إشادة سعودية – فرنسية بتقدم مشروع «فيلا الحجر»    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    عروض ترفيهية    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    عمق إنساني    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    الأهلي والهدى يواصلان التقدم في «ممتاز اليد»    الأخضر يبدأ تحضيراته لمواجهة أندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    ضبط أكثر من 20 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    السخرية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ابنتي التي غيّبها الموت..    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    ختام مزاد الصقور السعودي    الإعلان عن أسماء الفنانين العالميين في «نور الرياض» ومشاركة «18» سعوديًا    ألوان الأرصفة ودلالاتها    زيلينسكي يفضل الحلول الدبلوماسية.. ومجموعة السبع تهاجم روسيا    «إنسان».. خمس جوائز وتأهل للعالمية    المملكة تتسلم رسميًا استضافة منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات 2026 في الرياض    المملكة تقدم مساعدات إنسانية وإغاثية ب133 مليار دولار ل170 دولة    "ديوان المظالم" يقيم ورشة عمل لبوابة الجهات الحكومية    إحباط تهريب (32200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    تحقيق يكشف الدهاء الروسي في أوكرانيا    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    إمام المسجد النبوي: استبصار أسباب الفلاح يؤدي إلى السعادة    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    اتحاد القدم يحصل على العضوية الذهبية في ميثاق الاتحاد الآسيوي لكرة القدم للواعدين    ضبط يمني في الدمام سكب الأسيد على آخر وطعنه حتى الموت    الزفير يكشف سرطان الرئة    تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد لعلاج القلب    القهوة سريعة الذوبان تهدد بالسرطان    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    خطأ في قائمة بولندا يحرم شفيدرسكي من المشاركة أمام البرتغال بدوري الأمم    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تنشر مذكرات الوسيط الغامض وأشهر الرهائن . تيري وايت : الاعدام بعد 5 ساعات فكتبت رسالتي الأخيرة 4
نشر في الحياة يوم 11 - 10 - 1993

روى تيري وايت في الحلقة الثالثة من كتابه "عهد ثقة" انه زار وايت الفاتيكان واجتمع مع المونسنيور اشيل سيلفستريني أمين سر دولة الفاتيكان للبحث في قضية الرهائن، فنصحه بالحذر نظراً الى تعقيدات الوضع السياسي. ورتب له لقاء مع البابا يوحنا بولس الثاني الذي أكد ان الكنيسة الكاثوليكية ستفعل أي شيء لمساعدة رئيس أساقفة كانتربري روبرت رونسي في مساعيه لاطلاق الرهائن.
وكانت الكنيسة الانغليكانية أجرت اتصالات مع الرئيس حافظ الأسد لمعرفة مدى النفوذ الذي يمكن ان يمارسه في قضية المخطوفين. ولم يكن وايت آنذاك واثقاً من عدد الجماعات الضالعة في خطف الرهائن الغربيين. لكنه علم ان اهتمام الكولونيل نورث بدأ يتحول من سورية نحو إيران. وتبلغ لاحقاً ان الرئيس السوري يستطيع على الأرجح تأمين اطلاق بعض الرهائن اذا أبدت الولايات المتحدة "استعداداً أكبر للمساعدة" من دون توضيح نوع هذه المساعدة. وفي تلك المرحلة اعتبر مبعوث الكنيسة الانغليكانية ان من المهم جداً ان يجتمع مع الخاطفين وجهاً لوجه.
كان وايت يعلم انه مراقب وان ثمة من يتنصت الى مكالماته الهاتفية. وكانت أجهزة أمنية عدة، بينها جهاز الأمن البريطاني، تشارك في هذه العملية.
في أيلول سبتمبر 1985 أطلق بن وير، وأعطى معلومات مثيرة للاهتمام عن ظروف احتجازه والرهائن الآخرين. وفي تموز يوليو 1986 أطلق رجل دين آخر هو الأب لورنس جنكو. وبدا ان الخاطفين "يستجيبون لجهودنا".
طُرحت مجدداً فكرة الدخول الى الكويت لزيارة السجناء من جماعة "الدعوة الاسلامية"، وذلك كمبادرة شكر للخاطفين في لبنان وكسبيل يمكن من الوصول اليهم. زار وايت نيويورك وظهر في مؤتمر صحافي مع بن وير. وأعلن ان رئيس أساقفة كانتربري سمح له بالعمل من أجل اطلاق الرهائن. وفي تلك الفترة عاود جهوده لدخول الكويت من دون أن يلقى أي دعم في ذلك من الحكومتين البريطانية أو الأميركية. ووصلت رسالة من المخطوفين يشكرون فيها لرئيس أساقفة كانتربري جهوده من أجل ضمان اطلاقهم ويطالبون بأن تتركز الجهود على الكويت مشيرين الى أن صبر الخاطفين بدأ ينفد. وبعد وصول الرسالة زار مسؤول كبير من السفارة الأميركية في لندن قصر لامبث مقر الكنيسة الانغليكانية. وكرر وايت أمامه إبداء رغبته في زيارة الكويت وأيضاً لبنان. وهنا الحلقة الرابعة:
سافرت الى بيروت وسط دعاية كبيرة. اذ بعدما قررت ان يكون عملي علنياً لم يعد هناك سبيل لصد وسائل الاعلام. واعترفت بأن لها عملاً تقوم به وكنت في حاجة الى مساعدتها ودعمها.
