لم يكن لطيف يحيى شبيه عدي صدام حسين وبديله الوحيد الذي كلف مهمة من هذا النوع. وها هو لطيف يكشف في الحلقة الثانية والأخيرة من حوار "الوسط" معه ان الصورة الشهيرة التي بثتها الپ"سي.ان.ان." للرئيس صدام حسين وهو يوزع الطعام على جنوده إبان غزو الكويت انما كانت للبديل وليس للرئيس. ويجزم ان الصورة التي وزعتها وكالات الانباء العالمية للرئيس العراقي وهو يسبح في النهر، على غرار ما فعله ماو تسي تونغ من قبل، انما كانت صورة فواز العماري بديل صدام الذي تابع تدريبات مع لطيف. حين تغيب مهمات البديل كان يطلب من لطيف ان يغير ملامحه ليلعب دور المرافق لعدي. وبهذه الصفة شهد واقعة مقتل كامل حنا ججو متذوق طعام صدام على يد عدي. وهو يكشف لپ"الوسط" ان الرئيس حضر الى مكان الحادث وأمر بسجن نجله وكسر يده ونفذت الأوامر بحذافيرها. ويحكي لطيف قصة فراره عبر شمال العراق ويعتبر أنه اعطى الپ"سي.آي.إي." معلومات في مقابل تسهيل خروجه الى النمسا. ويؤكد انه "نادم نادم" على ما فعل وانه لا ينوي العودة الى العراق. ويستبعد سقوط نظام صدام في وقت قريب. ويكشف أيضاً ان وزير الدفاع الراحل الفريق الركن عدنان خيرالله عارض فكرة غزو الكويت. يقول لطيف ان رغبته في كشف الحقائق كانت وراء قراره بإعداد كتاب "كنت أبناً للرئيس" الذي سينزل قريباً الى الأسواق العربية. ويتضمن الكتاب رواية لما عاشه لطيف كبديل ومرافق ومشاهد للحفلات الصاخبة وممارسات العنف ومعلومات عن "الحلقة الضيقة" التي تمسك بالقرار. وهنا الحلقة الثانية: كيف تمكنت من الهرب على رغم الرقابة الشديدة؟ - كنت أعرف أنني مراقب. ورحت أتظاهر بأنني لا أنوي الهرب. وكنت اسلم على عدي حين أراه في الفنادق. وكنا ذات يوم نتعشى، أنا وزوجتي، في فندق الرشيد ودخل عدي مع شلته. وضعت يدي على وجهي لئلا يراني، لكن حراسه أبلغوه بوجودي. جاء وناداني فقلت له أهلاً استاذ. عانقني وقال أنا أعتذر فقد عرفت الحقيقة. فقلت له بعد ماذا لقد ضربتني وآذيتني. فأكد ان الفتاة عوقبت. طلب مني ان ننسى ودعاني الى الرقص فقلت أسايره. قال عدي لدي غداً حفلة كبيرة في اوتيل ميليا منصور والمناسبة نيل أنواط الشجاعة التي وزعها الرئيس فمازحته وقلت له: أنت ذهبت الى الكويت! فرد ضاحكاً: "لا فرق بيني وبينك". والحقيقة ان عدي ذهب فقط الى الكويت حيث حضر مرتين إعدام اشخاص هناك. في اليوم التالي حصلت الحفلة وكان طلب مني الحضور مع زوجتي. لم يكن أمامي غير الذهاب لكنني أخذت مسدساً معي وأبلغت زوجتي باحتمال ان أطلق النار عليه اذا حصل خطأ من جانبه. جلسنا في الحفلة وكان سهيل بن سعدون حمادي وزياد بن طارق عزيز وبشار بن سبعاوي وغيرهم. دخل عدي ونظر الي نظرة احتقار. قررت مغادرة المكان وطلبت من زوجتي ان تلحق بي الى المصعد. ذهبت فخرج عدي ورائي وقال لي ماذا قلت لعادل الجنابي أحد أفراد مجموعة عدي. يومها كنت اشتريت سيارة "كاديلاك" قديمة كان