كان رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين والأمير حسن ولي عهد الأردن يستعدان لقص الشريط إيذاناً بافتتاح المعبر الأول من نوعه بين الطرفين في وادي عربة بحضور وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي حين اقترب شيبنح وايز رئيس الكنيست الاسرائيلي من عبدالوهاب الدراوشة ليقول له همساً "الأهم من كل هذا هو الاتفاق السوري - الاسرائيلي.. ومتى مع سورية". ويقول عبدالوهاب الدراوشة عضو الكنيست ورئيس الحزب العربي الديموقراطي، الذي سبق وزار دمشق على رأس وفد من عرب منطقة الجليل المحتلة منذ العام 1948، ان ظل سورية كان مخيماً على اجواء العقبة، نظراً لقناعة الكثيرين ان لا سلام دائماً في المنطقة دون سورية. ويضيف الدراوشة ان رابين أبلغه خلال لقائهما قبل يومين من افتتاح معبر وادي عربة انه متفائل باحراز تقدم في المفاوضات مع سورية، وان هناك من الاجواء الايجابية ما يبشّر بأن الحل قادم بالتأكيد وان اعترضته بعض الصعوبات. ونقل رئيس الحزب العربي الديموقراطي عن رابين قوله ان بث التلفزيون السوري مباشرة لحفل توقيع الاتفاق الأردني - الاسرائيلي في البيت الأبيض هو احدى الاشارات الواعدة. ويقول رئيس الوزراء الاسرائيلي ان حديث سورية عن السلام الكامل مقابل الانسحاب الكامل ليس واضحاً فالانسحاب معروف تماماً بأبعاده وخطوطه، "في حين لا نعرف معنى السلام الكامل الذي تتحدث عنه دمشق وإلى أي مدى سيصل". اسرائيل تطالب بأجوبة ويطرح رابين اسئلة يقول ان حكومته تريد تتلقى أجوبة عليها وهي تتعلق بموقف سورية من قضية المياه والينابيع التي تصب في بحيرة طبرية في حال إخلاء اسرائيل للجولان، كما انه مهتم بمعرفة مستقبل الوجود السوري في لبنان، إذ ان رابين يعتبر ان لاسرائيل حلفاء مكبلين، وليس بمقدورهم التحرك في ظل وجود 40 ألف جندي سوري في أراضيهم. ويتهم الدراوشة رابين بالتهرب من مواجهة المسار السوري، لأنه يود أن يحصل على الدعم الشعبي لكل خطوة من خطواته السلمية مع سورية وحتى يتجنب الاصطدام مع اليمين الاسرائيلي والمتطرفين. ويدرك رئيس الوزراء الاسرائيلي وكل أعضاء حكومته انه دون الانسحاب الاسرائيلي من الجولان وجنوب لبنان والعودة الى ما كان عليه الوضع قبل حرب حزيران يونيو 1967 فإن السلام مع سورية ولبنان سيبقى مؤجلاً. هضم الاتفاقات ويعتقد كثيرون ان رابين ينتظر حتى مطلع العام 1995 كي يتمكن شعبه من هضم الاتفاقين اللذين وقعا مع الأردن والمنظمة قبل أن يبدأ بفتح ملف هضبة الجولان والسلام مع سورية. ويقول خبير بارز في الشؤون الاسرائيلية ان رابين يريد خوض الانتخابات العامة في شهر تشرين الثاني نوفمبر عام 1996 على رأس حزب العمل ولهذا فإنه لن يقوم بتنفيذ انسحاب اسرائيلي قبل هذا التاريخ وان كان سيوقع قبل ذلك اتفاقاً يتعهد فيه بالانسحاب من هضبة الجولان واخلاء مستوطناتها. ويوضح الخبير أن رابين الذي يعتزم التقاعد من الحياة السياسية مع نهاية القرن الحالي لا يريد أن يفسح المجال لوزير خارجيته شمعون بيريز لتسجيل نقاط تحسّن مواقعه داخل حزب العمل أو في أوساط الرأي العام الاسرائيلي قبل موعد الانتخابات المقبلة. ويعتقد بيريز انه دون اتفاق اسرائيلي مع دمشق ستظل بقية الاتفاقات هشة، ولهذا فإنه حاول مراراً اقناع رابين بأن الشعب الاسرائيلي يقبل تسوية مع سورية الآن حتى لو رافقها انسحاب اسرائيلي تام وفوري من الجولان. رابين وبيريز وما لم يقله رابين لوزير خارجيته هو انه لن يقدم له هذه البطاقة من الدعم وهذا الملف الحساس، بدليل أنه عندما طرح اقتراح بشأن هضبة الجولان على الكنيست الاسرائيلي في السابع عشر من شهر كانون الثاني يناير الماضي، كلف رابين نائب وزير الدفاع موطي غور أن يرد باسم الحكومة على كلمات النواب وذلك بهدف اضفاء طابع أمني على جوهر التسوية مع سورية. وقد خالف رابين وغور رأي وزير الخارجية شمعون بيريز الذي قال "انه في عصر الصواريخ لم تعد هناك أهمية لخط الاسلاك الشائكة" وذلك عندما صاغا بياناً أملى رابين معظم فقراته وجاء فيه "طالما ان الثمن الاقليمي الذي سيطلب منا في الجولان غال، فإن الحكومة ستطرح الموضوع للاستفتاء العام". ولم يوضح رابين وغور يومها "الثمن الاقليمي الغالي"، وتركا المسألة معلّقة في الهواء رغم حرص الرئيس السوري حافظ الأسد على أن يكرر في كل مناسبة ممكنة تصميمه على عدم عقد سلام مع اسرائيل إلا إذا انسحبت انسحاباً تاماً وتنازلت عن مستوطناتها هناك على غرار التسوية السلمية مع مصر والتي أثمرت انسحاباً اسرائيلياً