انقسام أميركي حاد حول سياسات ترمب وأثرها على الحكومة    تصرف كريم بنزيمة مع جماهير الاتحاد بعد لقاء القادسية    الخلود يعمق أزمات الفتح في دوري روشن    الاتحاد يتعادل مع القادسية في الوقت القاتل من دوري روشن للمحترفين    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على الرياض    تقارير.. عرض كبير من دوري روشن لضم ابراهيم دياز    انطلاق منافسات بطولة الاتحاد السعودي للرياضة الجامعية للكرة الطائرة    رئيس محكمة استئناف جازان وقائد حرس الحدود بالمنطقة يزوران أسرة الخرد    مسؤول فلبيني يشيد بجهود المملكة في إرساء التعايش السلمي بين شعوب العالم    «الغذاء والدواء» : فوائد الكمّون لا تُغني عن الاستشارة الطبية    زيلينسكي: سأزور السعودية الاثنين المقبل للقاء ولي العهد    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس جمهورية زامبيا    قطر تستضيف كأس العرب FIFA.. وكأس العالم تحت 17 عامًا 2025    مسجد الرحمة بجدة.. أول مسجد في العالم يُبنى على سطح البحر    رئيس غرفة تبوك يدشن فعاليات ديوانية الغرفة    أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لاعمال فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة    العبدالقادر للرابعة عشر    دوري مجنون.. ومقترح أفضل لاعب محلي في كل جولة    النعاس أثناء القيادة.. مشكلة شائعة ومضاعفاتها خطيرة    «القطاع غير الربحي» يخترق سقف ال100 مليار ريال في المساهمة الاقتصادية    تقنيات متطورة لخدمة ضيوف الرحمن    الإبل.. سيدة الصحراء ونموذج للصبر    محافظ أبو عريش يدشن مبادرة "صم بصحة" لتعزيز الوعي الصحي في رمضان    تعليم جازان يطلق جائزة الأداء التعليمي والإداري المتميز "متوهجون" في دورتها الثانية    استشهاد فلسطيني في غزة واعتقال 30 بالضفة    هطول أمطار في 8 مناطق والقصيم الأعلى كمية    الذهب ينخفض مع تعافي الدولار من أدني مستوى وارتفاع عائدات سندات الخزانة    أبرز ثلاثة علماء رياضيات عرب لا يزال العلم الحديث يذكرهم حتى اليوم    وزارة التعليم و"موهبة".. تعلنان عن اكتشاف 29 ألف موهوب في المملكة    انطلاق مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية في نسخته الثانية تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين    هجوم إسرائيلي على فيلم وثائقي فاز بجائزة الأوسكار صنعه فلسطينيون و اسرائيليين    سمو أمير منطقة تبوك يستقبل عضو مجلس الشورى احمد الحجيلي    الاحتلال يقضم أراضي الضفة.. وفلسطين تطالب بتدخل دولي    ابنها الحقيقي ظهر بمسلسل رمضاني.. فنانة تفاجئ جمهورها    تفاصيل مهرجان أفلام السعودية ب"غبقة الإعلاميين"    أفراح البراهيم والعايش بزفاف محمد    حرم فؤاد الطويل في ذمة الله    نائب أمير منطقة مكة يشارك الجهات و رجال الامن طعام الإفطار ‏في المسجد الحرام    همزة الوصل بين مختلف الجهات المعنية بخدمة ضيوف الرحمن.. مركز عمليات المسجد الحرام.. عين الأمن والتنظيم في رمضان    الأسمري ينال الدكتوراه    تحفيز المستثمرين وفرص العمل والابتكار..