«الفيدرالي الأميركي» يخفض الفائدة 25 نقطة أساس    الاتحاد يهزم العروبة ويخطف الصدارة «مؤقتاً»    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    السعودية تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءاتٍ فعّالة للقضاء على الجوع وتلبية الطلب المتزايد على الغذاء حول العالم    شرطة النماص تباشر «إطلاق نار» على مواطن نتج عنه وفاته    «السوق المالية»: إدانة 3 بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية ونظام الشركات وتغريمهم 3.95 مليون ريال وسجن أحدهم    وكيل أعمال سعود عبدالحميد يكشف حقيقة عودة موكله إلى «دوري روشن»    الاتفاق يختتم تحضيرات الهلال    الأولمبياد الخاص السعودي يستعد لاستضافة المجلس الإقليمي للاعبين القادة في جدة    وزير الداخلية يستقبل سفير فرنسا لدى المملكة    سقوط 46 قتيلا.. مجازر إسرائيل مستمرة في قطاع غزة    أستراليا تعتزم حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم تحت سن 16 عاما    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.490 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في محافظة إدلب    انطلاق أعمال مؤتمر النقد السينمائي الدولي في الرياض    إنطلاق أعمال المؤتمر العالمي لطب الأعصاب بمشاركة اكثر من 350 مختصاً    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    جامعة الفيصل توقّع عقد إنشاء مبانٍ لكليتي الهندسة والقانون بقيمة 325 مليون ريال    "سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    رحيل نيمار أزمة في الهلال    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الدراما والواقع    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسيا وإيران والعراق مارد يهد المنطقة . "حلف بغداد" الجديد . سيف على رقبة "خراسان الكبرى" أم جسر لرفاهية كبرى ؟ واشنطن تشجع وروسيا تقر بالدوافع الاقتصادية للتحالف

هل يولد "حلف بغداد" جديد في الشرق الأوسط بزعامة قوة عظمى سابقة وقوتين اقليميتين تعتقدان بأنهما انتظرتا طويلاً للقيام بالدور الطبيعي الذي يجب أن يقوم به كل منهما في المنطقة؟ سؤال يتردد في عواصم عدة. غير أن العواصم الثلاث المعنية به تتجاهل الرد عليه، وإن كانت تقوم بتصرفاتها على ما يؤكد أنه سيكون أبرز المتغيرات الجيو - سياسية في الشرق في الفترة المقبلة.
موسكو، بغداد، طهران... هكذا تلتقي المتناقضات سياسياً تحت إهاب المصالح الاقتصادية التي تجمعها. وهو ما يشجع القوة العظمى الوحيدة - الولايات المتحدة - على غض الطرف عن "حلف بغداد الجديد". لكن خبراء في الشؤون الاستراتيجية يحذرون من أن وراء الأكمة ما وراءها، ولا بد من أن يفتح الغرب عيونه جيداً قبل فوات الاوان، وخروج مارد جديد من قوقازه.
موسكو لا تجد حرجاً في الاقرار بأن حاجتمها إلى المال تجعلها مستعدة لتقديم كل تنازل حتى تضمن شراكة اقتصادية دائمة مع إيران والعراق. وطهران تتمسك بأن ما بين إيران وجارتيها أكبر من أن يترك للولايات المتحدة لتصوغه كيفما شاءت. أما بغداد فتلتزم الصمت كأنها تدرك أنها تريد بالحلف الجديد أو دونه كسر طوق الحصار المضروب حولها.
وبدا للمراقبين الاسبوع الماضي ان احتمالات قيام التحالف الثلاثي الجديد باتت أكبر، وأضحت تتجاوز الحديث عن عقبات أساسية في العلاقة بين كل من أطراف المحور الجديد، بعدما انسابت زيارات المسؤولين بين العواصم الثلاث، على مستويات يبدو أنها تحظى بمباركة قيادات الدول الثلاث.
ولا بد أن واشنطن تدرس تحت مجهر دقيق ما قد ينطوي عليه المحور الجديد، ليس من زاوية ما قد يشكله من تهديد لإسرائيل، بقدر ما تخشى أن يجعل سياسة "الاحتواء المزدوج" التي تنتهجها حيال طهران وبغداد أبرز أمارات الفشل الأميركي قبل انتخابات الرئاسة.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وجدت إيران نفسها وجهاً لوجه أمام حلم قديم كان يراودها للخروج من التبعية للنظام الاقليمي في الشرق الأوسط الذي ترى أنها ضمت إليه قسراً، ولا تحبذه بسبب الهوية العربية التي تغلب عليه، وعامل النفط المتغير، وهو يحدث لإيران تحولات حتى على الصعيد الاجتماعي. ولذلك تعمل على التخلص من الارتباط المطلق به، وتعمل على قيام نظام اقليمي جديد يضمها وعدداً من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وورد في دراسات وتقارير شارك في إعدادها قادة سياسيون وأكاديميون ايرانيون، منهم وزير الخارجية الدكتور علي أكبر ولايتي، ان الحاجة إلى نظام اقليمي جديد أصبحت أكثر من ضرورية إثر حرب الخليج الثانية، وقيادة الولايات المتحدة التحالف الدولي للانفراد بالسيطرة على النظام العالمي الجديد.
وركزت الدراسات الايرانية على ضرورة احياء "بلاد ما وراء النهر"، و"خراسان الكبرى" بين إيران وأفغانستان وطاجيكستان، وأسست الخارجية الإيرانية مركزاً خاصاً لدرس التطورات في آسيا الوسطى والقوقاز. وأبدت اهتماماً اقليمياً كبيراً بالمسألة الأفغانية، وقامت بالترويج لاحياء "طريق الحرير" التاريخية، وانتشرت في إيران مراكز لنشر الثقافة الفارسية في بلدان آسيا الوسطى والقوقاز. وبدا الدور الإيراني في حل أزمات تلك المنطقة وصراعاتها الداخلية يتعاظم، خصوصاً النزاع بين اذربيجان وأرمينيا، والأزمة الطاجيكية عندما واجهت إيران المنافس الروسي الذي يطمح إلى إعادة هيمنة موسكو على الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي المنهار. واشتبكت المصالح الإيرانية - الروسية في طاجيكستان، وعلى مشارف هضبة ناغورنو قره باغ.