قبل أشهر التقيت وفريد ولسون رئيس مكتب وكالة "اسوشيتدبرس" في نيويورك لويس بوكارو، وأبلغناه رغبتنا في عمل أي شيء ممكن من أجل الرهائن ذاكرين اقتراح "فدية الدم". وعدنا لويس، وهو شخص شديد الذكاء وقدير بتقديم مساعدته الشخصية في أي مجال يستطيع. ووصلت رسالة تفيد ان الخاطفين سيتصلون بي بواسطة جهاز لاسلكي يعمل على الموجة القصيرة. واشترى لي ميرون بلكايند، رئيس مكتب "اسوشيتدبرس" في لندن، جهازاً من هذا النوع وآلة تصوير بولارويد.
كان صباح 13 تشرين الثاني نوفمبر بارداً ومضباً. تركت المنزل باكراً لئلا اتأخر عن التاسعة، موعد اقلاع طائرة "الميدل إيست" من مطار هيثرو. وقبل يوم أبلغت ان الكولونيل نورث ومسؤولاً من وزارة الخارجية الأميركية سافرا من الولايات المتحدة الى لندن وانهما سيلتقيانني في المطار. كانت لديهما اسئلة يريدان طرحها على الخاطفين. انهيت معاملات السفر. ودعينا الى الطائرة. ولم يظهر الأميركيان. أصبت بخيبة لأنني كنت أريد ان أسمع ما لدى ممثلي الحكومة الأميركية. سألت مكتب الاستعلامات فتبين لي ان كل الرحلات من أميركا تأخرت بسبب سوء الأحوال الجوية. لم يكن في استطاعتي عمل شيء سوى التوجه الى الطائرة.
اسئلة نورث
وفي اللحظة التي كان يُغلق فيها باب الطائرة تسلمت رسالة. كان ثمة من يريدني في مبنى المطار. وكانت سيارة تنتظرني عند سلم الطائرة. صعدت فيها وتوجهت الى قاعة الذهاب. وهناك قابلت الكولونيل نورث وشخصاً يدعى بورج من وزارة الخارجية الأميركية... كان نورث يريدني أن أطرح ثلاثة اسئلة على الخاطفين: هل يريدون مالاً؟ وإذا لا، فماذا يريدون؟ وهل هم مستعدون للاجتماع مع شخص من الادارة الأميركية؟ لم يكن هناك متسع للتحدث، اذ كانت طائرتي مستعدة للاقلاع. عدت الى السيارة. وبعد وقت قصير كنت أحلِّق في طريقي الى بيروت.
لم أكن أعلم ما يمكن أن ينتظرني لدى وصولي. وكان هناك دائماً احتمال ان يستغل الخاطفون الذين تابعوا التطورات عبر وسائل الاعلام، الفرصة لاطلاق رهينة أخرى. كنت زرت بيروت مرة واحدة قبل أعوام. فكرت في الأسئلة التي طلب مني الكولونيل نورث ان أطرحها. واستبعدت ان يكون الخاطفون يسعون وراء المال. وإذا كان المال هو المطلوب، فانني لن أعمل وسيطاً كانت مبادلة المال بالرهائن تتعارض مع كل ما اؤمن به. أما السؤالان الآخران فكانا يبدوان على قدر كاف من الوضوح، مع ان الأميركيين كانوا يعلنون أنهم لن يدخلوا أي مفاوضات مع ارهابيين. وأدركت لاحقاً الفارق الكبير بين "التفاوض" و"التحدث الى".
