إتاحة تخصيص عقارات الدولة لأكثر من جهة حكومية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    إسرائيل تقصف الضاحية.. مصير خليفة نصر الله غامض    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    هل أوقف الاتحاد الدولي المُلاكمة الجزائرية إيمان خليف وجردها من ألقابها ؟    في مباراة الفريق أمام الرياض .. القادسية يحتفي بوزير الإعلام "الدوسري"    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    الهيئة السعودية للسياحة تطلق تقويم فعاليات «شتاء السعودية»    الخليج يعبر الخلود بهدف في دوري روشن السعودي للمحترفين    ميندي يوجه رسالة لجماهير الأهلي    مدرب القادسية يُفسر الخسارة أمام الرياض    الشباب يتعرض للخسارة أمام ضمك    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    تعليم مكة : 1485 مدرسة تحتفي بأكثر من 30 ألف معلم ومعلمة في يوم المعلم    لوحة «ص ق ر 2024» لمركبة «المرور» تلفت أنظار زوار «الداخلية» في معرض الصقور والصيد    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    القبض على (4) يمنيين في جازان لتهريبهم (120) كجم "قات"    الوطنية للإسكان NHC تكشف مزايا ومكونات حديقة خزام الكبرى شمال الرياض    الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع عملياته البرية في جنوب لبنان    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    تعرف على غيابات الأهلي عن الكلاسيكو أمام الهلال    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    تجمع الرياض الصحي الأول يكرم 14 استشارياً    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أثر الشخصية واللغة والأمكنة في رواية «الصريم» لأحمد السماري    أحلام على قارعة الطريق!    «زلزال الضاحية».. ومصير حزب الله    غريبٌ.. كأنّي أنا..!    ذكورية النقد وأنثوية الحكاية.. جدل قديم يتجدّد    إنجاز في ملف «البطالة»    الشاهي للنساء!    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    محافظ الطائف يلتقي مدير جمعية الثقافة والفنون    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    درجات أم دركات معرفية؟    معالي وزير العدل    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    تثمين المواقع    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انهارت الحرب الباردة واشتعلت حرب الاستخبارات . الاميركيون والروس يتجسسون طمعاً بالمال ... والبريطانيون والفرنسيون بدافع وطني
نشر في الحياة يوم 13 - 06 - 1994

كيف تغطي أجهزة الاستخبارات العالمية منطقة الشرق الأوسط؟ هل تختلف بعضها عن بعض مثل اختلاف "بي.بي.سي." مثلاً عن "آي.بي.سي."؟ أم هل شبه بعضها بعضاً مثلما تشبه "بي.بي.سي." محطة "سي.ان.ان."؟ ثم كيف تجاوبت مع انتهاء الصراع بين الغرب والشرق والعودة الى ما يشبه صراعات القرن التاسع عشر مع فارق واحد هو وجود الأقمار الاصطناعية؟
ان الشيء الأكيد هو أن الاستخبارات الذكية تظل أفضل كثيراً من الاستخبارات الباهظة الكلفة. ففي اعتقال الجاسوس الروسي أولدريتش أيمز الأميركي الذي تجسس لحساب موسكو وما تلاه من كشف اعتقال موسكو أحد عشر روسياً تجسسوا لمصلحة الولايات المتحدة، ما يشير الى حقيقة واضحة هي أن الحرب الباردة ربما انتهت، لكن النشاط الاستخباري مستمر بلا هوادة.
وإذا كانت الولايات المتحدة لا تزال أغنى دولة في العالم بكل ما تحمله الثروة من القوة والشعور بعدم الأمن أيضاً، فإن روسيا هي اكبر دول العالم مساحة ولها حدود مشتركة مع أوروبا والشرق الأوسط، اضافة الى حدودها التي تمتد حوالى عشرة آلاف كيلومتر مع الصين. وعلى رغم انتهاء الحرب الباردة فإنه لا تزال لروسيا مصلحة قوية في استقرار العالم العربي والأسواق التي يوفرها لها. الا أن مبعث القلق الروسي الأساسي هو الصين.