يستخدمها الرئيس الراحل احمد حسن البكر. قررت ان أبيعها ورفضت أن أبيعها للجنابي فنقل كلاماً آخر لعدي وفيه أنني لا أبيع لپ... عدي. لم يصدق وقال لي: تأتي غداً لدخول دورة ضبط جديدة. فقلت له نعم. جاءت زوجتي وحين اقفلنا باب المصعد راح يطلق النار علينا من مسدسه. نزلت الى السيارة وقدتها فوراً في اتجاه الشمال على رغم وجود ابنتي في بغداد وكان ذلك في 9/12/1991. ذهبت الى منزل لأحد أقربائي في الشمال وقلت لهم انني أريد الخروج من العراق بأي طريقة ولدي أموال أريد ان يذهب احد لاحضارها من بغداد. أنا كنت أحول الأموال التي أتلقاها الى دولارات وكنت أضع بعضها في بيت خاص بي في منطقة زيونه. ووعدت من يحضرها باعطائه 10 آلاف دولار. وذهب أحد أقربائي وأحضرها وهي 50 ألف دولار. سألتهم عن شخص يمكنه تهريبها الى الخارج فتحدثوا عن شخص ورفضت لأنه غير مضمون. جاء واحد من انسبائي من أصل تركي ولديه سيارة بيك أب وقال لي: لا تصدق سيأخذون أموالك ولن يخرجك أحد، هناك مكتب أميركي اسمه مكتب التنسيق العسكري لقوات التحالف في منطقة زاخو، وأنا مستعد لايصالك الى هناك فإذا ساعدوك يمشي الحال. صعدت معه واوقفني قرب المكتب. قرعت الباب فأطل شخص كردي يعمل هناك وسألني ماذا أريد فقلت أريد ان أرى أحد الضباط الاميركيين فرد بكلمة "ممنوع ممنوع". وفجأة أطل أحد الاميركيين فقلت له بالانكليزية لدي مشكلة وأريد ان أتحدث معك. فرد بلهجة ناشفة: أنتم في الشمال مشاكلكم لا تنتهي. قلت له أنا لست من الشمال أنا من بغداد ولدي مشكلة. فقال ما مشكلتك. أجبت: أنا ملازم أول في المخابرات وجئت لأسلم نفسي. أدخلني الى المنزل واتصل فجاء ضابط من القوات الاميركية من أصل فلسطيني اسمه سعدالدين حليم وتحدث معي بالعربية وشرحت له الموضوع وأبلغته انني كنت بديلاً من عدي. واعطيته 13 هوية مزورة كانوا أعطوني إياها باسماء مختلفة: ضابط ومحاسب ومحام وموظف... سألني أيها الحقيقية فقلت انها كلها مزورة باستثناء صورتي. اعطيته اسمي الحقيقي لطيف يحيى لطيف الصالحي. اتصل بالكولونيل جون ناب وحكى له الموضوع. وكان الكولونيل في رحلة استطلاع في الهليكوبتر فحضر سريعاً ورحب بي وبزوجتي وقال أنتما في أمان. قلت له أنني لا استطيع العودة الى بغداد وقد اقتل اذا بقيت في الشمال لأنهم قد يعتبرون انني مرسل في مهمة. قال لي نحن سنتحرى عنك وستبقى هنا وسيبقى سعدالدين حليم معك. حكيت له القصة وتسلموا مني صوراً لي مع عدي وفي القصر وأجروا اتصالات وتأكدوا من وجود البديل واتصلوا بالسلطات الاميركية وكان ديك تشيني وزيراً للدفاع. جاءت المعلومات ومعها توصية بعدم إبقائي في العراق. معلومات الأميركيين هل حصلت الپ"سي.آي.إي." منك على معلومات؟ - اعترف لك بأنني اعطيت معلومات في مقابل خروجي من العراق. أنا لست جاسوساً على بلدي أنا مع بلدي وضد نظام صدام حسين. من أي نوع هذه المعلومات؟ - تتعلق بالأسلحة الكيماوية والمقرات الرئيسية للصواريخ. كيف خرجت؟ - قالوا لي نحن على استعداد لأخذك الى أميركا واعطائك اللجوء السياسي هناك. أبلغتهم أنني لا أريد الذهاب الى اميركا لانني لا استطيع العيش فيها فسألوني عن بلد اختاره فأجبت النمسا. لم أكن أعرف ما هي النمسا. كنت أعرف ان هذا البلد يتعاون مع صدام لكنني توقعت ان يختلف الأمر بعد حرب الخليج. سبب اختياري النمسا هو وجود ابن عمتي فيها حيث يعمل طبيباً، فقلت اعيش فيها كلاجئ سياسي وأستقر وأنسى كل ما حصل. طلبوا مهلة يومين للإتصال بالحكومة النمسوية واعطوني بيتاً ملحقاً بمقرهم في زاخو، أي في حراستهم وبإشراف النقيب تيد جولي ووفروا لي حتى الأفلام العربية. بعد ثلاثة أيام أبلغوني موافقة الحكومة النمسوية على منحي حق اللجوء. فطلبت السماح لي بالتوجه الى بيت أقاربي لاحضار أموالي التي تركتها في محافظة دهوك فحذروني من الأخطار وعندما أصررت وافقوا على إرسالي الى المكان على ان يعودوا صباح اليوم التالي لأخذي. أرسلوني في سيارة اميركية مدرعة الى دهوك على ان يأتوا في صباح الغد. اعتقال في كردستان بعد ساعات من وصولي قرع باب منزل أقربائي في دهوك بقوة فخرج واحد منهم ليجد نفسه أمام مسلحين قالوا انهم من الحزب الاشتراكي الكردي، جماعة رسول مامند. دخل المسلحون المنزل بحجة وجود شخص من المخابرات جاء من بغداد وقالوا ان رسول مامند يريد ان يراني. حاولت أن لا أذهب معهم لكنهم قالوا لي أنت اسمك لطيف ودخلت كردستان. لم أسمع بهذه الجماعة من قبل. اخذوني بالقوة أنا وزوجتي وحقائبي وأموالي. وضعونا في سيارة لاندكروز واتجهوا بنا على طريق بارزاني الى رانيا على حدود ايران. كان الطريق وعراً والثلوج كثيفة. عصبوا عيني واخذوني الى منطقة تشار قورنه ووضعوني في سجن تحت الأرض في المقر السابق لأمن الشمال وسجنوا زوجتي في رانيا. بعد ساعة نزعوا كل ملابسي وراحوا يلقون المياه الباردة على جسمي ويضربونني بخرطوم المياه. حاولت ان أتفاهم معهم لكنهم علقوني في السقف وقالوا نحن سنسلمك الى صدام. في اليوم التالي عصبوا عيني واخذوني مع ناس قال واحد منهم ان اسمه الدكتور عبدالكريم وأنه آت من المانيا وكان يسألني عمن أرسلني. فقلت له أنني أريد الخروج وان القوات الأميركية ستساعدني. هكذا أمضيت 45 يوماً وهم يضربونني، لم أكن أعرف مكان زوجتي أما ابنتي فتركتها في بغداد. وذات يوم سجنوا معي شاباً صغيراً من حزب مسعود بارزاني بتهمة بيع نفط بأسعار مرتفعة. كان الشاب غاضباً. كلمته بالكردية وحكيت له مشكلتي ورجوته في حال خروجه ان يبلغ أقرب مقر للامم المتحدة وأقرب مقر لحزب مسعود فأقسم بشرفه أنه سيفعل. وهذا ما حصل، فبعد يوم من خروجه طوقت قوات مسعود المنطقة وأبلغت المسلحين الذين يحتجزونني ضرورة الافراج عني. المهم انني ذهبت مع قوات مسعود التي احضرت أيضاً زوجتي بعدما تعرضت للضرب وسرقت كل أموالها ومجوهراتها فضلاً عن أموالي. صعدت في