا من هناك. قلت: سمير قد يتوجه الى هناك لكن العسكر التابع له قد يلتحق بالمهاجمين. فقال: اننا نجري اتصالات.
اثناء الاتصال سمعت قائد اللواء العاشر المرحوم فايز حرب يقول لعون: مون جنرال كلمتك على المحك. اعطني الاوامر وأنا افتح الطريق. فاجابه عون: اننا نعالج الموضوع. ويبدو ان حرب كان مطلعاً على الموقف السابق لعون. لم اعرف ماذا كان يدور في قيادة الجيش في اليرزة لكنهم قالوا لي لاحقاً ان المهاجمين مستعدون لوقف النار اذا كنت مستعداً لأن تعلن لاذاعة "صوت لبنان" التابعة لحزب الكتائب وللصحف انك تراجعت عن "الاتفاق الثلاثي" وسحبت توقيعك عليه. اجبتهم: انا لن افعل ذلك، انا تصرفت وفق قناعتي وانا عسكري مثلي مثل غيري فاذا ارادوا الاستمرار ليستمروا وليحدث ما يحدث.
بعدها تلقيت اتصالاً من ميشال المر الذي شارك في المفاوضات وكان ابنه محاصراً معنا. في هذا الوقت اعدنا الاتصالات وتحسنت مواقعنا في الاشرفية وبدأنا اغلاق الثغرات التي احدثها الهجوم. لم تصل القافلة لكن كان هناك مناخ انه اذا لم تنجح المفاوضات فان القافلة ستشارك في الهجوم ضدي وبدا ان امين او بالاحرى استخبارات الجيش تشارك في وضع الشروط. حاولت التحدث الى سمير في مقر اقليم المتن فلم يرد علي وادركت ان الامور سائرة الى الآخر. آخر عرض جاءني يقول: اما ان تستمر العملية واما ان تتوقف وتحضر وحدة من الجيش وتخرجكم من المجلس الحربي شرط ان لا تبقى في البلد.
تردد آنذاك ان مسؤولاً سورياً اتصل بعون طالباً ضمان سلامتك؟
- لا علم لي. قيل الكثير آنذاك. انا اروي لك ما عشته.
الاموال... والمعلومات
وافقت على مغادرة المجلس فماذا حصل هل طلبوا الاموال والمعلومات؟
- كان ارشيف جهاز الامن ضخماً جداً فاتلفناه وكنا اتخذنا قبل فترة احتياطات لضمان عدم حصولهم عليه وذلك حرصاً على سلامة من كانوا على علاقة معنا. صورنا نسخة عن الارشيف ووضعناها في مكان آمن. عندما وصلت قوة الجيش كنا اتلفنا كل شيء. كنت محتاراً فأنا لا استطيع اخذ "القوات" بالقوة الى السلم. واثارت حملات التخوين شعوراً بالقرف لدي. صار همي سلامة المجموعة التي كانت معي. ونحن نغادر قال كثير من الشباب: لماذا نغادر ولا يزال لدينا ثلاثة آلاف شاب في الاشرفية، كل المشكلة بالنسبة الينا هي الاوتوستراد الذي يفصل بين موقعنا والاشرفية. المهم ان نصل الى الاشرفية ثم ننطلق منها. وكنت اجيبهم: لماذا نفعل ذلك؟ هل نخوض حرب جسور جديدة بين جسر الواطي وجسر الكرنتينا ونقيم خطوط تماس جديدة؟ لا اريد التسبب في وضع شبيه بالذي كان قائماً بين الكتائب والاحرار. وتوجهنا الى وزارة الدفاع تواكبنا عناصر من الجيش.
في وزارة الدفاع
عندما كنت في وزارة الدفاع بدأ الصراع على من سيتسلم "القوات". زارني بقرادوني وقال لي هناك مشكلة الصندوق الوطني والاموال موجودة لدى بول عريس فاجبته: انا ساغادر وانت ترى من يغادر معي وهؤلاء كلهم من "القوات" وحين اغادر افعلوا ما تريدون. قال: أليس من الافضل ان تقوموا بعملية تسلم وتسليم وتحويل الحسابات قلت: بول سيبقى يومين او ثلاثة لانهاء العملية ثم يقرر ماذا سيفعل وهل يبقى ام يذهب؟ قال: سمير لا يضع فيتو على احد ولكن هناك بضعة اشخاص ازعجوه ومن الافضل الا يبقوا.