الفالح: «تسويق الاستثمار» سيعزز الاستدامة والازدهار    السياحة ترصد 6 آلاف مخالفة في مراكز الضيافة بمكة والمدينة    تحذيرات أممية من شح الغذاء في القطاع.. وجنوب إفريقيا: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحاً للإبادة الجماعية    طبيبة تستخرج هاتفًا من معدة سجين    أمين الجامعة العربية: السلام خيار العرب الإستراتيجي    14 تقنية مبتكرة في البيئات الصناعية بالسعودية    مشروع "ورث مصحفًا" يستهدف ضيوف الرحمن بمكة بثمان وعشرين لغة    أمير حائل يشهد حفل تكريم الفائزين بمسابقة جزاع بن محمد الرضيمان    ترمب وكارتلات المخدرات المكسيكية في معركة طويلة الأمد    لغة الفن السعودي تجسد روحانية رمضان    الصين تصعّد سباق التسلح لمواجهة التفوق الأمريكي في آسيا    محافظ جدة يُشارك أبناءَه الأيتام مأدبة الإفطار    40 جولة لتعطير وتطييب المسجد النبوي    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن الإفطار في الميدان    وزير الدفاع ونظيره السلوفاكي يناقشان المستجدات الدولية    أمير جازان يستقبل منسوبي الأمارة المهنئين بشهر رمضان    التسامح.. سمة سعودية !    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات الفلسطينية عبور امتحان الديموقراطية
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 1996

ككل البدايات ثمة فرق بين الرغبة والممارسة، والاستحقاق السياسي، أو بين الممارسة الديموقراطية في ظل السيادة الوطنية الكاملة، والممارسة في ظل محددات الاتفاقات المرحلية. هكذا كانت الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وهي لا يمكن ان تخرج عن محصلة ما وصلت اليه القضية الفلسطينية في ظل عملية السلام القائمة، كما ان الانتخابات حكمتها بنية المجتمع الفلسطيني في الداخل، ودرجة تطوره وعياً وممارسة اللتين لعبتا دوراً حاسماً في تحديد الصورة التي تمت بها الانتخابات التشريعية لمجلس الحكم الذاتي. فهذا المجلس أولاً وقبل كل شيء محكوم باتفاقات أوسلو، كما انه في محصلة نتائجه العامة عكس الحراك السياسي داخل الشارع الفلسطيني، وحدد فاعلية القوى السياسية والاجتماعية وتأثيرها، سواء أكانت في السلطة أم في المعارضة. والأهم من ذلك كله ان الانتخابات عكست درجة تطور المجتمع الفلسطيني في الداخل، اذ كشفت عن الكثير من الايجابيات ونقاط التطور، لكنها في المقابل اناطت اللثام عن الجوانب المتخلفة التي كان المجتمع ونخبه السياسية والثقافية يرفضون الاعتراف بها أو بمدى فاعليتها، كقضية الجهوية والعشائرية والتكتلات المناطقية، والموقف من المرأة، والفردية، لا بل أكثر من ذلك كشفت الانتخابات عن مستوى الأمية المرتفع نسبياً والذي شكل احدى العورات الانتخابية في مجمل العملية.
انها التجربة الانتخابية الأولى التي خاضها الشعب الفلسطيني داخل مناطق السلطة الوطنية، وكانت "الوسط" شاهداً في غالبية مراكز الاقتراع والفرز، مسجلة ما لها من ايجابيات وما عليها من سلبيات.
عاشت مناطق الحكم الذاتي اجواء مفعمة بالحيوية والنشاط والاندفاع من قبل الناخبين والمرشحين، الى درجة ان غالبية مراكز الاقتراع شهدت اكتظاظات كثيفة، ما اضطر لجنة الانتخابات المركزية الى تمديد فترة الاقتراع ست ساعات اضافية في عدد من المراكز ولم تكن الحركة السياسية مختلفة كثيراً عن الحراك السياسي السائد في الشارع الفلسطيني منذ توقيع اتفاقات أوسلو، فالخارطة السياسية بين السلطة والمعارضة على حالها مع وجود فوارق طفيفة أفرزتها المحادثات التي جرت اخيراً بين السلطة وحركة "حماس" وأفضت الى هدنة موقتة، أو كما وصفتها مصادر فلسطينية بأنها خطوة على طريق تطبيع العلاقات بين "حماس" والسلطة. اما بقية الفصائل اليسارية المعارضة فان موقفها بقي على حاله من حيث المقاطعة الرسمية على الأقل التي لم تؤثر بشكل كبير على الانتخابات. فقد شكلت السلطة قوى دفع رئيسية للعملية الانتخابية، أما القوى الأخرى فكانت من قبل المرشحين المستقلين الذين شكلوا ما مجموعه 769 في المئة من مجموع المرشحين، فيما لم يتجاوز مرشحو السلطة والأحزاب المشاركة 24 في المئة من المرشحين.
