قصة لبنان مع الخريف طويلة. وربما هي الصدفة شاءت ان يولد الاستقلال اللبناني في الخريف ليبقى ربيع الاستقلال مهدداً بجاذبية الانتحار والاغتيال. في الخريف ماتت الجمهورية الأولى وتحديداً حين غادر الرئيس أمين الجميل قصر بعبدا في ليلة 22 - 23 أيلول سبتمبر 1988 تاركاً القصر في عهدة العماد ميشال عون رئيس حكومة العسكريين الذي حاول استرجاع الربيع بطريقته. وفي الخريف التقى النواب اللبنانيون في الطائف وولدت وثيقة الوفاق الوطني. وفي الفصل نفسه انتخب رينيه معوض واستشهد مع الاستقلال وانتخب الرئيس الياس الهراوي ولا يزال. في الخريف أزيح الجنرال عون من قصر بعبدا 13 تشرين الأول - اكتوبر 1990، وفي الخريف انتخب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي واعدا بانهاء خريف الحياة البرلمانية، وكلف رفيق الحريري بتشكيل الحكومة واعداً بانهاء خريف الليرة وفتح الباب لربيع الاعمار. كأنما كتب على لبنان ان تكون استحقاقاته خريفية. ففي هذا الشهر تهب رياح الانتخابات الرئاسية في لبنان وسط مؤشرات الى رجوح كفة التمديد للهراوي على قاعدة ان الاستمرار ضمان الاستقرار. في الفترة الماضية كانت لسلسلة يتذكر محطات مع الوزير وليد جنبلاط والرئيس حسين الحسيني والرئيس رفيق الحريري والعميد ريمون اده. ووسط انشغال الخريف اللبناني الحالي بحديث التعديل والتمديد كان لا بد من زيارة لذاكرة الجنرال في منفاه في لاهوت ميزون فرنسا. لم يهجم الخريف على ارادة الجنرال، ويقر خصومه بأن شعبيته لم تبلغ خريفها. سألناه فتذكر الطفولة وطريق المدرسة الحربية وقيادة الجيش والثمانينات الصاخبة وقصر بعبدا ورؤساء وزعماء. وهنا نص الحلقة الأولى: جنرال هل اشتقت الى قصر بعبدا؟ - لا، انا اشتاق الى الصنوبر والزيتون والتين. أنا لا اشتاق الى قصر. انا لا احب المدينة اصلاً. انا احب رائحة زهر الليمون. منذ لحظة تسلمي رئاسة الحكومة كلفت ابواق اعلامية تشويه صورتي وتقديمي كعاشق سلطة او متسلط او متشدد يصعب التفاهم معه. كل ذلك للنيل من موقفي. لو كنت عاشق سلطة لقبلت بها بأي ثمن. انا عسكري اخترت الجيش وأحب الارض وليست لي مطامح سلطوية او مالية. انا امضيت عمري ضابطاً ميدانياً انام على السرير الميداني حتى حين كنت قائداً للواء. كيف تنظر الى قضية "الترويكا"؟ - المطلوب حكم مشلول ليبقى القرار في يد المرجعية الخارجية. انت تجزم بان الرئاسة عرضت عليك؟ - نعم. ومن سورية؟ - نعم. في اي مرحلة؟ - بعد الصدام الاول مع "القوات اللبنانية" 14 شباط/ فبراير 1989. من نقل اليك العرض؟ - لن اقول الآن. في اي حال رئيس الجمهورية حالياً اقل من رئيس الوزراء. استغرب ان يطلوا من التلفزيون ويقولوا انهم مرشحون لرئاسة الجمهورية. هل قرأوا الدستور وعرفوا الصلاحيات؟ ماذا حدث في 22 ايلول 1988، اي في اليوم الاخير من عهد الرئيس الجميل؟ - صباحاً كان عليّ زيارة الطبيب لتغيير الضمادات ليدي المكسورة. اتصل رئيس الجمهورية بمنزلي. مررت على المستشفى وصعدت الى القصر الجمهوري فوجدت الرئيس شارل حلو عند الرئيس الجميل. قال لي الجميل: لم يعد امامنا غير ان نشكل اليوم حكومة انتقالية، الرئيس حلو اقترح ان تكلف انت تشكيل الحكومة، وانا رأيي ان يكلف بيار حلو وان تتولى انت حقيبة الدفاع لتساعده في الظروف الحالية. اجبت: "لا مانع لدي فخامة الرئيس ولكن على اساس احتفاظي بقيادة الجيش لانني لا اطمح اصلاً الى ان اكون وزيراً وآمل ان تكون الفترة قصيرة جداً وابقى بعدها في قيادة الجيش". وتوجهت الى اليرزة على اساس ان يتصل بي سيمون قسيس لحظة تشكيل الحكومة. حان وقت الغداء فقلت لسيمون: هل اذهب واتغدى في البيت؟ فقال: لا القصة ستنتهي الآن. تغدينا في اليرزة ثم جاء موعد العشاء. هل اجريت خلال النهار مشاورات مع جعجع؟ - ابداً. ولم اتحدث في موضوع الحكومة مع احد باستثناء ما قلته في حضور حلو والجميل. ألم تكن تخطط لتولي رئاسة الحكومة؟ - ابداً، ولهذا طلبت ان استمر في قيادة الجيش عندما طلب مني ان اكون وزيراً. لكنك كنت تلوح امام الضباط بأنك لن تترك البلد يندفع الى فراغ؟ - انا كنت قائداً للجيش وهو اكبر مؤسسة شرعية تضم لبنانيين من كل الفئات والمناطق. انا كقائد جيش لا استطيع الهرب او التهرب وترك البلاد تضيع وان تفتك الناس بعضها ببعض. قادة الجيوش في العالم ينظمون انقلابات ويستولون على السلطة. نحن لسنا كذلك ولكن من حقنا ان ننبه الى خطورة الفراغ وانه مرفوض. الجيش مؤتمن ايضاً على وحدة الارض والشعب وسلامة المواطنين. هل تريد مثلا ان يحصل فراغ كامل واجمع اوراقي واذهب الى منزلي واكون فزت بسلامتي؟ انا كنت ضد حصول الفراغ لكنني لم اطلب دوراً ولم اقترع لا مباشرة ولا بالواسطة ولم اضغط على احد ولم افاتح احداً. عند المساء سألت قسيس فقال: بعد قليل. في الليل، حوالي التاسعة اتصلوا بي فظننت ان حكومة شكلت فصعدت الى القصر الجمهوري لأكتشف انهم لم يفعلوا شيئاً. اقترح احد الحاضرين، ولا اذكر جيداً هل كان جوزف الهاشم أم لا، ان اؤلف انا الحكومة وبدأ نقاش في الموضوع بعدما اعتذر بيار حلو عن تشكيلها. طرحت عليّ صيغة تضم المجلس العسكري ومدنيين من المنطقة الشرقية بينهم ممثلون لپ"القوات اللبنانية". لم يكن وارداً ان اوافق على صيغة من هذا النوع، فكيف تشكل حكومة تضم المجلس العسكري و"القوات اللبنانية"؟ ان مجرد تشكيلها على هذا النحو يعطي عذراً لضربها. طرح امين الجميل صيغاً عدة. قلت له: اذا كنت انا سأشكل الحكومة فان الصيغة المنطقية الوحيدة هي ان تتشكل الحكومة من اعضاء المجلس العسكري. فهذا المجلس عينته حكومة الرئيس كرامي وهو بطبيعته متوازن طائفياً ويمثل الجميع. قال لي الجميل: هل ستتشاور مع اعضاء المجلس، فقلت له: نحن لا نجري مشاورات سياسية نحن عسكر ونقبل هذه المهمة كأنها مهمة عسكرية. بعد