التميمي يُشارك في فعالية "الفضاء لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"    مقتل 51 شخصا في انفجار منجم للفحم في شرق إيران    إشادة عالمية بفوز الهلال على الاتحاد في الكلاسيكو السعودي    الأمم المتحدة تحذر من "كارثة وشيكة" في الشرق الأوسط    شيخ شمل قبيلة السادة والخلاوية: نستلهم في اليوم الوطني ال94 النجاحات المُحققة للمملكة على مرّ الأجيال    القيادة تهنئ رئيس الفترة الانتقالية رئيس الدولة في جمهورية مالي بذكرى استقلال بلاده    "فلكية جدة": اليوم "الاعتدال الخريفي 2024" .. فلكياً    الربيعة يتحدث عن التحديات والأزمات غير المسبوقة التي تعترض العمل الإنساني    "الأرصاد" استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    أخضر تحت 20 عام يبدأ التصفيات الآسيوية بالفوز على فلسطين    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    صناديق التحوط تتوقع أكثر السيناريوهات انخفاضاً للديزل والبنزين    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    279,000 وظيفة مباشرة يخلقها «الطيران» في 2030    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    مسيرة أمجاد التاريخ    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلكياً.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    يوم مجيد لوطن جميل    أحلامنا مشروع وطن    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"راهبة" حولها وديع حداد فدائية . سهيلة اندراوس السايح ل "الوسط": هكذا خطفنا اللوفتهانزا الى مقديشو ... وكارلوس صديقي
نشر في الحياة يوم 13 - 02 - 1995

الرصاصات التي اخترقت جسد سهيلة اندراوس وهي داخل طائرة اللوفتهانزا في مطار مقديشو لا يزال ازيزها يصم آذان الفدائية الشابة. عقدان مرا، بكل التغيرات والتطورات و"الانقلابات" ولا تزال تفاصيل العملية ماثلة امامها. ليست نادمة على شيء، لكنها "نضجت" اكثر وتعتقد بأن هناك "وسائل اخرى" لخدمة "القضية". وبعيداً عن ضجيج الشرق الأوسط تعيش سهيلة في أوسلو مع زوجها وابنتها، في شبه عزلة. تريد ان "ترتاح" لكن ماضيها يرخي بثقله عليها حيث تطالب المانيا بتسليمها لها. في منزلها في اوسلو فتحت سهيلة جعبتها ل "الوسط" ساعات طويلة، تحدثت عن اشخاص وأحداث، باسهاب عن اشياء وتحفظت عن اخرى لظروف التحقيق او غيرها، كما سلطت الأضواء على تفاصيل صغيرة وأسلوب عمل وخلفيات عمليات خطف نفذها جهاز وديع حداد.
يوم الاثنين قبل الماضي كانت سهيلة سامي اندراوس السايح الناجية الوحيدة من الفريق الذي خطف طائرة لوفتهانزا الالمانية في مقديشو في 13 تشرين الأول اكتوبر 1977، تجلس في صالون منزلها في احدى ضواحي العاصمة النروجية أوسلو، حين فتحت والدتها الباب لرجل بريطاني متقاعد من فريق الوحدات الخاصة شارك في عملية اقتحام الطائرة المخطوفة، وأطلق ست رصاصات توزعت في جسد سهيلة. وعندما وقفت "الضحية" لمصافحة الشخص الذي حاول قتلها مستندة على عكازات، لم تضغط على يده التي أطلقت النار عليها قبل 17 عاماً بل اكتفت بالترحيب به ودعوته الى الجلوس. كانت الكلمات التي قالها باري ديفيس لسهيلة في اللحظات الأولى قليلة، اذ اكتفى بالقول "أنا لم أطلق النار"... و"الآن عرفت وفهمت القضية الفلسطينية".
ومع أن ما يشغل سهيلة ويعكر عليها حياتها ليس خوفها من ان تقوم السلطات النروجية بتسليمها للسلطات الألمانية للتحقيق معها في قضايا مختلفة من بينها تهمة قتل قائد الطائرة الألماني، ولا محاولة معرفة دور مونيكا هاس أحد أعضاء جماعة بادر ماينهوف في خطف الطائرة من خلال تزويد الخاطفين بالسلاح، بل قلقها على مصير طفلتها التي لم تتجاوز التاسعة والتي لا تفارقها، بل أصبحت أكثر تعلقاً بها منذ أن تم توقيفها قبل أربعة أشهر في منزلها في أوسلو، بعد أن طلبت السلطات الألمانية عبر جهاز الانتربول الدولي تسليمها لها.
ولا يزال لغز الكشف عن هوية سهيلة اندراوس السايح في أوسلو من قبل السلطات الالمانية والنروجية يحيّر سهيلة، على رغم أنها تعيش هناك منذ العام 1991. وتقول سهيلة التي كانت أمنيتها ذات يوم أن تصبح راهبة، قبل أن تتحول الى خاطفة طائرة على متنها 86 راكباً، انها لا تؤمن اليوم بأساليب الأمس. ومع ذلك حين تتحدث عن الدكتور وديع حداد مهندس عمليات خطف الطائرات، لا تجد ما تقوله غير وصف عملياته بأنها "لوحات فنية متكاملة"، وحين تسأل عن كارلوس المطلوب الرقم واحد طوال 25 عاماً، والذي يقبع في احدى الزنزانات الفرنسية بعد القاء القبض عليه في الخرطوم قبل بضعة أشهر، تتحدث عنه بدفء، وتقول انه "بطل وصديق وليكن ما يكون".
في منزلها في أوسلو فتحت سهيلة جعبتها ل "الوسط" ساعات طويلة، تحدثت خلالها عن أشخاص وأحداث، وأجابت باسهاب عن أشياء وتحفظت عن أخرى لظروف التحقيق أو غيرها، كما سلطت الأضواء على تفاصيل صغيرة وأسلوب عمل وخلفيات عمليات خطف نفذها جهاز وديع حداد.