معايير الناخب
ولعبت معايير الناخب دوراً حاسماً في تحديد الشكل النهائي لنتائج الانتخابات، واتسمت هذه المعايير في بعض جوانبها بالحدة والصرامة الى حد كبير، ولعل أبرز هذه المعايير هو المعيار النضالي والكفاحي الذي لعب دوراً أساسياً في تحديد هوية المرشحين الفائزين ونسبة الأصوات التي حصلوا عليها، وظهر ذلك في معظم الدوائر الانتخابية، فعلى سبيل المثال حصل الدكتور حيدر عبدالشافي على أعلى نسبة من الأصوات في مدينة غزة، وكذلك الدكتورة حنان عشراوي والعقيد صلاح التعمري في بيت لحم وقد ترشح كمستقل عن قائمة حركة "فتح". كما ان هذا المعيار لعب دوراً أساسياً في سقوط الكثير من رموز حركة "فتح" ومرشحيها، وبينهم مسؤولون كبار ووزراء، منهم الدكتور زكريا الآغا مرشح "فتح" في دائرة خان يونس غزة والذي لم يحالفه الحظ بسبب حجب قاعدة "فتح" أصواتها عنه.
أما المعيار الآخر الذي لعب دوراً مهماً فهو المعيار العائلي والعشائري الذي اعتمد عليه معظم المرشحين المستقلين وكذلك حركة "فتح" في تركيب قوائمها الانتخابية، حيث حرص الرئيس ياسر عرفات على اختيار أبناء العائلات العريقة والعشائر الكبيرة كمرشحين عن حركة فتح، غير ان هذا المعيار لم يكن كافياً لانجاح الكثيرين من المرشحين المستقلين نظراً الى كثرة عددهم 76 في المئة وتشتت اصوات الناخبين عليهم.
أما المعيار الثالث فهو المعيار الأكاديمي المعرفي اذ استطاع عدد من الاكاديميين والمثقفين، وهم في غالبيتهم مرشحون مستقلون من تحقيق نجاحات كبيرة في دوائرهم. أما المعيار الرابع وهو المعيار الحزبي فقد كان الأضعف، بديل ان 40 في المئة من مجموع قوائم فتح سقطت، اضافة الى فشل معظم الأحزاب المشاركة في السلطة في ايصال مرشحيها الى المجلس.
وأدت هذه المعايير كعوامل لخيارات الناخب الى سقوط ثلاث كتل كبيرة وفاعلة من المرشحين. فقد سقط حزب التجار ورجال الأعمال حديثو النعمة، وفشل حزب العشائر والحمائل في بعض المناطق والتجمعات، وبالذات في المخيمات الفلسطينية، غير ان الأهم من ذلك كله، كما تقول مصادر فلسطينية، فشل "حزب اسرائيل" في الانتخابات، وهو الحزب الذي كان يهدد الجميع بما فيهم حزب السلطة الوطنية حركة "فتح".
رئاسة بلا معركة
واتسمت معركة الانتخابات على رئاسة السلطة الوطنية بالفتور وغياب المنافسة الفاعلة، على رغم الأهمية الدستورية والسياسية لمنصب رئيس السلطة، وذلك بسبب الفوارق الكبيرة بين مرشحي الرئاسة الرئيس ياسر عرفات والسيدة سميحة خليل، اذ ان السيدة خليل لم تكن تشكل لدى غالبية الناخبين سيدة مناسبة لشغل منصب الرئيس، فهي مشهود لها بالنجاح في مضمار العمل الاجتماعي والكل يعترف بالدور الذي لعبته في مرحلة الانتفاضة على صعيد العمل الاجتماعي، لكن الناخب لم ير فيها مرشحاً يتمتع بمواهب القيادة السياسية لرئاسة السلطة الوطنية. وبدا واضحاً منذ البداية برودة المعركة الرئاسية لا سيما بعدما استنكف الدكتور حيدر عبدالشافي عن ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة والاكتفاء بالترشيح لعضوية المجلس التشريعي، لذلك لم يعر الرئيس عرفات المعركة الرئاسية أي اهتمام عندما كان يشارك في الحملات الانتخابية لمرشحي حركة فتح في قطاع غزة.
واذا كان عرفات قد حصل على 88 في المئة من أصوات الناخبين والسيدة خليل على 9 في المئة فان هذه النتيجة أسعدت عرفات كثيراً، لا لشيء الا لأنه لم يحصل على نسبة 99 في المئة التي أصبحت موضع تهكم الجميع بمن فيهم عرفات نفسه الذي تمنى ان يكون فوزه بنسبة 51 في المئة.
