هل بدأ "البلقان العرب" نشاطهم؟ وهل يصبح عام 1996، عام "البلقان العرب"، كما كان عام1992، عام "الأفغان العرب"؟ هذا ما تطرحه وزارة الخارجية المصرية، واجهزة الامن، والتقارير الاعلامية. فالخارجية المصرية، ناشدت بلسان مساعد الوزير للشؤون القنصلية والمصريين في الخارج، الشباب المصريين "عدم السفر الى بلدان اوروبا، لعدم توافر فرص للعمل. وجاءت المناشدة مع تنامي وصول اعداد من الشبان المصريين الى هذه البلدان بحثا عن العمل، في وقت تزايد فيه نشاط "البلقان العرب"، الهاربين من البوسنة الى دول "البلقان" ووسط اوروبا. اجهزة الامن، من جهتها، قدمت دليلاً آخر، من خلال القبض على 34 من العناصر المتطرفة واتهامهم بتشكيل فرع جديد ل "الجماعة الاسلامية" في الاسكندرية حيث لا وجود تاريخيا للجماعة، وربط الاتهام بين المقبوض عليهم وبين ما سماه تنظيما عالميا للجماعة، قيادته في اوروبا الوسطى. والشاهد ان ثمة مؤشرات كثيرة، على بدء نشاط "البلقان العرب" الذين يمنح بعضهم حق اللجوء السياسي في هذه الدول، والملاحظ ان اجهزة الامن في مصر لم تضبط اية مجموعة جديدة من المتطرفين الا وربطت بينها وبين دور العناصر الخارجية الهاربة سواء في تدبير الاموال، أو تزييف وثائق السفر، او اصدار التكليفات. واللافت، ان ظاهرة "البلقان العرب"، تتكرر بالسيناريو نفسه الذي تشكلت به ظاهرة "الافغان العرب"، على رغم الخطر الكبير الذي حل ببلدان عربية كثيرة خصوصا مصر والجزائر وبأطراف اوروبية اخرى، وبأميركا نفسها. وتكاد تكون الجهات التي سهلت عمليات دخول الافغان العرب الى باكستانوافغانستان ومولت نشاطهم ودربتهم وسهلت تسليحهم، هي نفسها التي شاركت في ظاهرة "البلقان العرب" وعلى رأسها الولاياتالمتحدة في حرب البوسنة. وكشفت مصادر اوروبية عن تقرير اميركي افاد بأن واشنطن ساهمت منذ عام 1992، بصفة رسمية في تسهيل دخول "البلقان العرب" الى لبوسنة وان كثيرين منهم قدم من افغانستان تحت غطاء لجان الاغاثة، خصوصا الاميركية منها، كما وفرت لهم التدريب في ولاية نيويورك وسمحت لعناصر من القوات الاميركية بتدريب اخرين منهم في البوسنة في قاعدة خصصت لتجميع الافراد الجدد في احدى ضواحي مدينة توزلا. والواقع ان عام 1992 شهد دلالات خاصة في عملية تشكيل "البلقان العرب" فهو العام الذي جرى فيه دخول المجاهدين الافغان الى كابول، الامر الذي انتهت معه مهمة بعض جماعات الافغان العرب، الذين رفضوا المشاركة في الحرب الاهلية فيما بعد. وهو العام نفسه الذي شهد تصاعد احداث العنف المرتبطة بعناصر "الافغان العرب" خصوصا في مصر والجزائر، والتي واكبها توجيه ضربات امنية قوية ضدهم مثلا القت اجهزة الامن القبض على 100 من الافغان العرب داخل مصر، وهو ايضا العام نفسه الذي شهد اشتعال الحرب البوسنية في نيسان ابريل 1992. كان العام 1992 فاصلا اذ وجدت العناصر التي غادرت افغانستان والتي لا يمكنها العودة الى بلادها، المكان لرفع كفاءة عناصرها وتوسيع صفوفها، في ظل غطاء شرعي دولي ديني وسياسي معا. وبدءا من هذا العام بدأت حالات اللجوء السياسي لقيادات اساسية لجماعتي "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية" في بلدان اوروبا الوسطى التي شهدت تشكيل مراكز لتجميع العناصر الجديدة والقديمة، وتسهيل دخولها الى لبوسنة، بل ان قيادات كبيرة منها دخلت بنفسها الى البوسنة. وفي لندن اقام كل من ياسر سري وعادل