تقول سهيلة اندراوس السايح التي عرفت في وسائل الاعلام باسم ثريا الانصاري، انها ولدت في ربيع العام 1953، كأي فتاة فلسطينية. لكن كان لديها "شعور بالذنب لأنني لم أولد في مخيم كبقية أطفال شعبي، اختار أهلي مدرسة راهبات المحبة في بيروت لدراستي. هناك تفتحت عيناي على التربية الحديد والنظام والاحترام، في عام 1964 سافر أهلي الى الكويت كمعظم الفلسطينيين الذين كانوا يسافرون للعمل. هناك عشت حياة سعيدة ومريحة، وكنت متأثرة بدراستي في مدرسة الراهبات، وكان هدفي الأول أن أصبح راهبة. في العام 1967 بلغت قمة هذا الاحساس، ولكن مع احتلال مدينة القدس، تحطمت أمنيتي في التحول الى راهبة بسبب الاسرائيليين. كان وعيي الفلسطيني في كل تلك السنوات، ينمو ويكبر على حب الأرض. لم يكن فهماً سياسياً، بل عاطفياً ووطنياً، فمن حكايات جدي وجدتي كنت أتخيل انه لو سمحت لي الظروف بالذهاب الى فلسطين فسأكون قادرة على الوصول الى منزلنا في حيفا. لكني لم أكن مسيّسة. أنهيت دراسة الثانوية العامة في الكويت بتفوق إذ فزت بالمرتبة الثالثة في العام الدراسي 1972 - 1973 في الكويت كلها.
لم تسمح لي القوانين بدخول جامعة في الكويت لاكمال دراستي، وبما ان أهلي محافظون وعرب، فقد رفضوا السماح لي بالذهاب الى بلد أجنبي لاكمال دراستي، فاختاروا بيروت حيث كان بعض أفراد أسرتي يقيمون فيها للدراسة هناك.
رفاهية في الكويت
في العام 1974 دخلت الجامعة اللبنانية لدراسة الأدب الانكليزي، ومع بداية الحرب في لبنان، بدأت من خلال اختلاطي بزملاء الدراسة والأصدقاء، قراءة كتب ايديولوجية بشكل عام، واخترت موضوعي للدراسة في الجامعة عن تاريخ فلسطين. وبدأت أزور المخيمات والتعرف على الطريقة التي يعيش بها أبناء شعبي، كانت المرة الأولى التي أرى فيها أطفالنا يقتلون. وطلب مني أهلي في العام 1976 العودة الى الكويت حيث الرفاهية والحياة المترفة. كنت مهتمة بسماع الأخبار وقراءة الصحف وتتبع اخبار زملائي على مقاعد الدراسة، بعضهم كان يقاتل ويقتل. وعندما وصلت الى حالة نفسية سيئة حاولت أن أعمل مع الهلال الأحمر الفلسطيني في جمع التبرعات. وخلال ذلك تعرفت على شخص قدمني الى تنظيم وديع حداد في الكويت.
في أية مناسبة ومتى؟
- خلال لقاء عام وبمحض الصدفة في سنة 1976. لم أكن حينها أميّز بين التنظيمات الفلسطينية، أو أعرف ان هناك مشكلة بين الدكتور وديع حداد والجبهة الشعبية. كان همي أن أعمل أي شيء من أجل فلسطين. لم أغيّر مبدئي من راهبة الى مقاتلة، لأن عملي كراهبة يعني انني كنت سأخدم جزءاً صغيراً من الناس، ولكن كوني مقاتلة يعني انني قادرة على خدمة جزء كبير منهم.
ولماذا اخترت جماعة وديع حداد وليس غيرهم؟
- ما شدني اليهم هو سريتهم وعدم حبهم للظهور المسلح، لاعتقادي بأن من يريد أن يعمل يجب ألا يقوم بعروض، اضافة الى قناعتي بأيديولوجية الجبهة الشعبية كتنظيم.
وكم استغرقت فترة تنظيمك؟
- كانت قصيرة ولم تتجاوز بضعة أشهر، حضرت خلالها الاجتماعات من دون أن يعرف أهلي شيئاً عن ذلك.
ماذا كنتم تبحثون في هذه الاجتماعات؟
- كانت سياسية نناقش فيها الارهاب الاسرائيلي وقصف المخيمات وموقف الدول الغربية واعلامها المتجاهل لما يتعرض له شعبنا، كنا نريد أن نثبت للغرب ان مقولة فلسطين أرض من دون شعب غير صحيحة. همنا الأساسي هو أن نثبت حقنا في هذه الأرض المقدسة.
وما هي الحلول التي كنتم تخرجون بها من هذه الاجتماعات؟
- كانت الحلول عند الدكتور وديع حداد جاهزة. كان يردد العبارة الشهيرة "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وكذلك "وراء العدو في كل مكان".
في بغداد
وكيف أبلغت بعملية خطف الطائرة؟
- تم استدعائي من الكويت الى بغداد قبل تنفيذ العملية بعشرة أيام، حيث أبلغني الدكتور وديع حداد مع بقية رفاقي بالعملية، ووافقنا جميعاً على تنفيذها، معتبرين ان ذلك شرف عظيم لنا.
كانت ليلى خالد والعمليات التي شاركت بها أبرز مثال وصورة في ذهني. وليس سراً ان أقول ان زيارة ليلى خالد لنا في مدرسة طليطلة الثانوية في الكويت كانت حافزاً لنا للقيام بأعمال مشابهة.
وماذا كانت مناسبة زيارة ليلى خالد لمدرستك؟
- جمع التبرعات للجبهة الشعبية. كانت الفتيات في المدرسة يحاولن لمس يدها والتقرب منها.
هل وافقت على تنفيذ المهمة، من دون ملاحظات؟
- في حضرة وديع حداد لم يكن أي منا يبدي ملاحظة، كان بالنسبة الينا الدماغ المتوقد، وعندما نكون معه نشعر بأننا نحيط بقائد عظيم، لم نكن قادرين على توجيه انتقاد أمامه. كانت شخصيته قوية، وحتى لو كانت لدي انتقادات على البناء التنظيمي كنت أسمع من وديع حداد ردوداً، مثل نحن تنظيم من الجبهة الشعبية لكننا لا نعمل لحسابنا ولسنا منفصلين عن الجبهة، نحن نعمل بشكل موقت الآن، لكننا لا نريد ان نخرج عن اطار الجبهة الشعبية. ان حبي لوديع حداد وولائي للجبهة الشعبية داما حتى آخر دقيقة.
هل اطلعت على عمليات خطف طائرات قبل تنفيذك عملية مقديشو؟
- سمعت عن بعض العمليات السابقة مثل عمليتي عينتيبي ونيروبي. وهذه الأخيرة سمعت أنها فشلت بسبب الشك في ولاء أحد العناصر.
الألمانية أمل
هل تقصدين الألمانية مونيكا هاس؟
- لم أكن أعرف انها المانية. لأن اسمها الذي كان يتردد هو أمل. كانت تأكيدات القيادة لنا ان عملياتنا المقبلة ستكون سهلة ومدروسة أكثر ولن نتعرض لخداع أو هجوم. كانت العمليات التي يخططها وديع حداد قطعة فنية وليست عمليات عسكرية من النوع الذي عرفناه.