ديموقراطية الذكور
وبشكل عام اتسمت الانتخابات بالديموقراطية والشفافية، غير ان هذه الديموقراطية كانت محكومة بالطبع بمجموعة عوامل جعلتها تتحدد بالديموقراطية النسبية الناشئة بالأساس عن مستوى الوعي والسلوك الديموقراطي داخل المجتمع الفلسطيني، ولدى الأحزاب والقوى السياسية وحتى المرشحين انفسهم، فالديموقراطية لا يحددها فقط عامل النزاهة وغياب عمليات التزوير أو الاكراه أو ممارسة الضغوط على الناخب، بل تتجاوز ذلك لتطال ديموقراطية الناخب نفسه والمرشح والحزب. فالقرية حكمتها ديموقراطية الخيار العشائري، والمخيم حكمته ديموقراطية اللاجئ والمواطن، والمدينة حكمتها ديموقراطية العائلات، والأهم من ذلك ديموقراطية الذكور. وكل ذلك يدفع الى ضرورة التمييز بين الوعي والممارسة الديموقراطية وبين النزاهة والحياد من قبل السلطة، فعمليات الاقتراع كانت مفتوحة للمراقبة الشاملة من قبل مندوبي المرشحين والأحزاب والمراقبين الدوليين والصحافة والمنظمات غير الحكومية. غير ان هذه الرقابة ضعفت أو تلاشت خلال عمليات الفرز واحتساب النتائج النهائية حيث غادر المراقبون الدوليون مراكز الاقتراع بعد انتهاء عمليات الاقتراع وكذلك الكثير من مندوبي المرشحين والصحافة، الأمر الذي دفع بعضهم الى الطعن أو التشكيك في بعض نتائج الفرز، وتعززت هذه الشكوك بسبب وقوع بعض المشاكل في مراكز الاقتراع لا سيما في منطقة الخليل ونابلس وجباليا ودير البلح وخان يونس التي وقعت فيها اشتباكات مسلحة أدت الى اصابة 11 مواطناً بجروح.
وأدى تأخر عمليات الفرز الى تعزيز تلك الشكوك حيث اعلنت بعض نتائج الدوائر بعد ثلاث أيام وظهور نتائج متضاربة تعلن نجاح هذا المرشح وسقوط ذاك، وأخرى تعلن العكس. واستفسرت "الوسط" عن أسباب هذا التضارب من لجنة الانتخابات المركزية فعزت اللجنة ذلك الى انها لم تذع النتائج النهائية بشكل رسمي وكل ما أذيع من نتائج كان أولياً، كما عزت اللجنة تأخر اعلان النتائج الى الطرق البدائية المستخدمة في عمليات الفرز وقلة عدد العاملين وضعف خبرتهم.
غير ان تأخر عمليات الفرز واعلان النتائج دفعا المشككين الى تفسير ذلك بمحاولة السلطة تعديل بعض النتائج لمصلحة مرشحيها الذين لم يحالفهم الحظ، غير ان هذا الرأي لا يبدو دقيقاً الى حد كبير، لا سيما انه يصعب "انقاذ" العديد من المرشحين بسبب الفروقات الكبيرة بينهم وبين سقف النجاح وهم في معظمهم مرشحون من قبل عرفات على رغم معارضة قاعدة فتح لترشحيهم.
شكوك "حماس"
ولعبت حركة "حماس" دوراً فاعلاً في تحديد بعض ملامح العملية الانتخابية، سواء لجهة المشاركة أو المقاطعة، فموقف "حماس" غير الواضح من الانتخابات والذي اتسم بالتخبط، يعود أساساً الى وجود ثلاثة تيارات رئيسية داخل الحركة من الانتخابات ان لم يكن من اتفاقات أوسلو والمعطيات والحقائق التي كرستها على الأرض.