يقول أحد كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي.آي.إي.": "لو كانت لنا حدود مشتركة طولها عشرة آلاف كيلومتر مع الصين لاحتاجت السي.آي.إي. الى زيادة موازنتها بنسبة خمسين في المئة".
ولا يزال للولايات المتحدة وروسيا وأجزاء الاتحاد السوفياتي السابق الأخرى دور كبير في الشرق الأوسط. لكن هناك اعتقاداً أيضاً بأن فرنسا وبريطانيا لهما أيضاً من العملاء في المنطقة ما يعادل عملاء كل من الدولتين العظميين القديمتين. كذلك تراقب الصين المنطقة عن كثب، بينما بدأت اليابان التي يرجح ان تصبح مستقبلاً الدولة الاقتصادية الأولى في العالم، ببناء شبكة تجسسها الحديثة الخاصة.
وتعتقد "السي.آي.إي." ومكتب التحقيقات الفيديرالي اف.بي.آي. بأن اسرائيل تدير أكثر شبكات التجسس قسوة وعنفاً في المنطقة. أما أجهزة الاستخبارات العربية والايرانية فهي أقل نجاحاً منها بكثير، ربما باستثناء المصرية.
صراع بين الاجهزة
لقد احتل الصراع بين الوكالة والمكتب الاميركيين على من يجب ان يسيطر على هذا الجزء أو ذاك من نشاط مكافحة التجسس، وامتناع "السي.آي.إي." ووكالة استخبارات الدفاع عن مشاركة "إف.بي.آي." في معلومات استخبارية معينة، صدارة الأخبار عقب انفضاح أمر الجاسوس أيمز. وفي هذا الصدد يقول أحد كبار مسؤولي وكالة استخبارات الدفاع ان الصراع بين الدوائر الثلاث سيؤدي على الأرجح الى تركيز مكتب التحقيقات على محاربة الجريمة والمخدرات في الدرجة الأولى، وتركيز الوكالة المركزية والاستخبارات الدفاعية أيضاً على المعلومات السياسية والعسكرية.
وكان الخلاف بين الاجهزة الثلاثة دفع الرئيس بيل كلينتون أخيراً الى تكليف مستشاره لشؤون الأمن القومي أنطوني ليك مسؤولية الاستخبارات المضادة، كما أصدر اليه تعليمات واضحة للجمع بين الوكالة ومكتب التحقيقات وإجبارهما على التعاون.
وأجهزة الاستخبارات الأميركية التي تتمتع بموازنات ضخمة لها أوجه قوة وأوجه ضعف أيضاً. ويقول أحد كبار محللي الاستخبارات: "ان الأميركيين لم يتكيفوا حتى الآن بالسرعة المطلوبة مع العالم الخارجي، مثلما فعل البريطانيون مثلاً. كما أن الولايات المتحدة بدأت تبتعد عن أسلوب التحليل القائم على أساس المناطق الى اسلوب التحليل الذي يعتمد على طبيعة المعلومات ووظيفتها. ومعنى ذلك ان التخصص تبعاً للمناطق أخذ يضيع. على سبيل المثال يشترك قسم السي.آي.إي. الذي يتعامل مع القضايا الاقتصادية في الشرق الأوسط في الغرفة نفسها مع محللي القضايا والشؤون الاقتصادية في جنوب شرقي آسيا".
ويرى هذا المحلل البريطاني، كغيره من اختصاصيّي الاستخبارات الأوروبيين، أن نظام الاستخبارات الأميركي هو أكثر الانظمة بيروقراطية في العالم. ويشرح ذلك بقوله: "ان التقارير الواردة من الميدان أو حتى تلك التي يعدها الخبراء في لانغلي المقر الرئيسي لوكالة الاستخبارات تفقد زخمها حين تصل الى الذروة لأن كل طبقة من الطبقات البيروقراطية لا تريد لهذه التقارير ان تشتمل على أية معلومات مناقضة لما رفعته هذه الدائرة او تلك في السابق".
