وافق مسؤول سابق كان يتولى منصباً رفيع المستوى في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "السي.آي.إيه" ويشرف على مختلف أوجه نشاط الوكالة في الشرق الأوسط، وأحد كبار مسؤولي لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الاميركي على التحدث الى "الوسط" غير انهما اشترطا عدم ذكر اسميهما لأنهما لا يزالان خاضعين للقوانين والمواثيق التي تلزمهما المحافظة على السرية، ولأن المسؤول السابق في الوكالة يعمل الآن مستشاراً لمجموعة من كبريات الشركات الأميركية وغير الاميركية. تركز جزء من الحديث على الكتاب الثاني الذي أصدره أخيراً فيكتور اوستروفسكي الذي كان ضابطاً برتبة كولونيل في الاستخبارات الاسرائيلية الموساد ويقيم حالياً في كندا. وسألت "الوسط" عضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ هل أجهزة الاستخبارات الاميركية على علم بأن مجموعة متطرفة في الموساد، حسبما يقول اوستروفسكي، خططت لاغتيال الرئيس جورج بوش إبان انعقاد مؤتمر السلام في مدريد العام 1991، كما أنها اعتقلت ثلاثة مواطنين عرباً مسبقاً لكي تجعلهم كبش فداء وتحمّلهم مسؤولية الاغتيال، فأجاب مسؤول لجنة الاستخبارات: "نعم، كنا نعرف ذلك. كما ان تلك المجموعة كانت تنوي ايضاً اغتيال وزير الخارجية السابق جيمس بيكر. وأظن ان في وسعي ان أشرح الآن كيف عرفنا، وكيف ساعدتنا تلك المعرفة على إبلاغ رئيس الوزراء الاسرائيلي بوجود سرطان داخل جهاز استخباراته، كما قلنا له اننا سنعرف، إذا اغتيل رئيسنا، من الذي اغتاله وسنعلن ذلك على الملأ. ولكن أود أن أؤكد ان الذي أبلغنا الخطة ليس اوستروفسكي، وانما كان مواطناً روسياً. وفي وسعي ان أقول هذا الكلام الآن، لأن هذا الروسي لم يعد يعمل لحساب الموساد، ولم يعد له بقاء في اسرائيل. لكنني لن أفصح عن اسمه الحقيقي أو عن الاسم الذي استخدمه في اسرائىل، وسأكتفي بالقول انه عاد الى بلاده". وأضاف: "في اطار التعاون بيننا وبين دائرة الاستخبارات الخارجية الروسية التي حلت مكان المديرية الأولى في الاستخبارات السوفياتية كي.جي.بي اتفقنا على ارسال مهاجر على أساس انه يهودي، مع انه كان في الواقع مسلماً من جنوبروسيا. وكان يتحدث العبرية بطلاقة، كما اننا انتحلنا له اسماً يهودياً. وبعدما هاجر الى اسرائيل أثبت أنه عميل ممتاز لأنه عمل سابقاً مع الكي.جي.بي. وبمجرد وصوله الى اسرائيل أبلغ السلطات أنه كان يعمل مع الاستخبارات السوفياتية. ومن المرجح ان الاسرائيليين كانوا على علم بذلك، لكنهم اخضعوه لاستجواب دقيق لأنهم ليسوا مغفلين، ولا يقبلون المتطوعين الذين يعرضون خدماتهم عليهم الا بعد اخضاعهم لاختبارات صعبة. وبالطبع خضع ذلك المهاجر من روسيا لتحقيقات مركزة، كما انه تعرض في حالات كثيرة للكم والضرب والرفس، واجتاز كل الاختبارات التي اخضعه لها الاسرائيليون. ولأنه روسي، سرعان ما احتضنته المجموعة اليمينية المتطرفة داخل الموساد. ومن حسن حظنا انه وجد نفسه ضمن أفراد دائرة مؤامرة الاغتيال التي شجعها وأيدها بالطبع. وعندما عرفنا كل ذلك، بدأنا بمناقشة الموضوع، كما جرت مناقشات في البيت الأبيض واجهزة الاستخبارات المختلفة لكي نقرر هل يجب على الرئيس البوش الذهاب الى مدريد أم لا. لكن بوش له ماض عسكري مشرف، اذ كان طياراً جريئاً شجاعاً. لذلك رفض الاذعان لهذا الأسلوب من الابتزاز والترهيب، مع ان جيمس بيكر أعرب عن استعداده لتحمل المجازفة حتى وان أدى ذلك الى ارتدائه سترة واقية من الرصاص. واستقر الرأي على ان يبلغ سفيرنا في تل ابيب