كانت هناك فوضى شاملة عند سلم الطائرة عندما هبطنا في مطار بيروت. رجال من مختلف الميليشيات الناشطة في المدينة يتدافعون ويصرخون في محاولة للاحاطة بي ونقلي الى سيارة. كان مكتب وكالة "اسوشيتدبرس" أعد الترتيبات لنقلي الى فندق لفترة وجيزة قبل أن أنتقل الى شقة تيري اندرسون. غادرت المطار محاطاً بعناصر الميليشيا الذين كانوا يقودون سياراتهم بسرعة جنونية عبر الشوارع التي حفَّرتها الحرب. وعندما كنا نواجه زحمة سير كان مرافقي يفتحون الطريق بمجرد اطلاق رشقات من رشاشاتهم في الهواء... وأخيراً وصلت الى الشقة. لقد أحسن تيري الاختيار. كان المبنى على الكورنيش مباشرة ويطل على البحر الأبيض المتوسط... قدَّم روبرت فيسك الذي كان يعمل لصحيفة "تايمز" اللندنية آنذاك، وخوان كارلوس غوميسيو نفسيهما. كانا على معرفة واسعة بلبنان. وكان فيسك الصديق الشخصي لتيري اندرسون. جاء تقني كهربائي من مكتب "اسوشيتدبرس" وركَّب جهاز اللاسلكي. وتوليت أنا ضبطه على الموجة المتفق عليها. وانتظرت.
اتصال من الخاطفين
لم تصل الرسالة أبداً عبر جهاز اللاسلكي. وعوض ذلك رن الهاتف. أجبت متوقعاً مكالمة من مكتب "اسوشيتدبرس" للتثبت هل كل شيء على ما يرام. تحدث إلي صوت لا أعرفه: "سيد وايت؟" "نعم". "نود ان نتحدث اليك". "من أنت؟" "أعتقد بانك تريد التحدث الينا". "ربما". "هل يمكنك لقائي عند...". وذكر اسم محطة وقود في بيروت، لم أكن أعرفها فعلاً. ترددت. اذ تعلمت أن أكون حذراً بعد الاتصالات الكثيرة التي اجراها أشخاص وادعوا خلالها كذباً ان لديهم معلومات حيوية عن الرهائن. كذلك كنت أخشى أن تحاول مجموعة مناوئة خطفي. واقترح روبرت فيسك ان أطرح سؤالاً من شأنه ان يبين هل كنت على اتصال بالخاطفين أم لا. كانت لصحافي من معارف تيري اندرسون صديقة فنلندية. وكان مستبعداً أن يكون الخاطفون على علم بذلك. طلبت من محدثي عبر الهاتف ان يعطيني اسمها الحقيقي. وبعد وقت قصير اتصل مجدداً ليقول: "كريستينا". وكان الاسم صحيحاً. وكان من شبه الأكيد أنه سأل تيري اندرسون... وأخيراً أنا على اتصال مباشر مع الخاطفين.
قال محدثي: "نلتقي الليلة في عيادة الدكتور عدنان مروة وزير لبناني سابق. انها قرب الجامعة الأميركية في بيروت". وانقطع الخط... لم يكن روبرت فيسك يعرف مروة. ولكن سرعان ما عرفنا أنه طبيب نسائي شيعي يملك شقة وعيادة قرب الجامعة الأميركية... كان سائقي حسين، المرح والشجاع والموظف في مكتب "اسوشيتدبرس"، حاضراً أبداً. طلبت منه أن يكون مستعداً لنقلي تلك الليلة الى عيادة الدكتور مروة...
طلبت من سائقي ان يقوم بجولة في المدينة حتى نستطيع ان نكشف هل ثمة من يلاحقنا... كنت أدرك ان الخاطفين ربما راقبوني وأنا أغادر الشقة بغية ضمان أمنهم الخاص. والله يعلم من كان يراقب تحركاتي أيضاً. سرنا قرابة 15 دقيقة. وقلت: "حسناً، اذا كنت لا ترى أحداً فلنتوجه الى الجامعة الأميركية". التف حسين بالسيارة... "حسناً، توقف هنا". توقف وابتسم وصافحني قائلاً: "حظ سعيد، سيد تيري". قطعت مئات الأمتار الى مكان اللقاء مشياً...
ويروي وايت قصة لقائه الأول مع الدكتور مروة كالآتي: قرعت جرس الشقة... مضت فترة قصيرة ثم فتح الباب وظهر أمامي رجل متوسط العمر، جسمه مكتنز بعض الشيء: "مساء الخير، سيد وايت". كانت انكليزيته ممتازة مع لكنة خفيفة جداً. "تفضل، ادخل". دخلت... تبعته عبر رواق الى غرفة الجراحة. جلس وراء مكتبه. ودعاني الى الجلوس قبالته. قال: "لا أعرف من هم هؤلاء الأشخاص. انهم ببساطة يريدون ان أكون وسيطاً.. وأنا أود أن أرى هذه المسألة وقد حُلَّت..." قرع جرس الباب. وقف قائلاً: "استأذنك". وبعد دقائق قليلة عاد الدكتور مروة وقال: "من فضلك، هل يمكنك أن تأتي الى غرفة الانتظار للحظة؟" تبعته عبر الرواق. دفعني الى غرفة جانبية قائلاً: "لن أتأخر". وأقفل الباب. وافترضت ان الخاطفين أو الأشخاص الذين على صلة بهم وصلوا. وبعد لحظات قليلة عاد الدكتور ليقول: "أخشى أن يكون عليك أن تعصب عينيك من أجل الاجتماع. اعطاني قطعة قماش غطيت بها عيني وربطها حول رأسي... أخذني من ذراعي وقادني عائداً الى غرفة الجراحة وأجلسني. شعرت بأن هناك أشخاصاً كثيرين في الغرفة. واعتقدت انني تعرفت الى صوت الشخص الذي حدثني بالهاتف... تحدث شخص بالعربية وتولى الدكتور مروة الترجمة: "هل جئت بمفردك؟" "نعم". "هل أنت مسلح؟" "لا". "ماذا عندك لتقوله؟"
... واللقاء
بدأت بالترحيب بالحضور غير المرئيين. ثم أخبرتهم ان رئيس أساقفة كانتربري مستعد لعمل كل ما في وسعه من أجل حل قضية الرهائن.
