أمضى وزير الخارجية الروسي يفغيني بريماكوف بضعة ايام في جنوب القوقاز محاولاً تنشيط العلاقات مع الجمهوريات السوفياتية السابقة التي قال عنها قبل فترة قريبة انها من اولويات السياسة الخارجية لروسيا. وبنتيجة الجولات المكوكية بين باكو ويريفان وستيباناكيرت عاصمة ناغورني قره باخ استطاع بريماكوف ان يساعد في الافراج عن 110 اشخاص من اسرى الحرب والرهائن لدى الطرفين احتجزوا اثناء العمليات القتالية في منطقة النزاع في قره باخ. لكن مطالب الطرفين المتنازعين في ما يتعلق بتبادل الاسرى لم تلبّ بالكامل، فقد قال وزير خارجية اذربيجان حسن حسنوف قبيل زيارة بريماكوف لباكو ان لدى ارمينيا اكثر من 850 اسيراً اذربيجانياً، لكنها لا تعترف بهم. ومن جهة اخرى ترى يريفان وستيباناكيرت ان في اذربيجان زهاء 700 اسير ارمني. ووصف بريماكوف تبادل الاسرى بأنه اهم ما امكن التوصل اليه في هذه المرحلة. وفي رأيه ان هذا العمل هو بداية بحث مكثف عن سبل تسوية النزاع الارمني - الاذربيجاني. واشارت مصادر ديبلوماسية الى ان جولة بريماكوف قد تتمخض قريباً عن اعلان مشترك من رئيسي ارمينياواذربيجان عن مبادئ التسوية الكرباخية. وعلم ايضاً ان رئيسي اذربيجانوارمينيا اكدا للوزير عزمهما على التقيد باتفاق اطلاق النار الى ان يتم التوصل الى عقد اتفاق سياسي. ولا تزال الهدنة في منطقة المواجهة الارمنية - الاذربيجانية مستمرة منذ 12 ايار مايو 1994، حيث تسيطر القوات الارمنية على حوالى 25 في المئة من اراضي اذربيجان وتعتقد باكو ان الحال النهائي للمشكلة هو في تحرير الاراضي المحتلة وعودة اللاجئين ومنح ناغورني قره باخ وضعاً قانونياً عالياً بالاستقلال ضمن الجمهورية الاذربيجانية. اما يريفان فتصر على اتحاد قره باخ بأرمينيا، فيما تريد ستيباناكيرت هذا الاتحاد او الاستقلال الكامل. وقد صاغ بريماكوف موقف روسيا بقوله: "اننا من انصار وحدة تراب اذربيجان وتسوية النزاع سلمياً واعطاء ارمن قره باخ حقوقاً متميزة لحماية اصالتهم القومية". واذا كان الوزير الروسي رأى في المسألة الكرباخية "بصيص نور في آخر النفق" فانه كان متحفظاً عندما تكلم عن آفاق تسوية النزاع الجورجي - الابخازي. وقال اثناء زيارته لتبيليسي "ان من الصعب الآن الحديث عن هذا". لكن الرئيس الجورجي ادوارد شيفارنادزه كان اكثر تفاؤلاً، ففي رأيه ان مبادئ تسوية المشكلة الابخازية يمكنه وضعها قبل 17 ايار مايو موعد لقاء قادة الدول المستقلة في موسكو. وقال شيفارنادزه ان المحادثات مع بريماكوف تناولت تمديد مهمة قوات حفظ السلام الروسية العاملة في منطقة النزاع الابخازي وان المهمة الجديدة التي اقترحها الجانب الجورجي وجدت التفهم لدى الوزير الروسي. وكان شيفارنادزه وبريماكوف متفقين في الرأي بخصوص تسوية النزاع في اوسيتيا الجنوبية. فبفضل تسامح الطرفين الجورجي والاوسيتي امكن لجهود صنع السلام الروسية هنا ان تحقق تقدماً ملحوظاً سيتجلى واقعياً في التوقيع المنتظر في 16 ايار في موسكو على مذكرة ضمان الامن وتدعيم الثقة بين طرفي النزاع الجورجي - الاوسيتي. وفي رأي شيفارنادزه ان هذه المذكرة قد تصبح اساساً لتسوية نهائية في اوسيتيا الجنوبية. ويلفت المراقبون السياسيون في موسكو والعواصم القوقازية النظر الى نتيجة اخرى لجولة بريماكوف في جنوب القوقاز لعل اهميتها تتعدى كل ما ذكره المشاركون في المباحثات اذ يقال مثلاً ان جولة الوزير الروسي قد تدلّ على نيّة موسكو احياء سياستها الخارجية واعادة العلاقات والنفوذ في الحدود الجنوبية بعد سنوات من التوجه نحو الغرب. وليس من باب الصدف ان يقول رئيس اذربيجان مرحباً بالوزير الروسي ان زيارته الى باكو هي اول زيارة لوزير خارجية روسي الى اذربيجان بعد سنة 1992. وقال حيدر علييف: "اننا بعد تعيين بريماكوف لهذا المنصب نشهد تغيرات نحو الافضل في العلاقات بين باكو وموسكو". وهو ما اشار اليه ايضاً الرئيس الجورجي شيفارنادزه بقوله انها "اول محاولة من روسيا لايجاد مكان لها في تسوية النزاعات في القوقاز".