لا تستبعد بعض الأوساط السياسية اللبنانية ان يمدد مجلس النواب ولاية رئيس الجمهورية الحالي الياس الهراوي التي تنتهي أواخر شهر تشرين الثاني نوفمبر 1995 سنتين أضافيتين باقتراح ضمني من الناخبين الكبار وفي مقدمهم الولاياتالمتحدة الأميركية وسورية وتربط هذه الأوساط التمديد بالعملية السلمية الجارية في الشرق الأوسط وتحديداً بعدم تحقيقها تقدماً جوهرياً على المسار التفاوضي السوري - الاسرائيلي يجعل السلام في المنطقة أمراً محتماً ويجعل أطراف الصراع العربي - الاسرائيلي مضطرين الى سلوك الطريق المؤدية اليه. وهي طريق لا عودة فيها الى الوراء. وفي مثل هذه الحال يكون من الأفضل ابقاء الوضع اللبناني الداخلي على حاله أي مفتوحاً على كل الاحتمالات وقابلاً للاستعمال من قبل الجهات الاقليمية المعنية سواء لتصليب موقف أو لتعزيز موقع أو لحماية خلفية معينة. ويعتقد هذا البعض من الأوساط السياسية ان الرئيس الهراوي لا يمانع في تمديد ولايته سنتين في حال وافقت سورية على ذلك. والمعلومات التي وصلته عن موقف سورية في هذا الموضوع بواسطة أقنية عدة معظمها لبناني جعلته شبه واثق من ان دمشق لن تعارض هذه الخطوة في المطلق، خصوصاً اذا توافرت ظروفها عندما يحين أوان استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية. وتعتقد الأوساط نفسها ان رئيس الحكومة الحالية رفيق الحريري الذي يعتبره البعض ناخباً محلياً كبيراً، أو الذي يعتبر نفسه كذلك لن يمانع من التمديد، لا بل انه ذهب بعيداً في هذا المجال بالقول ان نوعاً من الاتفاق قام بين الهراوي والحريري على التمديد عندما اجتماعا لتصفية الخلافات التي قامت بينهما في أعقاب الأزمة الحكومية التي نشبت وذلك على قاعدة اقلاع الأول عن أي محاولة لإزاحة الثاني من رئاسة الحكومة في مقابل قبول الثاني بالتمديد والعمل لتحقيقه أو على الأقل عدم عرقلته. هل التمديد وارد فعلاً؟ يقول الرئيس الهراوي ان التمديد غير وارد عنده على الاطلاق وان من يروج له انما يسعى الى افقاده رصيده وصدقيته عند اللبنانيين. فالتمديد خرق للدستور. وهو حريص على الإلتزام به على رغم بعض الثغرات التي فيه والتي لا بد من سدها عندما تسمح الظروف بذلك. ولخرق الدستور اثار سلبية لا يستطيع لبنان احتمالها في هذه المرحلة. ويقول أيضاً ما مت ما شفت من مات؟ أنا لا أريد ان أواجه ما واجهه بعيد الاستقلال المغفور له بشارة الخوري الذي اضطر الى الاستقالة في العام 1952 تحت ضغط التظاهرات الشعبية بعد ثلاث سنوات من التجديد له. وأنا لا أريد أيضاً أن أواجه ما واجهه الرئيس الراحل كميل شمعون في العامين 1957 و1958 نتيجة سعيه الى تجديد ولايته، ولا أريد ان أعرض البلد الى ما تعرضت له بسبب هذا السعي، وأنا لا أريد ثالثاً وأخيراً ان أواجه ما واجهه الرئيس الراحل فؤاد شهاب عندما سعت أجهزته الى توفير الأجواء الملائمة لتجديد ولايته فأفقدته بعضاً من الرصيد والاحترام اللذين اكتسبهما من جراء محاولته بناء دولة المؤسسات، وقد عرفت تلك المرحلة بمرحلة الاستئناس. الا ان الأوساط السياسية التي تستبعد التمديد تقول ان ما هو مطروح الآن من قبل البعض في صورة غير رسمية وما قد يطرح في مرحلة لاحقة في صورة رسمية هو تمديد الولاية مدة محدودة وفقاً لأسباب موجبة. وليس التجديد. والفرق بين الأمرين واضح وكبير. فضلاً عن ان الظروف التي تسود لبنان حالياً والتي يتوقع ان تبقى سائدة عندما يقترب موعد استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية تختلف كثيراً عن الظروف ولا سيما الخارجية منها التي سادت في السابق وتحديداً قبل الحرب التي بدأت في العام 1975. فالظروف السابقة لم تكن ملائمة للتجديد أو لأي