كنا ندرك تماماً العذاب الذي يتعرض له شعب لبنان. وكان بن وير اخبرني عن الأوضاع الصعبة التي يعانيها الشيعة في جنوب لبنان. وقبل أن أقول أي شيء آخر، كنت احتاج الى إثبات اضافي انني كنت أتحدث الى الخاطفين. سألتهم هل هم مستعدون لنقلي لرؤية الأشخاص الذين يحتجزونهم. ساد صمت تبعه نقاش بالعربية. وتولى الدكتور مروة الترجمة مجدداً: "يقولون ان هذا غير ممكن. انه خطر جداً". لم يفاجئني ذلك. طلبت من الدكتور ان يعطيني صحيفة "وول ستريت جورنال" كنت رأيتها على مكتبه ووقّعتها على طرفها الأعلى. ثم أشرت الى الكاميرا وسألتهم هل يستطيعون احضار صور للرهائن يظهر كل منهم فيها حاملاً الصحيفة التي وقَّعت. حصل مزيد من النقاش. وأخيراً تكلم الدكتور مروة مجدداً: "لقد وافقوا على ذلك. وعليك الآن ان تنتظر بعض الوقت". ساد الهدوء. وسمعت وقع أقدام الأشخاص وهم يغادرون الغرفة. وعلى الأثر عاد شخص ليقول: "الآن، تستطيع رفع العصابة عن عينيك". كان الدكتور مروة جالساً قبالتي. وكانت الكاميرا اختفت. قال: "انهم قلقون جداً". "يمكنني أن أفهم ذلك". "آسف للاضطرار الى عصب عينيك". "أفهم قلقهم، ولكن من الصعب جداً ان أتحدث اليهم وأنا لا أرى عيونهم"... انتظرنا 30 دقيقة، 40 دقيقة، ساعة. وقرع جرس الباب... أعدت وضع العصابة على عيني. وقع أقدام في الرواق. ووُضِع شيء في يدي. نظرت من تحت العصابة. أنها أربع صور بولارويد لأربعة رجال يحمل كل منهم نسخة الصحيفة الموقعة: تيري اندرسون، توم ساذرلاند، ديفيد جاكوبسون ولورنس جنكو. وأخيراً...
الأسئلة الأميركية تنفجر
توزع بضعة أشخاص في الغرفة. وواصل الدكتور مروة الترجمة. بدأت الحديث قائلاً: "شكراً لكم احضاركم هذه الصور. هل هؤلاء الرجال في صحة جيدة؟" "نعم، انهم في صحة جيدة". "هل لديكم أخبار عن اليك كوليت؟ ان عائلته قلقة". "انه ليس عندنا". "هل لديكم أخبار عن أي رهائن آخرين؟". "ليست لدينا أخبار". "قبل ان أحضر للقائكم، اجتمعت مع ممثلين عن الحكومة الأميركية. وطلبوا مني أن أطرح عليكم بعض الأسئلة. انها ليست اسئلتي... أولاً، سئلت هل تريدون مالاً. وعلي ان أقول لكم انني لن أكون قادراً على المساعدة اذا كان المال ما تريدون. لا أحب أن أبادل الرهائن بمال". ساد الصمت للحظات، ثم بدأ احدهم يصيح بالعربية. فندمت فوراً لأنني طرحت السؤال. وتوتر الجو. وجلست هادئاً وأنا ألعن حماقتي. "أنت تعلم أنه ليس المال. لماذا تطرح هذا السؤال؟ سنوقف الكلام الآن". قلت: "ليس هذا سؤالي. لقد طلب مني ان أطرحه عليكم ليتضح للجميع ما تريدون". "أميركا سيئة جداً. انهم يعرفون ما نريد. انهم يعرفون مشكلتنا". "لقد أوضحت لهم ذلك. ولا شك في انكم لا تطلبون مالاً. سأبلغ الأميركيين ذلك". "ما هي الأسئلة الأخرى التي طرحوها عليك؟" "سألوا هل ترغبون في لقاء شخص ما من الحكومة الأميركية". "لا. لا نريد أن نلتقي. أميركا سيئة. لا لقاء". "حسناً. سأقول لهم ذلك". "ما هو السؤال الآخر؟" "انهم يسألون: ماذا تريدون؟" وانطلق صوت غاضب عبر الغرفة: "انهم يعرفون الجواب عن ذلك. لقد بعثنا برسالة الى رئيس الأساقفة وريغان. انهما يعرفان. اننا نريد عودة اخوتنا من الكويت... اذا بقوا في السجن فانهم سيموتون. ان أوضاعهم سيئة جداً... انهم سيموتون اذا لم نساعدهم". قلت: "ان الكنيسة ستحاول المساعدة. لن نعمل شيئاً خارج اطار القانون. انني أحاول منذ وقت طويل الدخول الى الكويت لرؤية جماعتكم. وسأواصل محاولتي. واذا اعطيتموني رسائل من أقاربهم فسأحاول أن أوصلها الى أصدقائكم في الكويت". "سنعطيك رسائل".