الاقرار بصيغة المجلس العسكري اتصلت باعضائه جميعاً وقبلوا المهمة واعربوا عن املهم في ان تمر على سلامة، وسألوني هل يجب ان يحضروا فوراً فقلت لهم نجتمع صباحاً لأننا صرنا الآن عند منتصف الليل. ما ان اعلنت الحكومة حتى صدرت في الاذاعات بيانات تعلن استقالة ثلاثة من اعضاء المجلس من دون التشاور معهم واقفلت الطرق. لو كنت اخطط لتولي رئاسة الحكومة لما وافقت على تولي حقيبة الدفاع في حكومة برئاسة بيار حلو. طبعاً استقالة الضباط الثلاثة كانت بفعل ضغوط خارجية. في 14 شباط فبراير 1989 وقع اول صدام بين الجيش و"القوات اللبنانية"؟ - في اواخر كانون الثاني يناير ذهبنا الى تونس بدعوة من اللجنة السداسية العربية. ذهبت انا وذهب سليم الحص وحسين الحسيني، واجتمع كل منا على حدة مع اللجنة وعرض وجهة نظره. يومها غادرت بيروت الى قبرص بالهليكوبتر ومنها الى تونس في طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الاوسط ودفعنا اجرتها يضحك. وكان رأي اللجنة ان سليم الحص تكلم سنياً وحسين الحسيني تكلم شيعيا ًوالعماد عون تكلم لبنانياً. يومها في تونس قلت: "لا يحكم لبنان من دمشق ولا يمكن من بيروت ضد دمشق". رسمت في جملة ما يمكن ان يكون الاطار الطبيعي للعلاقات بين البلدين. لكن الطرف الآخر لم يكن على استعداد لأن يسمع .... في تونس طلب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح السالم الصباح منا، انا والحسيني والحص، ان نلتقي الى مائدة غداء. رددت بالايجاب على اقتراحه فأنا صاحب قراري وبديهي ان يلتقي اللبنانيون ولو من مواقع مختلفة. اتصل الحسيني والحص بعبدالحليم خدام لاستئذانه فاسمعهما كلاماً قاسياً واعتذرا والغي الغداء. نقل الي احد الاصدقاء رغبة السيد ياسر عرفات في الاجتماع بي. اجتمعنا. كان الحديث قصيراً ومثمراً. قلت له: اعداء القضية الفلسطينية ليسوا في لبنان ونحن نريد ان يسترجع صاحب الحق حقه والبندقية الفلسطينية يجب ان تكون حيث يجب ان تكون. تجاوب عرفات تماماً وقال انه يضع بندقيته في تصرف لبنان. اعتقد بأن ما جرى لاحقاً اظهر انه لم تكن هناك مشكلة بين الافراد وبين القيادات ما دام ان منظمة التحرير سلمت ان اعداءها ليسوا في لبنان. طبعاً بقي الخلاف الفلسطيني - السوري والخلاف بين منظمة التحرير والاحزاب الموالية لسورية وهذا الخلاف بين المنظمة ودمشق عنصر اساسي في فهم ما جرى على ارض لبنان. ألم يكن للجيش اللبناني دور في حرب "المخيمات"؟ - لا. لكن اللواء السادس في الجيش شارك فيها. ألم تزوده ذخائر؟ - كانت لديه مخازنه. اغتيال كرامي كنت قائداً للجيش حين اغتيل الرئيس رشيد كرامي في أول حزيران يونيو 1987 في طوافة تابعة للجيش، لماذا رفضت اتخاذ اجراءات بحق العسكريين؟ - في مثل هذه الاحداث هناك اجراءات لامتصاص النقمة وإجراءات قانونية. انا اعتبرت مقتل الرئيس كرامي حدثاً مهماً وخطيراً في حياة لبنان السياسية وفي مسار الحرب. استهدف الحادث رئيس حكومة وشخصية لبنانية كبيرة. فور وقوع الحادث جاء من يقترح اجراءات ضد فلان وفلان من العسكريين. أنا كقائد للجيش ولأن الرئيس كرامي اغتيل في هليكوبتر عسكرية كنت مهتماً بأن يجرى تحقيق وأن تحدد المسؤوليات وبما فيها مسؤولية الاهمال وعندذاك تتخذ الاجراءات. وصل الأمر الى درجة ان الرئيس الجميل اقترح في النهاية عزلي من منصبي لكن الحص عارض. كيف كانت علاقتك مع الرئيس كرامي؟ - كانت علاقة جيدة. كان الرئيس كرامي رحمه الله رجلاً هادئاً ورصيناً ومتفهماً. كان اغتياله جريمة كبرى. رشيد كرامي يساير الواقع لكنه ليس من فئة التابعين فهو رجل دولة ويحرص على الدولة على رغم الخلافات السياسية. كان كرامي واقعياً وربما مفرطاً في واقعيته لكنني اعتقد بأنه لم يكن ليقبل بما قبل به الآخرون. في عمليات الاغتيال علينا ان نلتفت الى مسألة وهي ان اجهزة الاستخبارات على اختلافها نجحت في اختراق القوى المتصارعة على انواعها. وحين يريد جهاز ما اغتيال شخص ليس ضرورياً ان يوكل الامر الى احد عناصره. وأحياناً كثيرة يجند الجهاز شخصاً عبر حلقات متباعدة الى درجة ان المنفذ قد لا يعرف الجهة الحقيقية التي يعمل لمصلحتها. وأحياناً يتخلص الجهاز من المنفذ ولا تبقى آثار أو بصمات. المهم في هذا النوع من المواضيع ان تتوقف عند الجهة المستفيدة، وبالتأكيد فان اغتيال الرئيس كرامي زاد من خطورة الوضع فأنت حين تلغي الاقطاب تقطع الطريق على فرص التسوية. ولكن ما هي حدود مسؤولية المؤسسة العسكرية او افراد منها؟ - كانت الطائرة تغادر بيروت الى طرابلس وتعود. من دون تحقيقات دقيقة لا تستطيع الجزم أين وضعت العبوة وهي حشوة يمكن ان توضع في أي مكان. انا لا اتهم أحداً ولا أبرئ احداً وأتمنى ان يكتشف المجرم الذي نفذ والجهة التي تقف وراءه. سأعطيك مثلاً: حين توليت رئاسة الحكومة كان الجنود يحاولون ابعاد الناس عني فكنت أطلب من الجنود ان يتركوا الناس. هذا خطأ امني. في طرابلس كان الناس يتجمهرون حول الهليكوبتر او يقتربون منها. انا لا ارجح فرضية لكنني أقول ان الامر يحتاج الى تحقيق دقيق. حصلت الحادثة فشكلنا لجنة تحقيق ضمت ضباطاً من اصدقاء الرئيس كرامي، ولم تتوصل اللجنة الى أدلة على الفاعل. وأبلغت يومها المحقق وليد غمرة ان كل العسكريين في تصرفه ولا خيمة فوق رأس احد من الجندي الى قيادة الجيش. وأعود وأقول في وضع كالذي كان يمكن استئجار يد للتنفيذ. انا مثلاً تعرضت لمحاولة اغتيال خططت للتنفيذ ضدي في قبرص. تبين ان وراءها الحزب القومي الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكن الأهم من ذلك هو من أين انطلق القرار ... في بعبدا اطلق شاب اسمه فرنسوا حلال النار عليّ. كاد العسكريون ان يقتلوه فسارعت الى انقاذه وقلت لهم ان حلال مثل المسدس الذي استخدمه والمهم هو من ارسله وتبين ان الوزير السابق عبدالله الأمين، الأمين العام السابق لمنظمة حزب البعث في لبنان، هو الذي أرسله وهذا يكفي. انذار سوري أعود الى الصدام الأول مع "القوات اللبنانية"؟ - لم يحصل صدام بل افتعل صدام. لا شك في انك تذكر ان ريتشارد مورفي المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط وعدنا بالفوضى اذا لم نرضخ للتفاهم الاميركي - السوري انتخاب مخايل الضاهر خلفاً للرئيس امين الجميل. كانت هناك قوتان على الأرض الجيش و"القوات" ولخلق الفوضى لا بد من ضلوع احد الطرفين في محاولة اثارتها. في 14 شباط افتعلت عناصر من "القوات" احداثاً وراء خطوط الجيش وأغلقت بعض المعابر. قمنا بعملية محدودة ضدها ونظفنا بعض المناطق وحين حاولنا ان نكمل قامت الصرخة وحصلت تدخلات دولية. هل تدخلت اسرائيل مثلاً؟ - قلت ان تدخلات دولية حصلت وجاءت من اكثر من جهة، اي من اسرائيل وغيرها. وأرسل البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير وفداً من ستة نواب طالبوا بوقف القتال علماً ان هؤلاء النواب كانوا يطالبون في السابق برأس "القوات". اوقفنا القتال. يومها تعرض سمير جعجع لمحاولة اغتيال وهو في طريقه للاجتماع بك؟ - حددت نقطة للتلاقي لكي يواكبه العسكريون اعتباراً منها وصولاً الى قصر بعبدا. جاء من نقطة اخرى والتقى دورية وحصل اطلاق نار وقتل احد مرافقيه. لو كان المطلوب اغتيال جعجع لماذا لم يقتلوه؟ يقول جعجع انه صعد الى القصر رغم الحادث وكان في أقصى درجات المرونة وقال لك "انا بأمرك"؟ - صحيح لكن ذلك كان موقفه النظري. موقفه العملي ظل هادئاً الى ان دخل في عملية الطائف ثم في التفاهم الاقليمي - الاميركي وتعهد هنا اسقاط ميشال عون من الداخل. لم يعد سراً التحريض الاميركي لسمير جعجع اتصال السفير الاميركي به من الشمال وحصوله على ضوء اخضر اسرائيلي وعلى حماية سورية اثناء القتال. أبلغني السوريون اثناء القتال بواسطة مسؤول أمني لبناني حالي "ان انتصار العماد عون في القتال الدائر حالياً ممنوع والقوى جاهزة للتحرك". كان ممنوعاً علينا ان ننتصر، لكننا منعنا سقوطنا سريعاً لكي نفضح اللعبة التي ظهرت في 13 تشرين الأول اكتوبر 1990. ما قصة "حرب التحرير" التي اعلنتها؟ - انها اعلان سوري للحرب علينا. خسرت مع الأميركيين لماذا سميتها اذاً "حرب التحرير"؟ - وماذا تسميها حين تكون الأرض محتلة! هل كان لديك اعتقاد بأنك اذا صعدت المواجهة مع سورية سيحصل تدخل دولي؟ - حصل تدخل دولي وربحنا الدعوى ومزقت أميركا الورقة. هل تذكر التقرير الأول للجنة الثلاثية العربية الذي ألغاه جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي السابق. أنا لم أخسر الدعوة أمام العرب بل خسرتها أمام أميركا. وأثر الموقف الأميركي في الموقف العربي. المراجع العربية اعطتني الحق في موقفي لكن حسابات الولاياتالمتحدة في المنطقة هي التي تغلبت. لننتظر قليلاً، ان هضم