حسابات الحقل والبيدر
وفي الوقت نفسه، أنعشت إيران الأمل باحياء مشروع "طريق الحرير" التاريخي الذي يربط آسيا الوسطى والقوقاز، بعجلة الاقتصاد العالمي، مع الخليج وأوروبا، من خلال شبكات الطرق التي انشأتها، وما كان منها في طور الانشاء، ومنها خط السكك الحديد بين بانق وبندر عباس، وبين مشهد وسرخس. وباشرت تنشيط منظمة التعاون الاقتصادي الاقليمي ايكو التي تجمعها مع باكستان وتركيا وأفعانستان واذربيجان ودول آسيا الوسطى الخمس. لكنها لم تغفل الدور الروسي، خصوصاً أنها تطل مثل روسيا واذربيجان وتركمنستان وقرغيزستان، على بحر الجزر قزوين. ولذلك دعت إلى انشاء منظمة الدول المطلة على بحر قزوين في شباط فبراير 1993، لتنظيم الاستفادة من ثروات بحر الخزر. وفوجئت إيران، إثر تنفيذ سلسلة من الاجراءات الأميركية، بأن الرئيس بيل كلينتون منع شركة كونوكو النفطية الأميركية من تمويل مشروع تطوير حقلين للنفط والغاز في جزيرة سيري الايرانية في الخليج، مروراً بالضغوط الأميركية لاجبار إيران على التخلي عن إكمال بناء مفاعل بوشهر النووي الذي نجحت في بدء العمل فيه بابرام اتفاق تعاون مع موسكو بعدما تخلت عنها المانيا، بسبب تلك الضغو.
واجبرت الشركات الأميركية المشاركة في كونسورتيوم نفطي لاستثمار حقول النفط الاذرية في بحر قزوين اذربيجان على اقصاء إيران من الكونسورتيوم. وفشلت القمة الأميركية - الروسية في دفع موسكو إلى التخلي عن تعاونها النووي مع إيران، ما جعل طهران تعيد حسابات الحقل والبيدر، وتفكر جدياً هذه المرة في ايجاد تحالف حقيقي مع موسكو لمواجهة الهيمنة الأميركية وضغوط واشنطن عليها.
وبعيداً عن التعاون الاقتصادي، بل العسكري بين البلدين الذي أخذ أبعاداً واسعة بعد صفقة مفاعل بوشهر، بدأت طهران تتحرك على خط التحالف الاستراتيجي مع موسكو قبل الحديث عن التقارب الإيراني - العراقي المزمع، منذ قيام وفد إيرانيء رفيع بزيارة بغداد الشهر الماضي.
وقالت مصادر إيرانية مطلعة ل "الوسط"، اثر قرار اذربيجان اقصاء إيران من الكونسورتيوم، ان محادثات مع روسيا، أجراها مساعد وزير الخارجية الإيراني محمود واعظي، ركزت على التعاون الثنائي في منظمة بحر الخزر لمواجهة الكونسورتيوم النفطي الذي تهيمن عليه الشركات الأميركية على رغم مشاركة روسيا فيه بنسبة 10 في المئة.
وأبلغت المصادر "الوسط" ان واعظي اقترح التمسك باتفاقية العام 1924، بين إيران والاتحاد السوفياتي السابق، باعتبار ثروات جزر الخزر، وقفاً على الدول المطلة عليه، وهما في ذلك الوقت إيران والاتحاد السوفياتي. وأيدت موسكو سريان الاتفاقية المذكورة، ما يعني منع اذربيجان من الانفراد باستثمار النفط في مياه البحر المذكور، على رغم أنها أضحت تطل على بحر قزوين مع ثلاث دول أخرى اثر انهيار الاتحاد السوفياتي.
وأكدت المصادر الإيرانية أن التنسيق الإيراني - الروسي في استغلال ثروات بحر الخزر، إلى جانب التعاون في المجالات الأخرى، سيعزز الرغبة الإيرانية في اقامة التحالف مع روسيا. وفي هذا السياق وصف الرئيس هاشمي رفسنجاني - في رده على أسئلة صحافيين روس - روسيا بأنها "قوة كبرى في آسيا". ودعا إلى توطيد التعاون معها. وقال إنه سيبحث في القمة التي ستجمعه مع الرئيس يلتسن في الجوانب الأمنية والعسكرية، ومجمل القضايا الاقليمية والدولية التي تهم البلدين. وأكد أن بلاده تولي العلاقات مع ما سماه "روسيا الآسيوية" أهمية كبيرة. وتوقع مراقبون أن تعقد القمة في ايلول سبتمبر المقبل. وقال إنه شخصياً وجه الدعوة إلى يلتسن لزيارة طهران.
ولاحظ المراقبون أن إيران بدأت تتعاطى مع روسيا باعتبارها قطباً بارزاً في آسيا، وذلك للمحافظة على روح المساواة والندية مع روسيا وللحيلولة دون ممارسة موسكو معها دور الدولة العظمى، وهو أمر من المؤكد أنه سيحقق لإيران مكاسب على صعيد المزاج الشعبي، وشعارات الثورة الإسلامية التي لا تفرق كثيراً بين "الشيطانين" الأميركي والروسي.
وتريد ايران أن يمكنها تحالفها مع روسيا من بسط نفوذها من دون عوائق في آسيا الوسطى والقوقاز، وهو ما بدأ يتحقق عملياً برضوخ موسكو لرغبتها المتعلقة بحل الأزمة الطاجيكية.