الحكومة الاسرائيلية بأننا نعرف كل شيء عن مخططات الموساد، من دون ان نكشف طبعاً هوية عميلنا هناك. ومن الواضح ان الحكومة الاسرائيلية بذلت مساعي لضمان عدم تنفيذ الخطة. وهكذا قرر بوش الذهاب الى مدريد، كما اننا أبلغنا الحكومة الاسبانية بكل تفاصيل القصة. وربما بدا أنني اتحدث عن تلك المؤامرة بنوع من الاستخفاف الآن لأنه لم يحدث أي شيء. لكن الحقيقة ان الجناح اليميني في الموساد الذي نطلق عليه في استخباراتنا "آيات الله الاسرائيليين" على درجة عظيمة من الخطورة. فهو ينظر الى الحكومة الاسرائيلية مثلما تنظر الميليشيات اليمينية الاميركية، أو الشخصيات التي نصبت الفخ لهارفي أوزولد لقتل الرئيس الراحل جون كينيدي، الى الحكومة الاميركية. ومع ذلك فإن ملالي الموساد أشد خطوة، لأنهم يملكون السلطة الحقيقية ولأنهم يعملون تحت ستار من السرية التامة". لاسلكي على الشاطئ الليبي ومن الأسرار الأخرى المهمة التي يكشف عنها كتاب اوستروفسكي ان الموساد نصبت اجهزة ارسال لاسلكي على الساحل الليبي العام 1986 لبث رسائل لتضليل البعثات الديبلوماسية الليبية في اوروبا، واعطاء الانطباع بأنها صادرة عن الحكومة الليبية، واستخدام تلك الرسائل ذريعة لتحميل ليبيا مسؤولية الانفجار الذي وقع في أحد الأندية الليلية في برلين تلك السنة، وأسفر عن مقتل ثلاثة اشخاص، بينهم جنديان اميركيان. ويقول اوستروفسكي ان الخدعة انطلت على الحكومتين البريطانية والاميركية، كما ان الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان قرر إثر ذلك إرسال الطائرات الاميركية لقصف طرابلس وبنغازي. لكن مسؤول "السي.آي.إيه" يقول: "إن الوكالة لم تكن تعرف شيئاً عن ذلك آنذاك". ويضيف في هذا الخصوص: "أنا متأكد ان الفرنسيين لم يعرفوا شيئاً عن ذلك ايضاً، مع ان اوستروفسكي يقول ان الحيلة لم تنطل عليهم. فلو عرف الفرنسيون لأبلغونا. لكن السبب الذي دفع الفرنسيين الى عدم السماح بعبور الطائرات الاميركية الاجواء الفرنسية في الطريق لمهاجمة ليبيا انهم لم يصدقوا قصة اعتراض الشيفرة والرسائل الصادرة من ليبيا لأن الموساد هي التي اعترضت تلك الرسائل، ونقلت المعلومات الى الاستخبارات الاميركية والبريطانية والفرنسية. ونعرف الآن ان تلك الرسائل كانت صادرة عن الموساد أصلاً. ومما نعرفه ايضاً ان الفرنسيين يلتزمون الحذر دائماً حيال أي معلومات تردهم من الموساد، خصوصاً اذا كانت هذه المعلومات تتصل بالبلدان العربية، لأن هذه البلدان هدف دائم للاستخبارات الاسرائيلية. ودعني أقل ان فرنسا هي التي اكتشفت ان الاسرائيليين رتبوا تأمين ملاذ لأبو نضال اذا اقتصرت عملياته على ما تقبله اسرائيل، مثل اغتيال دعاة السلام من الفلسطينيين - تماماً مثلما قدمنا نحن ضمانات الى كارلوس شرط عدم شن أي عمليات ضد الاميركيين وهو ما التزمه. أما مسؤول لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ فيقول انه لا يعارض، من حيث المبدأ، فكرة التضليل في المعلومات الاستخبارية التي يطلق عليها الفرنسيون اسم "تسميم المعلومات"، لكنه أضاف: "ان استغفال الحكومة الاميركية والحكومة البريطانية يشكل تجاوزاً لكل حدود الصداقة، مع ان مبدأ التضليل ليس جديداً على مهنة التجسس". ماكسويل وأساليب الموساد وحين سئل هل يقبل ما ذكره اوستروفسكي عن اغتيال الموساد الناشر البريطاني روبرت ماكسويل بعدما هددها بفضح اتصالاتها مع الكي.جي.