المسرح في الوطن العربي من الفنون المهمشة في كثير من البلدان ،وحتى البلدان التي يعتبر المسرح فيها من الأمور الهامة يتعرض لعملية تهميش منظمة وغير منظمة من قبل المسرح التجاري الذي يسعى لجعل المسرح وسيلة للترفيه والفرجة المجردة والابتعاد عن أداء دوره الريادي في تثقيف الجمهور أو على الأقل تضعيف دوره الفني المبدع بدعوى أن الناس يرغبون في التنفيس عن همومهم وتفريج كربهم بالضحك لا بإعمال العقل . يعتبر كتاب المسرح في الوطن العربي محاولة جادة لرسم صورة شاملة لواقع المسرح العربي المعاصر اعتمد فيها التقسيم الجغرافي، حيث أن لكل بلد تاريخا في هذا الفن وسمات ربما تختلف وربما تتشابه في تكوينها، وطريقة تأثر هذا الفن في هذا البلد أو ذاك والظروف السياسية والاجتماعية التي مرت بها كما حصل في سوريا مثلاً إذ حورب أبو خليل القباني إلى أن هاجر إلى مصر لإكمال مشواره... ويعتقد الكاتب أن هذا البحث رغم ضخامته فهو لا يصل الى حد الطموح، فهناك جوانب كثيرة تقنية وفكرية يجب الاستمرار في البحث عنها والكتابة لإثراء مكتبة المسرح العربي ببحوث ودراسات تؤدي إلى تأصيل هذا الفن وجعله في مصاف الفنون الأخرى بل وجعله يضاهي فن المسرح نفسه على مستوى العالم. ويلاحظ في تقسيمه الجغرافي انه أهمل بعض الدول العربية ومنها السعودية وأعتقد أنه أهملها لعدة أسباب : 1/ عدم وجود مصادر تغذيه للكتابة ،لأنه اعتمد في الكتابة عن كل دولة على مصادر كتاب وباحثين من تلك الدول، فبعضهم تجاوب معه سواء ببحوث من عنده أو بحوث منشورة في الدوريات المتوفرة في ذلك الوقت مثل مجلة الآداب البيروتية. 2/ اعتقاد الكاتب أن المسرح في السعودية غير ناضج ولا يوجد تاريخ حافل بالمعاناة والعذابات التي عانى منها مؤسسو المسرح في سائر دول الوطن العربي. هذه المعاناة وجدناها في كل مكان على مستوى العالم . 3/ في حين أن أغلب الدول العربية عرفت المسرح منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فإن السعودية لم تعرف المسرح إلا في الثلاثين سنة الماضية، وحتى خلال هذه السنين مازال المسرح السعودي لم يشهد البداية الحقيقية. اصول المسرح في الفصل الأول يرجع الدكتور علي الراعي إلى أصول المسرح ويذهب بعيداً إلى التراث والألعاب الشعبية والموسيقى والذي اعتبرها مقدمة لقبول الناس في التعامل مع فن الإضحاك الذي بدأ شيئاً فشيئاً في التطور بأساليب راقية. ويتحدث الكاتب بشيء من التفصيل عن خيال الظل باعتباره فناً عربياً قديماً ويورد الكثير من الآراء لنقاد حول أهميته لينتهي إلى القول بأن خيال الظل ترك بعض الأثر في فن الأراجوز، وذلك في الوقت الذي أخذ فيه خيال الظل في التراجع، حيث ان القدرات الفنية باتت أسهل وأقل تكلفة ،فقد استفاد الأراجوز كثيراً من كل ما خلفه خيال الظل من شخصيات ومواقف ونكات وتهريج وضرب بالعصي "ص 49" . نماذج من المسرح الشعبي وفي القسم الثاني من الفصل يحاول تسليط الضوء على بعض النماذج من المسرح الشعبي في بعض الدول العربية مثل مصر وأنها كانت طوال القرن التاسع عشر دراما محلية خالية من المؤثرات الأجنبية ،هذا في البداية لكن هذه المؤثرات ما لبثت أن أخذت تتغلغل بشكل واضح لأنها أصبحت من الحرفية بحيث لا يمكن الاستغناء عنها منذ مسرح يعقوب صنوع حتى الآن.! في الفصل الثاني يبدأ التقسيم الجغرافي للمسرح ،فيبدأ بالمسرح في المشرق (مصر- سوريا- لبنان- فلسطين- الأردن- السودان- العراق). بداية نشأة المسرح في مصر ولد عام 1847م وإن كانت هذه الولادة مجرد بداية لم يستفد منها القائمون على المسرح في ذلك الوقت من توظيف التاريخ العريق