أدى السباق الضاري بين أحزاب المعارضة التونسية على تشكيل أكبر عدد من لوائح المرشحين استعداداً للانتخابات العامة التي تجري في الرابع والعشرين من الشهر المقبل، الى تغييرات كبيرة ومذهلة أحياناً في لوائح المرشحين، اذ انتقل نواب وقياديون حزبيون من أحزابهم الى أحزاب منافسة بل و"معادية"، في نظر قيادات أحزابهم الأصلية، أملاً بأن تكون الخيمة الجديدة معبراً لمجلس النواب. واللافت أن الأحزاب الستة المنافسة للتجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم لم تلجأ الى صيغة التحالفات، مما زاد من شدة المنافسة ووضع كل حزب في مجابهة مفتوحة عملياً مع الأحزاب الخمسة الأخرى، على رغم كونهم يدركون ضعف أدائهم منفردين أمام حزب الأكثرية الحالية والذي يجمع المراقبون على كونه سيحصد الغالبية في الانتخابات، ولن يحول دون استئثاره بكل مقاعد المجلس المقبل 182 مقعداً سوى السقف القانوني الذي حدد أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الحزب الأول الفائز في الانتخابات ب80 في المئة من المقاعد. تجارب مرة ويعزى إعراض أحزاب الأقلية عن عقد تحالفات بينها على رغم ضعفها الى التجارب المرة السابقة للتحالفات التي أقامتها وآخرها التحالف الثلاثي بين الاتحاد الديموقراطي الوحدوي وحزب الوحدة الشعبية وحركة التجديد الحزب الشيوعي سابقاً في الانتخابات المحلية في 1995، والتي انتهت بمعركة إعلامية مفتوحة بين قيادات الأحزاب الثلاثة ما زالت أصداؤها تتردد حتى اليوم من خلال الحملة التي شنها أخيراً الأمين العام لحركة التجديد محمد حرمل على زعيم حزب الوحدة الشعبية محمد بلحاج عمر. وربما تعود حدة الصراع بين أحزاب المعارضة الى كونها وجدت نفسها تتنافس على 34 مقعداً فقط من مقاعد المجلس أي 20 في المئة لأنها موقنة من كونها لا تستطيع منافسة "الدستوري" الذي تقف معه غالبية كوادر الدولة والمؤسسات الرسمية. وهناك حزبان يسعيان الى الدخول الى قبة البرلمان لمناسبة الانتخابات المقبلة هما التجمع الاشتراكي بزعامة المحامي أحمد نجيب الشابي والحزب الاجتماعي التحرري بزعامة المحامي منير الباجي واللذين لم تُسند لهما مقاعد في الانتخابات الاشتراعية في 1994. وحفزت الأزمة التي فككت مؤسسات "حركة الاشتراكيين الديموقراطيين" الأحزاب المنافسة على السعي الى خلافتها في موقع الحزب الثاني بعد "التجمع الدستوري"، خصوصاً بعدما قرر عدد من نوابها وقيادييها الانضمام في شكل مفاجئ لأحزاب أخرى سترشحهم على لوائحها للانتخابات المقبلة. وتبوأت الحركة، التي أسسها أحمد المستيري في 1978، المركز الأول بين أحزاب الأقلية في الانتخابات العامة الأخيرة بعدما حصدت عشرة مقاعد من المقاعد التسعة عشر المخصصة للأقلية، لكنها خسرت منها مقعداً بعد فضل النائب السابق خميس الشماري فاز به حزب الوحدة الشعبية في انتخابات فرعية، ثم أتى انشطار جسم الحركة الى "مؤسسات شرعية" بقيادة رئيسها السابق محمد مواعدة وقيادة رسمية منبثقة من المؤتمر الاستثنائي الأخير بزعامة الأمين العام اسماعيل بولحية لتعصف بمركزها المهيمن في المعارضة، خصوصاً بعدما شق ستة نواب عصا الطاعة على بولحية في 1997 ورفضوا الاعتراف بشرعية