وذكرت مصادر إيرانية مطلعة ان القيادة الإيرانية تدرس اقتراحات "عملية" في شأن مشروع التحالف مع موسكو، بعضها قدمه المتشددون الذين انحسر دورهم منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة قبل ثلاثة أعوام تقريباً. وخلصت هذه الاقتراحات التي أوردت جانباً منها صحيفة "سلام" الناطقة باسم المتشددين إلى أن التحالف الإيراني - الروسي وانضمام العراق عليه، سيضمن بسط الأمن والاستقرار الاقليميين، وتعزيز استقلال دول المنطقة من دون الوقوع تحت تأثير الهيمنة الأميركية.
على صعيد آخر لم يستبعد مراقبون ان تسعى طهران إلى الاستفادة من هذا المحور الجديد في محاولة تحسين علاقاتها مع واشنطن، وتغيير بعض جوانب المعادلة الاقليمية، وتخفيف التوتر السائد بين إيران والادارة الأميركية.
طهران: صورة من قريب
غير أن المتابع لمحاولات التقارب الإيراني - العراقي يجد صعوبة كبيرة في استنتاج خلاصة تدل على أن الانفراج بات وشيكاً. فما ان يتبادل البلدان زيارات على مستوى رفيع، حتى يعلن احدهما أنه كشف شبكة من العملاء تتجسس لمصلحة البلد الآخر. وبعد أن تقطع الاتصالات بينهما شوطاً يجر إلى حديث عن قمة عراقية - إيرانية، يثير أحدهما جدلاً حول اجتماع مسؤول عراقي كبير بزعيم منظمة "مجاهدين خلق" الإيرانية المعارضة.
الاقتراب من دوائر صنع القرار السياسي والاستراتيجي في طهران يقود إلى تحسس فهم عميق لضرورة تجاوز إرث الماضي، وتركة الحرب، لبناء نظام اقليمي يحقق الرخاء الاقتصادي المنشود، ويبعد شبح "الهيمنة الأميركية" على حد تعبير المسؤولين الإيرانيين.
في الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن القومي الايراني الذي يرأسه الدكتور حسن روحاني في طهران، قبل شهر، كان حضور مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، والذي يحلو للمسؤولين الايرانيين تسميته "القائد" ذلك الاجتماع أمراً استثنائياً. ومع ان مجمل القضايا التي نوقشت واتخذت مواقف في شأنها بقيت طي الكتمان، الا ان مسؤولاً ايرانياً بارزاً أبلغ "الوسط" ان ما طرح في شأن العالم العربي تميز في ذلك الاجتماع بالوضوح، والموضوعية، والتسامح، وفتح صفحة جديدة مع الجميع، ابتداء بالعراق، ومروراً بمصر وانتهاء بالمغرب.
وأضاف المسؤول الايراني ان الزيارات والاتصالات التي تمت مع مصر والعراق والمغرب كانت من ثمرات ذلك الاجتماع. وقال أحد المقربين الى الرئيس رفسنجاني ل "الوسط" ان ما يشغل بال المسؤولين الايرانيين حالياً هو التركيز على أوضاع بلدهم واستقرارها ونموها ونجاحها وبناء علاقات جيدة ووطيدة مع دول الجوار، خصوصاً العراق. وأكد ان ايران دفعت ثمناً باهظاً لعدم الاستقرار في الدول المجاورة أو حتى في الدول التي ناصبتها العداء. فنتيجة للحرب مع العراق لجأ الى ايران حوالي مليون عراقي، وبسبب الأوضاع في أفغانستان لاذ بها نحو ثلاثة ملايين افغاني، ومن أذربيجان لجأ اكثر من 100 الف. ومثل هذه الأعداد يكلف ايران موازنة خاصة تستنزف طاقتها وقدراتها خصوصاً انها لا تزال تعاني من آثار حربها مع العراق التي وضعت أوزارها قبل أكثر من سبع سنوات.
ولم يُخف مسؤول ايراني رفيع دهشته حين بارك خامنئي خطة العمل التي طرحت للمرحلة المقبلة، وآفاق التعامل مع العالم العربي والاسلامي. وقال لپ"الوسط": "ربما كان هذا الاجتماع الأول من نوعه الذي كانت فيه الغلبة للمنطق، لا للعاطفة، كما ان الشعارت التي اطلقتها الثورة على مدى السنوات الماضية لم تكن قريبة من عقول المجتمعين".
قناعات ايرانية
وما لخصه المسؤول الايراني في شأن ما طرح عن العراق في تلك الجلسة تركز في النقاط الآتية:
- ان هناك قناعة ايرانية بأن الرئيس العراقي صدام حسين باقٍ في السلطة، ولا توجد أي رغبة غربية في ابعاده.
- ان الشعب العراقي يدفع ثمن الاجراءات الدولية والعقوبات المفروضة على حكومته.
- عدم رغبة ايران في الدخول في صراع مع العراق، سواء أكان صدام حسين في السلطة أم انه أُقصي منها.
- السعي الى حل كل النزاعات مع العراق بالوسائل والطرق السلمية والحوار والتفاهم.
- التعامل مع كل الدول العربية والاسلامية بمعيار واحد من دون الأخذ في الاعتبار حجم الوجود الشيعي فيها.
- المحافظة على الاستقرار والصيغ القائمة في منطقة الخليج، لأن أي تغيير في الأوضاع القائمة حالياً قد ينعكس سلباً على ايران، سواء من الناحية الاقتصادية أو العسكرية.
