بين المسرحيين العرب هناك مخرج رائد، ترك غيابه المبكّر فراغاً يصعب تعويضه حتّى اليوم على رغم مرور السنوات. إنّه الفنّان السوري فوّاز الساجر الذي يلازم طيفه الخشبة العربية، ويستعيد كل من عرفه أو عايشه ذاك الحضور المميز وتلك التجارب الطليعية التي لعبت دوراً أساسياً في احياء المسرح السوري، من "ليلة مصرع غيفارا" لميخائيل رومان... إلى مسرحية بيتر فايس الشهيرة "كيف يتمّ تخليص السيد مونكينبوت من آلامه" التي تحوّلت مع سعدالله ونّوس إلى "رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة"... وقبل أسابيع أحيت الأوساط الثقافية والمسرحية في دمشق الذكرى السابعة لرحيل الساجر، حيث أقيمت ندوة في "المعهد العالي للفنون المسرحية" الذي شغل فيه منصب رئيس قسم التمثيل، ومعرض فوتوغرافي لأعماله، حضرتهما ل "الوسط" الزميلة بارعة ياغي. وكان الحدث هو صدور ترجمة لأطروحة نظرية وضعها الراحل بالروسية تحت عنوان "ستانيسلافسكي والمسرح العربي". ويقع القارئ في هذا البحث على أصداء لاجتهادات ومشاغل الساجر الذي ابتلعه اليأس، حول اعداد الممثل وادارته. يبدأ المسرحي السوري في رصده أثر ستانيسلافسكي وكتاباته على المسرح العربي، من استعراض نشأة المسرح العربي. فيعرّج على مارون النقاش وأبي خليل القبّاني، ويعقوب صنّوع وجورج أبيض ويسوسف وهبي ونجيب الريحاني... وصولاً إلى سعدالله ونّوس ويوسف ادريس وقاسم محمّد والطيّب الصديقي وولد عبد الرحمن كاكي وروجيه عسّاف... ثم ينتقل المؤلف إلى طرح قضايا متعلّقة بترجمة كتابات هذا المسرحي الروسي الذي يعتبر الأب الروحي للمسرح الحديث، إلى العربية، واشكالات فهمها واستيعابها وتطبيقها، والتحوّلات الجذرية التي نتجت عن انتشارها في العالم العربي. لكن القارئ لا بدّ أن يتوقّف خاصة عند معالجة الساجر ل "القيمة العمليّة لمنهج ستانيسلافسكي ولا سيّما أسلوب التحليل بالأفعال في المعاهد المسرحية العربية". فهذا الفصل يعكس تجربة المؤلف، وخلفياته النظريّة، ويكشف مصادر وحيه والمراجع التي انطلق منها في صياغة تجربته المسرحية القصيرة والفريدة.