بعد اعتراف الولاياتالمتحدة بفشل مخطط لاطاحة نظام الرئيس صدام حسين إثر دخول قوات الحرس الجمهوري الى شمال العراق أواخر الخريف الماضي، واضطرارها الى اخلاء آلاف العراقيين المتعاونين مع وكالة الاستخبارات المركزية الى جزيرة غوام عبر تركيا، تمهيداً لمنحهم اللجوء السياسي، بدأت الدول والأطراف التي راهنت على هذا المخطط بإعادة رسم سياساتها حيال بغداد، خصوصاً ان تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 986 وعودة النفط العراقي ولو جزئياً الى الأسواق الدولية، تزامن مع فشل المخطط الأميركي. ويُعدّ الأردن، الذي اعلنته واشنطن في تشرين الثاني نوفمبر الماضي حليفاً أساسياً من خارج حلف شمال الأطلسي، من أبرز الأمثلة في المنطقة على بدء انهيار سياسة واشنطن لاحتواء العراق وعزله بعد فشل سياسة الاحتواء المزدوج لكل من بغداد وطهران. ولا شك في ان انشغال ادارة الرئيس بيل كلينتون بالانتخابات الرئاسية في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، وتغيير الفريق الذي سيدير الأمن القومي والاستخبارات والدفاع، الى جانب تعيين مادلين اولبرايت خلفاً لوارن كريستوفر على رأس الديبلوماسية الأميركية، شكلت كلها مرحلة تميزت بشبه غياب للقرار الأميركي في شأن العراق. وهذا ما دفع بعض الدول الى اعادة هيكلة علاقاتها مع العراق، بدءاً بالأردن ومروراً بدول كانت أبقت على علاقات وان كانت محدودة مع بغداد مثل تركيا وفرنسا وروسيا والاماراتوقطر. الملك حسين الذي دعا في مناسبات عدة، بين أواخر 1993 واوائل 1996، الى "انقاذ الشعب العراقي من الحصار الخارجي والقمع الداخلي"، وسمح لحسين كامل صهر الرئيس العراقي بأن يعلن في مؤتمر صحافي عقده في الديوان الملكي في 12/8/95 عزمه على اطاحة الرئيس صدام، لم يتردد كثيراً الاسبوع ما قبل الماضي في أن يبعث برسالة الى الرئيس العراقي يدعوه فيها الى تطوير العلاقات الثنائية. وحمل الرسالة وزير الصناعة والتجارة الأردني السيد علي أبو الراغب الذي كان أول وزير أردني يقابل صدام منذ حرب الخليج الثانية. وفي غضون اسبوع، عقد رئيس الوزراء الأردني السيد عبدالكريم الكباريتي لقاءين مع نائب رئيس الوزراء العراقي السيد طارق عزيز، وأعلن على الأثر الاتفاق على تجديد اتفاق لمد الأردن بالنفط العراقي وآخر للتبادل التجاري بين البلدين. وعلى رغم تأكيدات المسؤولين الأردنيين ان عمان تفصل ما بين العلاقات الاقتصادية والعلاقات السياسية، فإن استقبال الملك حسين نائب الرئيس العراقي السيد محيي الدين معروف في تشرين الثاني نوفمبر الماضي في الديوان الملكي، ثم انضمامه الى اجتماع عقد بين الكباريتي ووزير الخارجية العراقي السيد محمد سعيد الصحاف، في منزل رئيس الوزراء الأردني، في كانون الأول ديسمبر الماضي، اعطيا انطباعاً بأن التحول في السياسة الأردنية ليس شكلياً. غير أن هذا التحول - الانقلاب في سياسة الأردن حيال العراق، بعد فشل المخطط الأميركي لاطاحة صدام لم يأت بمعزل عن الضغوط الداخلية لأهم جماعة ضغط أردنية مؤيدة للنظام العراقي من صحف وشركات ورجال أعمال، بموازاة ضغوط نتجت من تعثر عملية السلام على المسار الفلسطيني، وفشل التوقعات الواعدة بازدهار اقتصادي إثر توقيع المعاهدة الأردنية - الاسرائيلية، فضلاً عن عدم استجابة الدول الخليجية استجابة كافية لحاجات الأردن الاقتصادية على