وكشف المصدر الوثيق الصلة بالرئيس رفسنجاني "ان القيادة الايرانية اتخذت هذه القرارات "بقناعة ثابتة"، على رغم صعوبتها، وموقف الرأي العام الايراني منها، لكن الانطلاق في هذا الطريق جاء بعدما قدمت ايران نفسها عدداً من التنازلات لحساب الغرب، وبالتالي فإن من الأنسب لها التوجه نحو بلد مسلم، مثل العراق، والتعاون معه لأن في ذلك مصلحة للطرفين تنعكس ايجابياً على المنطقة كلها".
البحث عن أعداء
ويرفض المسؤولون الايرانيون وصف التعاون الذي بدأ الحديث عنه بين العراق وايران بأنه يتجه نحو اقامة تحالف، ويقولون: "ان الحديث عن حلف بين بغداد وطهران، أو حتى بغداد وطهران وموسكو، تعبير يحاول الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، الايحاء بوجوده. لكنه غير وارد في أذهان المسؤولين الايرانيين، لأن اقامة أحلاف في المنطقة، تعني حتماً وجود عدو، وهو أمر لا تبحث عنه ايران على الاطلاق".
ويرى المسؤولون الايرانيون ان لبلادهم حدوداً مشتركة مع 15 دولة، وهي تتطلع الى اقامة علاقات تلتزم مبادئ حسن الجوار معهم جميعاً، بغض النظر عن ديانة سكان كل دولة ومعتقداتها.
ويبتسم أكثر من مسؤول ايراني حين تسأله عن الشعارات التي طرحتها الثورة الاسلامية مثل تصدير الثورة وغيرها، ويردون على التساؤل بالقول: "لقد نضجت الثورة الايرانية واستفادت من الدروس السابقة، وحان الوقت لكي يحاسب العالم ايران على أفعالها وليس على شعاراتها". ويتساءلون: "هل خطوة مثل الذهاب من طهران الى بغداد عمل سهل؟ بالطبع لم تكن كذلك، ففي ايران يوجد الآن من جراء حرب السنوات الثماني مع العراق أكثر من 100 الف معاق، وعشرات الآلاف من الشهداء والأسرى والمفقودين، لكن مثل هذا العمل من جانب طهران يظهر الى أي مدى نحن مصممون على تجاوز الماضي".
وقال ديبلوماسي ايراني شغل مناصب بارزة في ابَّان الحرب العراقية - الايرانية: "عملنا كل شيء لارضاء الغرب، فلماذا لا نقدم على خطوة نحو أخوة لنا في العراق، وان تكن رمزية، خصوصاً ان ثمة حزناً في ايران مما يعانيه العراقيون".
وقال الديبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه: "ان من حسن حظ الحكومة الايرانية انها تحظى بثقة الشعب الايراني على رغم انتقاده اياها، ومثل هذا الانجاز تنظر اليه الثورة وأركانها باعتباره من أهم ما تحقق منذ اندلاع الثورة". وضرب مثلاً بنهج ايران في التعامل في المرحلة المقبلة، وقال: "وقعنا في السابق اتفاقاً اقتصادياً مع اذربيجان حيث تقطن غالبية شيعية، ولم تحترم اذربيجان الاتفاق بعدما تعرضت لضغوط أميركية، وكان من مصلحة ايران وشعبها بناء علاقات مع الدول بما يتناسب مع مصالحنا، ولهذا حافظنا على علاقاتنا مع أرمينيا، ولم تتأثر علاقاتنا مع روسيا بسبب حربها في الشيشان".
وذكر محمد جواد ظريف نائب وزير الخارجية الايراني المكلّف ملف العلاقات الايرانية - العراقية منذ بضع سنوات، "ان العراق بلد مهم وجار تربطنا به حدود وتاريخ، واذا كان اعترى هذه العلاقة ما كدَّرها في الماضي، فما الذي يمنع فتح صفحات جديدة من التعاون لما فيه مصلحة شعبينا؟".
وقال نائب وزير الخارجية الايراني لپ"الوسط": "إن كل القضايا العالقة بين البلدين، من موضوع أسرى الحرب الى ترسيم الحدود المتنازع عليها، وتنفيذ ما بقي من قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 598، وحتى مسألة التنسيق واعادة فتح شط العرب، كلها مسائل يجب حلها بروح ودية وايجابية".
وأكد ظريف "ان نظرتنا الى العراق، وأسلوب تعاملنا معه، لا يأتيان لاعتبارات تكتيكية، بل من منظور استراتيجي يؤكد أهمية قيام علاقة تعاون وثيق مع كل جيراننا".
وأضاف: "ان وجود مثل هذه الرغبة من جانبنا، ووجود رغبة مماثلة لدى الجانب العراقي، سيفسح المجال أمام التفاهم، وبدء هذه المرحلة الجديدة من التعاون بين البلدين". وتطرق المسؤول الايراني الى قضايا قال ان الطرفين يسعيان الى حلها، كقضية الطائرات العراقية التي هبطت في ايران ابان الغزو العراقي للكويت، وقضية الطائرات الايرانية التي هبطت في الأراضي العراقية نتيجة خطفها أو فرار طياريها. وأشار الى ان الطائرات العراقية "هبطت في الأراضي الايرانية خلافاً لارادتنا، ويجب ان تبقى في حوزتنا ما دام الحظر الدولي مفروضاً على العراق، بموجب قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة. أما الطائرات الايرانية المخطوفة فتجب اعادتها وتسليم خاطفيها، استناداً الى القوانين الدولية".
وفيما تتحدث الحكومة العراقية عن لجوء أكثر من 100 طائرة الى ايران، قال نائب وزير الخارجية الايراني ان المسؤولين العراقيين يعتقدون ان كل طائرة غادرت أراضيهم توجهت الى الأراضي الايرانية، "ومثل هذا الاعتقاد خطأ. فبعض الطائرات التي أقلعت في اتجاه ايران تحطم، وبعضها عاد الى العراق، وما أعلناه في حينه ان 23 طائرة فقط هبطت في اراضينا، منها 6 طائرات أعيدت الى الكويت".
