يحتل إدريس شرايبي منزلة على حدة فوق خريطة الأدب المغاربي. ليس فقط لكونه يعتبر، إلى جانب الجزائري محمد ديب، آخر الاحياء من رواد هذا الأدب ومؤسّسيه، وأحد اغزر كُتّابه انتاجاً... بل أيضاً لما انفرد به من أسلوب ساخر وميول عبثية غير معهودة في أدب المغرب العربي الذي يغلب عليه عادةً طابع الجدية والصرامة المفرطة، الموروثة عن حركات التحرر الوطنية التي نشأ في خضمها وانصهر في بوتقتها. وهذا التحدّر انعكس بشكل واضح على نتاج الرعيل الأول من الأدباء المغاربيين، سواء من خلال الواقعية الطاغية أو من خلال المضامين الوطنية و"الثورية" الحاضرة بقوة لدى الجيل الذي ينتمي إليه شرايبي. لكن الروائي المغربي المذكور اختار أن يكون الطائر المغرد خارج سربه. فقد تمرد على "المدرسة الواقعية" التي كان أسهم في تأسيسها خلال الخمسينات، من خلال أعمال بارزة، ك "الماضي البسيط"، أو "التيوس"، أو "الزحام". وبدأت أولى بوادر التحوّل بالظهور في أدبه مع صدور روايته السادسة الشهيرة "الحضارة، أماه!"، التي جاءت حافلة بالتهكم والسخرية اللاذعة. بعد ذلك اخترع شرايبي "المفتش علي"، وجعل منه الشخصية المحورية لرواياته كافة، من "المفتش علي" التي صدرت قبل أربعة عقود، إلى "تحقيق في البلد"، مروراً ب "موت في كندا"، "مكان تحت الشمس". وضمن هذا السياق تندرج روايته الجديدة الصادرة عن منشورات "دونويل" في باريس، بعنوان: "المفتش علي وال "سي. أي. إي."". تبدأ المغامرة الطريفة والغريبة للمفتش علي في مواجهة أكبر جهاز استخبارات في العالم، حين يفلت بطله من مطاردة عملاء وكالة الاستخبارات المركزيّة في الولاياتالمتحدة سي. أي. إي. في مطار محمد الخامس في المغرب. وبطله هذا مجرم خطير، تُنسب إليه عمليات ارهابية لا تحصى أقضّت مضاجع الحكومات وأجهزة الأمن عبر العالم. فتوفد الادارة الاميركية ضابطاً سرياً يدعى دافيد دايش، وهو احد ابرز كوادر الوكالة، للتعاون مع الأمن المغربي من أجل اقتفاء آثار هذا المجرم العالمي. وخلف الحبكة الظاهرية المتعلقة بهذا التحقيق البوليسي الجديد الذي يقوم به المفتش علي بين الدار البيضاء ونيويورك، حيث يرافق زوجته صوفيا التي تلقي محاضرات انتروبولوجية موضوعها الخبز !، يسلّط إدريس شرايبي نظرة قاسية إلى المجتمع الاميركي، مشرّحاً مساوئه، ومبيّناً ضحالة النموذج الثقافي الذي يريد فرضه على بقية الشعوب. ويطلق صيحة غضب واحتجاج ضد امركة العالم تحت غطاء العولمة. وفي نهاية التحقيق ينجح في كشف الهوية الحقيقية لذلك المجرم الذي يُعد أكبر ارهابي في العالم، فاذا به نفسه ضابط الاستخبارات الأميركيّة دافيد دايش! وإذا بتلك الأعمال الارهابية ليست سوى غطاء، لتسهيل بسط الهيمنة الاميركية، وفرض نفوذها على العالم.