تجرى انتخابات جزئية تشريعية في تونس في منتصف كانون الاول ديسمبر الجاري لشغل مقعد في مجلس النواب. وهي الأولى التي تجرى فيها انتخابات جزئية منذ الانتخابات العامة التي اجريت في 20 آذار مارس 1994 وأسفرت عن نجاح 140 من انصار الحزب الدستوري الديموقراطي الحاكم و19 من ممثلي مختلف احزاب المعارضة. المقعد الأول مخصص لدائرة ولاية بن عروس في ضواحي العاصمة تونس وكان قد تم سحب عضوية البرلمان عن خميس الشماري الذي سبق ان صدر ضده حكم بالسجن يسقط عنه عضوية البرلمان. اما المقعد الثاني فهو في دائرة ولاية مدنين في الجنوب التونسي وكان يشغله الدكتور احمد فريعة الوزير السابق للتعليم الذي عين سفيراً في روما. ويقتضي النص القانوني ان تجرى انتخابات جزئية أو تكميلية قبل انقضاء عام على فراغ المقعد، ولذلك تقرر ان تتم هذه الانتخابات في منتصف كانون الثاني، أي قبل 3 سنوات تقريباً من الانتخابات التشريعية العامة التي من المقرر ان تجرى في خريف 1999. وتأتي أهمية هذه الانتخابات الجزئية لانها ستشهد على الاقل في دائرة من الدائرتين المطروحتين للاقتراع منافسة فريدة في تونس بين مرشحي احزاب المعارضة وحدهم من دون مشاركة التجمع الدستوري الديموقراطي. واذا كان التجمع الدستوري الحاكم سيكون موجوداً بممثل عنه في دائرة ولاية مدنين ومن المنتظر حسب كل التوقعات ان يفوز بالمقعد من دون صعوبة ليعوض النائب المنسحب الذي كان من صفوفه بنائب آخر من صفوفه، فان التجمع الدستوري قرر الغياب وعدم ترشيح أحد في دائرة ولاية بن عروس وذلك تعويضاً لنائب من المعارضة وترك المنافسة تتم بين احزاب المعارضة ذاتها مما سيؤدي حتماً الى انتخاب نائب معارض في هذا المقعد. ويعتقد عدد من المراقبين في تونس ان التجمع الدستوري الحاكم لا يريد ان ينافس احزاب المعارضة في المقاعد التي آلت اليها بحكم اللجوء الى جرعة النسبية في الانتخابات الاخيرة التي جرت قبل عامين ونصف ليترك المجال واسعاً أمامها للتنافس. ومهما كان الامر فان الانتخابات الجزئية المقبلة في دائرة ولاية بن عروس ستشهد منافسة حادة بين 4 مترشحين يمثلون 5 احزاب معارضة. ويقدر المراقبون ان المقعد قد يكون من نصيب حركة الديموقراطيين الاشتراكيين كما كان قبل ان تسقط عضوية النائب السابق خميس الشماري. واذ لا يبدو ان هناك حظوظاً لا كبيرة ولا صغيرة لمرشحي الحزب الليبرالي الذي يتزعمه منير الباجي ولا لحزب التجديد الشيوعي سابقاً الذي يتزعمه محمد حرمل، فان المراقبين يتوقعون ان المنافسة ستكون شديدة بين مرشح تحالف الوحدويين وحركة الوحدة الشعبية الذي لم يعين بعد لخلافات حول الاسم وممثل حركة الديموقراطيين الاشتراكيين التي تشقها خلافات عميقة وأعلن زعيمها الحالي اسماعيل بولحية عن اسم مرشحه وهو من المناضلين القدامى في الحركة المنجي كتلان. وكان حزب حركة الديموقراطيين الاشتراكيين الذي كان يعتبر أقوى احزاب المعارضة والذي استقطب وحده اكثر من نصف المقاعد البرلمانية التي آلت الى المعارضة في الانتخابات الماضية شهد انشقاقاً بعد خصومات على الزعامة اثر احكام نافذة صدرت بحق زعيمه محمد مواعدة. ويتنافس حالياً على زعامة الحزب كلاً من اسماعيل بولحية ومحمد علي خلف الله ومع كل منهما مجموعة من الحزبيين. ودعا اسماعيل بولحية ومجموعته الى مؤتمر عام ينعقد قبل يومين أو ثلاثة من نهاية السنة لاضفاء صبغة من الشرعية على التحرك الذي قاموا به. ولذلك فانه يبدو مهماً جداً ان يحقق اسماعيل بولحية انتصار مرشحه ليلتحق به تحت قبة البرلمان ويكون ذلك بمثابة شرعية فعلية للجناح الذي يقوده ليتولى زعامة حزبه بلا منازع. واذا سارت الامور كما يتوقع المراقبون فان التجمع الدستوري الحاكم سيخرج من هذه الانتخابات بنائب عن دائرة مدنين هو أبو القاسم بوجمعة.