شملت "حُمَّى الانتخابات" في اليمن، النصف الآخر و"الطرف الأغر" والقطاع الأكبر من المواطنين، وهو المرأة التي تفوق الرجل في اجمالي عدد السكان بما بين 7 و10 في المئة. فقد تحركت المنظمات والشخصيات النسائية منذ منتصف العام الحالي، ترود القطاعات وتقود حملات لدعم المرأة في الانتخابات الاشتراعية المقبلة ابريل 1997 وتعويض خسارتها في الانتخابات الماضية التي أحست انها كانت ناتجة عن اهمالها لنفسها، وحققت الحملات نجاحاً كبيراً مقارنة بما حدث في انتخابات 1993، من حيث عدد المسجلات اثناء مرحلة القيد والتسجيل للناخبين 1 أغسطس الى نهاية سبتمبر الماضي، اذ بلغت نسبة المسجلات 42 في المئة اكثر من 800 ألف ناخبة في مقابل مليون و122 ألفاً من الذكور، بينما لم تتجاوز في انتخابات 93 نسبة المسجلات الى المسجلين، 18 في المئة، حوالى 500 ألف ناخبة. بدأت المرأة في اليمن، حملتها من كل المواقع، من اتحاد نساء اليمن وفروعه ومن اللجنة الوطنية للمرأة ومن الشخصيات النسائية في مختلف المؤسسات والقطاعات، واستطاعت من خلال اللقاءات وحلقات المناقشة والندوات، ان تشد الاحزاب والتنظيمات السياسية التي وجدت في الدعوة تطابقاً مع اتجاهها ومجالاً للدعاية الانتخابية في الوقت المناسب، كما لقيت المرأة تجاوباً من الاتحادات والمنظمات النقابية ومؤسسات ومراكز البحث وما اكثرها في اليمن، ودعماً من بعض المنظمات الدولية عبر مكاتبها في صنعاء. من صفعة الى دفعة لقد كانت نتائج الانتخابات الماضية بالنسبة الى المرأة اليمنية، محبطة ومخيبة للآمال و"صفعة في الوجه" على حد تعبير قيادي من المعارضة، اذ بلغ عدد من يحق لهم الانتخاب 18 سنة فما فوق 6282939 من الرجال والنساء، منهم 3206883 من النساء، وبلغ عدد الذين سجلوا اسماءهم في سجلات الانتخابات 2688323 من الرجال والنساء، منهم 478379 فقط من النساء، وبلغ عدد المرشحات 42 18 من الحزبيات و24 مستقلة، نجحت منهن اثنتان فقط من الحزب الاشتراكي. ومن هنا تظهر قوة رد الفعل لدى المنظمات والشخصيات النسائية والاحزاب لدفع المرأة الى المشاركة في الانتخابات. ومع الاخذ في الاعتبار اهتمام الاحزاب والتنظيمات السياسية بقضية المرأة، فان هذه الاطراف تتفق على حق المرأة في الانتخابات من حيث المبدأ، لكن القضية في تفاصيلها لا تزال موضع نقاش وتحفظ لدى البعض، من حيث مدى هذا الحق وحدوده من ناحية، وطريقة دعم المرأة في الانتخابات من ناحية اخرى. ويمكن تصنيف مواقف الاطراف السياسية وتعاملها مع هذه القضية، في ثلاثة نماذج أو مواقف عامة، يمثل كل من الاحزاب الكبيرة الثلاثة المؤتمر والاشتراكي والاصلاح، موقعاً مميزاً الى حد ما، مع مجموعة الاحزاب التي تدخل ضمن شريحته في هذا الاطار. وقد يكون هناك تفاوت طفيف بين مواقف الاحزاب الثلاثة، لكنه في حقيقته واسع فهو لم يتوقف عند حق المرأة في الانتخابات، ناخبة ومرشحة، بل وحقها في مختلف مواقع العمل الرسمي في الدولة. ويظهر التفاوت في التصنيف الآتي: أولاً: المؤتمر الشعبي، وهو أقوى وأكبر الاحزاب اليمنية، ليس لديه أي تحفظ تجاه المرأة، بل على العكس بدا متحمساً لدعمها ربما اكثر من أي حزب آخر. وهذا يُعتبر تحولاً كبيراً في منهجه وسياسته مقارنة بموقفه قبل الوحدة، حيث كان يضع "حظراً مبطناً" امام ترشيح المرأة أو انتخابها في البرلمان مجلس الشورى حينها من دون الافصاح عن هذا الخطر كمبدأ له، وهو التنظيم الوحيد والحاكم آنذاك، وانما "من خلال اللجنة العليا للانتخابات وانسجاماً مع روح القانون" كما كان يقال نظراً الى ان القانون لم يتضمن نصاً يمنع المرأة من هذا الحق. على رغم ان المؤتمر الشعبي تعامل مع المرأة بايجابية منذ تأسيسه في المؤتمر العام الأول 24 اغسطس 1982 الذي تكون من ألف عضو 70 في المئة بالانتخابات المباشرة من قبل المواطنين و30 في المئة بالتعيين بقرار من رئيس الجمهورية اذ شملت قائمة المعنيين 309 اعضاء ست نساء، فازت احدى مرشحتين منهن في انتخاب اللجنة الدائمة المركزية. وهو اليوم يدفع بحماس الى