استهدفت حوادث الخطف في اليمن، خلال السنوات الأربع الماضية، السياح والأجانب من العاملين في بعض الشركات او المشاريع الحكومية، وشملت جنسيات عدة اميركية وأوروبية وآسيوية، وكان آخرها، الحادث الأكبر، خطف 18 سائحاً فرنسياً في مأرب في 26 كانون الثاني يناير الماضي. الا ان عمليات الخطف لم تستهدف احداً من اليمنيين او من كبار المسؤولين. وحسب ما هو معلن فان معاذ طه غانم 22 سنة، الابن الاكبر للسيد طه احمد غانم محافظ عدن، كان اول يمني يتعرض للخطف، بيد ان دوافع خطفه تتماثل مع سابقاتها، من حيث ان هدفها الأول الضغط على الحكومة لتلبية مطالب الخاطفين، سواء كانت جماعية باسم القبيلة او المنطقة، ام ذات طابع شخصي، كما في هذه الحادثة التي أثارت ردود فعل واسعة شملت كل الأوساط والمستويات الرسمية والسياسية والقبلية، وحظيت باهتمام مميز من الرئيس علي عبدالله صالح، ونائبه اللواء عبدربه منصور هادي، وكذلك من الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب، والسيد عبدالعزيز عبدالغني رئيس الحكومة. وعلى رغم ان حادث الخطف استأثر باهتمام اليمنيين طوال خمسة أيام الا ان كثيراً من جوانبه وأبعاده وتداخلاته ظل غامضاً. ولمحاولة جلاء هذا الغموض التقت "الوسط" المخطوف او "الضيف العزيز" حسب تعبير الخاطفين، معاذ ووالده السيد طه احمد غانم، في منزله في مدينة الأصبحي السكنية جنوبصنعاء. هل يروي لنا السيد معاذ، كيف ومتى بدأت عملية الخطف؟ - بدأت في العاشرة من صباح الخميس 9 مايو عندما كنت في الطريق الى المدرسة ومعي اختي الصغيرة 10 سنوات لنتسلم رقم الجلوس. وخارج المدينة السكنية واجهت سيارة حكومي حبة جيب تويوتا فيها ستة اشخاص يلبسون زي الشرطة، اوقفوني ونزل احدهم برتبة نقيب، وسألني: أنت معاذ؟ قلت: نعم، قال: انا مكلف القبض عليك في قضية جنائية. ومع انني لم اعرف احداً منهم، الا انني ظننته يمزح. لكنه اكد انه لا يمزح وانهم من البحث الجنائي، وكان اصحابه قد اخذوا آلياتهم النارية وأحاطوا بسيارتي، فطلبت منه ان يريني امر القبض عليّ، لكنه رفض بإصرار وشهر مسدسه ووضع فوهته في رأسي وأخذ يشدني ويقول: "باتنزل وإلا أقتلك؟". وبدأت اختي تبكي وتصرخ فدفعته الى الخلف فضربني بالمسدس على وجهي وكسر النظارة، وبدأنا نتعارك وكان اصحابه يضربونني بأعقاب الآليات وعضني احدهم عضة شديدة في ظهري، وخفت على اختي ففتحت لها باب السيارة وطلبت منها ان تعود بسرعة الى البيت. وكيف كان موقف المارة ولماذا لم يتدخلوا؟ - كان المكان خالياً، وبعد حوالي عشر دقائق، وكانوا قد اخذوني الى سيارتهم وكلفوا احدهم بقيادة سيارتي، وهنا جاء الطلبة من المدرسة يجرون، لكن الخاطفين هددوهم ووجهوا الاسلحة اليهم. ووقف اشخاص يراقبون الموقف بخوف ولم يتدخلوا. ومضوا بي في سيارتهم ممدداً على الأرض فيما بنادقهم موجهة الى رأسي وهم يطالبونني بالهدوء. نخاف على حياتك وكيف اكتشفت حقيقتهم؟ - لاحظت انهم في بادئ الأمر غطوا وجهي بغترة حتى لا اعرف وجهتهم، وبعد ذلك بقليل انطلقت بنا السيارة في طريق غير مسفلت بسرعة جنونية كان جسمي يرتطم بأرض السيارة وكلما صرخت طلبوا مني ان اسكت. وبدأ قائدهم عبدالقوي احمد عباد الشريف يتحدث مع اخيه ناصر، كما عرفت فيما بعد، بطريقة توهمني انهم من جهاز الأمن، فصرخت فيهم: اعرف انكم لستم من الأمن وإلا فأجهزة الأمن والمباحث في صنعاء. فقالوا: سنذهب الى أمن منطقة خولان حوالي 50 كلم شرق صنعاء. بعد هذا لاحظت ان تعاملهم معي بدأ يتحسن، وسألوني: هل فيك شيء من امراض السكر او القلب؟ قلت: لماذا؟ قالوا: نخاف عليك ونشتيك نريدك تبقى حياً، وطلبت منهم ماء فسقوني، وبعدما تجاوزنا نقطة خولان العسكرية توقفوا على جانب الطريق ونزلوا وأنزلوني وأزاحوا الغطاء عن وجهي وخلعوا ملابسهم العسكرية وبدأوا يتحدثون معي عن اخذهم لي وعن أسبابه وأهدافه. ما أهم ما حدثوك عنه؟ - في الأول، عرّفني عبدالقوي بنفسه وبأخيه ناصر وبالأربعة الآخرين وهم من أبناء عمه وأقاربه. وسألتهم: ما السبب؟ قالوا: ما عليك اي قضية في البحث الجنائي. ونحن منذ شهرين نتابعك وكنا نريد اخذك قبل العيد، ونحن نعرف ان هذا العمل غير انساني وغير شريف، لكن لست الأول، فقد سبق ان اخذنا ابن خال... مسؤول قيادي كبير وأخذنا مدير عام... قيادي في الأمن، وأنت الوحيد الذي قاومت وكنا نريد اخذك بهدوء. واعتذروا لي عن العضة التي في ظهري، وقالوا: هذا بسبب والدك وعمك عبدالله، والدك ما رضي يسوي لنا الموضوع الخاص بمنزل كانت السلطة في عدن اعطته لوالدهم، ثم اعيد الى مالكه الأصلي ضمن معالجات الأراضي والعقارات المؤممة، وأنت ضيف عزيز عندنا حتى يُسوى الموضوع. ثم أخذونا الى قرية بني ظبيان ومنها الى منزلهم مكان الاحتجاز. إنذار باستخدام القوة كيف ومتى عرفت سلطات الأمن الخاطفين والمكان الذي احتجزوك فيه؟ - عندما وصلنا الى بيت احمد عباد الشريف والدهم وصل في الوقت نفسه ثلاثة من رجال الأمن السياسي. وبدأت المفاوضات والوساطات. قالوا انهم سيسلمون وثائق البيت الذي يطلبون اعادته اليهم الى الأمن السياسي وأبقى انا لديهم حتى بت الموضوع. ورد المسؤولون برفض اي مفاوضات او مساومة في مقابل اطلاق سراحي. وجاء الشيخ جعبل بن طُعيمان شيخ من قبيلة جهم في مأرب وعضو مجلس النواب وسيطاً ومحذراً، وخلال حديثه معهم قالوا لي ان وجهي عليهم بركة، لأن جعبل للمرة الأولى يدخل بيتهم منذ 25 سنة، لوجود ثأر بينهم وبينه، وظلت المفاوضات حتى اليوم الرابع حيث جاء الوسيط الشيخ جعبل ومعه مدير الأمن السياسي في مأرب، وأبلغوا عبدالقوي وجماعته ان القضية اشتهرت خارج البلاد وأنهم الخاطفين اصبحوا في نظر الناس ارهابيين، وان المسؤولين في الدولة مهتمون بالموضوع الخطف. وقال جعبل انه اتصل بوالد عبدالقوي، احمد عباد الشريف في جدة، وأفاد ان ليس لديه علم بما قام به اولاده، وأنه ارسل رسالة بالفاكس يطالب اولاده بإطلاقي فوراً ومن دون شروط، وأن الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، التزم بأي شيء يثبت انه حق لكم. لكنهم غضبوا من ابلاغ والدهم بالحادثة وأصروا على احتجازي حتى يعاد لهم البيت او تعوضهم الحكومة ببيت في صنعاء، وهنا أبلغهم ممثلو الأمن السياسي ان هناك حملة جاهزة لضربهم ولن تتردد الدولة في تنفيذها اذا لم يستجيبوا للوساطة، فطلب عبدالقوي مهلة ليتصل بوالده كما قال. ويوم الثلثاء 14 مايو وافقوا على اطلاقي على ان يأخذ الشيخ جعبل الوثائق التي يدعون انها تثبت ملكيتهم للبيت، ووثائق المالك الأصلي، ويلتزم بتعويضهم عنه اذا كان لهم فيه حق. هل لاحظت قبل الخطف متابعتهم لك او تلقيت تهديداً من أي نوع؟ - لا. أبداً. وأثناء وجودك لديهم، هل استخدموا أي وسيلة من وسائل الاحتجاز معك؟ - لا. وإنما كانوا معي طول الوقت. وكنا نتحرك ونخرج ونعود، وعندما طلبت منهم ان اتصل بالتلفون لأطمئن اهلي، اخذوني الى بيت الشيخ احمد مبارك. لكن التلفون كان عاطلاً. ابعاد سياسية اثناء حوار "الوسط" مع معاذ، كان والده السيد طه احمد غانم محافظ عدن، يتابع بكثير من الإنصات وكأنه يسمع قصة خطف ابنه للمرة الأولى، فسألته "الوسط": متى علمتم ان معاذ تعرض للخطف، وكيف عرفتم هوية الخاطفين؟ - عندما عادت البنت الصغيرة وأبلغت عمها عبدالله احمد غانم، وزير الشؤون القانونية ورئيس لجنة الاحزاب والشقيق الأصغر لطه، لكننا لم نعرف الخاطفين الا بعدما ذهب عبدالله الى المرور للتعرف على رقم السيارة ومالكها كان الأب طه اثناءها في عدن. هل توقعت ان يتعرض ابنك لمكروه من قبل الخاطفين؟ - أنا كأب كنت قلقاً وتوقعت ان يحصل لمعاذ شيء من هذا القبيل، لكن كانت الصدمة شديدة لأمه وزوجته بشكل خاص، وبالنسبة اليّ، كنت أتوقع من هذه القوى اي تصرفات تستهدف الإساءة الى النظام، وتحاول ان توجد ارهاباً في اوساط كبار المسؤولين والمواطنين لإقلاق الأمن. هل تقصد بأن للقضية بعداً سياسياً الى جانب الدافع الشخصي؟ - نعم لها بعد سياسي اكثر، لأن الخاطفين يعرفون ان المنزل الذي يطالبون به ليس لهم ولن يعود اليهم، وإنما اتخذوه مبرراً لإقلاق الأمن. امتحان صعب وبوصفك مسؤولاً في الدولة، تردد انك كنت اثناء احتجاز معاذ، مصراً على ان تتخذ سلطات الأمن اجراءاتها ضد الخاطفين مهما تكن النتائج؟ - طبعاً، من البداية رفضت التفاوض مع الوسطاء وتمسكت بأن نترك للدولة مهمتها وطريقتها في المعالجة. وكانت توجيهات الرئيس علي عبدالله صالح تقضي بعدم التفاهم او التفاوض معهم بشكل شخصي، وتم ابلاغه هذه التوجيهات الى الداخلية والأمن السياسي. وكيف ادركتم صعوبة هذا الخيار من حيث انه قد يعرض معاذ للخطر؟ - كان خياراً صعباً وامتحاناً قاسياً، لكن الأصعب منه ان نتقبل العملية بما فيها من اذلال متعمد، فقد كنت ولا زلت مقتنعاً بأن القضية تخص الدولة قبل اي شيء، وانه من دون اجراءات صارمة، فان مثل هذا العمل سيتكرر. والآن، ما هو موقفكم؟ - لا نزال نتابع الجهات المختصة للقبض على الخاطفين وتقديمهم للمحاكمة، وأنا أصرّ على هذا ولا يمكن ان اقبل بأي وساطة أو حل خارج القانون وعن غير طريق المحكمة. وما رأيكم في دور الجهات المختصة؟ - هذه مسؤوليتها، وهي تطالب الخاطفين بتسليم انفسهم، والمسؤولون في وزارة الداخلية لم يهملوا ولم يتوقفوا، ونلاحظ انهم يتابعون الامر بكل جد وحزم، وكما قلت فان القضية تخص الدولة وأجهزتها المختصة قبل أي شيء. تحقيق المنطقة الحرة في عدن تأجل الى العدد المقبل