التيار الأول يقول بضرورة المشاركة في الانتخابات على قاعدة ان "حماس" يجب ان تتعاطى مع الوقائع السياسية القائمة، ومنها حقيقة توجه الشارع الفلسطيني الى صناديق الاقتراع، لاختيار مجلس تشريعي منتخب يتولى ادارة شؤون الحياة السياسية والاقتصادية داخل الأراضي الفلسطينية التي تعتبر المعقل الرئيسي لپ"حماس"، وهذا التيار يوصف بأنه تيار واقعي براغماتي ويتمتع رموزه بكثير من الصدقية والتاريخ النضالي في أوساط الحركة والشارع الفلسطيني ومن أهم رموزه اسماعيل أبو شنب وخالد الهندي واسماعيل هينة ومحمود النمورطي، وقد أعلن أحد رموزه لپ"الوسط" ان اضطراب قرار "حماس" أدى الى خساراتها، فلا هي حصدت ريع مشاركتها في الانتخابات بشكل مباشر، ومحسوب لها، ومعبر عن قوتها في الشارع، ولا هي قاطعت الانتخابات فأظهرت انخفاض نسبة المشاركة العامة.
أما التيار الثاني: الذي يرفض المشاركة في الانتخابات لأنها احدى ثمار اتفاقات أوسلو، لكنه لا يطالب برفع شعار المقاطعة التي قد تفضي الى الصدام مع السلطة. ومن أبرز رموزه الدكتور محمود الزهار الناطق باسم "حماس" في غزة والذي نفى لپ"الوسط" ان تكون "حماس" شاركت في الانتخابات، وقال: "لقد تركت حركة حماس الحرية لأعضائها وأنصارها بالمشاركة أو عدمها واختيار من يرون مناسباً…". وعندما سألته "الوسط" عن التقديرات التي تقول ان "حماس" ساهمت بشكل كبير وحاسم في انجاح مرشحين اسلاميين مستقلين في بعض الدوائر، لا سيما في غزة وجباليا لم يؤكد أو ينفي ذلك بل قال "ان ذلك يعكس قوة حركة حماس". غير ان الزهار شكك بقوة بنزاهة الانتخابات. فيما وصفت احدى المرشحات دور المراقبين بأنه هامشي وان المراقبين ليسوا أكثر من "شهاد زور حضروا فقط لقضاء اجازة سياحية في شتاء الشرق الدافئ".
والحقيقة ان حركة "حماس" لعبت دوراً في مواجهة قوائم حركة "فتح" بشكل أساسي، وتقول مصادر مستقلة ان الحركة الاسلامية اعطت تعليمات لاعضائها بانتخاب الشخصيات الاسلامية المستقلة مثل الشيخ وجيه ياغي وموسى الزعبوط ويوسف الشنطي وجميعهم فازوا في دائرة غزة، كما دعمت مرشحين اسلاميين في دائرة شمال غزة وهم كرم زرندح وخضر أبو ندا في مواجهة عماد الفالوجي الذي انشق أخيراً عن "حماس" وترشح ضمن قوائم "فتح" ومع ذلك لم يحالفه الحظ وكذلك الأمر في دائرتي نابلس وطولكرم. ولوحظ ان الدوائر التي شاركت فيها "حماس" شهدت ارتفاعاً كبيراً في نسبة التصويت راوحت بين 70 و85 في المئة كما حصل في دائرة غزة وجباليا ورفح وخان يونس ونابلس وطولكرم وهي الدوائر التي تلقت فيها قوائم "فتح" بعض الضربات. أما المناطق التي لم تشارك فيها "حماس" والتي تقع ضمن نفوذ التيار الثالث الذي يرفض المشاركة في المطلق ويتزعمه الشيخ بسام جرار في الضفة الغربية مدعوماً من قيادة "حماس" في الخارج فقد شهدت نسبة الاقتراع في تلك المناطق انخفاضاً ملحوظاً، كما في دائرة الخليل وجنين.
وقد وصف الدكتور نبيل شعث الذي فاز في دائرة خان يونس موقف حماس في الانتخابات بقوله: "لقد ربحت حماساً تكتيكياً وحققت نجاحاً بعدم اشتراكها بالانتخابات، وهي لعبت بما هو الأفضل لها، فهي ان خسرت تدعي عدم المشاركة، وان كسبت تقول كسبنا".