ومع ان المسؤولين الايرانيين يولون أهمية كبيرة لقضية الأسرى الايرانيين والمفقودين منذ انتهاء الحرب مع العراق، لدرجة انهم عرضوا وثائق تشير الى وجود 8 آلاف أسير ايراني في العراق، وحوت الوثائق معلومات وثيقة عن 3800 أسير، ومعسكرين عراقيين للأسرى لم يزرهما ممثلو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الا انه لا يبدو ان ايران متمسكة في المرحلة الحاضرة بأن تقف قضية الأسرى حجر عثرة في طريق المساعي الرامية الى احراز تقدم في العلاقات بين البلدين.
دفء وكرم عراقيان
ولاحظ مسؤول اعلامي ايراني رفيع المستوى، في حديث مع "الوسط" ان اللهجة التي تتحدث بها وسائل الاعلام العراقية هذه الأيام، خصوصاً في متابعتها زيارة وفد من وزارة الخارجية الايرانية الى بغداد، تعكس جانباً من هذا التحول "الذي تميز بالدفء وحرص الجانب العراقي على ان يشعر زواره من الايرانيين كأنهم في بيوتهم".
وأضاف المسؤول الاعلامي الايراني ان الوفد الذي رأسه الدكتور علي خُرَّم مستشار وزير الخارجية الايراني الى العاصمة العراقية، وصف نتائج زيارته التي استغرقت أياماً قبل أسبوعين بأنها جيدة، وان وفداً عراقياً سيرد الزيارة قريباً.
وقال الدكتور خُرَّم ان قضايا الاسرى والمفقودين وتنفيذ ما بقي من القرار 598 ومسائل الحدود ، وتنظيف شط العرب كانت مدار بحث. وكان أبرز ما اتفق عليه في شأن الأسرى ان يبادر الطرفان الى تقديم ملفات جديدة لحسم المشكلة، وأبدى الطرفان حرصهما على عدم الاحتفاظ بأي أسير، وعدم وجود رغبة في ذلك.
ومع انه لم تتسرب أي معلومات عن اتفاقات في شأن نشاط الحركات المعارضة لكل من حكومتي البلدين، فإن المسؤولين الايرانيين قالوا ان بلادهم حريصة على عدم التدخل في الشؤون العراقية، وعلى ذلك فوجود مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين في ايران يجب النظر اليه من منطلق انساني، أما وجود منظمة "مجاهدين خلق" الايرانية المعارضة في بغداد، فقد أكدت ايران انها لا تشعر بالقلق من ذلك طالما ان بغداد لن تسمح لأولئك المناوئين بالقيام بأي نشاط يعتبر تدخلاً في الشأن الايراني. ولا بد ان التوصل الى اتفاق على هذه القضية يقتضي من العراق اتخاذ اجراءات تحد النشاط العسكري للمعارضة الايرانية الذي ينطلق من الأراضي العراقية.
وكان ملفتاً في متابعة الصحف الايرانية لزيارة الوفد الايراني لبغداد حديثها عن "كرم الضيافة العراقية، واصرار العراقيين على أن يمدّد الوفد الايراني اقامته في العاصمة العراقية. لكن ارتباطات الدكتور علي خُرَّم في طهران حالت دون ذلك". ولفتت المراقبين اشارة الصحف الايرانية الى "زيارة الوفد الايراني العتبات المقدسة في النجف وكربلاء التي تمت من دون تعقيدات، وسط ترحيب المسؤولين العراقيىن بزيارات من هذا القبيل، ليس للمسؤولين الايرانيين فحسب، بل لكل الايرانيين الذين يرغبون في زيارة العتبات المقدسة".
قمة المصالح المتبادلة
ولا يتوقع المراقبون في طهران ان تحدث تحولات سريعة في العلاقة بين طهران وبغداد، كما انهم يستبعدون عقد قمة بين رفسنجاني وصدام حسين في القريب العاجل، وسيترك للخبراء والمسؤولين البحث في امكان عقدها.
ولا يبدو ان التقارب العراقي - الايراني يثير شعوراً بالقلق في نفوس المسؤولين البريطانيين، لأنه لن يتخطى حدود التعاون، ولن يتجاوز محاولة كل طرف الاستفادة من الآخر خصوصاً في الضغط على الدول الغربية التي تفرض على الجانبين حصاراً اقتصادياً واجراءات مقاطعة تجارية.
ويتساءل القادة الايرانيون منذ مدة عن سبب ازماتهم الاقتصادية المتلاحقة، ويحاولون ايجاد حلول لها، ويقولون ان بلداً يملك 15 في المئة من احتياطات الغاز في العالم و10 في المئة من احتياطات النفط العالمي، وأرضاً شاسعة، يجب ان ينعم شعبه بالرفاه، وحان الوقت للعمل من أجل ذلك. ويصفون العلاقات الطيبة التي تربطهم بموسكو بأنها علاقة مصالح متبادلة، ناجمة عن شعور بأن الثروات التي تملكها بلادهم جديرة بأن يستفاد منها لمصلحة شعبي البلدين، وليس لمصلحة الولايات المتحدة أو غيرها.
ويعترف المسؤولون الايرانيون بأن موسكو أبلغتهم بعد زيارة الرئيس كلينتون لموسكو الشهر الماضي بأن الأخير بذل جهوداً كبيراً لثني روسيا عن المضي في تعاونها مع ايران في مجالات عدة، خصوصاً المجال النووي. وقالوا انهم يتوقعون زيارة يلتسن لطهران الخريف المقبل.