عبد المجيد وثروت شحاتة من جماعة "الجهاد". ومن "الجماعة الاسلامية" كان انور شعبان في روما، وطلال فؤاد قاسم ابو طلال القاسمي في الدنمارك وهكذا. كان انور شعبان قد استقر مبكرا في روما، حيث ادار مركزا اسلاميا ثم دخل الى البوسنة حيث قتل في مكتبه في علميات القتال، اما ابو طلال القاسمي، المتحدث الاعلامي باسم "الجماعة الاسلامية" ورئيس تحرير مجلة "المرابطون" التي تصدرها "الجماعة" فلا يزال مصيره مجهولا، اذ تؤكد اوساط "الجماعة" ان السلطات الكرواتية قبضت عليه في كرواتيا، اثناء احدى رحلاته الى البوسنة اواخر العام الماضي وسلمته لمصر، بينما تنفي كرواتيا الامر، فيما لم يصدر اي تصريح رسمي مصري يؤكد او ينفي ذلك. وليس سرا ان القاسمي كان المسؤول عن دخول "البلقان العرب" الى البوسنة وهو احد اعضاء المجلس التأسيسي للجماعة الذي يضم مجموعة المؤسسين، ومنهم كرم زهدي وفؤاد الدواليبي وناجح ابراهيم وعصام دربالة وعبود الزمر. وهو غير مجلس الشورى الاكثر عددا والذي يضم محمد شوقي الاسلامبولي والمقيم في البانيا ومصطفى حمزة السودان واسامة رشدي تركيا وعبد الاخر حماد اليمن واحمد عبده سليم يقضي حكما بالسجن في مصر. وكان اول مؤشر الى تحويل "البلقان العرب" الى مشكلة في البوسنة، جاء في تصريحات كبار المسؤولين البوسنيين. فقد اعلن الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش ان بلاده "لا تحتاج الى رجال وانما الى اسلحة". اما وزير خارجيته فكان اكثر وضوحا اذ طالب في العام 1993 الافغان العرب بعدم التدخل في حرب البوسنة "لانهم يفسدون اكثر مما يصلحون". كما نص "اتفاق دايتون" للسلام على سحب كل القوات الاجنبية في البوسنة خلال عشرين يوما. لكن حدود مشكلة "البلقان العرب" تبدو متشابكة الى حد بعيد، فهناك منهم الان، من لجأ الى الجبال والوديان البوسنية. الامر الذي دفع القيادات العسكرية البريطانية الى اثارة خطر "البلقان العرب" مع الرئيس بيغوفيتش واعلانها ان سحب المجاهدين الاجانب من قوات البوسنة سيخفف من هذا الخطر، وانها حصلت على تأييد الرئيس البوسني. الامر الذي يفسر تشدد السلطات الكرواتية والدول المجاورة في وقف منح تأشيرات الدخول عبر اراضيها الى البوسنة حتى لافراد من هيئات الاغاثة الدولية. لكن "البلقان العرب" استطاعوا الالتفاف على هذه التدابير وفتحوا طريقا اخر للدخول عبر المجر. وتدرس الجهات المعنية وجها اخر للمشكلة يتعلق بالسؤال عن المكان الذي ستتوجه اليه هذه العناصر التي لم تعد موضع ترحيب في البوسنة من اطراف دولية عدة، لاسيما بعد التصريحات التي ربط فيها المسؤولون البوسنيون بين طرد "البلقان العرب" و"محاكمة مجرمي الحرب الصرب واجلاء المتطوعين الاجانب" العاملين في صفوف القوات الصربية. وتدور التساؤلات في كواليس الاجهزة المعنية حول ما اذا كانت هذه العناصر ستتجه الى بؤر جديدة كالشيشان، ام انها ستتوجه الى بلادها الاصلية على غرار "الافغان العرب"؟ اما الوجه الثالث للمشكلة فيثيره حصول قيادات من "البلقان العرب" على حق اللجوء السياسي في بعض بلدان اوروبا الوسطى، الامر الذي يعني بالنسبة الى دول عربية خصوصا مصر والجزائر توفير غطاء لمراكز نشاط "البلقان العرب" وسهولة توجيهها للعناصر المرتبطة بها في هذه الدول. والمرجح في كل حال ان مسألة "البلقان العرب" لن تشهد حلا سريعا ونهائيا، لأنها تحمل عناصر مثيرة ستظل طويلا قابلة للانفجار.