ويقول محلل لشؤون الشرق الأوسط تقاعد من "السي.آي.إي.": "يمكن ان تكتب تقريراً مفصلاً عن صدام حسين، عن شخصيته وأسلوب حياته اليومي بما في ذلك الطعام الذي يفضّله، وأن ترسم صورة جيدة للرجل وردود فعله المتوقعة في الظروف المختلفة وما الى ذلك، ثم يأتي مسؤول رفيع المستوى لا يتحدث العربية ولم يسبق له أن زار بغداد أو حتى الشرق الأوسط، ويغير كل ما يحلو له... وبعدئذ لا يوقّع على التقرير وإنما يترك توقيعك عليه"!
ويقول الخبير البريطاني أيضاً بعدما زار مقر وكالة الاستخبارات: "اذا أردت أن تجتمع مع بعض المحللين الآخرين الذين يهتمون بجوانب أخرى من المنطقة التي تشرف عليها ستجد أنك قد لا تحصل على قاعة للاجتماع قبل مرور أسبوعين. وهكذا يضيع وقت ثمين قبل أن تصل المعلومات المهمة او الحساسة الى البنتاغون والبيت الأبيض. فما هي اذن فائدة نظام التحذير المبكر اذا كانت المعلومات ستحتاج الى أسبوعين حتى تصل الى البيت الأبيض؟ ولهذا ربما كان من الأفضل أحياناً إبلاغ تلك المعلومات الى صحيفة مثل "واشنطن بوست" من اجل جلب انتباه الرئيس اليها. ولهذا السبب يميل معظم العاملين في الاستخبارات الى مجاراة التيار السائد بدلاً من تغيير الواقع. ومن هنا نجد ان الكثيرين مثلاً يبالغون ويهوّلون في أهمية برنامج كوريا الشمالية النووي لأنه موضوع الساعة، ولأن هؤلاء لا يريدون ان يخرجوا على النمط السائد من اجل ارضاء رؤسائهم".
أما ماكس غروس عميد كلية الاستخبارات العسكرية المشتركة فيقول: "لا يزال الشغل الشاغل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو المعادلة العربية - الاسرائيلية، وبعد ذلك يأتي موضوع الخليج. أما ارتفاع مد الاسلام المتشدد فهو لا يلقى الاهتمام الكافي في أروقة السلطة العليا. فالولايات المتحدة لم تباشر حتى الآن الاهتمام بالقرن الحادي والعشرين... لكن هذا هو على أي حال الوضع بالنسبة الى الجميع".
فرنسا وبريطانيا واليابان
ويقول ضابط الاستخبارات البريطاني: "حتى في موضوع الشرق الأوسط نجد أن الأميركيين يتركون جزءاً كبيراً من العمل الخاص بفلسطين وسورية والعراق وغيرها الى الاسرائيليين الذين يستغلون المعلومات بالطبع ويكيّفونها، لا من اجل ارضاء الاميركيين وإنما لخدمة مصالحهم الخاصة. تماماً مثلما يسود الاعتقاد بأن مكتب التحقيقات كان يعتمد على المافيا للقبض على مهربي المخدرات. والواقع ان فرنسا بمصالحها في المغرب العربي ولبنان، وبريطانيا بمصالحها في أنحاء المنطقة، خصوصاً ايران، تقومان بعمل جيد وتتعاونان في ما بينهما. فالاستخبارات الفرنسية تقوم بمهمة جيدة بالنسبة الى سورية ولبنان والى حد ما بالنسبة الى العراق. اما البريطانيون فاستخدموا حتى معلومات استخبارية أولية لتقديم اقتراح يرمي الى تولي احدى دول المنطقة العراق بعد انتهاء حكم صدام حسين. ومع أنني لا أقبل هذه الفكرة شخصياً الا انها تدل على وجود أسلوب استخباري اكثر ابداعاً لدى البريطانيين".