واشنطن: وفاق أم تحالف؟
ولكن كيف تبدو الامور من وجهة النظر الاميركية؟ رسمياً ليس ثمة تعليق بعد من جانب الادارة الاميركية. غير انه يبدو واضحاً من الصمت الاميركي المشوب بالحذر ان الولايات المتحدة - على رغم التوتر الذي يشوب علاقاتها مع روسيا منذ اتفاق موسكو مع ايران على تزويد الاخيرة مفاعلين نوويين - تنفر من وصف المراقبين العلاقات الخاصة التي تسعى موسكو الى تحديد إطارها مع كل من العراق وإيران بأنها "حلف" او "تحالف" او حتى علاقة استراتيجية. لأن واشنطن لا تريد، في أقل تقدير، العودة الى الحرب الباردة، والتنافس الذي كانت تتسم به العلاقات بينهما.
وقال محللون في العاصمة الاميركية ان موسكو تسعى الى بسط نفوذها على جمهوريتي أذربيجان وتركمانيا السوفياتيتين السابقيتين، لتمهيد الفرصة لتعزيز نفوذ تحلم ببسطه على جارتيها ايران والعراق، على نحو مماثل للنفوذ الذي تتمتع به الولايات المتحدة على بلدان اميركا اللاتينية. غير انه على رغم ما قد ينطوي عليه ذلك من تعقيدات على الصعيد الدولي والاقليمي، فإن دوائر قريبة من صناع القرار الاميركي والاطلسي الغربي لا ترى ان ما سمته "مشروع الحلف الثلاثي" يشكل تهديداً يذكر.
واوضح سفير دولة اوروبية غربية لدى واشنطن ل "الوسط" ان الولايات المتحدة مستمرة في التخلي عن بعض مظاهر السيادة والهيمنة التي كانت تمارسها باعتبارها قوة عظمى، وهو اتجاه رجح السفير الغربي استمراره في نطاق التوجهات الجمهورية الجديدة، التي لاحظ انها تختلف كلياً عن السياسات التي انتهجها صقور الحزب الجمهوري الاميركي في الحكم، كالرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش ووزير الدفاع السابق كاسبار واينبرغر.
وطبقاً لهذا التحليل، رأى السفير الذي طلب عدم ذكر اسمه ان تحالفات عدة ستنشأ في مختلف ارجاء العالم من دون تحفظات اميركية. وقال: "ستزيد اهمية رابطة الشعوب البريطانية الكومونولث، وستكون اليابان محوراً اساسياً لبلدان منطقة الشرق الاقصى. وفي الشرق الاوسط لا نستبعد ان تقوم مجموعة اقتصادية او سوق مشتركة بين فرنسا وسورية ولبنان".
واشار الى التحالف الروسي - العراقي - الايراني المحتمل، ورأى انه سيكون مفيداً لاطرافه الثلاثة من الناحيتين الاقتصادية والديبلوماسية. وتساءل: "هل سينطوي مثل هذا الحلف على اي تهديد للدول الخليجية المجاورة لبغداد وطهران"؟ وأجاب: "لا نعتقد بأن موسكو تريد له ان يكون كذلك. فهي تريد قبل كل شئ ان تكون اسهمها مرتفعة لدى الغربيين خصوصا واشنطن والبلدان الاوروبية الغربية، وهي تدرك انها لن تحظى بالاحترام الذي ترومه الا اذا مارست نفوذا يحض ايران والعراق على التزام مواقف معتدلة، وانتهاج سياسات غير متطرفة".
وقال مصدر رفيع المستوى في ادارة شؤون شمال الخليج في وزارة الخارجية الاميركية التي تتابع شؤون ايران والعراق، إن التحالف المرتقب سيكون من مصلحة روسيا، "لانه سيعطيها دوراً بناءً، وسيضفي عليها صورة ايجابية في المنطقة، وسيكون مردوده كبيراً على الصادرات الروسية". واضاف: ستتيح هذه العلاقة الخاصة لروسيا فرصة ممارسة رقابة صارمة على امدادات الاسلحة التي تتدفق على الجمهوريات المسلمة في آسيا الوسطى والقوقاز، حيث ترغب روسيا فعلاً في ان يشيع الاستقرار هناك".
وتابع: "من ابرز الفوائد التي ستعود على موسكو من وراء هذه العلاقة المحتملة انها ستتيح لروسيا فرصة الحصول على ديونها الضخمة التي توقف العراق عن سدادها. وبما ان ايران والعراق اصلاً ينظران بقدر كبير من الريبة الى الولايات المتحدة وبريطانيا، فمعنى التحالف الجديد ان الفرصة ستتاح لموسكو لتقتسم سوق المنطقة تجارياً وسياسياً مع فرنسا، وتجارياً فحسب مع اليابان وفرنسا. خصوصا ان روسيا بقيت على الدوام تنادي برفع العقوبات المفروضة على العراق، وبعدم الاستمرار في عزل ايران".
واتصلت "الوسط" بمصدر رفيع المستوى في وكالة استخبارات الدفاع التابعة لوزارة الدفاع الاميركية البنتاغون فأبلغها أن الادارة الاميركية تعتقد بأن روسيا "ليست طرفاً يسعى الى اثارة المتاعب للقوى الكبرى الاخرى، وانها تريد فعلاً وسيلة تستعيد بها سوق منتجاتها من الاسلحة في العراق، وسبيلاً يكفل لها استرداد ديونها لدى بغداد، كما ان من الواضح انها تريد ان تفوز بحصة الاسد من تعاقدات البناء الضخمة التي ستتنجم عن خطط اعمار العراق". لكن المصدر أقر بأن روسيا "ستجد التعامل مع ايران صعباً، خصوصا أن الأخيرة شاركت في تدريب المجاهدين الافغان الذين حاربوا الجيش السوفياتي في افغانستان".