رغم تحسن العلاقات السياسية بين عمان وعواصم الخليج. وكما دفعت العزلة العربية التي عانى منها الأردن اثر حرب الخليج الثانية عمان الى الاندفاع نحو سلام مع اسرائيل، من دون التقليل من أهمية "سباق المسارات" التفاوضية بعد توقيع اتفاق أوسلو والتنافس على الأدوار الاقليمية، فإن انهيار المخطط الأميركي لاطاحة النظام في بغداد، وتعثر المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية وانعكاساتها الداخلية في الأردن، وتباطؤ الدول العربية الخليجية في الانفتاح على المملكة الهاشمية وعدم نضج ثمار السلام الموعودة، دفعت القيادة الأردنية الى اعادة تقويم شاملة للعلاقات مع العراق، من دون تجاهل ابعاد تنفيذ قرار "النفط في مقابل الغذاء" والتنافس على اقتسام جزء من الكعكة العراقية. وإذا كانت الولاياتالمتحدة تؤكد اليوم ان لا تغيير في موقفها الرافض رفع الحظر الشامل عن العراق، فإن كبار المسؤولين الأردنيين لا يخفون عدم ثقتهم بالوعود والالتزامات الأميركية. ويقول مرجع سياسي أردني ان واشنطن كانت أكدت لعمان أنها لن تسمح بتنفيذ القرار 986، كما أكدت بعد لجوء حسين وصدام كامل حسن المجيد صهري الرئيس صدام بأن نهاية النظام قريبة، وهذا ما ورّط المملكة التي لم تكن تريد المراهنة على حصان خاسر، فسارعت الى تصعيد الموقف من بغداد. لكنها سرعان ما وجدت نفسها تقف شبه وحيدة ازاء صمت القوى الاقليمية على رغم تأكيدات وزير الدفاع الأميركي وليام بيري ان واشنطن تعمل مع الأردن و"دول أخرى" لاطاحة النظام العراقي. بل سارعت مصر ودول أخرى الى التنصل من أية علاقة بالمخطط الأميركي ونددت القاهرةودمشق بأي محاولة من الخارج لاطاحة النظام في بغداد، أو التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. وتروي مصادر ديبلوماسية ان الملك حسين كان صعّد لهجته ضد الرئيس صدام في ضوء اجابات حصل عليها من الرئيس كلينتون عن تساؤلات أردنية من أهمها: هل تسعى واشنطن الى اسقاط النظام العراقي؟ وإذا كانت تنوي ذلك، فلماذا لا تعلن الأمر صراحة، وذلك لتشجع الأطراف الأخرى التي تؤيدها في هذا المسعى؟ وكان لسان حال العاهل الأردني يقول: ان على واشنطن ان تعلن نيتها قلب نظام الحكم في بغداد، أو ان تفتح حواراً معه لانهاء الحصار المفروض عليه. لأن الأردن لا يريحه بقاء الوضع على حاله. فاما اعادة تأهيل للعراق بمساهمة أردنية أو اطاحة للنظام بمشاركة عمان. ولم تخف المملكة قلقها ازاء المحادثات التي أجرتها لجان "فنية" سورية - عراقية لاعادة ترسيم الحدود الدولية بين البلدين في الوقت الذي تستضيف دمشق أقطاب المعارضة العراقية. ويقول مسؤول اردني كبير ان سورية تتبع سياسة للتعامل مع العراق تشبه السياسة التي مارستها مع لبنان من خلال التحالف مع طرف وترك الباب مفتوحاً أمام الطرف الخصم لتظل لها الكلمة الفصل لدى الطرفين. وفيما لا يشكل الوجود السوري في لبنان خطراً استراتيجياً على الأردن، فإن توسع الدور السوري نحو بغداد يشكل تهديداً مباشراً له وطالما تخوفت عمان من أي تقارب سوري - عراقي قد يؤدي الى احكام الخناق عليها. ووسط التسابق الاقليمي للتعامل مع العراق، سواء من جانب تركيا أو سورية أو دولة الامارات أو قطر وغيرها، واحتمال اتخاذ مجلس الأمن مزيداً من الخطوات لتخفيف الحصار المفروض على بغداد، الى جانب الاعتبارات السابقة، وجد الأردن