شهدت ميلانو أولاً ثم باريس، فترة حافلة بالأحداث لمناسبة تقديم دور الأزياء المختلفة تشكيلاتها النسائية الجاهزة الخاصة بالربيع والصيف 1998. وأول ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد هو العودة الى الجرأة والموديلات الشفافة أو المفتوحة وذلك من دون التفريط أبداً بالبراعة في التصميم وفي اختيار الأقمشة والألوان مما يدل على ان الأناقة حالياً لا بد لها من ان تثير العين بطريقة خارقة للعادة لتغريها وتحثها في ما بعد على اقتنائها مع إدخال التعديلات اللازمة لتناسب الذوق. والشاهد الأول هو الصحافي، فإذا انبهر بما يراه نقل الخبر بسرعة الى الجمهور العريض، وهذا هو الفخ الذي تقع فيه دور الأزياء من دون ان تعثر حتى الآن على حل له. فالجرأة تجذب الإعلام وهذا يتكفل بتسليط الضوء على عمل فلان أو غيره من المبتكرين المبدعين. ولسبب يصعب إدراكه نجد ان الظاهرة المذكورة تخص باريس أكثر من الموضة الايطالية التي تعرض في ميلانو، ففي ايطاليا ركز العدد الأكبر من المصممين جهودهم هذه المرة على إبراز جمال المرأة من خلال الفساتين الطويلة أو المتوسطة من دون أدنى مبالغة، كما سلطوا الضوء على جمال الأقمشة الناعمة والفاخرة وجاذبية الألوان الصيفية المرحة للنهار والقاتمة للسهرة. وعلى سبيل المثال تشكيلة فرساتشي، وهي الأولى المعروضة عقب وفاة المبتكر والتي أثارت التصفيق والهتاف لما تدل عليه من إخلاص للعمل المعروف عن الدار ومصممها المبدع فرساتشي نفسه. وبين أكثر العروض اللافتة، كان هناك ذلك الذي طرحته دار "دولتشي ايه غابانا" والمميز ببساطة انسامبلاته وفساتينه التي تبدو ببساطة متناهية توحي بالمرونة والراحة وبأناقة راقية في الوقت ذاته. وعند جيانفرانكو فيريه توالت الموديلات الملونة المرسومة على الطريقة الهندسية التي تتجلى فيها مهارة المصمم وميله الشديد للفنون الجميلة، مهنته الأساسية. وهناك فئة من الايطاليين قدمت تشكيلاتها في باريس مثل فالنتينو، وأنجلو تارلازي الذي تولى هذه المرة مهمة اضافية، اذ تسلم منصب المدير الفني لدار كارفن الباريسية العريقة، فابتكر من أجلها تشكيلة خفيفة جذابة تلائم المرأة الشابة من غير ان تتجاهل الماضي المعروف الذي تتميز به الدار في عالم الزي الكلاسيكي. وقدمت دار اليكتر تشكيلتها الجاهزة التي تقسم الى نهار وسهرة وكلاسيكي ورياضي والمرسومة بمرونة تسمح للمرأة بالدمج بين قطع مختلفة لتكون في النهاية الأنسامبل الذي تريده لنفسها في مناسبة محددة. والقاسم المشترك بين عناصر المجموعة كلها هو اللون الزاهي الصيفي المرح ثم ايضاً النوعية الجيدة للاقمشة ولطريقة التنفيذ. براعة غولتييه اكتفى كارل لاغرفلد هذا الموسم بعرض تشكيلة شانيل بعدما كان يصمم في كل موسم ثلاث مجموعات مختلفة لشانيل ولكلويه وللدار التي تحمل اسمه. فقد حلت المبتكرة البريطانية الشابة ستيلا ماكارتني ابنة الفنان المطرب بول ماكارتني عضو فريق "ذي بيتلز" مكان لاغرفلد على رأس قسم الابتكار لدى دار كلويه وقدمت تشكيلتها الأولى في مقر دار الأوبرا الباريسية بحضور نخبة من نجوم الفن والموضة والمجتمع الراقي. ونالت الاعجاب لما تتميز به ازياءها من طرافة وبساطة ملائمتين للصيف الى أبعد حد وإن كانت المصممة الشابة 25 سنة التي تخرجت من مدرسة التصميم منذ عامين فقط، تحتاج الى مزيد من التدريب والخبرة لتمارس مهنتها بالثقة نفسها التي يتمتع بها لاغرفلد أو غاليانو أو غولتييه مثلاً. وبين التشكيلات الباريسية التي بالموديلات اللافتة بفضل براعة تصاميمها المجموعة التي انجزها البريطاني الكسندر ماكوين لحساب دار جيفانشي واعتمد فيها الى حد كبير على استخدام الجلد في البنطلونات والجاكيتات، مما لم يمنعه كالعادة من اللجوء الى الإثارة. كان من دواعي سرورنا ان نحضر العرض الذي يتسلق سلم المجد في ميدان الأناقة الباريسية ويسبق غيره بمراحل، علماً انه كان يعتمد الإثارة حينما كان الآخرون يلتزمون الكلاسيكية. لكن ها هو يعود الى العقل والحكمة في الوقت الذي يبدأ العدد الأكبر من منافسيه تقليد صرعاته القديمة. رومانسية غاليانو ربما تجدر الكتابة عن جون غاليانو بالطريقة نفسها إلا ان هذا الأخير يحقق في ميدان الرومانسية بأساليب قديمة ما يحققه غولتييه برسوماته العصرية الحديثة جداً. ولأول مرة منذ أن تولى البريطاني غاليانو مسؤولية تنفيذ تشكيلات دار كريستيان ديور، نلاحظ انه استوحى تلك التشكيلات ليصمم تشكيلة ماركته الشخصية، بل تفوق في الأخيرة من حيث الخيال والابتكار معتمداً عند كريستيان ديور على الديكور الخلاب الفريد من نوعه أكثر مما اعتمد على الأزياء في حد ذاتها. وبين التشكيلات الجذابة والجريئة بعض الشيء نذكر أزياء كل من ايمانويل أونغارو والياباني ايساي مياكي ونينا ريتشي والبرازيلي اوسيمار فرسولاتو الذي قرر ترك عمله لحساب دار لانفان من أجل التفرغ لماركته الخاصة. ولا ننسى تشكيلات سونيا ريكيال وغريه وسيلين وجان شارل دي كاستلباجاك وايمانويل خان وجان لوي شيرير التي قدمها مبتكره برنار بيريس وروشاس وكلود مونتانا، ثم ايضاً شيروتي وباكو رابان. وتواصل دار غي لاروش عملها على النحو المميز كما في الموسم الفائت بفضل عودتها الى تقديم تشكيلة موسمية تحت اشراف الاميركي البير ايلباز بعد توقفها عن العرض عامين كاملين، خصوصاً ان ازياءها ملفته لما هي عليه من أناقة راقية وذوق رفيع. ولا بد من ذكر ليونار التي قدمت تشكيلة مجردة تماماً من كل مواصفات الماضي التي كانت قد جلبت الى هذه الدار سمعة سيئة تماماً، وجاءت هذه المرة مبنية على أفكار جديدة وجذابة عرفت كيف تجسدها فوق المسرح العارضة ليتيسيا هاليداي زوجة نجم الغناء الفرنسي جوني هاليداي. وكالعادة حضر العروض حشد من النجوم، بينهم ديمي مور ونيكول كيدمان وروجر مور وكارول بوكيه وجيرار دوبارديو وغيرهم .