جذور ثقافية للكراهية
واستطلعت "الوسط" رأي غراهام فولر المسؤول السابق عن شؤون الشرق الاوسط في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية - الخبير حاليا في مؤسسة راند التي تقدم النصح الى الادارة الاميركية في شؤون الأمن والاستخبارات - فأشار الى ان موسكو تدرك ان العراقيين والايرانيين يمقتون بعضهم بعضاً، "ليست مسألة خلاف بين قيادتي البلدين، او نظامي الحكم فيهما، بقدر ما هي مسألة ثقافية. إنه الانقسام الكبير بين العرب والفرس. ولكن اذا وضعنا في الاعتبار السياسة الفظة التي تتبعها واشنطن منذ فترة ضد البلدين، فمن المنطقي ان نخلص الى ان الولايات المتحدة تساعد بشكل غير مباشر في تقريب الشُّقّة بين بغداد وطهران وموسكو، وهو قطعا امر تراه موسكو مفيدا لها".
وتابع: "كلا البلدين - ايران والعراق - يشعر بأن الولايات المتحدة تحول بينهما وبين الدور الذي يريان ان موقعهما في تلك الرقعة يتيح لهما القيام به في منطقة الخليج. كما ان كليهما يتعرض لضغوط اقتصادية شديدة. وكلاهما يود لو اتيحت له الفرصة لبيع كميات اكبر من النفط باسعار اعلى. ولا شك في أنهما يريدان أن يريا الولايات المتحدة، وربيبتها اسرائيل، تلعبان دوراً اقل نشاطا في المنطقة".
وقال فولر ان روسيا "مهتمة بتحقيق التقارب مع طهران وبغداد ليس لاسباب ايديولوجية، بل اقتصادية، إذ لديها مصالح اقتصادية لا تريد ان تراها وهي تتلاشى من امام ناظريها. غير انه اشار الى ان واشنطن تدرك ان هذا الاهتمام الروسي ببغداد وطهران لا يبلغ حد الاعجاب والتعاطف مع الرئيس صدام حسين، "انها روسيا تعتقد بأن صدام اذا كان يريد شيئاً تنتجه، فهي على استعداد لتزويده إياه، لكنها تدرك جيداً ان عليها ان تمارس توازناً دقيقاً لئلا تتضرر علاقاتها مع بقية بلدان الخليج والغرب". واضاف: "انا لا اميل الى اعتبار هذه العلاقة حلفاً، ولا تحالفاً، لانها لن تكون موجهة ضد أحد. لكني قد أسميها وفاقاً. فهي أشبه بذلك".
واضاف الخبير الاميركي ان من الاسباب التي تحدو بروسيا الى المضي في اقامة هذه التحالف مع جارتيها "انها تريد الحصول على ضمانات كافية لتأمين حدودها ضد اي هجمات تخريبية". ويلاحظ ان روسيا لم تبد في اي يوم مطامع استراتيجية في الاراضي الايرانية او العراقية، "على الدوام حرصت على ابداء قلقها على أمن حدودها". واشار الى انه لا يعتقد بأن موسكو اعربت في اي يوم عن رغبتها في ان يكون لها "مرفأ دافئ" على الخليج. وقال ان موسكو مهتمة ايضاً بتعزيز نفوذها وتأثيرها في التطورات التي تشهدها جمهوريات آسيا الوسطى المسلمة التي يمكن ان تشكل منافساً خطيراً للصادرات الروسية.
وتابع: "ليس سراً ان روسيا بحاجة ماسّة الى عملات صعبة، وهي - كالولايات المتحدة - مستعدة لتصدير اسلحتها لاي طرف يستطيع تسديد الثمن بالعملة الاجنبية. ولعل الرئيس يلتسن يدرك ان ايران لن تكون قادرة على توريد عملات صعبة بالقدر الذي تحتاج اليه روسيا، لكنه مضطر الى اقامة علاقات وثيقة معها حتى يدرأ مخاطر تصدير التطرف الى الجمهوريات السوفياتية السابقة". وخلص الى ان روسيا "تريد علاقات تضمن لها عدم اذكاء نيران الثورة في بلدان مجاورة مثل طاجكستان وآذربيجان، وهي بذلك ليست مهتمة بإقامة علاقات استراتيجية من شأنها أن تهدد الغرب. إنها في الوقت نفسه تسعى الى تعزيز علاقاتها مع دولة الامارات العربية المتحدة، وعلاقاتها التجارية مع بلدان عربية خليجية اخرى. إنها بحاجة الى علاقات طيبة مع كل الدول المجاورة في منطقة الخليج".
ورأى فولر ان فكرة الحلف الثلاثي قد تهدف ايضاً الى الجمع بين ايران والعراق تحت مظلة واحدة تضمن عدم اندلاع حرب شبيهة بالحرب العراقية - الايرانية. ولاحظ ان تلك الحرب التي وضعت اوزارها العام 1988 لم تسفر حتى اليوم عن ترتيبات دائمة لضمان استمرار وقف النار، كما انها لم تسفر حتى الآن عن ترتيبات في شأن تبادل أسرى الحرب.
وجهة النظر الروسية
وكان لا بد من السعي الى الوقوف على وجهات النظر الرسمية الروسية لاستقراء الخطوات التي ستتبعها موسكو لتنفيذ خطة التحالف الجديد. ولاحظ المراقبون ان الاسبوع الماضي شهد زيارة مفاجئة قام بها السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي لموسكو. ووصف فلاديمير ديوشكين أحد مسؤولي دائرة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الروسية - في تصريح ادلى به الى "الوسط" - الزيارة بأنها "ليست شيئاً خارقاً للعادة، بل هي احدى زيارات العمل المعتادة في اطار المساعي الرامية الى تطوير العلاقات العراقية-الروسية على اساس النفع المتبادل". وأقر ديوشكين بأن الزيارة شهدت البحث في المسائل "ذات الصلة بإلغاء العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الامم المتحدة على العراق".
