على الرغم من مشاعر الحزن التي تلفّ إمارة الشارقة هذه الأيّام، بعد رحيل الشيخ محمّد بن خالد القاسمي رئيس دائرة الاعلام والثقافة، فإنّ المدينة المعنيّة بالشأن الثقافي في الخليج تمسّكت بموعدها المهمّ الذي يعقد مرّة كلّ سنتين ويعرف ب "أيّام الشارقة المسرحيّة". وهذه السنة، قدّمت الأيّام التي افتتحت بحضور حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي، صورة بانوراميّة عن الحركة المشهديّة في الامارات السبع، واختصرت مجموعة من الأسئلة والملامح التي تنطبق على المسرح الخليجي بشكل عام. ومما لا شكّ فيه أن قطاع المسرح يجاهد بعناد وصبر من أجل ترسيخ مكانته في التربة الاجتماعيّة، ومن أجل اكتساب الشرعية والدعم اللازمين على مستوى المؤسّسة. ولعلّ قيام "جمعيّة المسرحيّين" أبرز انتصاراته في السنوات الأخيرة. وكان اللافت للنظر هذا العام، هو طغيان القضايا الاجتماعيّة على العروض المقدّمة، ومعالجتها بجرأة ووضوح دفعا بعض المشاركين إلى تسمية التظاهرة ب "أيّام الحريّة المسرحيّة في الشارقة". كما أن السمة المهيمنة هي بروز ملامح احترافيّة واضحة لدى أكثر من فرقة ومبدع، أي بداية انحسار طابع الهواية الذي يطارد المسرح العربي منذ انطلاقته الأولى. ويبدو أن المسرح الاماراتي تعب من الاقتباس والاعداد وتحويل النصوص العربيّة والعالميّة إلى نصوص خليجيّة. وبدأ جيل من المؤلّفين والكتّاب بالبروز على الساحة. فبين الذين فرضوا نفسهم سالم الحتّاوي الآتي إلى الفرجة من قطاع الطيران والرادار، والذي نال جائزة أفضل نصّ مسرحي للمرّة الثانية على التوالي. من أعمال الحتاوي التي أثارت الجدل في قاعات المهرجان وكواليسه التي تجوّلت فيها وشاركت في بعض نشاطاتها مراسلة "الوسط" الزميلة هند عمرو، "زجاجة فارغة" مسرحية قصيرة من فصل واحد، تتناول معاناة النفس المحمومة المحاصرة بالفراغ، و"الملّة" عن طغيان القيم التجاريّة على الانتماء التي أدّى بطولتها عبدالله صالح من دبي الذي يطلق عليه لقب "الفنّان الشامل"، و"صمت القبور" اداء أمينة القفاص حارسة المقبرة و"ليل زفاف" التي أثارت كثيراً من الجدل في ندوات المهرجان. وجاء من السعوديّة الكاتب مشعل القحطاني الذي قدّمت فرقة "دبا الحصن" مسرحيّته "كارت أحمر" في حلّة كوميديّة اجتماعيّة ساخرة. كما دعيت إلى الشارقة المسرحيّة اللبنانيّة سهام ناصر التي أعجبت بالجهد الظاهر في تطوير فنّ الخشبة. وبرز المؤلف جمال سالم صاحب "سنة الشمبريش" التي قدّمتها فرقة من امارة أم القيوين العطب الذي فتك بالأسرة. وأتى خلفان راشد من امارة الفجيرة بمسرحيّة "علامة استفهام"، وعزف اسماعيل عبدالله على أوتار المشاعر في مسرحيّة "الغراموفون" الذي أخرجها حبيب غلّوم تمثيل أحمد الحبسمي وبدريّة أحمد...، لكنّ الحظ لم يحالفها. وأختتمت العروض بمسرحيّة كتبها وأخرجها عبدالله المنّاعي بعنوان "بسْ" وهي أقرب إلى الايماء وفنّ البانتومايم. وتشهد الدورة الأخيرة على تحوّل المسرح الاماراتي إلى مؤسّسة فاعلة، تبتعد شيئاً فشيئاً عن سنوات المغامرة والهواية.