ماذا عن التدريبات العسكرية التي تلقيتها قبل عملية الخطف؟
- لم يكن عملنا يتطلب جهداً عسكرياً، ولذلك كان تدريبنا قليلاً. ما كنا نحتاجه هو القدرة على التصرف والتعامل مع المستجدات، وبعض التمثيل.
تمثيل؟!
- نعم إبراز الخشونة خصوصاً لدى الانثى، وتحديداً أنا، فقبل ذلك لم أحمل مسدساً أو أهدّد انساناً ما.
متى التقيت وديع حداد للمرة الأولى؟
- بعد شهرين من دخولي التنظيم.
وماذا كان انطباعه عنك؟
- لقد عرف كل شيء عني من الشخص الذي قام بتنظيمي، فأنا معروفة في الوسط الفلسطيني في الكويت، سواء من خلال نشاطي أو من خلال أهلي. لقد كان حريصاً على أن يدعوني لنسيان خلفيتي، إذ أن التنظيم سري، ويجب أن نبقى في الظل. كان يعتقد انني مثالية، وهناك أشياء قالها سأحتفظ بها لنفسي، كان الدكتور وديع حداد يعتقد بأن القائد يجب أن يتمتع دائماً بالهدوء، أما أنا فكنت أغضب، بل كنت سريعة الغضب.
خطة خطف الطائرة كيف جهزت؟
- كانت من اختصاص قائد العملية زهير عكاشه لم أعرف اسمه الصريح إلا بعد العملية، وكان يلقب نفسه "محمود".
وبقية أفراد المجموعة التي نفذت العملية؟
- نادية دعيبس وهي فلسطينية كنت أعرفها من الكويت، وهي طالبة جامعية، فوجئت بوجودها معي في التنظيم عندما استدعونا الى بغداد، كان معنا شاب آخر اسمه نبيل حرب، مهذب وخلوق ومثقف.
وما هي هويته؟
- بعد العملية عرفت انه كان من سكان الكويت.
ومتى التقيت زهير عكاشه للمرة الأولى؟
- التقيته مع نبيل حرب مرة أو مرتين خلال اجتماعات تنظيمية في العراق. اما زهير فكان شخصية مميزة، ومعرفتي به عن كثب تمت خلال اقامتنا في جزيرة مايوركا الاسبانية وأثناء عملية خطف الطائرة. كان صاحب شخصية قوية وفدائياً حقيقياً، وفي المقابل كان مزاجه نقيض مزاجي، لا سيما لجهة غضبه، إذ كان من الصعب اقناعه إذا ما غضب من أمر. وبلا شك فإن ذلك سببه معاناته.
قلت انك تدربت على خطف الطائرة. هل كان هناك مجسم طائرة؟
- لا، كان يتم بواسطة الخرائط.
داخل بغداد أم خارجها؟
- داخلها، ولم تكن تدريبات عسكرية بالمعنى العسكري. تدريبنا على السلاح تم ليوم واحد فقط.
رصاص في اليمن
متى أطلقت أول رصاصة في حياتك؟
- في اليمن أثناء دورة تدريبية مثل كل الدورات التي تلقاها شبان وشابات فلسطينيون ولبنانيون.
في عدن؟
- في اليمن، بشكل أدق في منطقة تبعد حوالي ثلاث ساعات بالسيارة عن عدن.
ماذا عن جوازات سفرك؟
- استخدمت جوازات سفر مزورة بعد خطف الطائرة، وليس قبلها. لقد سافرت الى لندن في نيسان ابريل 1977 بجواز سفري الحقيقي، وواصلت استعماله حتى آخر لحظة.
من هم أعضاء الفريق الذين دربوك على عملية الخطف؟
- السرية أهم مفتاح لنجاح هذا النوع من العمليات. لقد وضعنا نحن الأربعة في مكان، وكان مراد سائق وديع حداد هو الذي كان يحضر لنا الأكل والمستلزمات المطلوبة، اضافة الى المدرب الذي دربنا على التأهيل العسكري. عدا ذلك لم يعرف أحد بنا أو بمهمتنا.
كيف تم التحضير للعملية؟
- تلقينا معلومات كاملة عن خطة التحرك، السفر، المنطقة، الفندق، وكان زهير يتابع القضايا الأخرى مع الدكتور وديع حداد.
ومن أين كان يتوافر لوديع حداد المعلومات؟
- كان لديه عدد كبير من المساعدين، وليس بالضرورة من التنظيم، وهذا أمر آخر كان يثير اهتمامي.
في أي مجال؟
- كنت اتساءل لماذا لا يكون الأعضاء ضالعين في هذه الأشياء بدل الأشخاص العاملين من خارج التنظيم!
وكيف وقعت القرعة عليك؟
- اختار الدكتور وديع أربعة من الذين خبروا السفر وركبوا الطائرات، لأن من شأن ذلك تسهيل المهمة المطلوبة.
بعد التكليف، هل اجتمعتم مع حداد على انفراد؟
- لا، زهير وحده كان يجتمع به على انفراد.
هل كان المعسكر القريب من عدن حيث تلقيت تدريباتك خاصاً بتنظيم وديع أم للجبهة الشعبية؟
- لا أعرف، كنت أرى شخصيات مختلفة، لكن كان ممنوعاً علينا أن نفتح حوارات مع أحد. كالسؤال مثلاً ماذا تعمل، أو من أي بلد أتيت، هذه كانت سياسة التنظيم.
يقال ان الحزب الاشتراكي كان يقدم تسهيلات لتنظيم وديع حداد في عدن، هل لمست شيئاً من هذا القبيل؟
- لم ألمس شيئاً شخصياً، لكنني لست غبية حتى لا أدرك كم كان اليمن الجنوبي مؤيداً للفلسطينيين، كنت أشعر وأنا في تلك المنطقة من العالم بأنني في بلدي فلسطين.
وكم بلغت فترة اقامتك في اليمن؟
- عشرة أيام.
والتدريبات؟
- اقامتي في المعسكر بحد ذاتها كانت تدريباً، خصوصاً انني عشت حياة مترفة في بيت أهلي.
المنظمات الدولية المتطرفة
شهدت فترة السبعينات نشاطاً مزدهراً للتنظيمات الدولية المتطرفة، هل التقيت خلال وجودك في المعسكر عناصر من منظمات متطرفة، مثل الجيش الأحمر الياباني أو الألوية الحمراء أو بادر ماينهوف؟
- كان المعسكر كبيراً، والذين تعاملت معهم أنا شخصياً كانوا فلسطينيين.