والتراث الضخم الذي توارثوه من خلال القرون الماضية، ولم يلتفتوا إلى التراث الشعبي المسرحي. لقد كان أبو خليل القباني ويعقوب صنوع ومارون النقاش في وضع لا يسمح لهم بأن يعمقوا رؤيتهم في التراث، ففضلاً عن محاربتهم من قبل رجال الدين وبعض عامة الناس كما حدث للقباني، فإنهم كانوا مبهورين بالحركة المسرحية في أوربا شكلاً ويعتبرونه الشكل المسرحي الوحيد الذي عرفته البشرية. هناك أنماط ثلاثة من المسرح ظل الكتاب يقتبسونها من الخارج وهي المسرحية الجادة التي تعتمد على النص الأدبي والتأليف الذي يسعى لتوصيل المفاهيم الفكرية والثقافية. والنمط الثاني المسرحية الكوميدية الانتقادية ذات الأساس الشعبي. وأما النمط الثالث فهو الأوبريت أو ما يسمى بالمسرحية الغنائية والتي تتخذ من حوادث قصة مسرحية عادة ما تكون ضعيفة البناء توضع كمناسبة لغناء فردي أو جماعي مصحوب بالرقص وبعض المناظر المدهشة كظهور عفريت كما يقول المؤلف أو اندلاع نار أو قيام مبارزة بالسلاح... طفرة المؤلف المحلي ظلت هذه الأنماط الثلاثة تكتب بشكل اقتباسي إلى أن بدأ ظهور المؤلف المحلي والذي لم يأت اعتباطاً وإنما بعد معاناة وممارسة مستمرة من قبل الكتاب المسرحيين، فقد بدأت المسرحية الاجتماعية في الظهور بعد أن كانت أغلب المسرحيات تعتمد على التاريخ خاصة السياسي منه لإبراز الوجه المشرق منه. ففي عام 1894م ظهرت أول مسرحية مصرية تتخذ شكل الميلودراما الاجتماعية وهي مسرحية (صدق الإخاء) ،وأهمية هذه المسرحية (تأتي من مصدرين: أولهما أنها كانت البشير الأول بقيام المسرحية الاجتماعية المؤلفة، التي تجعل همها معالجة هموم المجتمع وعيوبه، أما المصدر الثاني لأهمية هذه المسرحية، فهي أنها مضت قدماً مع رحلات الفرق الفنية، فاقتحمت تونس) ص 74، متعدية حدود مصر وهذه الخطوة تعتبر في ذلك الوقت خطوة جبارة الأمر الذي أدى إلى ظهور وحضور الكاتب المسرحي المصري. إلى جانب الكاتب المحلي ظهر أيضاً الممثل المحلي المتعلم المدرب بالأساليب العلمية الحديثة وكان جورج أبيض الذي ابتعث إلى فرنسا عام 1904م هو أول ممثل في هذا المجال ليأتي عام 1910م محملاً بفكر مسرحي علمي قادر على العطاء بأسلوب فني راق يناسب تلك المرحلة . وأتبع ذلك أيضاً تكوين الفرق المسرحية الجادة حيث التف حولها كبار الكتاب والأدباء مثل طه حسين ومحمد حسين هيكل والعقاد والمازني ومحمد التابعي، ثم ما لبثت أن خرجت بعض المجلات المتخصصة في النقد المسرحي مثل (التياترو ومجلة المسرح) ،التي نحن بحاجة لمثلها في هذه الأيام التي تمتلئ فيها الأسواق بالمجلات الفنية الهابطة التي تعتمد على جسد المرأة. وبعد ثورة يوليو 1952م بدأ تأسيس أكثر الفرق المسرحية وظهرت قوانين كثيرة تخدم المسرح حيث اهتمت الثورة كثيراً بهذا الفن سواء للترويج لأفكارها أو لخدمة المجتمع وتطبيق بعض النظريات التي كانت الثورة تدعو إليها. وانقسم المسرح المصري إلى ثلاثة أقسام ؛الأول المسرحية الاجتماعية النقدية ومثلها كتاب مثل نعمان عاشور وسعد الدين وهبة ولطفي الخولي وهي ذات مضمون سياسي اجتماعي واضح. والقسم الثاني المسرحية التراثية التي تركز على مأثورات الشعب في الصيغة والمضمون وأهم من كتب فيها الفريد فرج ونجيب سرور وشوقي عبد الحكيم ومحمود دياب. أما القسم الثالث فهو مسرحيات سياسية سواء معاصرة أو من تاريخ الأمة حيث يتم إسقاطها على الواقع المعاش ،وتكون بعض هذه المسرحيات شعرية وأمثال كتابها عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور. المسرح في سوريا ورغم وجود بعض النشاطات المسرحية الشعبية في المقاهي وأحياناً في