كاملاً من صحراء سيناء. ويشعر المسؤولون الأميركيون بالارتياح لما تم تحقيقه من خطوات سلمية في الشرق الأوسط، وقد عبّر عن هذا الارتياح وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر أثناء لقائه بالرئيس المصري حسني مبارك والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الاسكندرية. ويقول أحد المقربين من المشاركين في الاجتماع ان وارن كريستوفر بدا غير مستعجل لتحقيق انفراجات على المسار السوري - الاسرائيلي، وقد طمأن كلاً من مبارك وعرفات الى أن كل شيء يسير بشكل بطبيعي وان الحاجة الى الوقت لتخطي بعض الصعوبات أمر متوقع لمن يتعامل مع ملف في غاية التعقيد مثل الملف السوري - الاسرائيلي. وأثنى كريستوفر على الطريقة التي تعامل بها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مع عدد من القضايا الحساسة، وأبدى اعجابه بطبيعة الحوارات المفتوحة المباشرة بينه وبين اسحق رابين. عتب فلسطيني وتقول مصادر فلسطينية مطلعة ان كريستوفر علم من أوساطه أن شخصية بارزة اجتمعت أخيراً بعرفات في مقره في مدينة غزة ونقلت عتبه الى رابين، ومما قاله عرفات للشخصية انه مستاء من عدم احترام اسرائيل اتفاق أوسلو وعدم وفائها بالتزاماتها المالية أو اعادتها للأموال التي اقتطعت من دافعي الضرائب الفلسطينيين، كما أن الطريق الآمن الذي كان من المفترض أن يربط أريحا بقطاع غزة لم يبت به رغم وجود اتفاق بشأنه، في حين فتحت اسرائيل معبر وادي عربة بين الأردن واسرائيل في أقل من اسبوع. وزاد عرفات أمام مضيفه قائلاً "ان رابين يتعمد تشويه صورتي وصورة المنظمة في الأوساط الدولية" وقد رد رابين على كلام عرفات بالقول "ان المنظمة لم تقدم ميزانيات مكشوفة الأمر الذي يؤخر وفاء الدول المانحة للمساعدات بالتزاماتها، كما أن اسرائيل لا تزال ملتزمة بتنفيذ كل بند من اتفاقي أوسلو والقاهرة، لكن السلطة الفلسطينية الحالية بأوضاعها المعروفة على الصعيد المادي لن تكون قادرة على استيعاب كل الصلاحيات وتحمّل المسؤوليات". ويدافع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عن نفسه، بأن الحديث عن عدم وجود ميزانيات مكشوفة ومشاريع غير صحيح على الاطلاق، بدليل أن شركتين أميركيتين تولتا اعداد الميزانية العامة المطلوبة، كما ان هناك مشاريع جاهزة بحاجة للتنفيذ، وهو يضعها بتصرف كل الدول المانحة. ويؤكد عرفات على أن المنظمة لا تريد أموالاً مباشرة من الدول ولا تنوي السلطة الوطنية التدخل في أشغال هذه الشركات وطريقة تنفيذ مشاريعها. ولا يوافق عرفات على قول رابين انه لا يزال يتصرف كرئيس لمنظمة بدل التصرف كزعيم سلطة وطنية ويقول "لقد شكّلنا حكومة وعينّا وزراء، وعندنا مجلس اقتصادي، لكن من أين ندير الأمور كما تديرها الدول ولا توجد موازنات. ان عمل الوزراء مجمد بانتظار وصول الأموال الموعودة". كريستوفر الهادئ الواثق ولا تقلق تحذيرات عرفات وزير الخارجية الأميركي، لأن الولاياتالمتحدة، على حد قول كريستوفر، مصممة على إنجاح تجربة غزة وأريحا وعلى وصول المساعدات للسلطة الفلسطينية بعد الانتهاء من بعض الشكليات. ويعطي كريستوفر معظم جهده لاحراز تقدم على المسار السوري - الاسرائيلي ولو بشكل بطيء. ويقول مسؤول أميركي مرافق لكريستوفر ان الرئيس بيل كلينتون يعرف أن الرئيس حافظ الأسد ليس بحاجة الى شرعية ولا يمكن استمالته بشيء زهيد، بل يريد أن تكون الاتفاقية مع اسرائيل على طريقته. ويعزو المسؤول الأميركي عدم استجابة سورية للطلبات الاسرائيلية بعقد لقاءات سرية بأنه ناجم عن حرص سورية على وضع اسرائيل في الزاوية والحصول منها على وعد بالانسحاب الكامل، اضافة الى أن الرئيس الأسد غير مولع بالدراما الاعلامية. ولا يستبعد المسؤول الأميركي أن يعقد لقاء آخر بين الرئيس الأسد والرئيس كلينتون في المرحلة المقبلة إذا دعت الحاجة. ويقول ان الادارة الأميركية الحالية تلعب دور الوسيط غير المتهور بين سورية واسرائيل ولهذا لم تقترح حلاً بين اقتراح رابين ورد الأسد، كأن تطرح مثلاً انسحاباً اسرائيلياً رمزياً على التو من الجولان مقابل انهاء حالة الحرب واستمرار الانسحاب المرحلي لغاية استكمال الاخلاء وانشاء السفارات. ولعل في حرص الطاقم الأميركي للسلام في الشرق الأوسط على خفض حجم الآمال المعلقة على رحلة كريستوفر الأخيرة للمنطقة، رغم عودته منها مسروراً، ما يدل على أن الفريق الأميركي ملتزم أصول اللعبة التي حددها كلينتون لمعاونيه بعد توقيع اتفاقي السلام الاسرائيليين مع كل من الأردن والفلسطينيين.