ماذا عن "أمل"، هل التقيت بها؟
- نعم التقيت بها مرات في مناسبات مختلفة وقليلة.
هل كنت تعرفين انها المانية؟
- كنت أعرف أنها أجنبية، وتعرفت عليها على أساس زوجة رفيق لي هو زكي هللو.
وهل كان زكي هللو، مدرباً في المعسكر؟
- كان مسؤولاً عن التنظيم في عدن، ومن الأساسيين فيه.
وماذا كنت تتحدثين معها؟
- كانت مواضيع عامة جداً، وفي معظم الأحيان مواضيع نسائية، كامرأتين.
هل قالت لك لماذا التحقت بالجبهة؟
- لم أكن أعرف انها عضو في التنظيم.
ما حقيقة ما تردد عن علاقة مونيكا هاس بجهاز الموساد الاسرائيلي، وهل صحيح ان معلومات أفشتها كانت وراء فشل عمليات مثل عنتيبي ونيروبي؟
- كنت اسمع اشاعات مختلفة، والاشاعات لم تكن مقنعة لي، خصوصاً عندما لا تكون مقرونة بأدلة. سمعت اشاعات من عناصر صغيرة في التنظيم استندت الى فشل عملية نيروبي.
هل كان تنظيم وديع حداد واسع الانتشار أم نخبوياً؟
- كان يضم عناصر من خلفيات مختلفة، غنية، فقيرة، متوسطة الحال، مثقفة وعادية.
لماذا تميز وديع عن غيره من القياديين الفلسطينيين بهذا الأسلوب، وهل أبدى استعداداً للتعاون مع الآخرين؟
- كان مقتنعاً بأن طريقته في العمل مجدية، لأن العالم لم يكن يقر بحقنا. ونحن كنا مقتنعين بذلك في تلك الفترة. المرحلة الآن مختلفة تماماً، ولو كان وديع حياً لربما كان غيّر رأيه بأساليب العمل السابقة.
على أي أساس كان حداد يتعاون مع تنظيمات أجنبية مثل الألوية الحمراء الايطالية والجيش الأحمر الياباني أو بادر ماينهوف الالمانية؟
- لم أكن مطلعة على علاقات التنظيم في تلك الفترة، لكن وجهة نظري هي ان اسرائيل ربيبة الامبريالية، ولا استهجن أي تعاون مع منظمات أجنبية. لقد كانت عملية اللد التي نفذها يابانيون خير مثال، ولا أعتقد بأن وديع حداد كان ماركسياً.
وهل وديع قومي؟
- كنا مجموعة بورجوازيين نبحث عن الطريق الأفضل.
هل زرت الاتحاد السوفياتي؟
- لم أزره، لكنني زرت دولاً شيوعية كثيرة بعد عملية مقديشو، بعضها للعلاج، والبعض الآخر بدعوات من دول كانت توجه الى المؤسسة الصحفية التي كنت أديرها مع زوجي.
وماذا كان اسم المؤسسة الصحفية؟
- "صبرا للدراسات".
منذر الكسار
ماذا عن معرفتك بالسيد منذر الكسار، حسب قول وسائل اعلام المانية؟
- لقد سرّب البوليس الالماني الذي حقق معي، محضر التحقيق المفترض ان يكون سرياً، واخطأ في نقل أشياء كثيرة اما عن قصد أو غير قصد. وعندما سألني البوليس الألماني عن معرفتي بمنذر الكسار، أجبت انني لا أعرفه، وانما قابلت شقيقه من خلال زوجته، كون ابنتها كانت تذهب الى المدرسة نفسها التي كانت تذهب اليها ابنتي في دمشق.
وماذا عن معرفتك بكارلوس؟
- تعرفت عليه بالصدفة أثناء علاجي في براغ، وبغض النظر عما يقال عنه، إلا أنه بالنسبة اليّ كان صديقاً في أزمة، ولذلك أكن له كل الود، وليقولوا ما يقولون.
ما هو الجميل الذي صنعه معك؟
- كان عالمي طوال ستة أشهر سرير، وعمودان مثبتان على السرير حتى استطيع أن أتحرك، ولم تكن تصلني أية رسائل. أزمتي النفسية كانت حادة بعد عملية مقديشو. كان كارلوس ودوداً، يسأل عني، ويتصل عبر الهاتف ليتكلم مع الممرضة ويطمئن الى صحتي، هذه أشياء لن أنساها مهما كانت نظرة الناس اليه.
ماذا كان يقول عن اصابتك؟
- كان يتحدث الي كبطلة، وكنت أتحدث اليه كبطل. لا شك ان كارلوس في تلك الفترة كان بطلاً أجنبياً يقاتل من أجل القضية الفلسطينية.
ما هي طبيعة علاقة كارلوس بتنظيم وديع حداد، هل كان له جهازه الخاص؟
- لا أريد أن أدخل في هذه التفاصيل.
هل سألوك عن كارلوس خلال التحقيق معك؟
- نعم، وأجبت الاجابة نفسها التي أبلغتك إياها.
على أي أساس زارك في المستشفى؟
- من خلال صديق، وكانت المرة الأولى التي رأيته فيها.
متى حصل ذلك؟
- في العام 1979.
على ماذا ركز المحققون الألمان في اسئلتهم؟
- على مونيكا هاس.
في أي مجال؟
- لا استطيع ان أخوض في تفاصيل التحقيق لأن هذا يضر بقضيتي الآن.
هل ان مونيكا هاس هي التي أوصلت السلاح الى الطائرة في مايوركا؟
- هذا كلام هراء، السلطات الالمانية تعرف انه غير منطقي.
جوازات سفر ايرانية
وكيف سافرتم الى مايوركا؟
- بجوازات سفر ايرانية.
وأين أقمتم؟
- في أحد الفنادق حيث تصرفنا كسيّاح عاديين ثم قمنا بعملية الخطف.
وهل كانت مونيكا تتردد على الفندق؟
- رأيتها شخصياً مرة واحدة.
وكيف بدأت عملية خطف الطائرة؟
- بدأناها بالصراخ الحاد، حيث طلبنا من الركاب الهدوء والجلوس في مقاعدهم.
وماذا كان سلاحك؟
- قنبلتان يدويتان.
وماذا تلى ذلك من تطورات؟
- لم يحدث أي شيء دراماتيكي باستثناء مقتل قائد الطائرة، وهو أمر لم يكن مخططاً له سابقاً، بل اتخذ قرار قتله بعد أن حاول الفرار.
