خلافاً للتوقعات التي سادت قبل الانتخابات الاخيرة، فوجئت الاسواق الاسرائيلية بقرار البنك المركزي رفع اسعار الفائدة السنوية بواقع 5،1 نقطة مئوية خلال شهر تموز يوليو الجاري، ما ادى الى صدمة من شأنها ان تؤثر على حركة الاسهم وتساهم في تراجع اسعارها. كما توقع المتعاملون في اسواق الصرف ارتفاع سعر الشاقل امام الدولار الاميركي نتيجة الاقبال عليه. وكان محللون وتجار عملات اجنبية توقعوا انخفاض قيمة الشاقل بعد الانتخابات، بغض النظر عن الحزب الذي يفوز العمل او ليكود نتيجة تطبيق سلسلة اجراءات اقتصادية، منها خفض النفقات في الموازنة وانخفاض اسعار الفائدة. وفي الثالث من أيار مايو الماضي قال موتي شوشان رئيس غرفة التعامل في العملات الاجنبية في بنك لومي الاسرائيلي: "سيتعين على الحكومة الجديدة ان تطبق خطة اقتصادية تشمل خفض النفقات في الموازنة". واضاف: "سيستغرق الامر يوماً او يومين، شهراً او شهرين، لكن في النهاية قوى السوق هي التي ستقرر". اما تاكيا بارشافيت كبير الاقتصاديين في بنك هوبو عاليم، فتوقع تطبيق خطة معتدلة تشمل خفض اسعار الفائدة وخفض النفقات في الموازنة بنحو ملياري شاقل 6،666 مليون دولار. واوضح المحللون الاقتصاديون "ان قيام البنك المركزي بخفض قيمة الشاقل بقرار من الحكومة لن يكون فعالاً، لكن خفض اسعار الفائدة وخفض الانفاق في الموازنة سيحقق خفضاً طبيعياً في الشاقل". وأجمع المحللون على أن العجز الهائل في ميزان المعاملات الجارية دليل على أن هناك حاجة لخفض قيمة العملة الاسرائيلية. واذا كانت الموازنة في كل دولة تعكس عادة التوجهات الاساسية للسياسة الاقتصادية لهذه الدولة، فإن الموازنة في اسرائيل تعكس باستمرار الوضع غير الطبيعي لنشأة الاقتصاد الاسرائيلي وتطوره، وهو الذي عانى عجزاً في الميزان التجاري وصل الى نحو تسعة مليارات دولار في عام 1995، فضلاً عن اعتماد اسرائيل على المساعدات الخارجية خصوصاً الاميركية التي بلغت منذ العام 1951 وحتى نهاية العام 1995 نحو 62 مليار دولار. كما بلغ حجم الدين المستحق على اسرائيل نحو 24 مليار دولار، منها نحو ثمانين في المئة بمثابة ديون خارجية. وبلغت موازنة السنة الحالية التي اقرتها الكنيست أواخر العام الماضي نحو 8،55 مليار دولار في مقابل 49 ملياراً عام 1995، ونحو 43 مليار دولار عام 1994 و7،35 مليار دولار عام 1993. وتوقعت الموازنة عجزاً مقداره 4،3 مليار دولار اي نحو 5،2 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الاسرائيلي في نهاية 1996 في مقابل 7،2 في المئة عام 1995، وواحد في المئة عام 1994، و8،2 في المئة عام 1993 و9،2 في المئة عام 1992. وتبعاً لاتجاهات النمو في الناتج المحلي الاجمالي لاسرائيل والتي ادت من خلال القيم المضافة لكل القطاعات الاقتصادية الى زيادة الناتج المحلي الاجمالي من 61 مليار دولار عام 1991 الى نحو 76 مليار دولار في نهاية العام 1994، توقعت الموازنة معدلاً للنمو الاقتصادي يبلغ خمسة في المئة في المتوسط، اي ان الناتج المحلي الاجمالي يتوقع ان يصل الى أكثر من 90 مليار دولار في نهاية سنة 1996. ولكن لماذا اقدم بنك اسرائيل المركزي على رفع الفائدة مع ما يساهم ذلك في رفع سعر الشاقل، خلافاً لتوقعات المحللين الاقتصاديين؟ العجز المالي لقد اشار بعض التقديرات الى أن خفض الانفاق في العام 1996 بمقدار ثلاثة او اربعة مليار شاقل بين 900 مليون دولار و2،1 مليار دولار من شأنه ان يحقق الهدف المنشود الذي يسهل على البنك المركزي التغاضي عن رفع سعر الفائدة والبالغ قبل الارتفاع الاخير 5،15 في المئة، وذلك لمواجهة تصاعد معدلات التضخم التي ينتظر ان تصل الى 13 - 14 في المئة. ولكن يبدو ان حكومة بنيامين نتانياهو عاجزة عن تحقيق هذا الخفض في الانفاق، لذلك اضطرت الى رفع سعر الفائدة بمعدل 5،1 في المئة الى 17 في المئة، مع العلم انه حتى الذين كانوا يتوقعون ذلك فوجئوا بنسبة الزيادة الكبيرة للفائدة وكان في رأيهم ان تتراوح الزيادة بين نصف نقطة ونقطة واحدة مئوية. وربما يعود سبب عجز حكومة نتانياهو عن خفض الانفاق الى اعتبارات عدة اهمها: أولاً: تبلغ حصة الدفاع في الموازنة 5،16 في المئة في مقابل 8،17 في المئة عام 1995، ونحو 30 في المئة خلال السنوات التي سبقت المفاوضات العربية - الاسرائيلية والتي انطلقت من مدريد في نهاية العام 1991، وعلى