الملك عبد الله الثاني اعلن استعداد الاردن لتدريب 30 ألف عنصر امني عراقي، وكوادر عسكرية ومدنية اخرى، لمساعدة العراقيين على اعادة اعمار بلدهم. تعكس الخطوة المتقدمة هذه، والتي سبقتها خطوات من ضمنها التعاطي الايجابي مع مجلس الحكم الانتقالي، استعداداً براغماتياً للتعامل مع الواقع الاقليمي، الذي بدأت تتشكل ملامحه على انقاض نظام صدام حسين. ويمكن القول إن المبادرة الاردنية، التي اعقبت الزيارة الاخيرة التي قام بها العاهل الاردني الى واشنطن، استهدفت، في الدرجة الاولى، خدمة المصالح الاردنية، في السياق الاقليمي الجديد، الى جانب مساعدة العراقيين، والمحافظة على علاقات التحالف التقليدي مع اميركا. إذ لا بديل للأردن من تجاوز الحال التي فرضها عليه النظام العراقي المخلوع، على مدى عشرين عاماً منذ الحرب العراقية - الايرانية. فالضغوط الاقتصادية دفعت الاردن، خلال العقدين السابقين، الى الاعتماد على الدعم الاقتصادي العراقي، متمثلاً بالمنح النفطية التي كانت تغطي اكثر من نصف استهلاك المملكة، فضلاً عن فتح الاسواق العراقية للصادرات الاردنية. في المقابل، قدمت عمان الدعم السياسي لذلك النظام، في الساحتين العربية والدولية، وصولاً الى الحرب التي اطاحته في نيسان ابريل الماضي. إذ بقي حجم المساعدات العراقية للأردن يفوق مجموع المساعدات الاقتصادية الاميركية والاوروبية مجتمعة، حتى عشية الحرب. لم يكن مستغربا ان الاردن تمسك بعلاقات المصلحة مع ذلك النظام الدموي، كما تمسكت دول اخرى في الشرق والغرب، حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب العراقي المسحوق. فالمملكة لم تجد بديلاً لذلك التحالف القسري، لا في الغرب ولا في الشرق. ولعل البعض لا يزال يذكر مناشدة العاهل الاردني الراحل الملك حسين لأشقاءه العرب في قمة بغداد في العام 1990، والتي لم تلق استجابة تذكر لجهة مساعدة اقتصاد المملكة الذي كان يترنح على شفا هاوية. المهم هو ان الاردن، بدعم واضح من واشنطن، بدأ عملية اعادة حساباته الاقليمية في شكل اسرع مما كان متوقعاً، وهو ما يحسب له وليس عليه، خلافاً لدول في المنطقة وخارجها لا تزال تعتقد بأنها تستطيع، من خلال مساهماتها المباشرة وغير المباشرة في العمليات الارهابية والتخريبية في العراق، ان تنتصر على القوات الاميركية، وعلى العراقيين انفسهم، لتعيد القائد الملهم صدام حسين ليجثم على صدورهم من جديد، ويعاود ممارسة هوايته في حفر القبور الجماعية لهم. إلا ان التحالف - المصلحة الذي كان قائماً بين المملكة والعهد العراقي البائد، ترك اثاره العميقة في الاردن، سياسة واقتصادا وثقافة، وهو ما سيتطلب اعادة صوغ السياسات الداخلية في شكل يتوافق مع التحول في السياسة الخارجية في ضوء الواقع الاقليمي الجديد. فالوضع السابق، الذي استمر سنوات طويلة، خلق مراكز قوى في داخل المملكة، وربما في اروقة الحكم، ارتبطت مصالحها الشخصية والسياسية ارتباطا مباشرا بالوضع الذي كان قائما. ولا يكفي، في هذا السياق، الاعتماد على واشنطن لتمهد الطريق الى بغداد، بمعزل عن مد جسور مع القيادات العراقية، سواء كانت ضمن مجلس الحكم الانتقالي، او خارجه. ويعني ذلك بالضرورة ان الحكومة الاردنية، التي ارتبط اشخاصها بسياسات التقارب والتعاون مع النظام المخلوع، لن تكون قادرة على التعاطي مع العراق الجديد ورجاله. واضح تماماً ان الملك عبد الله الثاني يعرف ما يتطلبه التغيير الاقليمي من تغييرات داخلية. وربما يكون اعلانه عن قرار تدريب قوات الامن العراقي هو مؤشر الى انه ينظر الى المستقبل من منظور واقعي يعرف ان مصلحة الاردن تكمن في تحقيق مصلحة العراق الآمن المستقر. إذ لا معنى لكل الكلام عن صوغ دستور واجراء انتخابات ونقل للسلطة الى العراقيين من دون تحقيق الأمن الذي يشكل عماد الدولة في العراق الجديد.