السيارة ولم أعد أثق بأحد وسألت المسلحين هل ينوون بدورهم خطفي فردوا بالاعتذار والإعراب عن الأسف ونددوا بالذين يشوهون صورة الأكراد. أخذتني جماعة مسعود الى شقلاوة حيث استقبلني المسؤول وأعطاني غرفة خاصة. وفي اليوم التالي جاءني نيشرفان ابن شقيق مسعود وهو الذي تولى تحريري من جماعة مامند وعرفت ان مسعود كلفه تخليصي. عرف الرجل أن الخاطفين سلبونا كل شيء وأخرج من محفظته 5 آلاف دينار وقال هذه هدية من الحزب. اخذوني الى دهوك ومنها الى زاخو وسلموني الى القوات الاميركية التي اخذتني الى ديار بكر في الهليكوبتر ومنها الى أنقرة حيث حصلوا لي على جواز من الأممالمتحدة ثم الى اسطنبول ومنها الى النمسا التي وصلت اليها في 9/3/1992. حتى في النمسا! ما هي محاولات الاغتيال التي تعرضت لها كبديل من عدي؟ - تعرضت لمحاولات اغتيال عدة. واحدة منها عندما كنت خارجاً من فندق بابل في بغداد. مر مسلحون في سيارة شيفروليه وأطلقوا علي النار من رشاش كلاشنيكوف وقبض عليهم وكانوا من حزب "الدعوة". كان ذلك في 1989. في العام نفسه تعرضت لمحاولة اغتيال في فندق السادير - نوفوتيل. أطلقت علي النار من مسدس وكانت الجماعة من حزب "الدعوة". وذات مرة أطلق عسكري النار عليّ لأنه كان يريد قتل عدي ثأراً لشقيقته .... وقد أعدم العسكري بعد الحادث. وهناك حادث آخر تظهره الوثيقة التي اعطيتك إياها نشرت في العدد السابق. وتعرضت أيضاً لمحاولة اغتيال في النمسا بعد ظهور شيء عن قصتي في مجلة "نيوز" النمسوية. كنت أتمشى وزوجتي في شارع اسمه كييرنا شيتراسا في فيينا، في الأولى بعد منتصف الليل. سمعت شخصاً يصرخ لطيف وحين التفت أطلق علي رصاصتين اصابتني واحدة في ساقي. طارق عزيز: المزور أم الحقيقي؟ من كان من المسؤولين العراقيين يعرف انك البديل وماذا كانوا يقولون؟ - كبار المسؤولين كانوا يعرفون. كنت صديقاً لزياد نجل طارق عزيز الذي التقيته مرتين ومازحني ذات يوم في منزله قائلاً: أنت عدي المزور أم عدي الحقيقي؟ فأجاب زياد: هذا لطيف صديقي. طه ياسين رمضان كان يعرف وعزت الدوري. برزان التكريتي كان يحب المزاح. قصي النجل الثاني للرئيس كنت أراه لكنني كنت بعيداً عن ميدان تحركه، فهو يحب السياسة وسلوكه متحفظ نوعاً ما ويختلف عن سلوك عدي. ربما لأنه مدير جهاز الأمن الخاص ولأن والده أهله سياسياً. ماذا كان عدي يقول عن والده؟ - عدي يتحدث صراحة حين يشرب. قال لي ان والده كان يضربه كثيراً ويطرده من البيت، الأمر الذي جعله يمضي معظم الوقت لدى جده خيرالله طلفاح. كان يردد دائماً عبارات عن تعلقه بأبيه ويقول: احرق من يحاول المس به. انه معجب بوالده ويعتبره أكثر من بطل. دائماً يقول سيادة الرئىس ويمجده. عدنان خيرالله عارض غزو الكويت متى شعرت باحتمال حصول اجتياح الكويت؟ - كان هذا الأمر مطروحاً بعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية. خلال احد الاجتماعات العائلية طرح هذا الموضوع وكان عدنان خيرالله حاضراً وقال لصدام: أنا كوزير دفاع لا أنصحك بعمل من هذا النوع. سأله صدام عن السبب فأجاب: صحيح ان الكويت صغيرة لكنها مسنودة وهناك من يدعمها. فرد صدام: إذن أنس الموضوع. دفع عدنان خيرالله الثمن وزرعت عبوة ناسفة في مروحة الهليكوبتر التي كان يستقلها. عملية الهليكوبتر كانت مدبرة. من قبل علي حسن المجيد وحسين كامل وشخص جاؤوا به من المخابرات واسمه كريم ويقيم حالياً في فرنسا. استدعوه الى بغداد وانفجرت الطائرة. قبل ستة اشهر من اجتياح الكويت سمعت عدي يقول بعصبية: الكويت تسرق نفطنا وهؤلاء عملاء الاميركان ونحن سنؤدبهم. يسرقون حقل الرميلة. سيرون. يوم 1/8/1990 كنت في القصر. قطعت الاتصالات مع الخارج وأعلنت حال انذار يسمونها الانذار 1000 في القصر. وعرفنا أن القوات ستدخل الكويت فجراً وكان عدي معنا. مقتل كامل حنا هل كنت حاضراً ليلة مقتل كامل حنا ججو؟ أريد منك ما شاهدته بنفسك لا ما نقل من روايات؟ - نعم، كنت حاضراً بصفتي حارساً لعدي هذه المرة. كامل حنا أقرب الناس الى صدام. يتذوق الطعام قبل الرئيس ويشرب قبله للتأكد من عدم وجود سموم. كان الوحيد الذي يحق له ان يحمل مسدس صدام اذا نزع مسدسه من وسطه. وكان الرئيس يحبه بشدة ويثق به ثقة مطلقة ويأتمنه على أسرار شخصية. ذات يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 كانت السيدة سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري في بغداد، وتقرر إقامة حفلة تكريم لها في حديقة مجمع الوزراء. ووجه كامل حنا دعوات الى الجميع بمن فيهم قصي، لكنه لم يوجه دعوة الى عدي وكان هذا يكرهه لاعتقاده بأنه لعب دوراً في تسهيل الزواج الثاني لصدام. ومعروف عن عدي تعلقه بأمه ساجدة طلفاح فقرر إقامة حفلة في الموعد نفسه وفي الحديقة نفسها، ودعا شلة أصدقائه. شرب عدي وكان يحمل عصاً صنعت خصيصاً له ويكفي ان تضغط الزر فيها لتخرج من رأسها شفرة حادة شبيهة بشفرة العمليات. كان عدي يستخدم الشفرة لقطع الورد وتوزيعه خلال الحفلة. بدأ عادل عقلة الغناء في حفلة عدي وكان الغناء يتردد من الحفلة الاخرى في الحديقة. بعد قليل سمع إطلاق نار من الحفلة الاخرى. سأل عدي اثنين من مرافقيه عمن يطلق النار فذهبا وعادا لابلاغه أن كامل حنا يطلق النار من رشاشه، فطلب من مرافقه عزام ان يقول ل "الحيوان" أن يتوقف عن إطلاق النار فوراً. ذهب عزام ورجع خائفاً من إبلاغ الجواب الى عدي الذي تزايد غضبه بسبب استمرار اطلاق النار. فأصر عدي على سؤاله عما قاله كامل. فأبلغه انه قال: أنا لا أتلقى أوامر من عدي أتلقى الأوامر من الرئيس وحده. استولى الغضب على عدي وتوجه الى مكان الحفلة الثانية فأصر كامل حنا على انه لا يطيع إلا أوامر الرئيس فضغط عدي على الزر وضرب كامل بالعصا فأصابته الشفرة في رقبته وسقط ثم اخرج مسدسه وأطلق عليه عيارات نارية. وكانت زوجة الرئيس مبارك غادرت المكان