وكم استمر خطف الطائرة؟
- خمسة أيام، وهي أطول عملية خطف.
انت أعلنت بدء عملية الخطف، ماذا كان دور الآخرين من رفاقك؟
- تمت مفاوضات لكنها جرت في توتر واضح لا سيما بعد رفض شروطنا لاطلاق سراح الرهائن. كان الطقس حاراً جداً والتعامل مع الركاب اتسم أحياناً بالتهديد وأحياناً أخرى بالليونة واللطف، في مرحلة من المراحل أصبح الرهائن أصدقاء لنا. في بعض الأحيان كنا نتكلم مع الركاب عن القضية الفلسطينية ونشرح لهم الظروف التي أجبرتنا على خطف الطائرة، وقلنا لهم ان أي أذى يصيبهم سيكون نتيجة تعنت السلطات الالمانية والاسرائيلية ورفضها لشروطنا.
وبماذا كنتم تخاطبون الركاب؟
- بالانكليزية، وأحياناً كان محمود "قائد العملية" يستعين باحدى المضيفات للترجمة الى الالمانية، اذا كان الأمر حساساً.
كم كان عدد الركاب؟
- 86 راكباً بينهم 4 مضيفات وقائد الطائرة ومساعده.
وهل نجحتم في اقامة صداقة مع أحد الرهائن؟
- أحد الركاب الالمان قال لصحيفة بعد اطلاق سراحه انه أدرك للمرة الأولى ان الشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال الاسرائيلي.
وماذا كانت هويات الركاب؟
- ألمان واسبان وأميركية واحدة، كانوا في رحلة من مايوركا الى المانيا.
وهل كان أحد من ذويك على معرفة بعملية خطف الطائرة؟
- لا، بعد خروج والدتي من المستشفى استدعيت وكان ذلك مفاجأة لي.
كم كانت المدة التي فصلت بين ابلاغك بالعملية وتنفيذها؟
- 15 يوماً.
قلت انكم عانيتم من توتر شديد، ما سبب ذلك؟
- مقتل قائد الطائرة في اليوم الثالث على خطف الطائرة في عدن.
ولماذا قتل؟
- حاول خداعنا، وأعطى في أحد المطارات معلومات عن عدد الخاطفين وأسلحتهم. كان "محمود" قائد العملية مقتنعاً بأن قائد الطائرة يجب ان يقتل، وعلى رغم ان محمود كان قاسياً وعنيفاً، الا انه كان مثالثاً وعلى درجة عالية من الأخلاق، فأبلغ الركاب بما حدث، وأخذ رأيهم بمحاولة قائد الطائرة الهرب، فأيد بعضهم قتله.
هل كانت لديكم مخاوف من عمليات تسلل أثناء احضار الطعام؟
- كانت لدينا تأكيدات من قبل السلطات الصومالية.
بمن كنتم تثقون أثناء المفاوضات؟
- لم نتحدث سوى مع برج المراقبة.
ماذا كانت مطالبكم يومها؟
- لم أعرف بالمطالب الا بعد اقلاع الطائرة، لأن قائمة المطالب كانت مع زهير عكاشه، وهي اطلاق سراح شابين فلسطينيين كانا في سجن تركي وبعض الألمان وأموال.
كما كان المبلغ؟
- 15 مليون دولار، ومطلبنا هذا سببه ان ألمانيا تدفع تعويضات لاسرائيل، فلماذا لا يدفعون لنا لمتابعة نضالنا.
من هم الألمان الذين طالبتم بالافراج عنهم؟
- يبدو انهم كانوا من جماعة بادر ماينهوف.
وهل شاركت مونيكا هاس في جانب من العملية في هذا الاطار؟
- لا أعرف.
كيف أحضرت مونيكا السلاح الى الطائرة بعربة أطفال؟
- لم تأتِ مونيكا الى الطائرة. والسلطات الألمانية لديها معلومات وافية عن هذا الموضوع من ملفات جهاز ستازي الألماني الشرقي، ان القبض عليّ تم في 13 تشرين الأول اكتوبر 1994 أي في اليوم نفسه الذي اختطفت فيه الطائرة.
هل كنت تترددين على برلين الشرقية ولو للعلاج؟
- ذهبت مرة واحدة الى برلين الشرقية بدعوة من مؤسسة بانوراما وهي وكالة الأنباء الرئيسية في ألمانيا.
ودول أخرى قمت بزيارتها؟
- زرت بلغاريا في العام 1986 بدعوة رسمية.
خلال عملية الخطف، هل كانت لديكم مخاوف من حصول عملية اقتحام للطائرة؟
- بعد مقتل قائد الطائرة، توقعت ان يثير ذلك غضب السلطات الألمانية، فتهاجم الطائرة.
هل تناوبتم على النوم؟
- أنا لم أعرف طعم النوم على مدى خمسة أيام، لقد كنا أقوياء البنية.
وما هي الأسلحة التي كانت بحوزتكم؟
- 4 قنابل ومسدسان.
لماذا رُبط اسم مونيكا بعملية الخطف؟
- لا أعرف.
هل كانت لديك شكوك حول دورها؟
- أنا شخصياً لا أحبها، وكل ما سمعته عنها هو اشاعات لا أعرف مدى صحتها.
اذا كانت مونيكا هاس ضالعة بالعملية الى هذا الحد، فلماذا تركتها السلطات الألمانية الغربية طليقة كل هذه المدة؟
- تقول الأوساط الألمانية وحتى تقارير اعلامية ألمانية انه ربما كانت لها علاقة مع السلطات الألمانية.
وماذا عن دورها في العملية ضد زوجها زكي هللو في مدريد؟
- هذا الكلام غير دقيق. سمعت عن هذه العملية من الراديو، ولا يوجد لدي أية معلومات عن هذا الموضوع.
وهل كنت على اتصال بزكي هللو؟
- من طبيعتنا كعرب الاتصال للاطمئنان عن أي شخص نعرفه عندما يواجه أزمة أو يتعرض لحادث ما.
خلال عملية التفاوض، هل عرضت عليكم حلول وسط؟
- كان لدينا إصرار على تحقيق كل شروطنا، عرضت علينا أموال ومكان آمن ولم نقبل. كان محمود المسؤول عن المفاوضات.
ما هي اللحظات التي سبقت اقتحام الطائرة؟
- كانت عادية وكنا نقف بهدوء لدرجة ان سلاحي لم يكن معي، وبشكل عام خلال الظلام كنا نشعر بخطر أقل.