واضاف: "ليس سراً ان العلاقات مع العراق اليوم من أولويات السياسة الخارجية الروسية، فكل دولة تعمل في الشؤون الدولية لمصلحتها. ومن مصلحتنا بالطبع ان يوجد حل عملي لمشكلة ديوننا على العراق التي تبلغ جملتها 10 بلايين دولار. ونحن نعتقد بأن الوقت حان لإلغاء العقوبات المفروضة على نظام صدام حسين، لأن العراق لم يعد يشكل خطورة تذكر على المجتمع الدولي كما كان قبل نحو خمس سنوات".
وقال يوري كيرياكوف، وهو مسؤول رفيع المستوى في وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية الروسية، ان روسيا، على النقيض مما حصل لتعاونها مع العراق، لم توقف علاقاتها التبادلية الاقتصادية مع ايران، "ومع اننا خسرنا جزءاً كبيراً من أسواقنا في الشرق الاوسط وبلدان الخليج العربية إثر حرب الخليج، الا ان ايران كانت ولال تزال شريكنا التجاري طوال السنوات الماضية".
واضاف: "ان ايران بقيت منذ القدم شريكاً جيوسياسياً لروسيا". وتحول فجأة الى قضية المفاعلين النوويين اللذين قررت روسيا بيعهما الى ايران، ليقول: "لا يمكن فسخ عقد التوريد بين بلدينا تحت أي ظرف، على رغم الضغوط الشديدة التي تمارسها الولايات المتحدة. نحن لا نسقط عادة من حساباتنا آراء الدول الأخرى في ما نقوم به، لكن عقد المفاعلين النوويين لايران امر يخصنا وحدنا مع ايران، لأننا نبيع المفاعلين الى دولة مجاورة لنا وليست مجاورة للولايات المتحدة. وبهذا المفهوم نحن ندرك اكثر من اي جهة اخرى هل ينطوي هذا البيع على مخاطر لنا ام لا. وما دمنا خلصنا في تقويمنا لعلاقاتنا مع طهران الى اننا نأتمن الايرانيين في التعامل، فلماذا تريد منا اطراف أخرى أن نختصم معهم؟" واشار المسؤول الروسي الى ان البلدين يلتقيان ايضاً في التعاون العسكري الفني، والاستثمار المشترك لنفط الجرف القاري القزويني.
تصنيف دقيق للأولويات
ولاحظ خبير روسي في صندوق الاصلاح الدولي - وهو مؤسسة نقدية روسية تعنى باصلاح الهياكل الاقتصادية في روسيا والدول الوثيقة الصلة بها - ان من المستحيل تصنيف اولويات السياسة الخارجية الروسية. وقال ل "الوسط": "ينبع ذلك من التضارب الذي يتسم به تنفيذ السياسة الخارجية الروسية، فهي تسعى الى اقامة علاقات متينة ومتوازنة مع الغرب، وتصل في مساعيها تلك الى حد التفكير في الانضمام الى "الشراكة من اجل السلام" التي ابتدعها قادة دول منظمة حلف شمال الاطلسي، غير انها في الوقت نفسه تبادر الى انتقاد الغارات التي تشنها مقاتلات الحلف على مواقع صرب البوسنة في يوغوسلافيا السابقة. وفيما تحرص روسيا على تعزيز نفوذها في الجمهوريات السوفياتية السابقة، الى درجة الزج بقوات روسية في طاجيكستان لدرء ما تسميه خطر الاصولية، تعمد الى بيع ايران مفاعلات نووية. وفيما تعزز تعاملها التجاري مع ايران، تطالب في الوقت ذاته برفع العقوبات المفروضة على العراق. وبينما تسعى الى ترسيخ اقدامها في السوق العراقية، تبذل ما في وسعها لإقامة علاقات تجارية مع الدول الخليجية العربية التي تعتبر العراق ألدّ أعدائها".
روسيا أم الشركات الروسية؟
ويرى خبراء آخرون في موسكو ان ذلك التناقض في اولويات السياسة الخارجية لروسيا يعزى أساساً الى "أن مصالح روسيا في الساحة الدولية ليست هي نقطة الارتكاز في تنفيذ السياسة الخارجية الروسية، لكن العامل الرئيسي يتمثل في مصالح كبريات الشركات الروسية القادرة على خوض المنافسة في الاسواق الدولية".
ويشير هؤلاء المراقبون الى ان مبادرة استئناف التعاون بين روسيا والعراق في مجال النفط لم تصدر عن وزير الخارجية الروسي، او رئاسة الحكومة، وإنما أعلنها وزير النفط الروسي يوري شافرانيك. ويضيفون ايضاً أن عقد توريد المفاعلين النوويين الروسيين الى ايران أعدت صياغته الأساسية في وزارة الطاقة الذرية الروسية.
ويخلص معظم أولئك المراقبين الى أن هذا السلوك ينبع من النزعات الفردية لدى القادة الروس الذين يميلون الى ممارسة عمل تجاري مربح اثناء نشاطهم السياسي، حتى يكون ثمة ما يحمي ظهورهم بعد اعتزالهم الساحة السياسية. ويشار خصوصاً في هذا الشأن الى نجاح نائب الرئيس الروسي السابق الكسندر روتسكوي في إقناع ماليزيا بشراء عدد من المقاتلات الروسية الصنع. ويعتقد ايضاً ان رئيس الوزراء الحالي فيكتور تشيرنوميردين يبذل مساعي لا تخفى لإقناع بعض دول الخليج العربية بتوقيع عقود تجارية ضخمة لتوريد منتجات روسية. ويعني ذلك - حسب هذا التحليل - ان القادة الروس لا هم لهم سوى تحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح الاقتصادية من العلاقات مع دول العالم قطبة. وقال مسؤول روسي ينتقد هذا التوجه: "اذا تحقق فعليا ان ثمة حلفاً سيتبلور بين موسكو وطهران وبغداد فلن يكون الغرض منه سوى الحصول في مقابل التقنية والمنتجات وبقايا النفوذ الروسي على أرباح مادية ملموسة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.