بي وتدريبها الطيارين الايرانيين، قال مسؤول مجلس الشيوخ: "لم نستنتج في صورة قاطعة ان الموساد هي التي تولت تصفية ماكسويل، مع ان اختفاءه من اليخت، وطريقة موته يحملان كل علامات أساليب الموساد. ومن الواضح ان اوستروفسكي على علم بعلاقة ماكسويل مع الموساد لأنه كان في مقر الموساد عندما زارها ماكسويل. وهذه العلاقة معروفة لدى الكثيرين، كما ان الصحف البريطانية نشرت الكثير عنها. ومع ذلك اعتقد ان اوستروفسكي كان يتوقع السيناريو المحتمل لتصفية ماكسويل في مياه المحيط الأطلسي. وباعتقادي انه ليس من الصعب ان نصدق ان الموساد مسؤولة عن موته، لأنه لا بد ان نتساءل: لماذا تعجلت بسرعة شديدة في نقل جثمانه الى اسرائيل ودفنه هناك؟ ثم أنظر الى قضية مقتل أميرام مير. اذ أنهم أعادوا جثته الى اسرائيل غير ان والدة أميرام قالت أنها لم تكن جثة ابنتها. ملاذات آمنة في لندن وأكد المسؤول السابق في الاستخبارات الاميركية ان اوستروفسكي سلم السفارة البريطانية في واشنطن قائمة بأسماء عملاء الموساد داخل السفارة الاسرائيلية في لندن، ما حدا برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر الى طردهم، وقائمة اخرى بعناوين "البيوت الآمنة" التي كان يستخدمها عملاء الموساد في محيط لندن، وباسماء اليهود البريطانيين الذين كان ولاؤهم لاسرائيل مطلقاً. وقال المسؤول السابق: "دعني أقول بكل جلاء أنني لا أتعاطف اطلاقاً مع اوستروفسكي، لأنه خان يمين الولاء الذي أقسمه عندما التحق بعمله في الاستخبارات، وانتهك قانون السرية والكتمان. وبالمثل، لا أشعر بأي تعاطف مع الروس الذي حنثوا بوعدهم، وقدموا اليها العون. من هذا المنطلق لن أبوح إلا بما أعتقد ان البوح به مأمون. علاوة على ذلك أثار اوستروفسكي غضبنا الشديد في "السي.آي.إيه" العام 1986، لأنه كان هناك عدد كبير من الحركات العربية والايرانية في بريطانيا التي تغلغلت فيها الموساد. ومع انها عرفت بتنفيذ عمليات القتل والتصفية أكثر من شهرتها بدقة معلوماتها، فإن معلوماتها عن تلك الحركات كانت أفضل من معلومات الاستخبارات البريطانية. والواقع ان "السي.آي.إيه" ووكالات الاستخبارات العسكرية الاميركية تعتمد على درجة كبيرة على الموساد، ليس لدقة معلوماتها أو لأنها أفضل، وانما لافتقارنا الى المهارات اللغوية، ولأنه لم يكن لنا امبراطورية في الشرق الأوسط. ولذلك نعتمد ايضاً الى درجة كبيرة على البريطانيين والفرنسيين للأسباب نفسها. يضاف الى كل ذلك ان اليمين المتطرف داخل الموساد لديه اتصالات مباشرة مع الحركات الاسلامية المتطرفة التي كانت تمولها الموساد في افغانستان والسودان ومصر والأراضي المحتلة وغيرها من المناطق، كما ان هذه الحركات لها شبكات خاصة بها للتجسس في الدول التي تنشط فيها". الدرس الروسي القاسي وكان لا بد لمن يحاور مسؤولاً سابقاً في احدى أكبر وكالات الاستخبارات في العالم ان يتطرق لقضية ألدريش ايمز الجاسوس الروسي الذي تولى منصباً رفيعاً في وكالات الاستخبارات الاميركية قبل افتضاح امره. وكانت معلومات تكهنت غداة القبض عليه بأنه ربما خان عدداً من عملاء اميركا من المواطنين الروس قد يصل الى 100. وواكبت ذلك أنباء عن إعدام أولئك الجواسيس من دون محاكمة. قال المسؤول الاميركي السابق: "100 رقم كبير نسبياً، اذ قالت صحيفة واشنطن بوست" ان عدد المواطنين الروس الذين اعدموا لأنهم كانوا عملاء لأميركا لا يتعدى 10 أو 12 شخصاً. كذلك قالت الصحيفة ان ايمز فضح أسرار 50 من عملاء "السي.آي.إيه" ومكتب التحقيقات الفيديرالي ف.بي.آي، لكن العدد لم يكن كبيراً بتلك الدرجة. يمكنني القول ان العدد كان أقرب الى 30. وحتى لو قلنا إنهم اكتشفوا 30 من عملائنا، مع اننا لم نكتشف سوى ايمز وزوجته، فإن هذا ليس مهماً. المهم ان كي.