النار للفت الانتباه
متى شعرتم ببوادر بدء الهجوم على الطائرة؟
- لم نكن نشعر بشيء، كنا نراقب ناراً موقدة على مسافة من الطائرة.
ولماذا كانت النار؟
- كانت لشد انتباهنا نحوها، في هذه الأثناء سطعت أضواء قوية وأصوات مع انفتاح البابين وسط الطائرة.
وهل كان أحدكم نائماً حين حصل الاقتحام؟
- لم نكن نائمين.
وكم استغرق الهجوم؟
- دقيقة ونصف دقيقة أو دقيقتين، على أبعد تقدير.
وأين كنت حين أصبت؟
- بين الدرجة الأولى والسياحية، وكان نبيل حرب يقف الى جانبي، أما ناديا فلم أكن متأكدة من موقعها. وزهير عكاشه كان في قمرة القيادة. كل ما أذكره خلال الهجوم انني رأيت وجوهاً مطلية بالأسود فأدركت انها وجوه غربية.
وهل حاولتم كخاطفين التحدث مع بعضكم البعض؟
- لم يتسن لنا ذلك، لأن القنابل اطلقت لتشل الأعصاب وحتى الدماغ. فور وقوع الهجوم أصابونا نحن الثلاثة، أنا وناديا ونبيل معاً، فقدت رشدي وسمعت بعض الطلقات المتبادلة بين محمود قائد العملية والمهاجمين، وكان ذلك خلال لحظات، ثم خيم السكون. وأخبرني أحد الصوماليين فيما بعد ان أحد الألمان أراد قتلي وأنا مصابة داخل الطائرة لكنه منعه.
وهل كان الصومالي على متن الطائرة؟
- لا، لقد حضر لنقلنا من الطائرة.
وما هي اللغة التي كلمك بها؟
- العربية، وأعتقد بأنه هو الذي انقذني.
حين نقلت الى المستشفى، هل كنت واعية لما يدور حولك؟
- كنت في كامل رشدي، واعتقدت حينها بأنني لن أبقى على قيد الحياة.
ماذا عن اصابتك؟
- أصبت بست رصاصات توزعت في الرئة والرجلين وبقية أنحاء جسدي.
وكم استغرقت اقامتك في المستشفى؟
- شهران ونصف شهر، في المستشفى العسكري في مقديشو.
الخوف من وديع حداد
وماذا عن السجن؟
- نقلت الى السجن قبل المحاكمة، وكان الصوماليون، كشعب، يبدون تعاطفهم معي داخل المستشفى، لكن الرئيس الراحل محمد سياد بري كان رهيباً معي، خصوصاً بعد وفاة الدكتور وديع حداد، اذ اصبحت معاملتهم لي سيئة جداً.
هل كانوا يخافون من انتقام وديع حداد؟
- نعم، وعندما توفي تغيرت معاملتهم.
ومتى توفي؟
- في 28 آذار مارس 1978.
كيف جرت وقائع المحكمة؟
- بحضور الكثير من الناس، وبواسطة مترجم، وكانت قائمة التهم الموجهة لي طويلة، كحيازة سلاح غير شرعي، ودخول الأجواء الصومالية من دون اذن ثم التدرج الى مقتل قائد الطائرة، ورمي جثته من الطائرة اضافة الى خطف الطائرة وتهديد حياة الركاب وغير ذلك. وكانت النتيجة صدور حكم بالسجن لمدة عشرين عاماً، وعندما أخذوني الى السجن وعرفت انني سأقضي كل هذه السنوات داخله حاولت الانتحار.
وكم كانت الفترة التي قضيتها في السجن؟
- سنة واحدة.
كيف حاولت الانتحار؟
- بواسطة دبوس صغير في قرط الاذن الذي أحمله، لقد كان تعذيباً قاسياً، لأن الدبوس صغير ولم أتمكن من الوصول الى الشريان في يدي.
وهل شعر الحراس بذلك؟
- بعد حصول النزيف، استرعى ذلك انتباه الحراس وهرعوا لاسعافي.
وفي أية ظروف أطلق سراحك؟
- لا أعرف.
من الذي تولى إطلاق سراحك، وكيف ابلغت النبأ؟
- اخذوني من السجن، واعتقدت بأنني سأقتل، لكنهم وضعوني على متن طائرة متجهة الى بغداد وقالوا لي أنت طليقة.
ماذا حصل في بغداد؟
- بقيت هناك لفترة قصيرة، حيث التقيت أهلي للمرة الأولى.
وماذا كان رد فعل والديك؟
- كان لقاءاً عاطفياً، صحيح انني كنت مستندة على عكازات، لكنني كنت حية، لكنه كان لقاء عتاب وغضب لأنهم كانوا يعتقدون بأنني استطيع خدمة بلدي بطرق أخرى. بعدها ذهبت الى العلاج في براغ، ومن هناك عدت الى لبنان لمتابعة دراستي الجامعية التي اضطررت للانقطاع عنها.
ومتى تم ذلك؟
- في العام الدراسي 1979 - 1980، حصلت على شهادة الليسانس في الأدب الانكليزي، وتسجلت لدراسة الماجستير عندما بدأ الاجتياح الاسرائيلي للبنان وحصار بيروت.
كيف عرفت بوفاة وديع حداد داخل السجن في مقديشو؟
- هم أخبروني بذلك. جاؤوا فرحين ليخبروني بوفاته.
بعد وفاة وديع وخروجك من السجن هل انتهى التنظيم الذي عرفتيه؟
- لم يكن يعني لي ذلك كثيراً، لأن طريق الانتصار بالنسبة الي كانت عبر طرق أخرى غير التي سلكتها من قبل.
وماذا كان موضوع رسالة الماجستير؟
- في الأدب الأميركي.
وهل مارست نشاطاً سياسياً في تلك الفترة؟
- لا، انما كنت مطلعة على الأوضاع وأصبحت أكثر نضجاً، وبقي أصدقائي أصدقائي حتى داخل التنظيمات، لقد كانوا جزءاً من عالمي وشعبي، بعض أصدقائي من داخل التنظيم تنظيم وديع بقوا على اتصال معي، وكان أحدهم على رأس التنظيم، ويعمل جاهداً لاعادة وصله بالجبهة الشعبية.
من هو؟
- لن أدخل في تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع.
وهل عاملوك في الجبهة الشعبية على انك واحدة منهم؟
- لا أنكر ان كل الذين أعرفهم في الجبهة أو أي فصيل فلسطيني آخر عاملوني باحترام ومودة، وكبطلة. أمام المحققين الألمان والنروجيين لم أقل الا رأيي الصادق بأصدقائي، وشعاري فليكن ما يكون.
