تطغى منذ سنوات فورة لافتة في انتاج الأعمال الدرامية التي تروي حياة المشاهير من سياسيين ومبدعين وعملاء وغيرهم والتي تزداد كل عام منذ أن فجَّر مسلسل «أم كلثوم» هذا الإنتاج وجاءت بعده أعمال درامية عدة للسير الذاتية، على سبيل المثال وليس الحصر «حليم» و «السندريلا» و «ليلى مراد» و «أسمهان» و «إسماعيل يس». وهذا اضافة الى الأعمال التي تروي حياة الزعماء مثل «الملك فاروق» و «ناصر» وهناك أيضاً من الشخصيات الإسلامية التي قدمت في الدراما وغير ذلك من الشخصيات الشهيرة، وجاء هذا العام محملاً بأعمال عدة منوعة في السير الذاتية مثل مسلسل «الشحرورة» الذي يروي حياة الفنانة صباح، و «الريان» الذي يروي الأحداث التي مرَّ بها رجل الأعمال أحمد الريان والذي أثار الكثير من الجدل. ولا ننسى في هذا السياق أيضاً مسلسل «الحسن والحسين» ومسلسل «عابد كرمان» الذي جاء عن نصّ «كنت صديقاً لديان» الذي يروي حياة إحدى الشخصيات الجاسوسية في السبعينات، ومسلسل «رجل من هذا الزمان» الذي يروي حياة عالم الفيزياء الدكتور مصطفى مشرفة وهذا أتى لوناً جديداً من ألوان دراما السير الذاتية، ورأى كثر انه يتسم بالدقة في الأحداث وتوثيقها والدقة في البحث. وإذا كان المهتمون يرون ان من المفروض أن كل ألوان المسلسلات التي تروي السير الذاتية ينبغي ان تتحرى الدقة والصدق، فإن الكثير من هذه الأعمال يبدو ان خيارها انصبّ على انتهاج المنطق التجاري. ما يدفع الى التساؤل المحقّ عما إذا كانت هذه الأعمال تبدو اليوم مؤثرة في الساحة الدرامية أم انها باتت تقدّم كموضة تساير الموجة الدرامية. ماذا يقول اهل المهنة؟ رداً على هذا السؤال، يوضح المؤلف بشير الديك الذي قام أخيراً بكتابة المسلسل الجاسوسي «عابد كرمان» الذي يروي أحداث إحدى الشخصيات الجاسوسية، «أن أعمال السير الذاتية لها تأثير كبير في الساحة الدرامية والمشاهد ينتظرها دائماً بشوق... غير ان المشكلة تكمن في انها ستتحوّل الى مجرد موضة إذا لم يقم من يقدمها بتحري الصدق والدقة فيها». أما الناقد وكاتب السيناريو الدكتور رفيق الصبان فيميّز بين الأعمال الفنية التي تروي حياة المشاهير في السياسة او الفكر او الحياة الاجتماعية او ما يشبه ذلك والأعمال التي تروي حياة الفنانين، ففي الأولى يفترض ان يتحرّى القائمون على العمل الدقة الوثائقية فتصل الأحداث والأفكار سريعاً الى المشاهد لصدقيتها، أما الاعمال التي تروي حياة الفنانين فلم نجد غير «أم كلثوم» و «أسمهان» وقد جاءا بمعلومات دقيقة وأظهرا الجوانب السلبية والإيجابية في الشخصيات. أما باقي الأعمال فهي غالباً ما تسير على سجيتها ضاربة عرض الحائط بأية حقيقة وبأيّ ذوق سليم. انها تساير الموضة لا اكثر». ويرى الكاتب محفوظ عبدالرحمن، صاحب واحد من اهم الأعمال التي طبعت فن كتابة الدراما، وهو مسلسل «أم كلثوم»، أن الكاتب «إذا تصدى لشخصية معينة عليه طرحها بدقة وبتوثيق صادق بقدر المستطاع، لأن بعض المشاهدين يعتقد أن كل ما يطرح في الدراما هو أحداث حقيقية. وإذا قام كاتبو العمل بنسج الحقيقة مع الخيال من دون المساس بالأحداث الموثقة سيؤثر العمل في الدراما من دون شك». وقال الكاتب وحيد حامد، كاتب مسلسل «الجماعة»: «إن القائم على عمل سيرة ذاتية لشخصية شهيرة عليه التحلي بالأمانة والشجاعة، الأمانة في عرض ما هو صادق، والشجاعة في تقبّل النقد. والجمهور هو في نهاية الأمر من يحدد إذا كان العمل مؤثراً درامياً أم موضة». أما الكاتب محمد السيد عيد الذي جاء بلون جديد في أعمال السير الذاتية، عبر مسلسل «رجل من هذا الزمان» الذي يروي حياة عالم الفيزياء المصري الدكتور مصطفى مشرفة، فيشير قائلاً: «لقد مررت بمعاناة شديدة أثناء البحث والتدقيق في العمل، وأنا لا أعتبره منافساً لأي عمل آخر في مجال السير الذاتية؛ لأنه أول عمل درامي علمي، ولذلك أحاط العمل مخاوف كثيرة؛ إذ كنا نعتقد انه سينتج دراما جافة، ولكن جاءت نتائج عرضه مرضية». الدراما وتوثيق التاريخ وترى إنعام محمد علي المخرجة التي فجّرت أعمال السير الذاتية بمسلسل «أم كلثوم» وجددت في النوع أخيراً من خلال «رجل من هذا الزمان» أن العمل إذا لم يقدم بصدق يعتبر موضة، وغير مؤثر درامياً مهما كان من شأنه او شأن نجاحه. أما بالنسبة الى مسلسل «رجل من هذا الزمان» فهو مشروع جديد لنهضة مصر من الجانب الدرامي، يؤكد لنا أن الدراما حينما تهتم بالأعمال التي تروي حياة العلماء ستكون حالة توثيقية في تاريخ العلم في مصر». في المقابل يؤكد الناقد عصام زكريا أن «معظم الأعمال التي تروي حياة المشاهير تأتي ضعيفة شكلاً ومضموناً، ولذلك لا تعلِّم في ذهن المشاهد؛ كما ان بعض صناع الدراما يتجهون الى هذا النوع من الأعمال من دون تحري الدقة في الأحداث وللغرض التجاري فقط». ويتفق مع عصام زكريا في الرأي الفنان بهاء ثروت الذي اشترك هذا العام في عملين من نوع السير ذاتية وهما «الشحرورة» و «رجل من هذا الزمان»، فيقول: «الجمهور أصابه الملل من أعمال السير الذاتية وبعض الأعمال جاءت كموضة للكسب المادي من دون مراعاة التأثير في الدراما أو في المجتمع ولم تنجح هذه الأعمال». واتفق أيضاً مع الرأي السابق الفنان أحمد شاكر الذي قام بتجسيد شخصية العالم مصطفى مشرفة، قائلاً: «أغلب أعمال السير الذاتية تقوم على منطق تجاري؛ لذلك يقدم العمل ضعيفاً؛ لأن صنَّاعه لم يتحروا الدقة فيه، والأكثر هزلاً هو ن الأحداث تأتي متناقضة حتى داخل العمل الواحد». وتقول الفنانة منال سلامة التي شاركت في أكثر من عمل للسير الذاتية: «ان على الفنان تحري الدقة قبل صناع العمل الدرامي، بمعنى أنه إذا وجد العمل غير دقيق وصادق يمتنع عن المشاركة فيه حتى لا يسير مع الموجة ويصبح ضمن السلع التجارية».