جي.بي أو جهاز الاستخبارات الذي حل محلها ادركت ان من واجبها ان تلقن الآخرين درساً بإعدام كبار الجواسيس الذين تعاونوا معنا. ولهذا أعدمتهم من دون محاكمة ليكونوا عبرة للآخرين. ولا يزال عدد من أولئك الذين تعاونوا معنا في السجون أو في معسكرات الاعتقال في سيبيريا، أو في أماكن أخرى. ومن البديهي اننا سنحقق نجاحاً كبيراً لو استطعنا اقناع موسكو بالسماح لهم بالمجيء الى اميركا في مقابل سماحنا لجاسوسهم ايمز بالذهاب الى روسيا ليقضي بقية حياته هناك، لا شك ان علينا واجباً تجاه عملائنا الروس، لأنهم خدمونا وساعدونا. فالجواسيس الكبار مثل كيم فيلبي تجسسوا لحساب الاتحاد السوفياتي السابق من منطلق ايديولوجي. لكن ايمز وجون ووكر وأمثالهما تجسسوا لمصلحة موسكو من أجل المال. كذلك الحال بالنسبة الى جوناثان بولارد الذي تجسس لحساب اسرائيل من اجل المال. وقد يقول البعض ان اولئك الروس تجسسوا لحسابنا من أجل المال. غير انني اعتقد بأنه ليس هناك من يخون بسبب المال وحده، أو الايديولوجية وحدها، وانما يخون بدافع من الاثنين معاً. ويمكنني ان أضيف في هذا الصدد ان هناك عاملاً مهماً يميز جميع اولئك الذين انشقوا عن الروس وانحازوا الينا، وهو: رغبتهم في الانتقام لأسباب مختلفة". العودة بثياب تنكرية ويضيف مسؤول الاستخبارات الاميركية السابق: "خذ - مثلا - قضية اميرام مير الذي اغتالته الموساد لأنه كان يعتزم الذهاب الى واشنطن للأدلاء بشهادته عن دور اسرائيل في فضيحة ايران - غيت. وهناك ادوارد هاوارد ضابط الپ"سي.آي.اي" السابق الذي هرب الى موسكو، ولا يزال يعيش هناك، بعدما غضب من الوكالة الاميركية، وسينشر مذكراته قريباً في اميركا. ومن المؤكد ان ناشره سيقول انه لا يستطيع تحويل اي اموال الى هاوارد لأن وزارة الخزانة الاميركية لن تسمح بذلك". يقول هاوارد في كتابه المرتقب ان كي.جي.بي مكّنته من العودة الى الولاياتالمتحدة متخفياً، ومتنكراً، وبهوية جديدة، لكي يقابل زوجته، ويبحث معها ترتيبات رعاية ابنهما. هل ذلك صحيح؟ أجاب مسؤول الاستخبارات الاميركي السابق "المسألة ليست بتلك الصعوبة. اذ قد يصح ان تكون الاستخبارات الروسية منحته جواز سفر كندياً. ففي وسع احد العملاء الروس في كندا ان يعثر في سجل المواليد في كندا على اسم شخص بعمر هاوارد، لم يسبق له ان قدم طلباً للحصول على جواز سفر ثم يرسل طلباً بذلك الاسم مع صور شمسية لهاوارد بعد تنكره الى دائرة الجوازات الكندية بعدئذ يختار الروس اسماً روسياً لكيما ينتحله هاوارد في موسكو، ويصدرون له جواز سفر ديبلوماسياً ليذهب الى لندن حيث تسلمه السفارة الروسية هناك جوازه الكندي. وهذا امر سهل لأن الكنديين لا يختمون جوازات سفر مواطنيهم عند مغادرتهم البلاد، كما ان البريطانيين لا يختمون عادة جوازات سفر رعايا دول الكومونولث عند دخولهم بريطانيا او خروجهم منها. ومن ثم يتوجه بالجواز الكندي الى الولاياتالمتحدة ويتنقل بوسائل المواصلات العامة. كما ترى فالمسألة ليست صعبة. ومع ذلك فإنني اشك في ان يكون قد عاد الى الولاياتالمتحدة. ولكن ورود مثل هذه المعلومات في الكتاب نوع من التضليل الاستخباري الممتاز من وجهة نظر الروس، لأن هذا التضليل، اي دخول هاوارد الى الولاياتالمتحدة من دون اي مشكلة وعودته بعد ذلك الى موسكو سيجعل الروس يبدون كأنهم في غاية الذكاء، ويعطي الانطباع بأن هاوارد في غاية الجرأة والشجاعة. بينما الولاياتالمتحدة في غاية الغباء".