قلت: "أعتقد بأن أفضل فرصة لدينا هي ان نعرف هل من شأن دفع فدية الدم لأقارب الذين قتلوا ان يساعد. لن يكون هذا خرقاً للقانون. وسأواصل محاولتي لمعرفة هل نستطيع تحقيق بعض التقدم في هذا المجال. كذلك سأطلب من الأميركيين مساعدتي لدخول الكويت". "حسناً. اذا ساعدت أميركا فانك ستذهب الى الكويت". سألت: "هل يمكنكم اطلاق بعض الرهائن الآن؟ ان من شأن هذا ان يكون اشارة جيدة ويمكن أن يساعدني في مهمتي". "لقد أطلقنا السيد وير. وكان هذا جيداً لك". "سأتحدث الى الأميركيين. سأقول لهم بدقة ما تريدون. وسأبلغكم ماذا يريدون قريباً جداً. أرجوكم، اعتنوا بالرهائن. أشكر لكم هذا الاجتماع وثقتكم بي".
فرصة جيدة؟
"سنغادر الآن. عليك أن تنتظر نصف ساعة قبل أن تغادر. وسيكون خطراً عليك ان تغادر قبل ذلك. مفهوم؟" جلست هادئاً في مقعدي. سمعت همساً. كان ثمة أشخاص يغادرون الغرفة. وأغلق باب. "لقد ذهبوا الآن". نزعت العصابة عن عيني. كان الدكتور مروة جالساً وراء مكتبه... كنت متعباً... نظرت الى الصور مجدداً. كانوا أربعة رجال ملتحين يقفون أمام حائط أبيض وينظرون مباشرة الى الكاميرا. وكانت ثمة نظرة جامدة وبعيدة في عيونهم...
بما ان اجراء مخابرة هاتفية آمنة من بيروت لم يكن ممكناً، كان علي أن أسافر الى لندن للاجتماع مع مسؤولين من الحكومة الأميركية بينهم الكولونيل نورث. وتلقيت التأكيدات بالدعم التي كنت آمل به. كذلك أبلغت ان طلباً سيوجه الى أمير الكويت لعدم تنفيذ أحكام الاعدام. كذلك اتصلت بأشخاص آخرين كانوا يساعدونني. وتبلغت ان هناك فرصة جيدة جداً لأن يتجاوب الخاطفون مع الجهود التي تبذلها الحكومة لاطلاق رهينة أخرى، ربما كان الأب جنكو. وقدم اقتراح أن أعود الى بيروت فوراً لأنقل رداً ايجابياً الى الخاطفين. وفي غضون 24 ساعة كنت في طريق عودتي الى العاصمة اللبنانية.
في طريق عودتي الى بيروت، كان علي أن أبدل الطائرة في باريس ما كان يعني انتقالي من مطار شارل ديغول الى مطار أورلي. ولدى نزولي من الطائرة... استقبلني شخص قدم نفسه انه ممثل الحكومة الفرنسية. وعرض نقلي في سيارته. وفي الطريق أبدى قلقه على الرهائن الفرنسيين. وقال لي انه سيرحب بأي مساعدة يمكن أن أقدمها، خصوصاً في ما يتعلق برهينة معينة ذكر أنه يعاني من مشكلة خطيرة في القلب. قلت له ان لا معلومات لدي عن الرهائن الفرنسيين، لكنني بالتأكيد سأعمل ما في وسعي. أوصلني المسؤول الفرنسي الى الفندق. وصباح اليوم التالي كان مع رفيق له يجلسان ورائي في الطائرة المتوجهة الى بيروت!