اسرائيل على الخط
الانتخابات التشريعية كانت شأناً اسرائيلياً في أحد أهم أبعادها، فالمجلس المنتخب، هو أساساً وليد الاتفاقات الاسرائيلية - الفلسطينية، وقد جددت اسرائيل طبيعته ومهامه وصلاحياته وبالتالي استطاعت ان تضع سقفاً لهذا المجلس باعتباره مجلساً تشريعياً لسلطة حكم ذاتي لا يتمتع بأي صلاحيات تشريعية سيادية كحق المجلس في اعلان الاستقلال أو رسم الحدود أو تحديد العاصمة أو غير ذلك من قضايا السيادة القومية والوطنية. كما حددت اسرائيل صلاحياته العامة لجهة التشريعات وسن القوانين الناظمة للحياة الداخلية في مناطق السلطة الوطنية، بعد موافقتها على أي تشريعات، وهذا بدوره يفتح "اوتوستراداً" سياسياً وقانونياً للتدخل والتحكم في الشأن الفلسطيني. بالطبع اسرائيل كانت حاضرة في العمليات الانتخابية بشكل أو بآخر، لا بل انها خاضت معركة كبيرة في هذه الانتخابات، لا سيما في منطقة القدس حيث عملت بكل ما تملك على عرقلة الانتخابات. سواء لجهة الاجراءات الادارية والعسكرية التي اتخذتها صبيحة يوم الاقتراع أو التهديدات القانونية التي يمكن ان تلحق بالفلسطينيين من سكان القدس الذين يحملون الهوية الاسرائيلية نتيجة توجههم الى صناديق الاقتراع وما يترتب على ذلك من حرمان المواطنين من الحقوق المدنية التي يتمتعون بها، وقد أدى التدخل الاسرائيلي السافر في القدس الى جعل نسبة الاقتراع لا تتجاوز نسبة 40 في المئة ومع ذلك فان نجاح اجراء الانتخابات في القدس الشرقية يعتبر نصراً أولياً للجانب الفلسطيني في معركة القدس الكبرى.
كما تجلى التدخل الاسرائيلي في الانتخابات، كما تشير مختلف الأوساط الفلسطينية في السلطة والمعارضة، الى ايعاز اسرائيل الى الكثيرين من أعوانها لترشيح انفسهم كمستقلين لانتخابات المجلس، غير انها فشلت في تحقيق نتائج مهمة على هذا الصعيد.
بالطبع تدرك اسرائيل ان انتخاب مجلس تشريعي لسلطة الحكم الذاتي، وانتخاب رئيس لهذه السلطة من قبل الشعب مباشرة يضفي الشرعية على الاتفاقات التي وقعتها مع الجانب الفلسطيني ويعطي رئيسها المنتخب شرعية دستورية ويخوله صلاحيات استكمال مفاوضات المرحلة النهائية.
أما الثمن المباشر الذي تريد اسرائيل تحقيقه فهو الغاء بنود الميثاق الوطني أو تعديل بعضها، وان كان هذا الالغاء ليس من صلاحيات المجلس المنتخب، الا ان الاستحقاق السياسي المتوجب على السلطة الفلسطينية بعد الانتخابات، هو عقد المجلس الوطني الفلسطيني صاحب القول الفصل في تعديل أو شطب البنود المعادية لاسرائيل، وهذا يضع بدوره عبئاً واسعاً على الرئيس عرفات الذي عليه ان يحصل على موافقة ثلثي اعضاء المجلس الوطني للقيام بتعديل الميثاق، ولا تبدو هذه المهمة سهلة على رغم اعلان شمعون بيريز رئيس الوزراء الاسرائيلي عن السماح لجميع أعضاء المجلس بالعودة الى مناطق السلطة الفلسطينية.
وتشير اللوحة العامة لتركيبة المجلس المنتخب الذي يتشكل قوامه من 88 عضواً الى ان حركة "فتح"، وهي حزب السلطة الحاكم، حققت نجاحاً بنسبة 60 في المئة حيث نجحت قوائمها في الضفة الغربية بنسبة 58 في المئة. وفي غزة بنسبة 62 في المئة، يضاف اليهم ما نسبته 15 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس كمستقلين لكنهم أعضاء في الحركة، أما نسبة الپ25 في المئة المتبقية من قوائم المجلس فهم يتشكلون من الاسلاميين المستقلين وشخصيات وطنية ديموقراطية محسوبة على الاتجاه المعارض في قلب السلطة وليس من خارجها، غير ان النسبة العالية التي حققتها "فتح" والسلطة في الانتخابات لا تؤكد بالضرورة تجانس هذا الجسم وتبعيته بالمطلق لقرار السلطة، لا سيما في ما يتعلق بالمفاوضات وطريقة وآليات اداء السلطة على صعيد المؤسسات الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.