هل اصر على مغادرة اسعد الشفتري؟
- لا، كان يريد جهاز الامن لكنه كان منزعجاً من بعض القيادات العسكرية التي وقفت ضده. قلت لكريم: لا استطيع المناقشة وبالي مشغول، زوجتي وابني محاصران في ادما. قال: انا اذهب وآتي بهما. ذهب كريم وعاد بهما. عدنا وجلسنا وسألته: بكرا شو، انا ساغادر وانتم الغيتم "الاتفاق الثلاثي" ولكن ماذا ستفعلون؟ اجاب: انا قرفان، اقدم سمير على خطوة انتحارية وسيأخذنا وسيأخذ المسيحيين الى الهلاك، انا سأجمع اغراضي واسافر. هذا البلد لم يعد يطاق. المحاولة الجدية الوحيدة هي التي قمتَ بها ولن ينفع شيء بعدها.
تنازعتني افكار كثيرة. حاولنا طي صفحة الحرب واقامة السلام لكننا لم ننجح. في هذه الاحوال يفكر المرء في مصيره ومصير رفاقه ورحت افكر في المستقبل ايضاً فيما كان الشباب ينقلون الي شكاواهم. هذا لا يعرف شيئاً عن زوجته وذاك لا يعرف شيئاً عن امه. سقط الكثير من القتلى والرقم كان بالمئات. سقط قتلى على مداخل مكتبي.
كنا في 15 كانون الثاني يناير وسبق ذلك التاريخ اسبوع من الازمات. وفي رأس السنة كان الصندوق قد دفع الرواتب وهو لم يكن في الواقع مثل صندوق جورج انطون لاحقاً ففي ايامنا كانت الجبايات خجولة. بول عريس اخذ معه الى فرنسا حوالي 800 الف دولار اي اننا انقذنا من الحسابات نحو مليون دولار. يومذاك ظهرت شائعات أننا اخذنا 200 مليون دولار والحقيقة هي مليون دولار بالكاد كانت كافية لثلاثة اشهر اذ غادر معنا نحو 200 شاب.
ألم توقع اي ورقة؟
- لا. في اليرزة زارني فريق آخر من "القوات" يمثله فؤاد ابو ناضر القائد السابق لپ"القوات" وطلب مني عدم تسليم الاموال الى سمير فقلت لهم: سأترك البقرة في الارض وليستول عليها من يستولي. وهنا اريد ان اكشف حقيقة هي انني غادرت البلد ولم اكن انوي العودة. اعتبرت انني فعلت كل ما استطيع ولم انجح.
ساعة الحريري
التقيت ميشال عون في الوزارة فقال عندنا مشكلة: جبهة الدوار مهددة وجبهة سوق الغرب ولا عسكر هناك. جاء شباب وطلبوا مني التوجه الى الاشرفية او الحازمية فلم اوافق لانني لم اكن راغباً في قتال بلا افق يتسبب في سقوط المزيد من الضحايا. صباحاً وسافرت الى قبرص في طائرة هليكوبتر ومنها الى باريس. التقيت هناك رفيق الحريري فسألني عما حصل وقال: هل تريد اي مساعدة؟ فقلت: نعم، هل يمكنك مساعدة الشباب على الاقامة لفترة قصيرة في انتظار ان يتدبروا امرهم؟ وتجاوب فعلاً.
وهل كان دفع لپ"القوات" قبل التوقيع لتشجيعها على خيار السلام؟
- لم يدفع بهذه الصورة. كان لدي مشروع وهو تغيير الصبغة العسكرية لپ"القوات" وتحويلها مؤسسة انتاجية. كان لدي مشروع طموح. اشترينا قطعة ارض كبيرة في طرزيا قضاء جبيل واردنا ان نشيد هناك بيوتاً للمقاتلين الراغبين في التحول إلى العمل الزراعي. وكنت طلبت من المسؤول عن سلاح المدرعات ان يدرس ماذا نستطيع ان نفعل بالمدرعات، هل نبيع الدبابات ونشتري جرارات زراعية ام يمكننا تحويلها الى جرارات. هنا اتصلت برفيق الحريري وتستطيع القول انه كانت للاتصال علاقة بپ"الاتفاق الثلاثي" كما تستطيع القول ان لا علاقة له بذلك. وقلت له اننا نحتاج الى مليون ومئتي الف دولار لتشييد 65 مسكناً في طرزيا فرد: انا جاهز. وسأل الحريري: هل ستعمرون ثكنة؟ فأجبت: لا انها بيوت سكنية ونحن نحاول تحويل الآلة العسكرية الى آلة اقتصادية. وتجاوب الحريري. وبعد خروجنا توجه شبان الى ايطاليا وسواها من البلدان وبقي نحو 25 شاباً فدبر لهم الحريري مكاناً للاقامة في باريس. اما زوجتي وابني وزوجة اخي وابنه وزوجة أسعد شفتري وابنه وزوجة أحد الرفاق وأولاده الثلاثة والمجموع اربع نساء مع اولادهن فقد اعطاهم شقة في باريس ثم اقاموا في فيلا له في سويسرا نحو سبعة اشهر.
