تجددت هذا العام مآزق دراما السير الذاتية التي أبصرت النور منذ اتجهت شركات الانتاج قبل نحو 15 عاماً إلى تقديم هذه النوعية من المسلسلات التي تتداخل أطرافها وتتضارب المصالح فيها، فالورثة يريدون تقديم الشخصية «ملائكية» في أبهى صورها، خالية من أي شوائب أو سلبيات، ويضعون شروطاً مادية وفنية تقترب أحياناً من التعجيز، مثل الاطلاع على السيناريو قبل التصوير وبعده، ويمنحون أنفسهم حق التدخل بالحذف والإضافة والتعديل، باعتبار أن الشخصية ملك لهم، وليست شخصية عامة. اما القائمون على العملية الفنية، فيرون أنهم لا يقدمون أعمالاً تسجيلية تلتزم حرفياً بحياة الشخصية، وأن من حقهم أن يضيفوا إلى الدور عوامل جذب. أمام هذا التضارب، المهم في الامر هو إيمان أصحاب العمل (المنتج والمؤلف والمخرج) بالشخصية وتأثيرها في المجتمع والهدف من تقديم حياتها للجمهور في مسلسل، ما قد يتعارض مع جهات الانتاج التي تسعى لتحقيق أرباح مادية ومعنوية مقابل أقل التكاليف. ونتذكر كيف واجه مؤلف مسلسل «أم كلثوم» محفوظ عبدالرحمن حرباً شرسة أثناء كتابة المسلسل، من ورثة بعض من ربطتهم علاقات عمل كثيرة مع أم كلثوم، ومنهم محمد الموجي وكمال الطويل، لعدم الإشارة إليهما في المسلسل. ودافع عبدالرحمن عن نفسه بأن علاقتهما بأم كلثوم ليس فيها ما يثري الدراما، مثل علاقتها بسيد مكاوي، الذي تعاون معها في أغنية وحيدة «يا مسهرني». وأصر المؤلف والمخرجة على موقفيهما في أشياء كثيرة أثناء التحضير والتنفيذ، وجاءت النتيجة أكثر من رائعة، ومثّل العمل إضافة كبيرة لدراما السيرة على رغم بعض الاتهامات بأنه قدَّم أم كلثوم في صورة مثالية. في مقابل هذا العمل، تسبب التسرع ومحاولة ركوب الموجة واستغلال شهرة شخصيات أخرى في خيبات فنية كبيرة، مثلما حدث في مسلسلي «السندريلا» لمنى زكي ومدحت صالح، و«العندليب» لشادي شامل، على رغم أن حياة كل منهما كانت زاخرة بالأحداث التي تساعد في خلق مادة درامية جذابة، وهو ما تكرر لاحقاً في مسلسلات مشابهة، منها «أبو ضحكة جنان» عن حياة إسماعيل ياسين، و «أنا قلبي دليلي» عن حياة ليلى مراد. هذا العام، كرر المؤلف محمد السيد عيد والمخرجة إنعام محمد علي تعاونهما السابق في «قاسم أمين» لكمال أبو رية، من خلال مسلسل «رجل لهذا الزمان» الذي يتناول قصة عالم الذرة المصري الدكتور علي مصطفى مشرفة. وأسندت البطولة إلى وجه شاب، وبقية الأدوار إلى أسماء غير شهيرة، إلا أن الشخصية وثراءها وإلقاء الضوء على أحوال مصر في النصف الأول من القرن العشرين، كان لها أثر طيب تجاه العمل الذي غير الصورة النمطية التي كانت تسخر من العلماء والبحث العلمي في الدراما سنوات طويلة. في المقابل، يبدو واضحاً الارتباك في مسلسل «الشحرورة» (من بطولة كارول سماحة وتأليف فداء الشندويلي وإخراج أحمد شفيق) الذي يتناول قصة حياة صباح، وهو ما تجلى طوال الأيام الماضية في الانتقادات التي طاولت العمل، والأخبار التي تواردت عن دعاوى قضائية ضد فريق العمل، بدعوى ابتعاده عن الحقيقة ووقوعه في مغالطات وأخطاء كبرى. ويؤخذ على المسلسل ان التحضير له تمّ بسرعة كبيرة بعد اتفاق منتجه مع صباح، ربما خوفاً من اتفاق آخرين معها، وهو ما تكرر مع مسلسل «الريّان» لخالد صالح وإخراج شيرين عادل، والذي يتناول قصة حياة رجل الأعمال المصري أحمد الريان الذي دخل في اشتباكات عبر البرامج والصحف والمحاكم مع مؤلفي العمل حازم الحديدي ومحمود البزاوي. ولا تزال بيانات الإدانة والاعتراض متبادلة بين الممثل السوري فراس إبراهيم الذي يقدم حياة الشاعر محمود درويش في مسلسل «في حضرة الغياب» من إنتاجه، وبين مؤسسة محمود درويش في رام الله. ويبقى السؤال: أليست هذه الاعتراضات دعاية مجانية للمسلسلات؟