قبل الحادث. صدام يعاقب عدي اتصلت جماعة كامل حنا بصدام فجاء فوراً في حالة غضب شديد. دخل موكبه الحديقة وراودنا خوف شديد وقلنا إنها النهاية. شاهد صدام كامل حنا غارقاً في دمه فانسحب عدي الى منزل قريب وبلع كمية من الحبوب محاولاً الانتحار بعدما أوصد الباب من الداخل. جاءت سيارة الإسعاف لنقل كامل حنا فصعد صدام معه... وكسرنا الباب فوجدنا عدي ملقى على السرير فنقلناه في سيارة اسعاف اخرى الى مستشفى ابن سينا التابع للقصر. كانوا يغسلون معدة عدي حين دخل والده وراح يضربه بيده وقال له: اذا مات كامل حنا فإن دمك مقابله. وراح يعنفنا. مات كامل حنا واضطروا الى اعلان الخبر بسبب وجود زوجة الرئيس مبارك. وأعلن تقديم عدي الى المحاكمة فسارع وزير العدل الى طلب العفو عنه. مسرحية! تدخل كثيرون لدى صدام بينهم عدنان خيرالله وبرزان. وضع عدي في سجن القصر 45 يوماً سافر بعدها الى سويسرا. ألم يستقبله أبوه خلال فترة السجن؟ - لا. أمر صدام بضرب عدي الى ان تنكسر يده التي ضرب بها كامل حنا. وقد ضربوه وكسرت يده. أنا لا أشيد بصدام وموقفي معروف، لكن هذا ما حصل. أنا شاهدت يده مجبرة حين سافر الى سويسرا. وعقاب كسر اليد استخدمه الرئيس لتأديب أولاد كبار المسؤولين والوزراء حين يعتدون على استاذ أو شخص. كم هي المدة التي كنت تلعب فيها دور البديل؟ - من الشهر العاشر في 1987 حتى نهاية تشرين الثاني نوفمبر 1991. أموال وتهديدات وكتاب كم تقاضيت من الأموال خلال هذه المدة؟ - كثير. كان لدي شركتان ومعمل. هل اتصل العراقيون بك بعد وصولك الى النمسا؟ - حاولوا مرات عدة وقالوا لي أرجع الى العراق ونحن نساعدك ونعطيك عفواً خاصاً وتبقى في العراق ،فالغربة لا تفيد ولا تلتزم كلام المعار ضة فهؤلاء خونة. اجبتهم أنني لا أريد الاتصال بأحد ولا أنوي أبداً العودة الى العراق. وبعثوا إلي ذات يوم برسالة على عنوان بيتي فاستغربت، وتركوا لي رقماً للاتصال وحين فعلت قالوا: اذا كنت تحب ان تسلم نفسك إلى السفارة فنحن نعيدك الى العراق. طبعاً لم أفعل. بعدما تحدثت وسائل اعلام نمسوية والمانية عن قصتي تلقيت تهديدات ثم تعرضت لمحاولة قتل. وعندما أعلنت مجلة نمسوية انني سأعد كتاباً تلقيت رسالة تهديد. اقترحوا اعطائي مبلغاً من المال في مقابل صرف النظر عن الكتاب. وقبل أسابيع وتحديداً في الشهر الثامن وصلتني رسالة ان عدي توسط لدى والده من اجل العفو عني اذا عدت الى العراق. سلمت رسائل التهديد الى المخابرات النمسوية. هل وصلتك أنباء من أهلك في بغداد؟ - أبداً. وأنا لا أثق بأحد. من كان وراء محاولة اغتيالك؟ - شخص سأكشفه في الوقت المناسب. وهو معروف ويتحرك كمعارض عراقي. تعرفت إليه في مؤتمر للمعارضة العراقية عقد في فيينا في 1992. تقرب مني وقال انه مسؤول كبير في المعارضة وسألني هل أنا مستعد للعمل معهم وبدأ يتصل بي وزارني في منزلي. عندما تحدثت الصحف عني في 1993 غيرت عنوان بيتي بسبب رسائل التهديد وكان الوحيد الذي يعرف العنوان الجديد. وفجأة بدأت الرسائل تصلني على العنوان الجديد. وبعد تعرضي لمحاولات اغتيال لم أعد أراه. بمن يثق الرئيس بمن يثق الرئيس صدام حسين؟ - يثق بالعميد ارشد الياسين المسؤول عن حمايته وبالعميد عبد حميد والمقدم شبىب والمقدم روكان وصدام كامل زوج ابنته وشقيقه حسين كامل. أما عزت ابراهيم وطه ياسين رمضان فهما مجرد صورة كآخرين. ويتميز طارق عزيز بأنه المثقف الوحيد في المجموعة. القرار في العراق في يد صدام ويأتي بعده قصي ثم الثلاثي عدي وعلي حسن المجيد وحسين كامل ثم سبعاوي. هل تعرض عدي لمحاولات اغتيال حين كنت تلعب دور البديل؟ - نعم، ولكن لم يعلن عنها. تعرض مرة في شارع فلسطين قبل احتلال الكويت ومرة اخرى بعد احتلال الكويت ولم يصب في الحالتين. وقد اعتقل المنفذون وهم عسكريون لهم علاقة بحزب "الدعوة". البديل سبح في النهر ماذا كنتم تعرفون عن الرئيس صدام إبان الحرب؟ - كان عدي يزوره قبل سفره الى سويسرا. كان صدام يتحرك في سيارات بيك آب ويلبس دشداشته وبرفقته سيارتان أو ثلاث. ومن يرى السيارات كان يعتقد انها لفلاحين. كان يقيم في منطقة اسمها الدجيل على بعد 60 كيلومتراً من بغداد. هناك بيوت بينها واحد لوزير الحكم المحلي صديقه فكان يقيم عنده في بيت عادي. وفي تلك المنطقة كان صدام تعرض في 1984 لمحاولة اغتيال وتبين ان البديل هو الذي قتل. ولديه الآن بديل هو فواز العماري وقد تدربنا معاً. هل تذكر حين وزعت صورة صدام وهو يسبح في النهر؟ الرجل الذي كان يسبح هو فواز، أي البديل. هذا البديل نفسه ذهب مرة الى الكويت في ملابس صدام حين ظهر على التلفزيون وهو يوزع الطعام على الجنود. في المرات الباقية ذهب الرئيس شخصياً. لقد اخضع فواز لعمليات تجميل وبات مطابقاً مئة في المئة لصدام حسين. وهل يستقبل بديل صدام وفوداً؟ - لا. انه يخرج في ثياب صدام ليتلقى الضربة اذا كان المشوار خطراً. لدى وصوله الى قرب المكان المحدد للقاء يتصلون بصدام اذ يكونون اطمأنوا الى الطريق. يختفي البديل فجأة ويقفز الى سيارة ذات ستائر ويظهر صدام ويدخل الحفلة أو اللقاء. من لديه بديل في العراق؟ - صدام وعدي وقصي. بديل قصي اسمه قصي ايضاً وهو من أقاربه ويشبهه وهو كان يعمل في القصر الجمهوري في سرية النقل ثم اختاروه بديلاً. أتوقع بقاء النظام كيف تفسر بقاء نظام صدام من دون موارد نفطية؟ - يضحك النظام مستمر بسبب ما يملكه من فلوس في الخارج. هناك من يدير الأرصدة في الخارج. شركات ومؤسسات بأسماء أوروبية أو غيرها. هذه الشبكة كبيرة. هل تتوقع سقوط النظام العراقي الحالي؟ - لا. لماذا؟ - لأن صدام قوي. لو كان صدام مهدداً لسقط في حرب الخليج وما تلاها. لو أرادت أميركا قتله لقتلته في ساعة واحدة. أنا شاهدت لدى القوات الاميركية صوراً لصدام وهو يتحرك في الملجأ. قال الأميركيون أنهم يتركون مصيره للشعب العراقي. حين وقعت الانتفاضة بعد حرب الكويت هل كنت لا تزال البديل؟ - نعم، ويومها أصيب صدام برصاصة في يده في كربلاء. ولو تذكر الناس بعد ذلك لم يكن يحرك يده اليمنى بصورة طبيعية. لو راجعتم الأفلام لتأكدتم من ذلك، أطلق النار عليه معارضون عراقيون غاضبون. ذهب الى مكان قرب كربلاء للإشراف على قمع الانتفاضة مع علي حسن المجيد وحسين كامل ومحمد حمزة. مطلقو النار لا ينتمون الى أي حزب، إنهم من الغاضبين. هل شهدت عمليات إعدام بعد الانتفاضة وكم كان عدد الضحايا؟ - نعم. كان العدد كبيراً ويقدر بالألوف. هل يمكن ارجاع بقاء النظام الى أسباب مذهبية كما يقول بعضهم؟ - لا اعتقد. واذا كنت تسألني هل يذهب صدام أقول لك انه باق. لم يذهب في الحرب فهل يذهب حالياً بعدما نجح في إعادة بعض العلاقات مع أوروبا؟ أنا نادم... نادم كيف ترى وضع المعارضة العراقية؟ - أرجو إعفائي من هذا السؤال. ما هي مشاريعك للمستقبل؟ - أعيش حالياً في النمسا، لكنني لست مستعداً للعيش فيها بصورة دائمة. أنوي السفر الى بلد آخر وأحول تجارتي اليه. أنا لا أريد منصباً في العراق ولا أريد ان أرجع الىه. أريد أن أعيش حياة هادئة مع عائلتي وأن أنسى كل ما حصل. هل لديك شعور بالمرارة بسبب دور البديل؟ - نعم. إنني نادم نادم وبعدد شعر رأسي. هل اتخذت قرارات بصفتك بديلاً؟ مثلاً هل أمرت بتعذيب وهل وقعت عنه وفي أي مجال؟ - وقعت عنه في شأن قرارات الاتحاد الكروي وأدخلت أناساً دورات تعذيب. لم يعجبوني بسبب سلوكهم السيء فأدخلتهم. أنا نادم. أنا ندمت منذ دخولي مع عدي ولكن لم يكن هناك مجال للرفض. أنا لم أعذب بنفسي لكنني أدخلت اناساً الى دورات تعذيب. واحد من هؤلاء عضو في اللجنة الأولمبية سيء السمعة. كنت أوقع عن عدي وكالة وكسكرتير. هل استغللت منصبك مالياً أي وزعت أموالاً وانفقت؟ - أنا أحكي الحقيقة. أعطيت أموالاً لكثيرين وساعدت كثيرين وألحقت أذى بكثيرين وأنا أملك شجاعة الاعتراف بذنوبي. لكنني لم أشارك لا في أعمال القتل ولا في أعمال الاغتصاب. واتحدى أياً كان ان يثبت العكس. كنت متفقاً مع عدي من الاساس على أن لا أشارك في قتل ولا في اغتصاب. صحيح انني عملت مع النظام لكنني لو كنت أريد الاستمرار لبقيت هناك وعندي منصب ونفوذ وملايين، لكنني كنت مرغماً على ذلك العمل وحين سنحت الفرصة لي هربت. هل عرضت عليك اجهزة مخابرات ان تعمل معها؟ - أعذرني. في أي حال أنا لم أفتح الباب لأحد. هل عرضت دول عربية استضافتك؟ - نعم. من؟ - ستعرف لاحقاً. ستقيم فيها إذاً؟ - لا، أنا لا أريد الإقامة في بلد عربي. بعضهم عرض منحي الجنسية. هل زرت دولاً عربية بعد خروجك؟ - لا. وصلتني دعوات كثيرة لكنني لم أذهب واتصلت اجهزة مخابرات لكنني لا أريد ان أكون جاسوساً. أنا مع بلدي لكنني ضد صدام. متى عرفت زوجتك انك صرت بديلاً من عدي؟ - بعد اختفائي مدة طويلة. أقامت معي لاحقاً لفترة ستة أشهر في مجمع القادسية الخاص بجهاز الأمن الخاص.