اتصال من خدام
امضيت اربعة ايام في باريس. وخلال زيارة للحريري كنا نتحدث فيها عن الاوضاع قال لي اتصل ابو جمال عبدالحليم خدام ويحب ان يتحدث اليك. فقلت: انا خسرت المعركة. فقال: يريد ان يقول لك الحمد لله على السلامة. طلب الحريري ابو جمال وتحدثنا فقال لي: ما بدنا نشوفك؟ فقلت: انا خسرت المعركة ولم اعد مسؤولا عن "القوات"، انا صرت ما حدا. فقال: في الصداقة ليس هناك ما حدا، انت وضعت يدك في يدنا فتفضل لنقول لك الحمد لله على السلامة ثم سافر. وهناك بعض الاشياء نريد ان نخبرك اياها وقد لا تكون على علم بها.
في هذه الاثناء كان ميشال المر لحق بنا الى باريس فبحثت معه في الموضوع وسألني عن رأيي فقلت: نذهب في زيارة لياقة ونطلع على الاوضاع. توجهنا الى دمشق والتقينا خدام. بعد الحمد لله على السلامة قال لي: انا اعرف انك تراجع حساباتك حالياً. فأجبت: انا لا اراجع شيئاً انا قررت ان اتحول الى مزارع، سأقتني ابقاراً وقد لا يكون التعامل معها متعباً.
زحله لا البرازيل
الى اين كنت تنوي التوجه؟
- الى البرازيل. قال لي ابو جمال: ربما كانت لديك شكوك في ما كنت تفعله وهل هو محق ام لا. فقلت: نعم. قال: اريد ان اطلعك على ورقة ارسلها الينا كريم بقرادوني ويقول فيها ما معناه ان ايلي حبيقة كان يملك 70 في المئة من "القوات" واعطاكم مئة في المئة من الاتفاقات نحن نملك مئة في المئة من "القوات" ومستعدون لأن نتناقش على 80 في المئة من الاتفاقات. تعرف كريم يحب هذا النوع من المعادلات. سألته: ماذا يعني ذلك؟ اجاب: يعني ان الخط الذي كنت سائراً فيه هو الصحيح، والآن الشباب "القوات" يريدون فتح صفحة معنا ومناقشتنا. نحن ليست لدينا ثقة. كانت كل الابواب مفتوحة لهم وكان كريم هنا وطرح علي اسئلة ورددت باجوبة صريحة.
سألت خدام: ما قصة سمير جعجع وسليمان فرنجية فأجاب: رددت على كريم اننا سنتساعد على حل هذا الصراع. لم يطرح معي موضوع نيابة او وزارة. سألني ما هو وضع سمير فاجبته مثل وضع كل الناس واذا كانت امامه عقبات اكثر من غيره نتساعد في ازالتها.
انا في الحقيقة كنت افكر في القيام بزيارة لمدينة زحلة بعدما بلغتني انباء عن ممارسات سمير ضد من كانوا الى جانبي. واعتبرت ان هؤلاء يحتاجون الى من يتحدث اليهم ويطمئنهم. سألت ابو جمال: هل استطيع الذهاب الى زحلة؟ فرد: اكيد. قلت: سأذهب الى هناك لرؤية الشباب وبعدها ارد على سؤالك عما سأفعل.
نزلت الى زحلة وابلغني الشباب بالاضطهاد الذي يمارس على من ايدونا. وهنا اقول ان سمير جعجع كان السبب في عودتي الى لبنان وتحديداً بسبب ما مارسه ضد المؤيدين لي. كنت راغباً فعلاً في التوجه الى البرازيل. لكنني شعرت بمسؤولية تجاه الشباب الذين يتعرضون للأذى بسببي. وقررت البقاء لمدة اسبوع ثم تبعه اسبوع وبقينا.
