سألت إيلي حبيقة هل ابتهجت يوم رأيت الجيش اللبناني يقتاد عدوك الأول الدكتور سمير جعجع الى سجنه؟ ولماذا لا تذهب لزيارته لطي الصفحة وإن متأخراً؟ اجاب: "لو ذهبت لزيارته في السجن لاعتبر حضوري نوعاً من الشماتة. بيني وبين سمير تاريخ من المرارات والقسوة. حاول قتلي وحاولت قتله. تخاطبنا بالمدافع والرصاص والمتفجرات وكان هذا التخاطب مكلفاً. بعد معركة الاتفاق الثلاثي لم نلتق وجهاً لوجه الاّ في دارة الرئيس رفيق الحريري في قريطم وكان اللقاء فاشلاً". وأضاف: "سمير مثلي من ذلك الجيل الذي اخذته الحرب واندفع فيها حتى النهاية. الحرب تأكل ابناءها بلا رحمة. كانت لدى سمير فرص للنجاة مما وصل اليه لكنه اضاعها". في هذه الحلقة يتحدث حبيقة عن محاولته العودة الى الشرقية وإزاحة عون ولقائه "المدني" اليتيم مع جعجع وهنا نص الحلقة: في 10 آب اغسطس 1986 حصل نوع من التمرد داخل "القوات" نجح سمير جعجع في السيطرة عليه ماذا حدث وماذا فعلتم؟ - لم يكن سمير جعجع يثق الا بالمحيطين به وهم في الاصل مجموعة شمالية. هذا الامر أثار حساسيات داخل "القوات" بين الشماليين وغير الشماليين، خصوصاً ان العناصر التي جاءت معه من الشمال لم تكن معروفة من قبل المقاتلين على الجبهات وهؤلاء كانوا في المقابل يعرفون رفاقهم الذين صاروا في زحلة وهم من القيادات القديمة ل"القوات". دار صراع بين المجموعتين وكان أمين الجميل قد بدأ في هذا الوقت يحاول قضم مواقع سمير. قبل العاشر من آب اتصل بنا مسؤولون من ثكنات ووحدات وقالوا يجب ان ننتفض على سمير ونزيحه وان تعودوا انتم. حدثت اتصالات عدة. وهنا دخل على الخط فؤاد ابو ناضر ومعه مجموعة تحضر انقلاباً على سمير. من هذه المجموعة كان رفيق قديم لي اسمه الدكتور الياس الزايك الذي اغتالوه لاحقاً في الاشرفية. انا لم اكن مؤيداً لحركة 10 آب وطلبنا من المسؤولين العسكريين الذين اتصلوا بنا ان ينتظروا اشارة منا. خلال التحضيرات اشتعل شيء على الارض من دون تحضير مسبق. احد المسؤولين واسمه مارون مشعلاني تسرع وقام بانتفاضة صغيرة. وبدت الارض كأنها غاز ينتظر شرارة. حركة المشعلاني اشعلت الوضع. نحن طلبنا من المجموعات التي كانت على اتصال معنا ان لا تتحرك لأن النتائج غير مضمونة. غلبت الحماسة واحتل المنتفضون ثكنات وهرب جعجع الى الشمال ومنعوه من العودة واقاموا حاجزاً عند نهر ابراهيم. واتصلوا بنا قائلين: مبروك حضروا حالكم للرجعة. وكنا نقول لهم تمهلوا القصة لم تنته بعد. هنا تدخل امين ووضع ابن شقيقته فؤاد ابو ناضر جانباً ووضع يده في يد سمير وفكك العملية وسلم القيادة مجدداً الى سمير. وحصلت لقاءات بين سمير وفؤاد وفريقيهما في بيت الكتائب في الصيفي، وفي نهاية أحد اللقاءات وبينما كان فؤاد متوجهاً من الصيفي إلى منزله وقع في كمين نصبته مجموعة تابعة لسمير فأصيب وكاد أن يقتل. واعتقد بأن امين الذي كان يراهن على ازاحة سمير لمصلحة فؤاد شعر بأن الارض ستعود الينا وليس الى فؤاد فاختار التعاون مع سمير. وبعدها كاد امين ان يقتل اذ قاد طائرة هليكوبتر الى مقر سمير في القطارة ليعتذر له واصطدمت الطوافة بأحد خطوط الكهرباء. أثار ما حدث