الرد الأميركي
توجهت الى شقة تيري اندرسون مجدداً واتصلت بالدكتور مروة. قبل فترة قصيرة من احتجازي في كانون الثاني يناير 1987، سمعت عن اشاعة تتردد مفادها انه أثناء زيارتي الثانية لبيروت كنت أحمل جهازاً يسمح بتحديد مكاني زودني إياه الأميركيون. والى حد علمي، لم أر أبداً جهازاً من هذا النوع، هذا إذا استثنينا مسألة حمله. كان مجرد الاجتماع مع الخاطفين خطراً ما يكفي لئلا اعرِّض نفسي لمخاطر اضافية لا مبرر لها. وفضلاً عن ذلك وعلى رغم انني لم أكن أؤيد الخطف بالتأكيد، إلا أنني لم أكن لأتعمد نقض الثقة التي محضني إياها الخاطفون. تحدثت مجدداً الى الشخص الذي يتصل بي هاتفياً. وأبدى ارتياحه الى الرد الأميركي. ووعدني بالحصول على رسائل من أقارب سجناء جماعة "الدعوة الاسلامية" في الكويت لتسليمها اليهم. سألته هل يمكنني مقابلة هؤلاء الأقارب، فأجاب ان هذا غير ممكن. وحضني على مواصلة جهودي من أجل أصدقائه. وأبلغني أنه لن تطلق رهائن غربيين آخرين في الوقت الحاضر. وسألني الخاطفون هل يمكنهم الحصول على جهاز اللاسلكي. وبما انني لم أكن أرغب في استعدائهم من دون مبرر، وافقت على أن أتركه لهم لدى مغادرتي.
لدى عودتي الى لندن، عرضت التقدم الذي تحقق مع سمير حبيبي. وقررنا أن عليّ ان أزور البيت الأبيض لأطلع الرئيس ريغان على اتصالاتي مع الخاطفين والمطالب التي تقدموا بها. وحدث أنه صباح اليوم المقترح للقاء كان لدي موعد مع الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز ديكويار في نيويورك. ولم يكن الرئيس ريغان قادراً على استقبالي بعد الظهر، إذ كان سيتوجه الى كاليفورنيا ظهراً. وفي أي حال، قررت انني أريد الاجتماع مع الأمين العام قبل الذهاب الى البيت الأبيض، اذ انني كنت أعمل من أجل جميع الرهائن وليس من أجل الأميركيين فقط. وكُلّف نائب الرئيس جورج بوش تمثيل الرئيس ريغان. ورُتب اجتماع معه بعد زيارتي الأمم المتحدة. كنت أعرف بيريز ديكويار منذ بعض الوقت. وكنت أكن له احتراماً كبيراً. وقال لي انه سيعمل كل ما في وسعه لتوفير الدعم لمهمتي. وأثناء وجودي في مكتبه، اتصل شخصياً بالكويتيين وطلب منهم استقبالي. وعدني بالمساعدة في أي وقت. وسافرت الى واشنطن متشجعاً جداً.
نصيحة بوش
في زيارتي الثانية للبيت الأبيض عام 1985 رافقني الأسقف آلن... وسمير حبيبي. وحضر الاجتماع الاميرال جون بويندكستر، نائب مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، والكولونيل نورث ومساعدون آخرون كثر. جلست قرب المدفأة قبالة نائب الرئيس بوش. وبعدما رويت تفاصيل اجتماعي مع الخاطفين، عرضت أسباب رغبتي في زيارة الكويت. قلت انني أعتقد بأن الوضع سيصبح أسهل اذا أمكن إظهار بعض الاهتمام الانساني بالسجناء الشيعة. وأصغى نائب الرئيس بانتباه. ثم قال: "حسناً، تعلم من يجب عليك ان تبقى على اتصال به". وفهمت أنه كان يشير الى الكولونيل نورث. وتابع حديثه ليلقي عليّ اسئلة عدة عن العقيد القذافي الذي كنت التقيته في وقت سابق. وقلت انه يجب عدم الاستهانة بأي شخص بقي في السلطة المدة التي قضاها القذافي. ولم يعلق نائب الرئيس على ذلك.
بعد زيارتي البيت الأبيض بدا كأننا نسير قدماً. اذ رتب لي سمير حبيبي لقاء مع السفير الكويتي في جنيف. كان السفير حذراً جداً، لكنه لمَّح الى أن الرسائل من أقارب السجناء، يمكن إيصالها اذا كانت تتماشى والشروط التي حددتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وأعرب عن أمله بأن يستطيع ترتيب زيارة عائلية للسجناء. وعندما طلبت وسمير منه ان يسمح لي بزيارتهم في أقرب وقت ممكن، وافق على السعي من أجل تحقيق ذلك...
