جاءت زيارة الرئيس الاوكراني ليونيد كوتشما لموسكو ولقاؤه الرئيس بوريس يلتسن بمثابة زيارة مجاملة، فقد تمنى الرئيس الاوكراني لنظيره الروسي نجاح العملية الجراحية التي ستجرى لقلبه، الا ان الوضع الصحي ليلتسن لم يكن يشغل بال كوتشما اكثر من وضع العلاقات بين كييف وموسكو. فمنذ خمس سنوات ثمة مد وجزر بين اوكرانياوروسيا بخصوص مصير القرم وقاعدة اسطول البحر الاسود في سيواستوبول. وتعود قصة هذا الخلاف الى العام 1954 حين قدم الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف شبه جزيرة القرم "هدية" الى اوكرانيا. واعتبر ذلك، في حينه، اجراء شكلياً او "هدية رمزية" طالما كانت اوكرانيا نفسها جزءاً من الاتحاد السوفياتي. الا ان نزاعاً اقليمياً اندلع مع اعلان استقلال اوكرانيا في اعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي. كان الروس دوماً يعتبرون القرم جزءاً من بلادهم روسيا. ويمكن تصور مدى الألم الذي يحزّ في نفوسهم بضياع القرم اذا تصور المرء ان الاميركيين يمكن ان يضيّعوا فلوريدا مثلاً. فقياصرة روسيا وزعماء الاتحاد السوفياتي كانوا يستجمون في مصايف القرم. وكان ميخائيل غورباتشوف يستجم في مصيف فوروس عندما فوجئ بالانقلاب الذي اطاح به لبضعة ايام في آب اغسطس 1991، اثناء احتضار الاتحاد السوفياتي. اما مدينة سيواستوبول فان اسمها يرتبط بأكثر صفحات التاريخ العسكري لروسيا واسطولها البحري بطولة. وفيها ترابط عمارة السفن الحربية المكلفة حماية حدود روسيا الجنوبية ومنافذ منطقتين استراتيجيتين في منتهى الاهمية هما البحر الابيض المتوسط والشرق الاوسط. لذلك يثير الخلاف على القرم رد فعل مؤلماً في نفوس الروس، الامر الذي جعل حل المشكلة يطول على امتداد سنين. ومعروف ان يلتسن أجّل خمس مرات زيارة كان يزمع القيام بها لكييف خوفاً من الاحتجاجات الشديدة والاتهامات بالخيانة التي قد يتعرض لها في بلاده. ومع ذلك اخذ الرأي العام الروسي يستسلم تدريجياً لفكرة سيادة اوكرانيا على اراضي القرم. وصمم الطرفان في النهاية على اقتسام اسطول البحر الاسود ايضاً. الا ان مجلس النواب الروسي تدخل وخلط كل الاوراق. فقد اقر قانوناً بوقف تقسيم الاسطول. ونشأت ازمة فاقمها محافظ موسكو يوري لوجوف عندما اعلن ان "قاعدة سيواستوبول البحرية لم تكن في زمن ما ملكاً لأوكرانيا. ونحن نناشد القيادة الروسية ان تأخذ هذه الحقيقة بالاعتبار فلا تقدم بأي حال على تقسيم سيواستوبول وتسليمها الى بلد آخر". ومعروف ان لموسكو موقفها المتميز في شأن هذه المسألة. وهو موقف لا يقتصر على التصريحات والأقوال. فالعاصمة الروسية ترصد اموالاً للانفاق على 18 سفينة حربية من سفن اسطول البحر الاسود. في حين يعتبر لوجكوف من ابرز المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة. وابلغ مصدر مطلع "الوسط" ان صفقة تقسيم الاسطول تمت على اية حال اثناء زيارة كوتشما لموسكو. وتم الاتفاق على ان تحتفظ روسيا ب 85 في المئة من اسطول البحر الاسود، فيما تتوافر لموسكو امكانية استئجار قاعدة سيواستوبول الحربية لأمد طويل يبلغ، حسب معلومات تلقتها "الوسط" عشرين عاماً. وتأمل حكومة الكرملين في تسوية العلاقات مع اوكرانيا التي هي اكبر بلد، بعد روسيا، بين بلدان الاتحاد السوفياتي البائد. وليس صدفة ان تبدي الولاياتالمتحدة مثل هذا الاهتمام البالغ بالجمهورية الاوكرانية، اذ تأتي اوكرانيا في المرتبة الثالثة، بعد اسرائيل ومصر، من حيث حجم المساعدات الاميركية التي تتلقاها.