ماذا كان يهم المحققين ان يعرفوه عن علاقتك بكارلوس مثلاً؟
- الألمان اهتموا بقضية واحدة هي قضية مونيكا هاس، لديهم معلومات كاملة، لكنهم كانوا يريدون ان يسمعوا شهادة اضافية. لم يسألوني مطلقاً لا عن التنظيم ولا عن الدكتور وديع ولا عن كارلوس.
والنروجيين؟
- فقط سألوني اذا كنت أعرف كارلوس، وكان جوابي نعم وشرحت الظروف التي تعرفت بها على كارلوس وانتهى الأمر عند هذا الحد.
لماذا اعتقلوك إذن في 13 تشرين الأول عام 1994؟
- لأنهم مهتمون فقط بعملية خطف الطائرة، تحقيق السلطات الألمانية معي كان أسهل من أسئلتك.
عند عودتك الى بيروت، هل نجحت في العيش حياة عادية؟
- لقد تولدت لدي قناعة بأن عملية خطف الطائرات كانت مجدية في فترة، ولم تعد مجدية في وقت لاحق، لقد قامت بدورها، واختلفت المرحلة ومعها أدوات الصراع.
الى أين انتقلت بعد بيروت؟
- الى دمشق، حيث تزوجت وبدأت العمل في الصحافة وادارة مكاتبنا. ولم أمارس أي نشاط سياسي.
هل كنت تلتقين ليلى خالد؟
- حين زارت الكويت كنت طالبة، ولم يكن لي علاقة بالتنظيم، وفي فترة لاحقة كانت هي تمثل وجهة نظر الدكتور جورج حبش فيما كنت أنا مع الدكتور وديع حداد.
وهل العمليات التي نفذتها ليلى خالد من جهاز مختلف عن الجهاز الذي كان يديره الدكتور وديع حداد؟
- كان وديع حداد وراء التخطيط لكل العمليات الخارجية التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وما هي البلدان العربية الأخرى التي عشت فيها بعد خطف الطائرة؟
أسماء مستعارة
- بلدان كثيرة، لكن السلطات كانت تصر على دخولي بجوازات سفر لا تحمل اسمي الحقيقي حتى لا تتعرض لمشاكل. الحكومة اللبنانية رفضت اعطائي جواز سفر على رغم انها أعطت كل أفراد اسرتي. ولهذا اضطررت الى حمل جوازات سفر مختلفة لا تحمل اسمي وهويتي. لقد كنت أكتب مقالاتي للصحف بأسماء مختلفة كما انني ترجمت كتباً عدة بأسماء مستعارة. لقد تحطمت مهنتي بسبب ذلك.
وما هي الكتب التي توليت ترجمتها؟
- كتاب "هكذا قتلت انديرا غاندي" لكاتب هندي وأشياء أخرى لا تحضرني عناوينها.
وما هي الصحف التي عملت معها؟
- راسلت صحيفة "الوطن" في الكويت و"البيان" في دبي، وكذلك مطبوعة بلجيكية.
وبماذا كنت توقعين مقالاتك؟
- بأسماء مختلفة، الكثيرون يعرفونني بتلك الأسماء ولا يعرفوني باسمي الحقيقي سهيلة.
ومن هذه الأسماء؟
- حليمة صالح أحمد، وفي الغالب كنت أوقع باسم منى أو من دون اسم.
وكم جواز سفر حملت؟
- استمريت أحمل جواز سفر واحداً مزوراً لفترة طويلة، لأنني كنت أريد ان أصنع لنفسي أسماً.
هل كان أحد من رفاقك في الجامعة يعرف بأنك خاطفة طائرة ومحتجزة رهائن؟
- القليل، لقد حاولت الا أفتح هذه الصفحة وأتكتم، وان أعيش حياة عادية. قليلون كانوا يعرفون من هي سهيلة السايح. لم أكن أرغب في الحديث عن هذه المهمة، لأنني حين ذهبت لتنفيذها لم أكن أسعى الى الشهرة.
ماذا عن أسفارك الأخرى؟
- كنت أتنقل بين دمشق وقبرص على مدى السنوات التي تلت عام 1982.
هل كنت خائفة من كشف هويتك في قبرص حيث تنشط الاستخبارات الاسرائيلية؟
- رافقني هذا الخوف طوال السنوات التي تلت خروجي من السجن في مقديشو، وازداد هذا الخوف حين انجبت طفلتي ليلى، لقد أحسست بالمسؤولية أكثر.
ومتى تزوجت؟
- في العام 1983.
وكيف تعرفت على زوجك؟
- كان زميلاً لوالدتي، وخلال فترة الاجتياح الاسرائيلي تعرفت عليه أكثر، وتعاهدنا على الزواج في بيروت.
زوج لا يعرف
وهل كان يعرف شيئاً عن دورك في عملية مقديشو؟
- لا، لم يكن يعرف عن هذه القضية بتاتاً.
لماذا اخفيت عنه هذا السر؟
- عندما تزوجته، وأردت ان أخبره شيئاً عن تاريخي، رفض ان يستمع الى شيء، سواء كان سياسياً أو اجتماعياً، وقال لي بالحرف الواحد ماضيك هو ماضيك، ويجب ان نتحدث عن المستقبل، وقد أخذتنا الحياة بهمومها ومشاكلها.
وأين انجبت طفلتك؟
- في قبرص، وكنت مديرة مكتبنا للخدمات الصحافية.
وهل كانت عائدات المكتب تغطي نفقاته؟
- لا، ولذلك أقفلناه.
ومن هو زوجك؟
- كاتب فلسطيني، عانى الكثير مثل كل الفلسطينيين.
هدّد زوجك أحمد أبو مطر بأنه اذا تم تسلمك للسلطات الألمانية، فإنه سيكشف هوية منفذي عملية تفجير طائرة بان أميركان فوق مدينة لوكربي الاسكوتلندية في العام 1988، ما خلفيات تصريحاته؟
- أنا لا أعرف اذا كان زوجي يملك معلومات أو لا يملك عن هذا الموضوع، لا أعرف اذا كان استخدم هذا الكلام لمنع تسليمي، ما أعرفه هو ان علاقتنا قوية جداً جداً، وهو متوتر بسبب ما نتعرض له، انه يعرف حاجة ابنتي الي في هذا البلد الغريب، اضافة الى انه حزين لفتح ملفات فلسطينية وللتعامل مع الفلسطينيين بهذا الشكل في زمن الاتفاقات مع اسرائيل.