نفسه مضطراً الى احداث انقلاب في علاقته مع بغداد، أقله للحفاظ على مصالحه الاقتصادية. فمن المفترض مثلاً ان يستفيد ميناء العقبة من تنفيذ القرار 986، كما يستفيد ميناء دبي من واردات العراق التي لا يمكن ميناء أم قصر العراقي وحده استيعابها. والضغوط الاقتصادية ليست وحدها التي تحرك السياسة الأردنية في هذه المرحلة، فالاعلان في بيروت يوم الاثنين الماضي عن موافقة قاضي التحقيق الأول على تخلية الموقوفين العراقيين في قضية اغتيال المعارض العراقي طالب السهيل التميمي في 13 نيسان ابريل 1994، لم تنظر اليه عمان خارج اطار التطورات السياسية الأخيرة. وقالت أوساط أردنية ان القاضي اللبناني قرر الافراج عن الديبلوماسيين العراقيين الثلاثة في مقابل كفالات بعدما تلقت وزارة الخارجية اللبنانية ملفاً يفيد أن الموقوفين يتمتعون بالحصانة الديبلوماسية... فهل احتاج الأمر الى نحو ثلاث سنوات لاكتشاف ان الديبلوماسيين يتمتعون بحصانة ديبلوماسية؟ وتقول هذه الأوساط وأوساط لبنانية موثوق بها ان قرار بيروت جاء بعد اتصالات لبنانية - عراقية أجريت الشهر الماضي عندما قام السفير اللبناني في عمان وليم حبيب بزيارة لبغداد لم يعلن عنها في حينه، واجتمع بوزير الخارجية محمد سعيد الصحاف. وتؤكد ان تلك الاتصالات لم تتم بمعزل عن قرار سوري بمزيد من الانفتاح على العراق بدءاً من لبنان بهدف ايصال رسالة الى واشنطن مفادها ان استمرار التعنت الاسرائيلي وتجاهل الادارة الاميركية مطالب دمشق وأولها الزام حكومة بنيامين نتانياهو استئناف المفاوضات من حيث انتهت، لن يمرا من غير تمرد سوري على سياسة عزل العراق التي تتبناها واشنطن. نزعة الى التمرد وواضح ان دمشق تريد ابلاغ واشنطن ان خياراتها ما زالت مفتوحة، وان التجاهل الأميركي، سينعكس على المصالح الأميركية في المنطقة ويدفع الدول المعنية بمستقبل العراق الى اعادة ترتيب أولوياتها. والى جانب الانقلاب الأردني والتوجه مجدداً نحو العراق، والتلميح بتحول سوري في اتجاهه أيضاً، تزداد العلاقات تحسناً بين العراق وكل من قطروالامارات. فبينما قررت بغداد اعتماد ميناء دبي أحد أهم منافذ تجارتها مع العالم الخارجي، كان مبعوث قطري يظهر على التلفزيون العراقي كأول زائر لنجل الرئيس العراقي، عدي صدام حسين، في المستشفى بعد اصابته في محاولة اغتيال نفذت في 14/12/96. وكانت قطر أيدت مبادرة أطلقها الشيخ زايد للمصالحة مع العراق، وكل ذلك لا يبدو مريحاً لادارة أميركية جديدة - قديمة تراقب تحركاً اقليمياً يقوم به حلفاؤها وغيرهم لاعادة تطبيع العلاقات مع بغداد خارج اطار السياسة الاميركية. ويرى مراقبون ومحللون للتطورات الأخيرة ان الانفتاح النسبي على العراق، تركياً وعربياً وروسياً وفرنسياً هو انفتاح اقتصادي مبرر بعد الرفع الجزئي للحظر على صادرات النفط العراقي، غير أنه لا يتعدى خطاً أحمر ترسمه واشنطن من خلال مجلس الأمن. ويرى هؤلاء ان مصالح تلك الدول مع الولاياتالمتحدة لا يمكن تجاهلها أو مقارنتها بتطبيع العلاقات السياسية مع العراق، وأنه في المدى المنظور، سيتم التعامل مع النظام العراقي بالطريقة التي تتعامل فيها واشنطن مع نظام الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في أحسن تقدير. إلا أن المؤشرات الأولية، خصوصاً تلك التي صدرت عن الأردن أخيراً، باعتباره أقرب الحلفاء الى واشنطن