مخاوف سمير وضاعف لديه الشعور بأنه غير مقبول فزاد من ممارساته التعسفية ضد من شاركوا في حركة 10 آب او تعاطفوا معها. بدأت المضايقات غير دموية وفي صورة تشكيلات ومناقلات. حصلت بلبلة في "القوات" فشعرنا بأننا اذا تأخرنا في القيام بعمل للعودة سنفقد كل المواقع المتعاطفة معنا. كانت لدينا خطة اصلاً فأخرجناها وبدأنا العمل عليها ونفذناها في 27 ايلول سبتمبر اي بعد اسابيع فقط. البحث عن ثغرة ماذا حدث في 27 ايلول؟ - مرة جديدة تحدثنا الى الجنرال عون وقلنا له اننا نحضر شيئاً وسندخل لمهاجمة سمير. لم اتحدث اليه مباشرة بل بالواسطة. وكان الجواب: "اوكي في استطاعتكم الدخول ولكن من المكان الذي لا وجود للجيش فيه لانكم اذا حاولتم الدخول عبر نقاط للجيش ستصطدمون به". كان لدينا بعض الخطط فغيرناها لتفادي الصدام مع الجيش ولعدم احراج الجنرال. عثرنا يومذاك على موقع في الجبهة اي في خط التماس لا يتمركز الجيش فيه وكان ذلك في جبهة الاسواق التجارية، وهي صعبة لأن الاستحكامات فيها بنيت على مدار سنوات. هنا اريد جواباً محدداً، هل دخلت مع العناصر التابعة لك عناصر من تنظيمات اخرى؟ - ابداً. نحن خرقنا الجبهة وتركنا فيها عناصر لتمنع المسلحين من التنظيمات الأخرى من دخولها لأن دخولهم كان سيحدث مشكلة. سقط لنا في العملية ستة شهداء ثلاثة منهم بنار عناصر من خارج الشرقية تنتمي الى "حزب الله". اقتحام الاشرفية من كان على علم بالتوقيت؟ - الجنرال عون. اطلعناه على العملية بعد البدء بتنفيذها. السوريون كانوا على علم لأنهم وفّروا لنا فرصة الدخول من الجانب الآخر من خط التماس. تمت ازاحة مقاتلي "امل" و"حزب الله" وفتحنا ثغرة نحو 500 متر في منطقة السوديكو ودخلنا منها. وصل المقاتلون في سيارات مدنية مقفلة. هل دخلت الاشرفية اثناء العملية؟ - لا. كنت ادير العملية وكان همي ان لا يسقط قتلى. دخل الشباب الى مواقع في الجبهة بينها مدرسة الكوادر التي تخرج ضباطاً في "القوات" وأوقفنا نحو مئة عنصر من الضباط الموالين لسمير. جمعناهم وقلنا لهم ستذهبون الى منازلكم فور انتهاء العمليات. حاولتم احتلال "صوت لبنان"؟ - اقتربنا من "صوت لبنان" وكان هناك حراس شماليون للمبنى حصل اشتباك معهم فطلبت من الشباب ان يتوقفوا وأن يتابعوا في اتجاه المراكز العسكرية. لأني لم أكن أريد تدمير صوت لبنان ولأن أي اشتباك في موقع الإذاعة سيلحق أضراراً بها وبسكان البناء الذي توجد فيه وبسكان الأبنية المجاورة. اين كان مقر قيادتك؟ - في شقة في فردان. لماذا فشلت العملية؟ - حلق طيران في الفضاء فقلنا ان الجيش يحاول التأكد من هوية العناصر المهاجمة. بعدها بدأ القصف علينا من مراكز الجيش ثم لاحظنا ان قوافل دبابات للجيش اللبناني تتحرك في اتجاهنا. ارسل جعجع دبابات لكننا سيطرنا عليها واقتربنا من المجلس الحربي ووصلنا الى شركة الكهرباء. هل كانت عناصر في الداخل على علم مسبق بموعد العملية؟ - لا، كنا نخاف ان تكون مخترقة. الحقيقة ان مجموعات قليلة تابعة لنا اخترقت خط الجبهة في عاليه وتوجهت الى الاشرفية وفتحت الثغرة من الجهة الشرقية من خط التماس ودخلنا. اي انهم وصلوا الى الموقع وسيطروا عليه فجأة من دون اشتباك واطلاق نار. لم يحصل اطلاق نار الا لدى وصولنا الى "صوت لبنان". هل كانت هناك اتفاقات تقضي بتوفير مساندة مدفعية لكم؟ - لا. كيف فشلت العملية؟ - بدأ الجيش يتدخل. وأبلغني الشباب ان اللواء العاشر قطع نهر الكلب وان المغاوير يستعدون للنزول الى الاشرفية وان الشرطة العسكرية تتحرك. تعرضت مراكزنا للقصف وتلقيت اتصالات من ثكنات "القوات" في عين الرمانة والفياضية تسألني ماذا نفعل. عندما بدأت طلائع الجيش تصل الى الاشرفية طلبت من الشباب ان ينسحبوا، فنحن لا نريد الاشتباك مع الجيش وإذا أراد السيطرة على المنطقة فليكن. الجميل يصدر اوامره ماذا حققت في 27 ايلول، هل اكدت انك موجود وقادر على اختراق الجبهة؟ - لم يكن هذا هو الهدف. لولا تدخل الجيش لاخذنا المجلس الحربي وغيرنا الاوضاع. حركة 10 آب كانت لها دلالات. انا اعتبرت ان الجنرال عون قد يكون امسك بالجيش هذه المرة في صورة افضل. اتصلت لاحقاً بالجنرال عون، بواسطة احد الاشخاص، وسألته ماذا حدث ولماذا تدخلت ضدنا خلافاً للاتفاق علماً اننا اخترقنا كما طلبت من مكان لا وجود للجيش فيه؟ وجاء رد عون: انا لم اتدخل، الرئيس الجميل توجه الى غرفة العمليات وراح يصدر اوامره شخصياً بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة. تقصد ان سمير جعجع لم يلعب دوراً في احباط عملية 27 ايلول؟ - جاء لاحقاً بعدما انتهى كل شيء وتسلم الجيش المواقع واقفل الجبهات. هل اعتبرها السوريون انتكاسة لك؟ - لا. هناك من يقول انك وعدت بمساندة مدفعية ولم تحصل؟ - هذا غير صحيح ونحن لم نطلب ذلك اصلاً. كان اول ما فعلناه لدى دخولنا الاستيلاء على مواقع المدفعية ل"القوات" في الاشرفية واستخدمناها. في ايلول 1988 هل كنت مؤيداً لترشيح مخايل الضاهر؟ - نعم. مخايل الضاهر كان معنا في "الاتفاق الثلاثي" ولم تكن توجهاته بعيدة عنا وكنت مؤيداً له بقوة. هل كانت هناك اسماء اخرى؟ - كان هناك من يطرح اسم ميشال الخوري حاكم مصرف لبنان. واعتقد بأن الرئيس الحريري طرح هذا الاسم. هل كان اسم عون وارداً للرئاسة؟ تحدث الوزير محسن دلول عن خط له كان مفتوحاً مع الشام. - نعم كان هناك خط مفتوح. تردد اسمه وقيل انه لو قدم نفسه كرئيس للجمهورية ربما كان المرشح الارجح. قبل قليل من خلو مركز الرئاسة في 23 ايلول كان المطروح ان يشكل الرئيس سليم الحص الحكومة الانتقالية ويدعو الى انتخابات رئاسية. ولو اظهر عون انه مهيأ للانفتاح والحوار اعتقد بأنه كان سيطرح بصورة جدية ونحن كنا ندعم هذا التوجه ونعمل له ولم يكن البحث مقطوعاً. مع الجنرال في بعبدا عقدت اجتماعات مع العماد عون اثناء وجوده في قصر بعبدا ما قصة تلك الاجتماعات؟ - رأيته مرتين خلال وجوده في بعبدا وقبل عملية 13 تشرين الأول 1990 ازاحة عون من بعبدا لكن الاتصالات معه كانت قائمة قبل ذلك. هل صحيح انك ضللته عشية العملية؟ - لا. الصحيح هو التالي: قبل 13 تشرين الأول بنحو شهرين تلقيت اتصالاً من شخص مقرّب جدا من عون. زارني الشخص في شقة كنت اسكنها في الرملة البيضاء وقال ان الجنرال يريد ان تساعده في فتح خط على الرئيس حافظ الأسد. فقلت له: هناك باب اذا فتحه الجنرال يمكن ان يصل الى الرئيس الأسد. قال: ما هو الباب؟ قلت: اتفاق الطائف، اذا كان مستعداً للسير في هذا الخط اعتقد انه يستطيع ان يصل نظراً الى ما له من موقع. قال: الامر مطروح للبحث. سألته: ماذا يعني ذلك؟ اجاب: يعني ليست لدينا مواقف مسبقة. قلت: نحن نسمع مواقف واضحة تعبر عن رفضكم. قال: ضع هذا الكلام جانباً واعتبر ان الجنرال مشى في اتفاق الطائف هل هناك امكان لمباحثات؟ قلت: لا استطيع التحدث بلسان غيري، ما استطيع ان أقوله هو نصيحة خلاصتها ان يعلن الجنرال انه يقبل باتفاق الطائف ثم يبدأ البحث. قال: اعتبرها كذلك. قلت: لا أستطيع ان اعتبرها كذلك، هذا الكلام صادر عنك ولا استطيع نقله بهذه الصورة. الاجواء ليست سهلة فهناك حرب تحرير ومواقف متشددة. تصعد الآن الى بعبدا وتبلغ الجنرال انني أريد سماع الكلام منه. وتفادياً للاحراج أقبل سماعه منك ولكن بعد ان اسمع انه قربك. غادر الشخص الى بعبدا وطلبني في الهاتف وسمعت صوت الجنرال قربه أي ان الحوار يدور على مسمعه. قال الشخص: نحن موافقون. فقلت: أريد ان أكون واضحاً لئلا يحدث نقل غير مفيد للكلام. سأذهب أنا وسأعرض ما يلي: الجنرال لديه قبول بمبدأ الطائف ويمكن ان يكون لديه بعض المواضيع التي يريد التحاور في شأنها هل انتم على استعداد للحوار؟ واضافة الى ذلك فإن الجنرال يطلب لقاء مباشراً مع الرئيس الأسد لأنه يقول ان الضمانات التي يعطيها الرئيس الأسد لمخاوفه هي ضمانات يقبلها وانه حين يجلس مع الرئيس الأسد ستحل كل الاشكالات... واضح؟ فرد الشخص: واضح. قلت: سأكتب هذا الشيء، وأرسله اليك. انا لم أتوجه الى دمشق. ارسلت فاكساً الى أسعد الشفتري الذي كان في زحلة وقلت له اذهب واطلع أبو جمال على الفاكس وأسأله عن الجواب. فطلب أبو جمال ان اذهب انا فذهبت واخبرته بما جرى من دون زيادة أو نقصان وقلت له ربما كان هناك مستجدات وأنا مستعد للذهاب والاجتماع مع الجنرال لنتحدث مباشرة في الموضوع. قال: هل تعتقد بأن الأمر يؤدي الى نتيجة؟ فقلت: لست قادراً على التقويم. فقال: جرب. طريق القصر توجهت ليلاً من بوابة المتحف الى قصر بعبدا. سلمنا على الجنرال وتبادلنا القبلات. اخرجت ورقة من جيبي وقلت له هذا ما يفترض ان يكون طرحك والجواب عليه هو لا بأس، وليحدد الجنرال الضمانات التي يطلبها وشروطه. تطلع عون في الورقة وقال: لكننا لا نزال حيث كنا. فقلت: بالنسبة الى ماذا؟ قال: لا نزال نتحدث في الطائف. قلت: يفترض ان هذا العرض جاء من عندك وهو ما ابلغني اياه الشخص المقرب منك وهو وراء الباب فإما ان تناديه لنتأكد وإما ان نعتبر الموضوع منتهياً وتصبح على خير. قال: اقعد، اعتبر اننا مشينا في الطائف فهل يبقى الياس الهراوي رئيساً للجمهورية؟ قلت: انا لا أستطيع ان اجيب عن هذه الأسئلة لكنني سأقول لك تقويمي للأمور. للطائف غطاء عربي ودولي. الياس الهراوي رئيس جمهورية معترف به دولياً ولا تستطيع ان تلغيه. انطلاقاً من هذه الواقعة تستطيع ان تكمل لكنك لا تستطيع الغاءها. دخلنا في جدل طويل حول النقاط المقبولة وغير المقبولة. في النهاية قلت له: أريد ان أكون واضحاً، لا أنت ولا غيرك يستطيع التغيير اليوم في اتفاق الطائف. انه تركيبة استثمرت فيها اطراف كثيرة اقليمية ودولية ولا تستطيع انت سحب استثماراتهم لأنك لا تريد ان تمشي فيه. تستطيع ان تمشي وانت اليوم القوة الكبرى على الأرض على الأقل في الشرقية. تستطيع ان تقول أريد موقعاً في الدولة. قال: وسمير جعجع أنا لا أقبل به. قلت: ضع شرطاً انك لا تقبل بسمير. قال: ماذا يحدث؟ قلت: لا أعتقد بأن أحداً يهتم بسمير اهتماماً شديداً لا محلياً ولا اقليمياً. قال: أنا ماذا تطرحون علي؟ تطرحون ان أتنازل عن كل سلطاتي في مقابل سلطة جزئية بينما يحافظ غيري على كل سلطاته، لا يكون التفاوض هكذا. قلت: لا أستطيع اعطاءك ما تطلبه فالمسألة ليست معي. قال: نعم. قلت ماذا نفعل؟ انا يفترض ان أحمل جواباً. قال: دعني أفكر وسنعطيك الجواب. قلت: أنا لن أبلغ أحداً انني التقيتك في انتظار الجواب. عدت ولم أبلغ أحداً. وبعد يومين حصل اتصال فتوجهت الى قصر بعبدا عبر ضهور الشوير. عاد البحث ليتكرر وظهرت مجدداً عقدة رئيس الجمهورية. دعا الى تشكيل حكومة وابرام اتفاق ومفاوضات حول طاولة. قلت له: الطاولة عقدت والاتفاق أبرم، انت تتعرض لحرب استنزاف يشنها سمير جعجع، وهناك نقمة لدى المحيطين بك بسبب حروب كانوا في غنى عنها، وعلى رغم ذلك لا تزال شخصاً يرغب الآخرون في التحاور معه لأنك تمثل الجيش ولأن العلاقة معك تسهل العملية برمتها. انا أنصحك بالاستفادة وبدخول العملية. انا أنصحك ضد مصلحتي السياسية. أنت لديك قاعدة شعبية كبيرة يمكن ان تطغى على كل السياسيين. قال: دعني أفكر وسأتصرف وفق قناعاتي. قلت: "الأمر متروك لك ولكن اذا أخذت الخيار الذي أخاف انا أن تتخذه أطلب منك مسألة: اذا قررت انت الانتحار لا تطلب من ضباطك وجنودك ان ينتحروا". وبعد الوداع غادرت قصر بعبدا. امر العمليات ضد عون وبعد ذلك؟ - استمرت الاتصالات لكنني لم أزر قصر بعبدا. وطلب مني لاحقاً ان أبلغ الجنرال عون ان العملية العسكرية التي تستهدف ازاحته جدية تماماً وان عليه ان يرسم خياراته في ضوء هذا الواقع. جاء الطلب من مسؤول سوري قال لي: أبلغ الجنرال عون حتى أمر العمليات. العملية العسكرية ضده صارت حتمية لظروف كثيرة وهذا أمر العمليات، حجم القوة التي ستدخل وفي أي ساعة. فلينظر الى الواقع ويقوم وضعه جيداً فيستنتج انه سيخسر. ابلغه هذه المعلومات. بعثت بأمر العمليات الى الجنرال لكن ضابطاً لديه قال له ان المقصود هو التهويل. وفي خط موازٍ كانت هناك اتصالات مماثلة من أطراف آخرين مع العماد عون كلها تصب في نفس الاتجاه وكانت تنتظر مثلنا موقفاً ايجابياً منه يسمح ببدء الحل السلمي دون اللجوء إلى المدخل العسكري. العودة الى "الشرقية" وفي 13 تشرين الأول عدت الى المنطقة الشرقية وأعلنت قيام "حزب الوعد"؟ - نعم. كان ضرورياً ان نتحدث عن حزب الوعد الذي كنا حضرنا له لأننا لم نكن راغبين في العودة في الصورة القديمة أي "القوات اللبنانية". اهتممت يومذاك بانقاذ عائلة عون؟ - ساهمت في نقلها الى السفارة الفرنسية. قيل انك رددت له الجميل في مقابل انقاذك خلال معركة "الاتفاق الثلاثي"؟ - قيل الكثير وتعرف التفسيرات في لبنان. لماذا توجهت الى قصر بعبدا فور عودتك الى الشرقية؟ - كانت لدي خيارات عدة اصعبها اثنان: ماذا نفعل حين تحدث العمليات العسكرية. هل نمتنع عن التدخل؟ انت تعرف ماذا يحدث حين ينهار نظام في منطقة ما. تحل الفوضى. وكنا نعرف ان فترة زمنية ستمر قبل استتباب الامور مجدداً. توقعنا حصول سلبيات. جمعت القيادة وتحدثت مع الشباب على الارض. قلت لهم غداً إذا فشلت المفاوضات مع الجنرال عون يمكن أن يحصل عمل عسكري ستلغى بنتيجته حدود هل ندخل ونحاول ان لا تفلت الامور كثيراً أم نبقى في الخارج في انتظار ارتفاع الصراخ؟ هناك من قال ندخل ونجلس مع اهلنا هناك وهؤلاء الشباب كانوا اصلاً في الشرقية. وقال فريق آخر يجب ان ندخل. قلنا لهم غداً ستستهدفنا اتهامات التخوين واننا ضد الناس هناك، ولكن اذا لم ندخل هناك ثمن مرتفع سيدفعه اهلنا واقاربنا. في النهاية اتخذنا قرار الدخول. دخلنا وتوجهنا الى القصر لأن المجموعة التي كنا فيها كانت متجهة الى القصر ثم توجه كل شخص الى حيه وبدأنا بتنظيم الامور. استمرت الحالة نحو ثلاثة ايام او اربعة وبدأ الجيش اللبناني ينظم الامور ويمسك بالارض. وصلت الى قصر بعبدا واذا بهم يخبرونني ان ثمة عائلات مدنية لا تزال موجودة فيه. كان قائد العملية اللواء السوري علي ديب. سألناه عن المدنيين فقال: ساعدوهم في الذهاب الى منازلهم. نقلنا الذين كانوا موجودين ونقلت عائلة الجنرال بسيارتي الى السفارة الفرنسية. وهنا بدأت مرحلة جديدة؟ - بدأت مرحلة بشعة. بعد دخولنا ابلغني الشباب ان مجموعات من "القوات اللبنانية" التابعة لسمير جعجع نزلت من الاشرفية بعدما زالت الجبهة التي كانت قائمة هناك مع الجيش الموالي لعون لأن وحدات الجيش اللبناني التي دخلت المنطقة الشرقية آنذاك لم تكن انتشرت بعد في فرن الشباك وعين الرمانة. نشأ نوع من الفراغ هناك. ابلغني الشباب ان عناصر "القوات" تنوي على ما يبدو اعتقال مؤيدين لعون في عين الرمانة. قلت لهم ابلغوهم، من دون الاصطدام معهم أن هذا الأمر ممنوع وغير وارد. وخلال مشادة جرت بين شبابنا وتلك العناصر مرت دورية تابعة للواء السادس فتراجعت عناصر "القوات" الى الاشرفية. هنا بدأت حرب باردة وبدأ التحضير لعمليات اغتيال وتفجير في فرن الشباك والاشرفية. ونفذوا بعض العمليات ضدنا منها تفجير مركزين تابعين لنا في فرن الشباك وعين الرمانة، واغتيال أحد الرفاق في الاشرفية. وكنا قد بدأنا فتح مراكز تنظيمية واجتماعية في العديد من المناطق. فالقوات كانوا يريدون ازاحة عون للسيطرة على المنطقة الشرقية بكاملها وليس للقبول بدخول أي طرف آخر. عندها شعرت بأننا سندخل مجدداً في دوامة عمليات امنية دامية فيما الناس منهكة بعد "حرب التحرير" و"حرب الالغاء". عندئذ اعطيت اوامري باقفال المراكز كلها. في تلك الفترة اغتيل رئيس حزب الاحرار المهندس داني شمعون هل لديك ما تقوله في هذا الموضوع؟ - قال القضاء كلمته ولن ازيد. مع جعجع في قريطم ما قصة الاجتماع بينك وبين سمير جعجع في منزل الرئيس الحريري في قريطم؟ - سألني الرئيس الحريري هل انا مستعد للاجتماع بسمير فقلت له ان لا مانع لدي. وفي اليوم نفسه ارسل يسألني هل تمر علي مساء. لم يقل لي ان سمير سيأتي لكنني توقعت ذلك. وصلت الى منزل الحريري فرأيت سمير ومعه زاهي البستاني ونادر سكر. جلست مع سمير في غرفة جانبية. كيف كان اللقاء؟ - كان سمير حميماً وكنت أنا بارداً بعض الشيء. سألني هل عرف السوريون انك جئت لتراني، وهل طلبوا منك ذلك؟ قلت له: لا ليسوا على علم. وهل صحيح انهم لم يكونوا على علم؟ - في اي حال لم يطلعوا مني. وقلت لسمير: "اذا كنت تعتقد بأنني انقل اليك رسالة من احد فأنت مخطئ. انا آت لاراك لأن المنطق الذي يجمعنا حتى الآن هو ان حياتك تعني موتي وحياتي تعني موتك، وهذه المسألة لا اريد ان اورثها لابني ولا اريد ان تورثها انت لابنائك". قال سمير: "اختلفنا وكان ذلك خطأ. وستريدا زوجة جعجع تقول لي دائماً كيف اختلفت انت وايلي وكنتما صديقين حميمين؟". راح سمير يحرف الحديث في اتجاه عاطفي ويقول كانت ايام، انت اخطأت في حقي وأنا اخطأت في حقك. قلت له انا لا اقول ان احدنا قديس، انا اقول انني اريد ان اراك لانني لا اريد ان اقرأ تقارير عنك. اريد ان نتحدث لنرى هل نستطيع ان نعيش معاً على الارض نفسها من دون ان يرسل احدنا الآخر الى القبر. ربما لن اضع يدي في يدك ما حييت لكن هذا لا يعني ان تكون عدوي كل الوقت. وحتى لو كنا في جبهتين متواجهتين هناك خصومة سياسية فلماذا يكون هناك عداء؟ انا اسير في مبدأ ان الشخص الذي يقرر العيش في سلام يجب ان يعيش في سلام وانا اريد السلام مع الجميع. هذا منطق اذا مشينا فيه كلنا له قوانينه. لا احد يلغي الآخر. انا اتخذت خياراتي واريد ان اسألك انت اين؟ مشيت في الطائف فهل انت مقتنع وماض فيه الى الآخر ام انك تناور؟ قال: لماذا نحكي في السياسة. قلت: كما تريد. قال: ما رأيك في ان نتكلم في هذا الموضوع ذات مساء تأتي مع زوجتك وانا مع زوجتي ونتعشى ونتحدث. قلت: ما زلنا بعيدين عن صداقة من هذا النوع ولكن دعني اقل لك اذا حدثتني بهذا المنطق يجب ان تتحدث بالمنطق نفسه بالنسبة الى جورج سعادة رئيس حزب الكتائب وامين الجميل والجميع. هنا شتم جعجع سعادة وقال هذا انا صنعته ووضعته حيث هو في قيادة الحزب وحمل على عون. قلت له: لا تستطيع ان تعادي ايلي وتصادق جورج وتصادق ايلي وتعادي جورج. هذه القصص نعرفها. يبدو ان كل ما تريده من اللقاء معي هو تحييدي في معركة انتخابات رئاسة الكتائب. اسمع يا سمير: الكتائب كتائب و"القوات" قوات و"الوعد" وعد. انت لديك مؤسسة فانجح فيها ولماذا تمد يدك الى ممتلكات غيرك. الكتائب لديهم مؤسستهم اترك جورج سعادة وليخض معركته ضد كمال قرداحي مثلاً او غيره. انت ممنوع عليك ان تربح من الموقع او من المنطق الذي انت سائر فيه. تريد ان تظهر لنا انك حبوب اظهر لنا ذلك وانت قائد "قوات". قال: "لن اسمح لجورج سعادة بالبقاء في الكتائب. قلت: وانا لن اتركك تأخذ الكتائب. انا جئت لاراك ولأشكل قناعات وقد شكلتها". وانتهى اللقاء. لدى خروجي سألني الحريري. شو الجو؟ فاجبته: كل الذي يريده هو وضعي على الحياد ليتمكن من الحلول مكان جورج سعادة. هل ساهمت في تأمين فوز سعادة ضد جعجع؟ - نعم. كم استمر اللقاء؟ - نحو ساعة تقريباً. غداً: الديبلوماسيون الايرانيون جاؤوا وراحوا.