ماذا تعرفين عن قضية لوكربي؟
- الشرطة تعرف انني لا أعرف شيئاً عن هذا الموضوع.
أبو نضال
خلال نشاطك السياسي، قبل عملية مقديشو أو بعدها، هل التقيت أبو نضال، ولو صدفة؟
- لا، ليس لي أي علاقة به، لقد اختلفت طريقة تفكيري بعد عملية مقديشو، ولم أكن مؤيدة لهذا الخط، وان كنت اعتز بكل نشاط فلسطيني. ان أبو نضال مسؤول عن قتل أحد أصدقائي، ما ترك في نفسي مرارة وألماً.
هل كان حداد يركز فقط نشاطه على العمل الخارجي؟
- كانت لديه اهتمامات داخلية، لكن الفترة التي قضيتها في التنظيم لم تسمح لي بأن ألمّ بتفاصيل الأوضاع.
دارت شكوك كثيرة حول الطريقة التي توفي فيها وديع حداد، ما رأيك؟
- سمعت الكثير من الروايات حول موته، بعضهم قال انه ربما تم دس السم له، وأشياء أخرى مشابهة، لكن لا يوجد لدي أي شيء مؤكد.
هل تولى التنظيم تشريح جثته لمعرفة الأسباب؟
- كنت في تلك الفترة داخل السجن، وعندما خرجت منه كان الموضوع شبه منته.
وكيف وصلت الى أوسلو في النروج؟
- في العام 1991 تعرض زوجي لتهديد من جماعة أبو نضال، وكان سبق لهم ان قتلوا الكاتب حنا مقبل، فحاولنا ان نجد مكاناً نسكن فيه مع طفلتنا، لكن معظم البلدان العربية رفضتنا. لقد كنا نطمح أن نعيش في دولة عربية نعمل فيها، فاضطررنا للمجيء الى النروج.
وما هو جواز السفر الذي استعملتيه لدخول النروج؟
- من أحد دول أميركا اللاتينية، وحملته فقط داخل الطائرة ومزقته داخل الطائرة، وعند وصولنا الى أوسلو شعرت انني انسانة.
لكن تقدمت بطلب لجوء سياسي.
- نعم، وقبل طلبنا، وكانت أمامنا تحديات كثيرة.
وعلى أي أسس تقدمتم بطلب اللجوء السياسي؟
- اتيت انا الى هذا البلد كزوجة تتبع زوجها.
وما هو الاسم الذي قدمتيه للسلطات النروجية؟
- اسمي الحقيقي سهيلة سامي اندراوس، واستثنيت السايح من الموضوع.
اذن لم تخضعي للتحقيق؟
- نعم.
وماذا عن زوجك؟
- لقد أبلغهم بأنه مهدد من قبل جماعة أبو نضال وطلب حق اللجوء السياسي.
في تلك الفترة تحدثت معلومات عن تعاون بين "الموساد" الاسرائيلي والاستخبارات النروجية، هل تعرض زوجك لتحقيق من هذا القبيل؟
- الأشخاص الذين جلسوا مع "الموساد" في تلك الفترة لم نكن نحن من ضمنهم، لقد أخذنا الموافقة على حق اللجوء قبل هذه المجموعة التي وصلت من تونس. ولا أبالغ بأنني كنت شخصياً خائفة من تعرضي لتحقيق من هذا النوع، لكن لم يحصل مثل هذا الأمر.
متى شعرت للمرة الأولى بأن السلطات النروجية تعرف هويتك الحقيقية؟
- لم أشعر بتاتاً، وكان مجيء الشرطة لاعتقالي في الثالث عشر من تشرين الأول اكتوبر الماضي مفاجئاً لي.
وكيف عرفت باكتشاف امرك؟
- عندما غادرت المنزل برفقة الشرطة، وكانوا مجموعة كبيرة، اعتقدوا للوهلة الأولى بأنني امرأة خطيرة، فعندما دخلوا منزلي كان الخوف بادياً في عيونهم، ولكن عندما غادرنا معاً، تبدد شعورهم. وعندها سألت الضابط لماذا اعتقلني، اجاب "أنت تعرفين". في اليوم التالي بدأ التحقيق الرسمي من قبل الشرطة النروجية.
حول ماذا تركزت اسئلتهم؟
- عملية خطف الطائرة ودوري فيها وخلفيات مشاركتي. كما أبلغتهم انني لم أقم بأي عمل أو نشاط بعد ذلك، وانني اتيت الى النروج لأعيش حياة هادئة.
وشاية عربية
ذكرت أوساط ألمانية، ان جهات عربية كشفت وجودك في أوسلو، من هي هذه الجهة؟
- لا أعتقد بأن دولة عربية وشت بي، ولكن ربما يكون هناك عرب وشوا بي. يوجد مستند في يدي يدل على ان من وشى بي يعرف انني لا زلت أعاني من اصابتي أثناء خطف الطائرة في العام 1977.
وكيف حصلت على هذه المعلومات؟
- في طلب تسليمي للسلطات الألمانية، هناك نص يقول انني أعيش في أوسلو، وانني لا أزال أعاني صحياً.
هل هذه الجهة فلسطينية؟
- لا أعرف.
وهل جاء طلب اعتقالك بناء على طلب الشرطة الألمانية؟
- نعم ومن خلال الانتربول.
وما هو الوضع الآن على صعيد تسليمك لألمانيا؟
- هناك تفهم نروجي وتعاطف كبير معي، من الشعب والشرطة، يعرفون انني عوقبت على تنفيذي العملية في مقديشو. والمرافعة في المحكمة تركزت على ان شروط تسليمي الى السلطات الألمانية غير كافية، الآن القضية لدى المحكمة العليا، لا سيما انني متهمة من قبل الألمان بقتل قائد الطائرة ومحاولة قتل الركاب وهذا مثير للضحك. الآن عادت القضية الى المحكمة الأولى، كل هذا الموضوع يثير مسألة عدم وجود مرجعية فلسطينية تطرح قضيتي.
وهل تتوقعين تسليمك الى ألمانيا؟
- لا أستبعد ذلك، لأن ألمانيا مصرة، ولا يوجد لدي تفسير لسبب اصرارها. ويعرف الألمان انني لا أملك أسراراً أو معلومات جديدة. انني أخشى على حياتي في ألمانيا اذا تم تسليمي، لأن هناك الكثيرين ممن قتلوا في ظروف غامضة داخل السجون، ولم تتوافر تفسيرات منطقية لوفاتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.