أما اليابان، وهي وافدة جديدة على مسرح استخبارات الشرق الأوسط، فتركز اهتمامها على الاستقرار السياسي والنفط. ويقول المحلل البريطاني انها "تشعر أيضاً بحساسية مفرطة ازاء ما يسمى "الارهاب" لأنه يمكن التعرف الى اليابانيين بسهولة أينما ذهبوا ولأنهم يشعرون أيضاً بأن معظم "الارهابيين" لديهم نظرة عنصرية. ولما كان النظام الأخلاقي الياباني لا يستند الى أي عقيدة دينية أو فكرة مفردة فانهم يشعرون بحيرة وخوف من الاسلام المتشدد. ولهذا يولون اهتماماً أكبر في استخباراتهم لهذا الجانب مما يوليه الأميركيون".
ويقول ضابط استخبارات فرنسي في واشنطن يقوم بدور الاتصال بين الاستخبارات الفرنسية و"السي.آي.إي." انه يلاحظ وجود "جو يكاد يصل الى درجة التحلل" في قسمي مكافحة التجسس في الوكالة المكزية ومكتب التحقيقات نتيجة قضية أيمز وما تلا ذلك من اعتقال معظم أو جميع اعضاء شبكة التجسس الأميركية داخل الاستخبارات الروسية.
تدهور أميركي في الشرق الاوسط
ويضيف ضابط استخبارات ألماني درس العربية في المدرسة البريطانية في بشامون شرق بيروت مع زميل أميركي أصبح الآن أحد أكبر المسؤولين عن الشرق الأوسط في وكالة استخبارات الدفاع في واشنطن: "ان زميلي قام بالكثير من العمل الاستخباري الخلاّق بما في ذلك المهمات الرائعة التي قام بها في أفغانستان. لكنه يقول لي الآن انه يعتقد بأن نوعية الاستخبارات الأميركية عن الشرق الأوسط تدهورت الى درجة كبيرة في السنوات العشر الماضية وستستمر في التدهور".
أما داخل اجهزة الاستخبارات الأميركية فإن الكثيرين من العاملين يردون تدهور المعنويات وانحسار الفعالية إلى الخفوضات في الموازنة عقب انتهاء الحرب الباردة. الا أن أحد ضباط الاستخبارات البريطانية الموجود في واشنطن يعتقد بأن تلك الخفوضات ربما ساعدت في الواقع "السي.آي.اي". ويقول: "ان ضعف الاستخبارات الاميركية، مثل الاستخبارات السوفياتية السابقة، هو طبيعتها التي تشبه الأخطبوط، ما يعني ان كل جزء منها يتنافس مع الجزء الآخر. ولذا تكون النتيجة في حالات كثيرة لمصلحة العدو أياً كان ذلك العدو".
ويعتقد ضابط الاستخبارات البريطاني بأن أكبر غلطة ارتكبتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي عدم استخدامها رصيدها الهائل من مواطنيها الذين يتكلمون العربية. اذ أن أكثر من ثلث الاميركيين من أصل عربي البالغ عددهم ثلاثة ملايين، يتحدثون العربية بطلاقة وبلهجاتها المختلفة من المغرب وحتى الخليج.
ويضيف: "ان الأميركيين يفرطون في اعتمادهم على الاستخبارات الاسرائيلية لأنهم يعرفون ان الدولة العبرية جندت جواسيس من العرب. وهذا دليل على الكسل الأميركي كما أنه يكلف في نهاية الأمر اكثر من الاعتماد على الأميركيين أنفسهم".