المسرح مثل المهرجين والحكواتي والقراقوز ،إلا أن الكاتب المسرحي لم يوجد، ذلك الكاتب الذي يعبر عن تطلعات أمته .. ويقول بعض النقاد هنا يكمن لب المشكلة في المسرح السوري الجاد قبل الستينات فهو في الأساس نص المسرح المقروء ،وليس المسرح المُمَثّل'' ص 183 وبالطبع فإن هناك الكثير من المسرحيات التي كتبت لكنها لم تعرف طريقها للمسرح وذلك راجع إما لضعفها الفني وإما لأنها كتبت لتقرأ فقط. وإذا كان القباني هو مؤلف المسرح والعلامة الأولى له فإن العلامة الأخرى هو سعد الله ونوس، وإذا كان القباني يسبقه حماسه لعمله لتأسيس المسرح فإن ونوس يسبقه فنه ليضع فيما بعد أكبر موسوعة مسرحية استطاعت أن تصبغ المسرح العربي من مشرقه لمغربه بتأثيراتها الواضحة بل لقد تعدت ذلك لتصل إلى العالمية. ولو قيض للمؤلف أن يعيد صياغة الكتاب (تحدث المؤلف عن ثلاث مسرحيات لونوس عام 1978م) بعد هذا العام بعشر أو عشرين سنة لوضع فصلاً خاصاً عنه لأن أصابعه واضحة التأثير ليس على المسرح السوري كما أشرنا بل على المسرح العربي بعامة ،فيندر أن تجد مهرجاناً تجريبياً أو ورشة عمل مسرحية خالية من مسرحياته. وتعتبر مسرحية الملك هو الملك هي أفضل ما وظف فيها التراث وبالذات من ألف ليلة وليلة. أخذ بعدها ونوس هذا الخط الدرامي في صياغة مسرحياته وأصبحت من إحدى ميزاته في الكتابة المسرحية. ولا يجد الكاتب ما يضيفه للمسرح في سوريا سوى أن يذكر عدة أسماء ويتحدث عن بعض مسرحياتهم. ماذا عن لبنان ؟ وبالنسبة للبنان فقد اقتصرت حركة المسرح لفترة طويلة على المدارس والمعاهد ولم تخرج للجماهير سوى في بعض المناسبات الاجتماعية كالحفلات وغيرها. وتنقسم حركة المسرح في لبنان إلى أربعة أقسام : 1/ المحاولات الأولى وكان صاحبها مارون نقاش. 2/ الترجمة عن فولتير وغيره (أغلب المسارح العربية مرت بهذه المرحلة) . 3/ بعث التاريخ الوطني العربي ،كالمسرحية الشعرية التي تحمل عنوان (عبد الرحمن الداخل) والتي تتخذ من التاريخ العربي موضوعاً لها، وتركز على قيم الشجاعة والبطولة والكرم. 4/ مرحلة الواقعية الاجتماعية ،وقد أتت هذه الموجة من أدباء المهجر الذين حملوا إلى وطنهم - بالإضافة إلى الآداب الأخرى- المسرح فكان جبران وميخائيل نعيمة هما آبوا هذه المرحلة. ومن أهم الأفكار التي نقلها نعيمة إلى المسرح هي فكرة صراع الأجيال والتناقض بين القديم والجديد. ويتشابه المسرح في فلسطينوالأردن تشابهاً كبيراً، إذ تأثرتا بمصر وكانت البداية تقليدا للحركة المسرحية هناك حيث انتهى الانتداب البريطاني على فلسطينوالأردن ولم يكن هناك فرقة مسرحية واحدة تستطيع القيام بعمل مسرحي محلي. ويتحدث الكاتب في الخاتمة عن خطر التلفزيون على المسرح، وخطورته تنبع من ازدياد عدد المشاهدين له وسرقة أكبر عدد ممكن من الجماهير المحبة للمسرح. إن برنامجاً تلفزيونياً واحداً يشاهده بين 16 إلى 17 مليون مشاهد في ساعة واحدة يحتاج إلى عرض مسرحية في مسرح مجهز بتجهيزات عالية مدة 30 عاماً تعرض هذه المسرحية كل يوم. لقد تنبه المؤلف إلى هذه الخطورة وكان ينادي بأهمية الانتباه إلى هذا الوافد الجديد - وقتها- وضرورة تزويجه مع المسرح لكي يستفيد الجهازان من بعضهما البعض وتسخير ذلك لمصلحة الجماهير. بيد أن القائمين على هذه الأجهزة لا يبدو أن لديهم الاهتمام الكافي والوعي الناضج لخطورة هذا الموضوع. إنها صرخة من رجل قضى عمره باحثاً وكاتباً ومنقباً وناقداً، وحق له - وهو في مرقده الأخير- (1920-1999م) أن نسمع صرخته. @ الكتاب: المسرح في الوطن العربي @ المؤلف: د. علي الراعي @ الناشر: سلسلة عالم المعرفة الكويت