انقضى اسبوعان أو ثلاثة ولم تصل أي رسائل من الكويتيين. ومع اقتراب عيد الميلاد عام 1985، قررت العودة الى بيروت. كنت أريد أن أطلع الخاطفين على الردود الايجابية التي تلقيناها من السفير الكويتي في جنيف.
توجهت الى مطار هيثرو متعباً. أعطاني أقارب الرهائن رسائل وبطاقات معايدة لأحملها معي. وكنت آمل أن يسمح لي الخاطفون برؤيتهم في هذا الوقت من السنة ذي المعنى بالنسبة الى الغربيين.
قرار الطرد الايراني
لدى وصولي الى بيروت نقلت مجدداً الى شقة تيري اندرسون. كان ميرون بلكايند اشترى جهاز لاسلكي آخر حملته معي. عندما استقريت، اتصلت هاتفياً بالخاطفين عبر الدكتور مروة، فسروا لما قلته لهم وأيدوا زيارتي لجورج بوش... وقلت لهم ان أقارب السجناء من جماعة الدعوة الاسلامية ربما تمكنوا قريباً من زيارة هؤلاء السجناء، ووعدوا بأن يعلموني قريباً عن إمكان زيارة الرهائن الغربيين.
انقضى يوم أو يومان. وذات مساء قبل عيد الميلاد رن جرس الهاتف... رفعت السماعة وعرفت صوت الشخص الذي يتصل بي عادة. "سيد وايت؟" "نعم". "لا يعجبنا ما فعلت. أمامك 48 ساعة لمغادرة البلاد. وإذا لم تفعل فسنقتلك". "ماذا تعني؟ ماذا حدث؟" "عليك ان تغادر في غضون 48 ساعة".
لماذا غيَّر اللبنانيون رأيهم فجأة أثناء زيارتي في كانون الأول ديسمبر 1985؟... جاءني الخيط الأول من أحد مصادر معلوماتي عندما قال لي: "لقد أصدر محسن رفيق دوست، رئيس الحرس الثوري الايراني، الأمر بأنك يجب ان تغادر بيروت فوراً"... عاد وايت مجدداً من ذكرياته الى واقعه في السجن: لقد فقدت تسلسل الأيام. ربما كان اليوم الثلثاء، لكنني لست واثقاً من ذلك. ان الأيام متشابهة جداً. خبز ولبنة للفطور. زيارة سريعة للحمام. ثم 23 ساعة و50 دقيقة مستلقياً في زاوية الغرفة ولا شيء معي سوى أفكاري... طرق شخص باب الشقة. واستطعت ان أسمع أصواتاً في الرواق. ان الزوار يثيرون خوفي. دخل بضعة أشخاص الغرفة. استطعت التعرف الى الرجل المصاب بالزكام والآخر صاحب البزة. كان هناك شخص ثالث لم استطع التعرف اليه وبقي صامتاً.
"وجهك الى الحائط". اتخذت وضع الجلوس في مواجهة الحائط. كان قلبي يخفق بوتيرة أسرع من المعتاد. تنفست بعمق في محاولة للمحافظة على هدوئي. ارجوك يا الله ساعدني.
تعذيب وقرار بالاعدام
"نريد أن نعرف كل شيء عن الكولونيل نورث". "ما الذي تريدون معرفته؟" "كل شيء". "لقد قلت لكم كل شيء أعرفه". "أنت تكذب". تحدث الرجل المسن بهدوء "نم". استلقيت. رفع أحدهم صوت التلفزيون. ووضعت وسادتان فوق رأسي وجلس عليهما الرجل ذو البزة. جاهدت لتحريك رأسي كي استطيع التنفس بطريقة مناسبة. رفع أحدهم البطانية التي تغطي قدمي... وشعرت فجأة بألم حاد في قدمي هزّ جسدي كله. أردت ان أصرخ، لكن وجهي مضغوط بالوسادة. لسعت ضربة أخرى جلدي. وتوالت الضربات... كان الرجل المسن يضربني بسلك فولاذي على الأرجح. بعد حوالي 12 ضربة توقف ومرَّر اصبعه على طول قدمي ليعرف هل ما زلت أحس بهما أم لا. وعندما تبين له ذلك استأنف الضرب... كانت قدماي تؤلمانني بشدة. وأخيراً توقف. ووقف الرجل ذو البزة ورفع الوسادتين عن رأسي. وبقيت مستلقياً وأنا ارتجف. "الآن ستخبرنا كل شيء". "ليس لدي شيء آخر أقوله"... تهامس الرجال في ما بينهم، ثم سمعتهم يغادرون الغرفة... شعرت بالغثيان والقلق والخوف. ربما ضربوني مجدداً أو حتى قتلوني. ولكن مهما فعلوا فانهم لن يستطيعوا تدميري أبداً أبداً...
