لم يصدر تصريح رسمي في القاهرة حتى الآن يوحي باستعداد الحكومة لخفض سعر صرف الجنيه، بل على العكس، فإن جميع التصريحات، اكدت رفض مصر خفض سعر صرف عملتها. حتى الحكومة الجديدة التي يرأسها الدكتور كمال الجنزوري، والتي يقال انها اكثر استعداداً للتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين في مجال تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي، جدّدت التزامها الابقاء على السعر الحالي للجنيه، والذي يتراوح ضمن هامش 90.3 - 4،3 جنيهات تجاه الدولار الاميركي. وتبرّر الحكومة المصرية موقفها من موضوع استقرار العملة الوطنية، بمجموعة اعتبارات، ابرزها الآتي: أن السعر الحالي للجنيه هو السعر الذي فرضته السوق، في نفي غير مباشر للمعلومات التي تتحدث عن تدخل مستمر للبنك المركزي لدعم العملة الوطنية، لا بل يقول المسؤولون في البنك، ان تدخله المباشر يأتي منذ سنوات على حساب الجنيه، عن طريق شراء فائض العملات الاجنبية في السوق، للحدّ من هبوط اسعارها تجاه العملة الوطنية. ويشير هؤلاء الى أن سياسة التدخل في سوق القطع المحلية للحد من هبوط العملات الاجنبية أدت الى ارتفاع حجم الاحتياط من هذه العملات الى 18 مليار دولار، وهو رقم لم يسبق لمصر ان حققته، حتى في أفضل سنواتها الاقتصادية. الى ذلك يرى كبار المسؤولين الماليين والنقديين ان استقرار سوق القطع المحلية هو من افضل عناصر الجذب للاستثمارات والرساميل من الخارج. وفي هذا السياق تشير التقديرات التي يعدها البنك المركزي الى أن استقرار سوق القطع هو احد الاسباب المباشرة لارتفاع قيمة تحويلات المصريين في الخارج الى حوالي 6 مليارات دولار سنوياً، بعدما كانت لا تزيد عن 7،1 مليار دولار اواخر الثمانينات. وفي السياق نفسه تشير التقديرات الرسمية، الى أن حجم الاستثمارات الاجنبية غير النفطية ارتفع الى أكثر من 10 مليارات دولار، توزعت في معظمها على القطاعات الاقتصادية المختلفة، خصوصاً في قطاعات السياحة والفنادق والصناعة والزراعة. ولم يتورع رئيس الحكومة عن ربط تدفق الرساميل الاجنبية بما يسميه الاستقرار النقدي في البلاد، وشعور المستثمرين بما يعتبره الامان المالي الذي توفره التشريعات المعمول بها حالياً. اكثر من ذلك فإن وجهة النظر المصرية حول موضوع زيادة الصادرات، هي ان المشكلة تتمثل اولاً في تدني المواصفات التنافسية للسلع المصرية بالمقارنة مع تنافسية السلع المنتجة في دول أخرى، قبل ان تكون في ارتفاع اسعارها. ومع ذلك فإن التوقعات المتداولة في الوسط المصرفي المصري. وفي الخارج، تشير في معظمها الى احتمال قوي لخفض سعر صرف الجنيه، بما لا يقل عن 10 في المئة، في خلال السنتين المقبلتين، ويستند هذا الاعتقاد الى مجموعة اعتبارات، ابرزها ان السعر الحالي للعملة المصرية هو سعر مصطنع بفعل التدابير التي يطبقها البنك المركزي، وفي طليعتها سياسة الفوائد المرتفعة التي تزيد بواقع 5 و6 نقاط على مستوى الفوائد على الدولار الاميركي، الامر الذي يقول خبراء صندوق النقد الدولي انه شكل وسيلة دعم غير مباشرة للعملة، بدلاً من تركها لتوازن السوق، ولو على حساب مستوى كلفة الانتاج، والركود الاقتصادي. ويقول عاملون في شركات مالية ان من المضار التي يفرضها سعر فائدة مرتفع، تدني حركة التسليفات ذات الطابع الانتاجي، وارتفاع كلفة الاستثمار والانتاج الى جانب المساهمة في زيادة حدة الركود الاقتصادي الذي تعاني منه مصر منذ سنوات. ويفضل الكثيرون من المدخرين المصريين التوظيف في الودائع المصرفية للافادة من عائداتها المرتفعة 12 و13 في المئة، في حين يبدو الاستثمار في سوق الاوراق المالية اكثر مخاطرة. ومع ان الاعتقاد هو أن حكومة الجنزوري قد أظهرت استعدادات اكثر طموحاً لتسريع برنامج التخصيص وبيع المزيد من الشركات الحكومية 315 شركة كعامل جذب للاستثمارات والرساميل من الخارج، الاّ أن ثمة اجماعاً على أن الشركات المطروحة للتخصيص لا توفر حوافز كافية لجذب استثمارات اجنبية مهمة. ويقول رئيس مجلس احد المصارف التجارية التي تملكها الدولة ان المستثمرين الاجانب الذين ترغب الحكومة في اجتذابهم الى التوظيف في الشركات المطروحة للبيع، لا تهمهم هذه الشركات بقدر ما يهتمون بالشركات والمؤسسات الكبرى، مثل الهاتف والكهرباء والنقل، وهي مؤسسات لا تخطط الحكومة المصرية لبيعها، أقله في المدى المنظور، بسبب الحاجة الى ادخال تعديلات اساسية على القوانين النافذة حالياً، واستعداد الدولة لرفع يدها عما تعتبره قطاعات استراتيجية، مثل النقل والكهرباء والاتصالات علماً انها باشرت خطوات لكن خجولة في قطاعات الكهرباء والاتصالات... ومع ان معدل النمو الاقتصادي في مصر مرشح للارتفاع في العامين الحالي والمقبل الى 5،3 و4 في المئة، الاّ أن هناك من يرى أن مصر ربما احتاجت الى معدل نمو لا يقل عن 8 و9 في المئة لزيادة حصتها من الاستثمارات الدولية، كما ان ثمة اعتقاداً بأن تحسين الصادرات وتحقيق الرقم الذي تخطط الحكومة لتسجيله 10 مليارات دولار لا يمكن ان يتحقق من دون التمكن من اجتذاب الاستثمارات الاجنبية التي لا زالت تصطدم بعقدة العمالة الفائضة والقيود المفروضة عليها للابقاء عليها.