شيء من هذا القبيل. ولذلك فشلت كل محاولات التجديد. من هنا ان الظروف الحالية والأخرى المستقبلية قد تكون أكثر ملائمة لعمل من هذا النوع أو قريب منه. طبعاً، تستدرك الأوساط السياسية نفسها، لا يعني ذلك ان حظوظ التمديد للرئيس الهراوي كبيرة. لكنه يعني ان الموضوع مطروح على الأقل من الناحية النظرية خصوصاً اذا بدا ان العملية السلمية ستبقى بعيدة عن تحقيق نجاح حاسم. وتبقى الأفضلية في هذا المجال لانتخاب رئيس جديد بعد أقل من سنة ونصف السنة، وهذا الأمر يدفع متعاطي الشأن العام في لبنان كلهم الى طرح السؤال الأساسي الذي يطرح في كل مناسبة انتخابية رئاسية وهو: من سينتخب الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية. والمقصود هنا هو من سيكون الناخب الأكبر وغير المباشر للرئيس اللبناني باعتبار ان الناخب المباشر له هو مجلس النواب وباعتبار انه كان دائماً هناك ناخب أكبر غير لبناني للرئيس اللبناني. وفي معرض الجواب عن هذا السؤال يجمع المتعاطون في الشأن العام في لبنان على وجود ناخبين كبيرين لرئيس الجمهورية اللبناني في هذه المرحلة هما الولاياتالمتحدة الأميركية وسورية لكنهم يختلفون على أيهما يكون مرجحاً في عملية الانتخاب أو الاختيار - الانتخاب. فبعضهم يعتبر ان الكلمة الأساسية والحاسمة في هذا الموضوع المهم ستكون للأميركيين خصوصاً اذا أسفرت العملية السلمية الجارية في المنطقة عن نجاح حقيقي. أما في حال اخفاقها فان هذه الكلمة ستكون للسوريين. وبعضهم الآخر يعتبر ان الكلمة المرجحة ستكون لسورية وان دخلت المنطقة عصر السلام الفعلي بين العرب واسرائيل من دون ان يعني ذلك ان المرشح الذي سيقع عليه الاختيار لأشغال قصر الرئاسة في بعبدا مدة ست سنوات اعتباراً من شهر تشرين الثاني 1995 سيكون معادياً للولايات المتحدة الأميركية أو مرفوضاً منها. ذلك ان نجاح العملية سيكون في الحقيقة انعكاساً لنجاح الأميركيين في إرساء معالم نظام اقليمي جديدة بزعامتها وسيكون أيضاً عاملاً مساعداً لهم لإرساء النظام العالمي الذي قصدوا لوضعه منذ تبوئهم زعامة العالم في أعقاب انهيار المعسكر الاشتراكي وزعيمه الاتحاد السوفياتي. أي الاعتبارين أقرب الى الصحة والواقع؟ الاعتبار الثاني، تجيب مصادر ديبلوماسية عربية وغربية واسعة الاطلاع، وذلك لاعتبارات عدة أبرزها اقتناع الولاياتالمتحدة الأميركية بأن العملية السلمية لن تفشل وان بدا أحياناً انها متعثرة وانها تكاد ان تقترب من الفشل خصوصاً بين سورية واسرائيل فالدولتان العدوتان والجارتان في آن واحد ملتزمتان التوصل الى تسوية لنزاعهما واستطراداً الى تسوية شاملة وعادلة ودائمة لأزمة المنطقة، وهما تدركان تمام الإدراك عواقب الفشل على هذا الصعيد. وقد يكون التصلب والتشدد في أثناء المفاوضات وكذلك الاقتراب من انهيار العملية السلمية من مستلزمات أقدامهما معاً وفي اللحظة المناسبة على التفاهم تلافياً لأخطار وكوارث على كل منهما وعلى المنطقة عموماً. والتسوية التي سيتوصلان اليها ستكون في حاجة الى حماية من رافضيها ومن المتضررين منها، اسرائيليين كانوا أم عرباً وتحديداً سوريين ولبنانيين وفلسطينيين مقيمين على الأراضي اللبنانية. ومن أجل ذلك ستقدم الولاياتالمتحدة الى اسرائيل وتحديداً الى حكومة اسحق رابين كل الدعم الذي تحتاج اليه من اجل مواجهة اخصامها واعداء التسوية للنجاح، وستقدم الى سورية كل الدعم للنجاح في المواجهة نفسها. وهذا يعني عدم الاعتراض على أي خطوة تقدم عليها سواء في الداخل عندها أو في لبنان من شأنها تعزيز نظامها ومده بكل القوة اللازمة له لمواجهة الرافضين. طبعاً لا يعني ذلك، تستدرك المصادر اياها ان دمشق وتل أبيب ستتوصلان الى