قرع جرس. توقفت عن التنفس للحظة. كان هناك أحد عند الباب... وضعت العصابة بسرعة على عيني. نهض حارسي من على سريره. وسار في الرواق وفتح الباب دخل أشخاص. "اجلس. وأدر وجهك نحو الحائط". كان هذا صوت الرجل ذي البزة. واجهت الحائط. "لديك خمس ساعات للبقاء حياً". كانت كلماته مثل ضربة. خمس ساعات للبقاء حياً. بعد خمس ساعات سأنتقل من حال الى أخرى... "فكّر جيداً لديك الكثير تقوله لنا. وإذا لم تخبرنا فستموت بعد خمس ساعات". تحدثوا همساً الى حارسي ثم غادروا الغرفة. استلقيت. خمس ساعات للبقاء حياً. ذهبت أفكاري الى عائلتي وأصدقائي. أكره ان أتركهم بهذه الطريقة. انهم لن يعرفوا أبداً كيف مت...
رسالة الساعات الأخيرة
لا بد أنني غرقت في النوم. استيقظت وتذكرت فوراً انني ربما كنت في نهاية حياتي. انعشني النوم. وشعرت بأنني أقوى. فتح الباب الخارجي. سمعت أصواتاً في الرواق ثم في الغرفة... "اجلس". جلست. "ما لديك تخبرنا إياه؟" "لا شيء". "أنت تكذب". "لا تنعتني بالكذاب" قلتها بوضوح. "ستقول لنا كل شيء" أمرني الرجل ذو البزة. "ليس لدي ما أقول". "لقد حكم عليك بالاعدام بحسب الشريعة الاسلامية. يمكنك ان تكتب رسالة واحدة". "احتاج الى كتابة رسائل عدة: الى زوجتي وأولادي ووالدتي وأصدقائي". "يمكنك كتابة رسالة واحدة"... فكَّت سلاسلي ووضع قلم ودفتر في يدي. استدرت نحو الحائط. وبدأت اكتب وأنا أنظر من تحت العصابة على عيني.
اعزائي رئيس الأساقفة، فرانسيس، روث، كلير، جيليان، مارك، أمي تابعت كتابة اسماء كثيرين من أقاربي وأصدقائي هذه الرسالة الأخيرة التي اكتب. أُبلغت ان لدي وقتاً قصيراً للبقاء حياً، وانه يمكنني ان أبعث بهذه الرسالة اليكم. آسف لأن تنتهي حياتي بهذه الطريقة. لست خائفاً من الموت، لكنني لا أريد أن أموت من دون ان تعلموا انني في صحة جيدة ومعنويات عالية. حاولوا ألا تحزنوا. لقد عملت ما في وسعي واستطيع أن أموت مرتاح الضمير.
كذلك حاولوا ألا تكونوا قساة ازاء محتجزيّ. لقد تعذبوا كثيراً في حياتهم. احبكم جميعاً. حفظكم الله وداعاً، تيري.
انقضت ايام عدة… كانت معدتي مضطربة واحتاج لزيارة اضافية للحمام. كان الحارس وحيداً. ولم يكن عادة يسمح لي بالذهاب الى الحمام عندما يكون بمفرده. وفي مرة سابقة كنت منزعجاً الى درجة انني بدأت ازحف على الارض للوصول الى الحمام. سمع الحارس قعقعة سلاسلي وكاد ان يطلق علي النار…
ماذا افعل بالمسدس؟
فك الحارس اغلالي واقتادني الى الحمام الصغير. رفعت العصابة عن عيني… ونظرت حولي. على غطاء حوض المياه كان هناك مسدس مزود كاتماً للصوت. لمعت الف فكرة في رأسي. ما هي فرصي للهرب؟ افترض انها معقولة. اذا اخذت هذا المسدس فيجب ان اكون مستعداً لاستخدامه. ماذا قلت تكراراً لمحتجزيّ عن استخدام العنف؟ الآن، انا محشور في زاوية ضيقة، هل يحق لي استخدام العنف؟ وربما قتل حارسي؟ اعدت وضع العصابة فوق عيني وطرقت الباب. فتح. قلت: "تركت شيئاً هنا. من الافضل ان تأخذه". سمعت شهقة حادة… وعندما عدت الى زاوية غرفتي تساءلت عما حدث فعلاً. هل كان الامر اختباراً، اختباراً لمعرفة هل كنت صادقاً! هل كانت غلطة من الحارس؟ استنتجت انها كانت غلطة. ولم يذكر حارسي الحادث ابداً وكذلك أنا. لم اكن اريد ان اعيش بالسلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.