لبنان ليس سهلاً وقد يكون خطيراً على سورية. لهذا أقول للسوريين تعالوا لنتفق على علاقات متوازنة وطبيعية بين البلدين والدولتين لأن كل ما هو موجود حالياً قد لا يستمر اذا مرت سورية في مرحلة ضعف. اذا تغيرت معادلة القوى الحالية لن تكون العلاقة الحالية مقبولة سواء كان الذي يحكم لبنان مسلماً أو مسيحياً. الأوضاع غير الطبيعية لا يمكن ان تدوم. يبقى ما هو منطقي ومقنع، أما ما فرض فلا يبقى. نحن دعاة علاقات طبيعية تقوم على التعاون والمصالح المتبادلة وحسن الجوار. هؤلاء الذين مشوا ضد سورية ثم مشوا معها سيمشون ضدها حين يتغير ميزان القوى. هؤلاء بمواقفهم الحالية يشجعون سورية على السير في النهج الخاطئ الذي قد يرتب آثاراً سلبية في العلاقات بين الشعبين مستقبلاً. انا لم أغير حرفاً في كلامي عن سورية، انا كنت أقول من بعبدا انني لست في خلاف مع سورية في سورية انا في خلاف مع سورية في لبنان. ما طالبت به وما أطالب به حالياً هو بديهيات، أي ان يكون القرار في لبنان لبنانياً فهل هذا كثير؟ معوض وخبز وملح انتخب النائب رينيه معوض رئيساً، ألم يحدث اتصال بينكما؟ - اتصال مباشر لا، ولكن حصلت اتصالات بواسطة أطراف ثالثة. دعني أقل صراحة ان المشكلة لم تكن بين رينيه معوض وميشال عون. كنت أعرف رينيه معوض. لي علاقة سابقة معه ومع عائلته وبيننا خبز وملح. لم تكن هناك عداوة بيننا وكنت أعرف انه لا يتجاوز حدوداً معينة. كان الظرف السياسي يقضي بأن اسجل رفض الشعب اللبناني لما سيفرض عليه. ألست نادماً لأنك لم تسلم القصر الى معوض؟ - معوض لم يقتل لأنه لم يتسلم القصر. قتل لأنه يعتبر ان ثمة خطوطاً حمراً لا يجوز تجاوزها. هناك من يقول ان حالة ابتهاج سادت قصر بعبدا اثر اغتياله؟ - هذا كلام رخيص جداً لا بل أقول انه كلام حقير. ماذا شعرت لحظة اغتيال معوض؟ - بمحاولة لاعادة الفراغ. هناك اتهام لك بأنك غير واقعي وانك لا تلتفت الى عقارب الساعة الاقليمية والدولية قبل اتخاذ قراراتك؟ - هذه اللعبة الاعلامية ليست بريئة وضلعت بها اطراف اقليمية ودولية سعت الى تصويري في هيئة عقبة أو في صورة عسكري متشدد. وقالوا أيضاً ان الجنرال عون لا يفهم في السياسة. اريد ان اذكرك بما قلته. قلت يومها ان ما أقره النواب لا ينشئ دولة مؤسسات فهل قامت؟ أحيلك فقط على تبادل الاتهامات بين المسؤولين انفسهم؟ وقلت ان الغرض هو ايجاد تركيبة مشرذمة تكون سورية هي مرجعيتها الدائمة وهنا أحيلك على مسلسل الخلافات والمصالحات بين أطراف "الترويكا". قلت ان السيادة ستنتهك وان القرار لن يكون حراً، وهنا أحيلك على تصريح للسيد عبدالحليم خدام يقول فيه ان الحكومة باقية حتى العام 2000، اين المجلس النيابي وأين ارادة الشعب اللبناني وأين الانتخابات الحرة؟ اذا كان المقصود بالمعرفة في السياسة ان أقبل ارادة الآخرين لأنهم أقوياء فإنني لست من هذه المدرسة. يقال ان جهة غير لبنانية عرضت عليك مبلغ 30 مليون دولار لمغادرة قصر بعبدا فهل هذا صحيح، وماذا كان جوابك؟ - قلت لصاحب العرض. ان معدل عمري لم يعد يسمح لي بانفاق هذا المبلغ اما اذا كان هذا ثمن لبنان فانكم استرخصتموه كثيراً. هل صحيح انك تلقيت محروقات وأغذية عن طريق ايلي حبيقة بعد اندلاع المواجهة مع "القوات"؟ - نعم اضطررنا الى الحصول على تموين ومحروقات وقد سهل حبيقة مرور ذلك لكن الأسعار لم تكن متهاودة أبداً. حبيقة في بعبدا استقبلت ايلي حبيقة في قصر بعبدا قبل مغادرتك اياه؟ - نعم استقبلته واستقبلت غيره لكنهم كانوا جميعهم من اللبنانيين. ولم تغير اللقاءات شيئاً لأن الطرف الذي كانوا ينقلون وجهة نظره اعتقد بأنه يساومني على السلطة في لبنان، أي ان المطروح كان ان أبحث في حصتي في الدولة بدلاً من ان اطرح مصير وطن، بمعنى ان أشارك في الحكم في مقابل التخلي عن رفضي. أفهمتهم ان هذا الطرح ليس مقبولاً. هل عرضت عليك رئاسة الجمهورية؟ - نعم، قبل 14 آذار مارس موعد بدء المعركة مع "القوات". بعد حصول الانتخابات الرئاسية عرضوا علي المشاركة في الحكم وهو ما عرضه علي أيضاً الأخضر الابراهيمي مبعوث اللجنة الثلاثية. وفي اجتماع السفارة الفرنسية مع محسن دلول وزير الدفاع الحالي عرضت علي المشاركة في الحكم. سألت دلول نحو عشرين سؤالاً فقال ندخل في الحكم ثم نبحث فقلت له: ادخل أنت في هذه الحالة. في 13 تشرين الأول اكتوبر ذهبت الى السفارة الفرنسية فماذا حصل؟ - في 12 تشرين الأول مساء زارني الدكتور النائب السابق بيار دكاش وكانوا يتحدثون معنا عن تسوية لحل المشكلة فوضعنا تسعة بنود لتسوية في لبنان وهذه البنود تقضي بالاعتراف برئاسة الياس الهراوي وليس باتفاق الوفاق ورفع الحصار واستقالة ما سمي "الحكومتين"، وتأليف حكومة وطنية وبالتشاور نوحد الجيش ونحل الميليشيات، والامتناع عن تعيين نواب واجراء انتخابات برعاية الأممالمتحدة ويناقش الاتفاق في المجلس الجديد. هل صحيح ان احد الوزراء أبلغك سلفاً أنك ستتعرض لعملية عسكرية تهدف الى ازاحتك؟ - كانت لدي الخطة بكاملها مع تحركات القوات السورية ومراكز تجمعها وساعة الهجوم واستخدام الطيران. هل تعتبر انك سقطت عملياً يوم زار جيمس بيكر دمشق؟ - لا، التطور حصل قبل ذلك .... هل دفعت ثمن الغزو العراقي للكويت؟ - لا فلنسمها حرب الخليج الثانية التي أعد السيناريو لها قبل ذلك. بقيت في السفارة حتى 28 آب اغسطس 1991 أي 321 يوماً، هل أجريت معك اتصالات خلالها؟ - نعم بطريقة غير مباشرة وكانوا يريدون مني الخروج من السفارة للمشاركة في الحكم. المعادلة مرفوضة. لو قبلت بالمعادلة لكنت مكان الهراوي أصلاً. هل استقبلت وزيراً مثلاً؟ - لا، قطعت العلاقات معهم. هل كان لديك خوف من اقتحام السفارة؟ - طوقوا السفارة وقاموا ببعض الحركات. لو كان هاجسي سلامتي لما اتخذت المواقف التي اتخذتها، ولو كان همي حصتي لحصلت عليها.