قيادته قبل أن يراجعوا موقفهم لمناسبة تشكيل لوائح المرشحين في الأيام الأخيرة. حاجز قانوني ولعب الحاجز القانوني الحائل دون مشاركة مستقلين في الانتخابات دوراً حاسماً في معاودة تشكيل الخريطة الحزبية، إذ وجد الرافضون لشرعية بولحية أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: فإما العودة الى حزبهم تحت سلطة القيادة القائمة أو التخلي عن هويتهم الحزبية والانضمام الى حزب آخر. ويعتمد القانون الانتخابي التونسي على نظام اللوائح ولا يترك مكاناً للأفراد لأن بناءه لا يستند على الدوائر الفردية وانما على المحافظات التي تشكل كل واحدة منها دائرة مستقلة عدا العاصمة تونس والمدينة الثانية صفاقس اللتين تشتملان على دائرتين. ويتقدم المرشحون للانتخابات الاشتراعية المقبلة في اطار أحزاب خلافاً لانتخابات 1981 و1989 التي اتسمت بمشاركة مرشحين مستقلين على لوائح منفصلة عن الأحزاب لكن الحزبيين والمستقلين على السواء لم يحصدوا مقاعد في المناسبتين. ويعتقد خبراء قانونيون أن التعديلات التي أدخلت أخيراً على القانون الانتخابي قطعت أي أمل للمستقلين في الفوز بمقاعد كونهم لن يستفيدوا من امكان جمع الأصوات التي سيحصدونها في دوائر مختلفة، وهو امتياز اقتصر على لوائح الأحزاب. وبسبب هذا الحاجز القانوني وجد الغاضبون في الأحزاب أنفسهم مضطرين للانضمام لأحزاب أخرى لفتح الطريق نحو مجلس النواب، وعلى هذه الخلفية التحق معارضون لبولحية بالاتحاد الديموقراطي الوحدوي، وفي مقدمهم عضو المكتب السياسي النائب السابق عمار الشكماني، فيما تنازل آخرون للزعيم الجديد وعادوا الى الحركة وبينهم رئيس كتلتها النيابية الطيب المحسني. وفي هذا السياق أيضاً غادرت عناصر قيادية سابقة حزب الوحدة الشعبية لتنضم الى حركة التجديد، فيما انتقل النائب المستقل سالم رجب الذي فاز في الانتخابات الأخيرة على لوائح "التجديد" الى التجمع الاشتراكي ليتقدم لائحة مرشحيه في دائرة المهدية. ولوحظ أن "الاشتراكي" استقطب عدداً مهماً من المستقلين الذين سيرشحهم على لوائحه بينهم الشاذلي زويتن الذي حاول منافسة رئيس الجمهورية السابق الحبيب بورقيبة في السبعينات ونائب رئيس رابطة حقوق الانسان صالح الزغيدي والمحامي اليساري عبدالعزيز المزوغي والقيادي السابق في "حزب العمال" الشيوعي المحظور محمد الكيلاني. كذلك اعتمد كل من حزب الوحدة الشعبية وحركة التجديد على مستقلين لتشكيل لوائح مرشحيهما فيما اشترط الاتحاد الديموقراطي الوحدوي وحركة الديموقراطيين الاشتراكيين أن يعلن أي مستقل انتماءه للحزب قبل الموافقة على ترشيحه على اللوائح. واللافت ان وجوهاً باتت رموزاً لأحزابها ورفعت راياتها وألوانها طيلة نحو خمسة أعوام في مجلس النواب انتقلت فجأة الى أحزاب منافسة عندما رفضت أحزابها ترشيحها للانتخابات المقبلة أو حرمتها من تزعم لائحة المرشحين في دائرتها لكل لائحة رئيس. وهناك قياديون سابقون انتقلوا الى أحزاب "معادية" مثل نائب حزب الوحدة الشعبية سيد بن عائشة الذي استقال من الحزب قبل فترة وأعلن أخيراً ترشيحه على لوائح "التجديد" وانضمامه الى الحزب على رغم المعارك الإعلامية المستمرة بين زعيمي الحزبين حرمل وبلحاج عمر.