رغم تراجع هذه النسبة فإن قيمتها اكبر من القيم المطلقة السابقة، نظراً الى ارتفاع ارقام الموازنات المتتالية. ويبدو ان حكومة نتانياهو غير مستعدة لخفض الانفاق العسكري حرصاً منها على الابقاء على الجهوزية العسكرية العالية. ثانياً: خصصت الموازنة اكثر من 30 في المئة لتسديد خدمات دين تراكم وصل في نهاية العام الماضي الى 24 مليار دولار، وذلك حرصاً منها على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وتحقيق صدقية لدى الدائنين فضلاً عن تشجيع المستثمرين. ثالثاً: خصصت الموازنة نحو 28 في المئة من النفقات لسنة 1996 لبند الخدمات الاجتماعية، بهدف المحافظة على مستوى معيشة للفرد في اسرائيل بل رفعه في سياق الاستراتيجية التي تستهدف في الدرجة الاولى جذب المزيد من يهود العالم وتوطينهم في اسرائيل. وبدلاً من ان تخفض حكومة نتانياهو هذا البند، فهي تحرص على زيادته تنفيذاً لسياستها الاستيطانية. ويبدو ان قرار البنك المركزي الاسرائيلي في رفع سعر الفائدة، يلتقي مع نصيحة صندوق النقد الدولي الذي دعا اسرائيل في العام الماضي الى ابقاء أسعار الفائدة مرتفعة لديها، بهدف وضع التضخم تحت السيطرة. وكان التضخم في اسرائيل بلغ في العام الماضي 5،14 في المئة، وهو معدل مرتفع، لذلك اتخذ مصرف اسرائيل المركزي سلسلة اجراءات ليصل هذا المعدل الى نسبة تتراوح بين 8 و11 في المئة خلال العام الحالي. ولوحظ ان اسرائيل حققت منذ تشرين الأول اكتوبر 1991 استقراراً يتسم بالنمو الاقتصادي الجيد الذي لا يرافقه نمو في معدلات التضخم، وذلك عن طريق استخدام سياسة صرف عملات تتسم بوجود هوامش تقلب تسمح لسعر الصرف ان يتقلب من نقطة وسط محددة مسبقاً في هامش معين، فيما يتراجع هذا السعر ازاء سلسلة من العملات الاكثر تداولاً في التبادل التجاري، ويحسب الميل في هامش التقلب على أساس انه الفارق بين التضخم المحلي المنشود المسموح به وبين التضخم الذي تستورده اسرائيل من شركائها التجاريين الرئيسيين. ويلاحظ الفارق الكبير بين نسب التضخم في اسرائيل وبلدان العالم، اذ يبلغ 4،2 في المئة في الدول الصناعية، ومثال على ذلك 6،2 في المئة في الولاياتالمتحدة، 7،0 في المئة في اليابان، و1،3 في المئة في المانيا، و9،10 في المئة في اليونان. وكانت اسرائيل في منتصف العام 1995 غيرت نظام صرف العملات الاجنبية الذي تتبعه كي تسمح للشاقل بالتقلب ضمن هوامش اوسع من تلك المعتمدة سابقاً، ووصف البنك المركزي الاسرائيلي هذا التغيير بأنه جزء من الجهود التحريرية، وقال حاكم البنك يعقوب فرنكل: "ننظر الى التعديل الذي ادخلناه على نظام صرف العملات الاجنبية كجزء لا يتجزأ من سياستنا الرامية الى تحرير الاسواق المالية ودمج السوق الاسرائيلية بالاسواق الرأسمالية الدولية، خصوصاً انه من شأن توسيع هوامش تقلب الشاقل ان يمكن اسواق صرف العملات من الاخذ في الاعتبار قوى السوق التي ترافق تدفق الرساميل الكبيرة في العالم بشكل افضل واكثر شمولاً". قلق المستثمرين وعلى رغم تفاؤل فرنكل بنجاح مهمته في الاصلاح الاقتصادي فإن ديفيد كلاين رئيس قسم صرف العملات الاجنبية والقسم المالي في البنك المركزي الاسرائيلي كان حذراً لجهة نجاح ترتيبات جعل الشاقل قابلاً للتحويل التام، نظراً الى ان الاسرائيليين يملكون من الموجودات المالية ما يبلغ 150 مليار دولار، وقال كلاين "لا نريد ان نصحوا صباح يوم من الايام لنجد ان كل ما لدينا من عملات اجنبية طار الى خارج اسرائيل. نريد ان نسمح للشركات بأن تقوم بما تحتاج اليه من تحويلات مع الحد الادنى من تدخلنا، لكننا نريد ان نتأكد من وجود سقف على المقدار الاجمالي الذي يحق للشركات ولغيرها ان تخرجه من اسرائيل". لقد حاول نتانياهو طمأنة المستثمرين الاجانب بتأكيده على أنه ملتزم مزيداً من التحرير الاقتصادي والمضي في عمليات التخصيص، لكن يبدو ان هؤلاء ينظرون بقلق كبير الى تطور سياسة الحكومة الاسرائيلية، لأنه حتى لو بقي نتانياهو متمسكاً بالسياسات الاقتصادية العامة، يبقى هناك احتمال في أن تنهار عملية السلام. وهنا يكمن تخوف المستثمرين من عودة اعمال العنف التي ستسبب انسحاباً فورياً للاستثمارات الاجنبية من الاسهم الاسرائيلية. وعندها كما يقول ديفيد ماكوليمز الناشط في "يونيون بنك اوف سويتزرلاند" في اسرائيل، "يعد جميع المستثمرين حقائب سفرهم ويعودون الى بلادهم".