في المنطقة بعد اسرائيل، تظهر نزعة الى التمرد على ما كان يعتبر من ثوابت السياسة الأميركية حيال العراق منذ حرب تحرير الكويت، خصوصاً في مرحلة انتقالية يتسلم فيها فريق جديد ادارة الشؤون الخارجية في واشنطن ديبلوماسياً وأمنياً واستراتيجياً. لكن مصادر قريبة من الحكومة الأردنية ترفض تبرير التحول في موقف عمان بأنه مجرد رد فعل على الشلل الأميركي في معالجة الوضع العراقي، بمعزل عن اعتبارات أخرى من بينها الجمود في عملية السلام وتفاقم الضغوط الاقتصادية، وغياب الاجماع الاقليمي على سبل التعامل مع المعضلة العراقية، وعدم استجابة واشنطن استجابة كافية لحاجات الأردن وتوقعاته بازدهار اقتصادي اثر توقيعه معاهدة السلام مع اسرائيل. فبينما حصلت مصر بعد كمب ديفيد على التزام أميركي سنوي بمساعدات مالية تجاوزت الفي مليون دولار، الى جانب ثلاثة آلاف مليون دولار لاسرائيل لم يحصل الأردن على أية مساعدات دورية تذكر من واشنطن التي اكتفت بشطب ديون مستحقة عليه قيمتها 700 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، وبتقديم مساعدات عسكرية محدودة، وباعلان الأردن حليفاً من خارج حلف شمال الأطلسي الى جانب مصر وتركيا واسرائيل طبعاً، وهو اعلان لا يمنحه أكثر من دعم معنوي الى جانب اعطائه أولوية في الحصول على أسلحة أميركية متطورة لا يستطيع على الأرجح شراءها لانعدام وجود مصادر للتمويل من جهة، ولعدم توافر نية لدى واشنطن لتقديم أسلحة بكميات ونوعيات فعالة الى دولة مجاورة لاسرائيل من جهة أخرى. حسابات بسيطة وبحسابات بسيطة يمكن فهم قرار الأردن الانفتاح على العراق، فهو يتزود منه منذ أيلول سبتمبر 1990 كل حاجاته من النفط بأسعار تفضيلية تقل عن السعر الدولي بنحو أربعة دولارات للبرميل، على رغم ان الاتفاق الذي وقع الاسبوع الماضي بين الطرفين زاد الكلفة على الخزينة الأردنية بنحو 70 مليون دولار بسبب اصرار بغداد على تعديل الأسعار لتتماشى مع ارتفاع الأسعار عالمياً منذ منتصف العام الماضي. ووافق الأردن على الاتفاق الجديد بكلفة اعلى من السابق لأن الصفقة تظل أفضل من أية صفقة مماثلة يمكن ابرامها مع أية دولة نفطية أخرى، خصوصاً ان العراق يقدم جزءاً من نفطه الى الأردن من دون مقابل منذ أكثر من ست سنوات. وقالت مصادر حكومية اردنية ان العراق رفع سعر النفط المباع للمملكة من 15.23 دولار للبرميل الواحد الى 19.10 دولار بعد تنفيذ قرار "النفط في مقابل الغذاء" الذي يسمح لبغداد ببيع كميات محدودة من النفط في الأسواق الدولية. وكان الأردن الجهة الوحيدة المستثناة من الحظر على النفط العراقي، بإذن خاص من لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن منذ الغزو العراقي للكويت. ويعزو المراقبون استمرار العراق في التعاون الاقتصادي مع الأردن على رغم تدهور العلاقات السياسية خلال العامين الماضيين الى درجة اقتربت من القطيعة شبه الكاملة، الى أن المملكة الهاشمية هي الدولة الوحيدة المجاورة التي لم تشارك في التحالف الدولي لاخراج القوات العراقية من الكويت، والدولة التي لم تغلق حدودها مع العراق كما هي الحال مع سورية وتركيا وايران. اضافة الى ان الأردن الذي يشهد انفتاحاً سياسياً وديموقراطياً منذ أواخر الثمانينات يشكل ساحة خلفية للنشاط السياسي والاقتصادي العراقي الذي يمكن أن يساعد مساعدة فعالة في تحريك الرأي