ترشيح المرأة لعضوية البرلمان ويؤكد نظرياً حقها في الوصول الى أي موقع أو منصب في مؤسسات الدولة من دون قيود، وقبل كل هذا وبعده، يدرك المؤتمر الشعبي حاجته ربما أكثر من غيره الى دعم المرأة في الانتخابات بوصفها ورقة رابحة سياسياً وتنظيمياً على الصعيدين الداخلي والخارجي، الى جانب احساس قادته بأن عليه مسؤولية مميزة تجاهها. وهذا ذهب الى أبعد مما ذهب اليه غيره، فوجه دعوة الى الاحزاب والتنظيمات السياسية لتخصيص نسبة معينة من مرشحي كل منهم في الانتخابات للمرأة. خشونة المرحلة ثانياً: الحزب الاشتراكي، وهو سابق في دفع المرأة الى المشاركة الفعلية في العمل السياسي والرسمي بمختلف مواقعه وهيئاته، بما فيها مناصب قيادية في الحزب والدولة والوزارة والقضاء، لكنه ينظر الى هذه المرحلة بالذات، بنوع من الاستثنائية من حيث انها تتطلب العنصر الخشن اكثر، اثناء فترة الترشيحات بالذات، خصوصاً في المحافظات الشمالية، ثم في مجلس النواب، حسب ما ذكره قيادي اشتراكي ل "الوسط"، مضيفاً ان حزبه سيدفع بعناصر نسائية الى الترشيح لكن في الحدود التي تعتمد فيها المرشحة على قدراتها الذاتية بالدرجة الاولى. وانه لن يخصص نسبة معينة للمرأة "أي ان الحزب سيقف وراءها كأي مرشح آخر لكنه لن يحملها على ظهره الى مجلس النواب". وثالثاً: التجمع اليمني للاصلاح، شريك المؤتمر الشعبي في الائتلاف الحاكم. وموقفه من دعم المرأة مرشحة في الانتخابات، يقوم على أساسين رئيسيين، احدهما نظري. وهو التسليم بحقها في ان تصبح عضوة في مجلس النواب وان تتولى أي موقع قيادي في الدولة أو الحكومة باستثناء منصبين، هما الرئاسة رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء ووزارة الدفاع. وهو موقف سياسي يقوم على اساس فقهي، حسب ورقة المداخلات التي قدمها الاصلاح في احدى حلقات المناقشة لهذا الموضوع الشهر الماضي. والأساس الثاني: عملي وموضوعي، ينطلق من الواقع الاجتماعي لليمن ويتعامل مع الموروث الذي لا يزال في معظمه ينظر الى المرأة زوجة وأماً وربة بيت فقط "وهذا يفرض علينا ان نبدأ بتهيئة المجتمع حتى يكون دخول المرأة الى مجلس النواب تطوراً طبيعياً" كما يقول السيد محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية في التجمع اليمني للاصلاح، مضيفاً ل "الوسط" في انتقاد غير مباشر لبعض الاحزاب "علينا ألا نقفز على الواقع ولا نجعل من المرأة مجالا للمزايدات ولا نستخدمها للتسويق السياسي". عدن مهيأة وأعاد قحطان الى ذاكرة الاحزاب ان المرأة في حزبه "لما خرجت ناخبة لاقينا نقداً شديداً وجرى نقاش واسع واستعنا بالعلماء لازالة اللبس". وتابع: "ولا يزال البعض في حزبه متحفظاً ونعرف انه تحفظ موروث وليس شرعياً لكنه واقع علينا ان نعالجه بالتدريج". وللتأكيد على قناعة حزبه بهذا أوضح قحطان ان حزبه لا يمانع في "انزال مرشحات في عدن لأن مجتمعها أصبح مهيأً". واستدرك "ونحن لم نحدد بعد موضوع المرشحين واذا وجدنا مرشحات مؤهلات فربما ندعمهن لكن هذا لم يصبح توجهاً لدينا". والمعروف ان التجمع اليمني للاصلاح يتميز بكثافة حضور النساء في اللجان النسائية وفي الاقبال على المشاركة في مختلف الفعاليات. وتتميز الاصلاحيات في الغالب، بالحرص على تغطية الوجه بالنقاب واليدين بالقفازات على رغم ان الحزب لا يفرض على عضواته شيئاً من هذا، لكن النقاب يخسر كاملاً أمام كاميرا الانتخابات لتظهر الصورة في البطاقة الانتخابية. وفي كل الاحوال، يتوقع المراقبون ان تحقق المرأة نجاحاً جيداً في الانتخابات المقبلة، لأن الاحزاب بصفة عامة جادة في دعمها خصوصاً الثلاثة الكبيرة. ومن ثم فإن هذه القضية، اصبحت في حقيقتها تمثل وثيقة تحالف بين المرأة من ناحية، والاحزاب من ناحية اخرى، يعمل كلا الطرفين من خلالها على دعم حليفه لرفع نسبة تمثيله في مجلس النواب المقبل، ولكن بالنائبات. واذا صح التعبير، فإن هذا التحالف يظل اقوى من اي تحالف آخر بين الاحزاب والكتل والقوى السياسية، لأن طرفيه يمثلان في النهاية طرفاً واحداً.