تسوية نهائية قبل موعد انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان لكن يعني ان اعلان المبادئ الذي يرجح أن يوقعاه قبل هذا الموعد سيتضمن الأسس التفصيلية لهذه التسوية وان التوصل الى هذه الأخيرة قد يستلزم سنوات، الأمر الذي يبقي الحاجة الأميركية والاسرائيلية الى النظام السوري قائمة وكذلك الى وجوده العسكري على أرض لبنان والى نفوذه السياسي فيه. وانطلاقاً من ذلك فانها ترى صورة المستقبل المنظورفي لبنان على النحو الآتي: 1 - انتخاب شخصية لبنانية صديقة لسورية أو متحالفة معها وغير معادية للولايات المتحدة أو صديقة لها لرئاسة الجمهورية. 2 - تأليف حكومة أو حكومات لبنانية حليفة لسورية باستمرار، وذلك يعني عدم تخلي سورية بواسطة حلفائها الوزراء، عن أكثرية الثلثين زائد واحد أو أكثر من واحد في مجالس الوزراء كلها، وذلك تلافياً لوجود ثلث معطل فيها يكون أصحابه معادين لها. 3 - عدم حصول انسحاب متزامن بين جيش الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب والبقاء الغربي وبين الجيش السوري الموجود في لبنان بطلب من السلطة الشرعية فيه. وذلك يعني بقاء الجيش السوري على الأراضي اللبنانية بعد انتهاء الاحتلال الاسرائيلي. 4 - بقاء المخابرات السورية في لبنان بعد انسحاب الجيش السوري منه وعملها فيه على نحو رسمي بالتعاون مع السلطة اللبنانية المختصة. 5 - تنسحب المخابرات في صورة رسمية بعدما تتأكد سورية من حصول أمور عدة أولها نشوء تنسيق فعلي بين الجيشين اللبناني والسوري. وثانيهما نشوء تنسيق فعلي بين المخابرات اللبنانية والسورية. وثالثها قيام سلطة لبنانية فعالة تقف فعلاً مع سورية. ورابعها نشوء جيل سياسي جديد وطبقة سياسية جديدة متمسكة بلبنان السيد والمستقل وفي الوقت نفسه مؤمنة بضرورة التحالف مع سورية على كل صعيد. مواصفات الرئيس أي رئيس يصلح لمرحلة التسوية مع اسرائيل ولا سيما بعد التفاهم على أسسها والتفاصيل في اعلان المبادئ الذي ستوقع مع كل من لبنان وسورية؟ هذه المرحلة، تجيب المصادر الديبلوماسية العربية والغربية تحتاج الى عسكري في رئاسة الجمهورية اللبنانية. وهي تعطي نسبة، لوصول شخص من هذا النوع الى الرئاسة الأولى في لبنان تبلغ زهاء خمس وسبعين في المئة. اما التبريرات التي تقدمها لذلك فكثيرة، أهمها الحاجة الى ضبط الوضع الأمني في البلد والى تشليح رافضي التسوية سلاحهم والى ارساء قيام دولة المؤسسات في لبنان. وذلك يعني ازالة الدويلات التي لا تزال تتحكم به من طائفية ومذهبية وان من داخل المؤسسات الراهنة. والرئيس العسكري يستطيع بانضباطه وبعلاقته القوية بالجيش ان يقوم بهذه المهمات خير قيام. وهذه الحاجة يقر بها متعاطو الشأن العام في لبنان، لكنهم يتخوفون من ان يؤدي وضع عسكري على رأس الدولة الى اقامة نظام عسكري - مخابراتي مشابه لأنظمة عدة قائمة في محيطه والى افساح المجال امام نشوء فساد عسكري في البلد مماثل للفساد السياسي الثابت الذي أوصل لبنان الى الحال المأسوية الداخلية. وبعض التجارب المماثلة في المنطقة لا تشجع كثيراً على هذا الصعيد، ولذلك فانهم يعتقدون بوجوب وضع ضوابط تسمح للعسكري الذي يحتاجه لبنان بالقيام بالمطلوب منه. ومنها ان يصل الى السلطة بلباس مدني ووفقاً لأحكام الدستور وان يعمل فعلاً على تنشيط المؤسسات الدستورية وعلى حمايتها وليس على عسكرتها وعلى توفير الظروف الداخلية اللازمة لكي تنطلق في عملها ولكي ترسخ أجواء الحرية والديموقراطية. ولذلك فان صفة الانضباط التي سيتحلى بها العسكري الرئيس يجب ان ترافقها صفة أخرى هي الانفتاح والايمان بالحرية والتمييز بينها وبين الفوضى بحيث تصان الأولى وتضرب الثانية حفاظاً على لبنان.