الى متى استمرت مساعدات الحريري لكم بعد خروجكم؟
- اعتقد نحو سبعة اشهر.
هل كان لديكم تمويل آخر؟
- لا، لكن ميشال المر ساعدنا لفترة. بعدها بدأنا نستدين ونبيع بعض الاملاك. هناك اقارب لي باعوا منازلهم لنستطيع الاستمرار.
الديبلوماسيون الايرانيون
قبل أن نتابع موضوع الاتفاق، ما هي قصة الديبلوماسيين الايرانيين الذين اختفوا في 1982؟
- عندما حصل الاجتياح الاسرائيلي وبدأ بعض الناس يخرج من بيروت الغربية في اتجاه طرابلس والبقاع اعطى بشير الجميل توجيهات للمسلحين المرابطين على مداخل المنطقة الشرقية بالسماح بمرور المواطنين العاديين باستثناء الحزبيين والمسلحين الفلسطينيين. وحصلت حوادث عدة. اناس حاول امين الجميل ان يمررهم فاعادهم بشير. في تلك الفترة اتصل جوني عبده مدير استخبارات الجيش اللبناني آنذاك ببشير وابلغه ان ديبلوماسيين ايرانيين غادروا طرابلس وربما اضاعوا الطريق ودخلوا الشرقية واختفوا بعد عبورهم حاجز البربارة. اتصل بي بشير وقال لي: هل تعرفون شيئاً عن ايرانيين محتجزين؟ قلت: سنسأل. اتصلنا يومها بضابط الأمن في جبهة الشمال المسؤول عن حاجز البربارة التابع لسمير جعجع لنسأل عن الموضوع وكان الرد من جبهة الشمال: نعم حاول ايرانيون العبور فمنعناهم وعادوا الى طرابلس. ابلغت بشير هذه النتيجة ونقلها الى الرئيس الياس سركيس وتوقف الموضوع عند هذا الحد.
بعدها بدأت الاخبار تتحدث عن اختفاء الايرانيين او خطفهم وقتلهم. وترددت هذه الاخبار يوم كنت لا ازال مسؤولاً في "القوات" في الشرقية. سألت جعجع عنهم فأجاب: "لا اعرف جاؤوا وراحوا". كانت لدى جعجع سجون خاصة به. وكانت الجبهة الشمالية في "القوات" مستقلة عملياً بسبب الحساسيات الخاصة المتصلة بالوضع في الشمال. كان لهم جهاز امن خاص وجهاز مالي خاص على رغم حصولهم على اموال من صندوق "القوات". قبل خروجي من الشرقية بدأنا اتصالات. جاء وفد من الصليب الاحمر ومنظمة العفو الدولية وزار السجون التي كان يحتجز فيها عدد من المتهمين باحداث امنية او نشاطات عسكرية معادية. وكنا حينها بدأنا الاتصالات مع الصليب الأحمر لترتيب نقل رسائل منهم إلى ذويهم.
بعد خروجنا من الشرقية قال لي الرئيس نبيه بري وكان يومذاك رئيساً لحركة "امل": عندي مسؤول ايراني يحب ان يراك ليتحدث اليك في موضوع الايرانيين المخطوفين. اجبته: ليس عندي ما اقوله في هذا الموضوع. أصر نبيه بري على عقد اللقاء. والتقيت المسؤول الايراني فقال لي: تلقينا تقريراً من سمير جعجع يفيد انهم سلموكم الايرانيين المخطوفين وقد اغتيلوا لديكم. قلت له: هذه معلومات مغرضة فبيني وبين جعجع خصام. نحن لم نشاهدهم ولم يصلوا الى المنطقة التي نعتبر مسؤولين عنها. اذا كانوا موجودين اتصلوا بجعجع ليسلمكم الجثث على الاقل. وتردد لاحقاً ان الايرانيين كانوا بين معتقلين ارسلوا الى اسرائيل ولا اعرف مدى صحة ذلك.
ذكر أنهم دفنوا قرب المجلس الحربي واحدهم على الشاطئ في الشمال؟
- هذه الاخبار سربتها "القوات" في ايام سمير جعجع .
الأسبوع المقبل: الطريق إلى الاتفاق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.