العام العربي، والى درجة أقل العالمي، لرفع الحصار الدولي. وتمكن العراق منذ سنوات الحرب العراقية - الايرانية من استقطاب عدد كبير من السياسيين ورجال الأعمال وقادة الرأي العام من الكتاب والصحافيين الأردنيين لتبني وجهة نظره وتأييد سياساته ومواقفه ضد خصومه على المستويين العربي والدولي، مستخدماً شتى الوسائل المتاحة. ويراهن العراق حالياً على رصيده من جماعات الضغط والشخصيات المتعاطفة معه في الأردن، لاسقاط حكومة رئيس الوزراء عبدالكريم الكباريتي الذي تزامن تشكيل حكومته في شباط فبراير الماضي مع تدهور العلاقات العراقية - الأردنية وبدء حملة لتطهير المؤسسات الرسمية الأردنية من العناصر المتعاطفة مع النظام العراقي. وعلى رغم ان الكباريتي، كغيره من رؤساء الوزارات الأردنية، كان ينفذ سياسة الملك حسين، فإن الرئيس صدام، في سعيه الى الرد على العاهل الأردني الذي استضاف صهريه حسين وصدام كامل حسن المجيد ورفض تسليم زوجتيهما ابنتيه الى نجله عدي الذي زار الأردن لهذا الهدف، يرى في اسقاط حكومة الكباريتي هدفاً أقرب الى التحقيق من مواجهة شاملة مع النظام الأردني. وتتزامن حملة "اللوبي العراقي" في عمان على حكومة الكباريتي، مع حملة يشنها الحرس القديم المتمثل في رؤساء الوزراء السابقين ومراكز القوى المختلفة التي تضررت بمجيء الكباريتي الى السلطة وتبنيه لسياسات اصلاحية قاسية من أهمها اعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتعويم سعر القمح والأعلاف وشن حملة على الفساد في المؤسسات الرسمية. وعلى رغم مبادرة الكباريتي بالاجتماع الى المسؤولين العراقيين اثر الانقلاب نحو العراق بعد الانقلاب ضده في ضوء التراجع الأميركي وجمود عملية السلام والسعي الى الحفاظ على المصالح الاقتصادية الأردنية في العراق، تتواصل الحملة لاجبار الحكومة على الاستقالة على أساس أنه لا يمكن حكومة نفذت سياسة الابتعاد عن بغداد ان تظل في السلطة عند تنفيذ التقارب الذي ظهرت ملامحه في الأسابيع الأخيرة. غير أن الملك حسين، وحتى هذه الأيام، يبدو متمسكاً بحكومته. فهو أصر من جانبه على ان التعامل مع العراق والتقارب معه في خدمة المصالح الأردنية لا بد من أن يتما عبر الحكومة نفسها، وبالأخص رئيسها الذي لم يتوقف حتى الآن عن مطالبة القيادة العراقية بتنفيذ قرارات مجلس الأمن اضافة الى استحقاقات سياسية ترتبط بطمأنة الدول المجاورة الى حسن نياتها وطمأنة المجتمع الدولي من خلال الانسجام مع الاجماع العربي على تأييد عملية السلام في المنطقة. ونبّه الكباريتي في تصريحات صحافية أخيراً الى أن رفع الحصار الشامل عن العراق يتطلب اتخاذ بغداد خطوات سياسية تنسجم مع الاجماع العربي اضافة الى الخطوات القانونية المرتبطة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن. ولمح الى أن اعلان العراق تأييده عملية السلام واستعداده للمساهمة في إنجاحها، يقطع شوطاً طويلاً باتجاه اعادة تأهيله ورفع الحصار المفروض عليه. لكن بغداد بدت كأنها قررت تجاهل مضمون الرسالة الأردنية متفادية التعليق عليها. وربما كانت لا تزال تراهن على تواصل الانهيارات في جدار الحصار الدولي، معتمدة على تهافت الدول على توقيع عقود تجارية معها، واستمرار التراجع الأميركي نفوذاً وسياسة في المنطقة. وربما رأى العراق في الأردن مثلاً يحتذى في اعادة تقويم علاقاته معه