ويقول غراهام فولار الرئيس المتقاعد لقسم استخبارات الشرق الأوسط في الوكالة المركزية: "هذا كلام صحيح لأننا نتمنع عن استخدام العرب الأميركيين جواسيس في الشرق الأوسط. لكن هذا هو الحال بالنسبة الى الاقليات العرقية المختلفة في الولايات المتحدة. اضافة الى ان قلة ضئيلة من العرب الأميركيين أبدت اهتماماً باحتراف العمل الاستخباري. والواقع ان ليست هناك أي أقلية من الأقليات في أميركا، من إسبانية وأفريقية وآسيوية وغيرها، أظهرت رغبة في الانخراط الى درجة كبيرة في نشاط الاستخبارات اذ لا يزال هذا المجال مرتعاً للأميركيين من أصول انكليزية وإيرلندية واسكوتلندية وألمانية، اضافة الى بعض اليهود".
وتتفق جميع المصادر على أنه يجب الاحتراس من اليهود حين يتعلق الأمر بتحليل أي معلومات استخبارية من الشرق الأوسط. ويذكر ان اكبر عدد من اليهود في "السي.آي.اي." يعمل في التجسس التكنولوجي الأقمار الاصطناعية خصوصاً وفي مجال الادارة.
يقول فولار: "اذا كان هناك عربي اميركي مثلاً له أقارب وأبناء عمومة في الخارج فانه سيكون في وضع اخطر من نظيره الأميركي العادي. اذ يمكن نظاماً اجنبياً ان يخضعه للابتزاز بتهديد أقاربه، كما هو الحال في العراق. ولهذا السبب كان هناك حظر لفترة طويلة جداً على زواج ضباط الاستخبارات من أبناء أو بنات الدول الاجنبية الذين التقوهم في الخارج. والواقع ان الروس كانوا يطبقون السياسة نفسها على ضباطهم".
ويعتقد فولار بأن لدى الولايات المتحدة أفضل الاستخبارات التكنولوجية في المنطقة. من ذلك مثلاً استخدام الأقمار الاصطناعية لالتقاط الصور والتنصت على المكالمات الهاتفية. اذ أن الغالبية العظمى من المواد والمعلومات الاستخبارية الاميركية عن الشرق الأوسط مصدرها الاجهزة التكنولوجية. ويضيف: "لكن هذا لا يعني في العادة انك تستطيع الاستماع الى ما يجري في اجتماعات مجلس الوزراء مع أن في وسعك بالطبع ان تتنصت على ما يقوله كبير مستشاري رئيس ما حين يتحدث مع زميل آخر له في وزارة أخرى عما جرى في تلك الاجتماعات. وفي الفترة الأخيرة قررت الولايات المتحدة التركيز ايضاً على العنصر البشري في جمع المعلومات الاستخبارية وتحليل الاتجاهات والنزعات الاجتماعية والسياسية بهدف تحقيق فعالية أفضل في مجال التحليل، والحصول على معلومات مسبقة عن احتمال انهيار نظام ما أو نشاط حركة ثورية ما. اذ أن الأقمار الاصطناعية وحدها لا يمكن ان تقول لك مثلاً ان النظام في إيران على وشك الانهيار، او ان نظام الرئيس بوريس يلتسن في روسيا على وشك السقوط. فهذه أمور يجب الاعتماد فيها على ما يتوافر من معلومات استخبارية بشرية".
الروس يقلدون
ويقول تقرير حديث لمجلس الأمن القومي الأميركي ان جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية الذي كان يعرف في السابق باسم المديرية العامة الأولى في "الكي.جي.بي." بدأ يقلّد "السي.آي.إي." في مجال التمويل. اذ بدأ يشكل شركات وهمية وأخرى حقيقية في المجالات التجارية والمصرفية لتكون بمثابة واجهة. ويضيف ان يفغيني بريماكوف الرئيس السابق لمكتب "برافدا" في الشرق الأوسط الذي أصبح الآن رئيساً للاستخبارات الروسية أمضى جزءاً كبيراً من فترة عمله الصحافية في الشرق الأوسط في "اقامة الشركات التي كانت واجهة للاستخبارات السوفياتية".
كذلك كان الاتحاد السوفياتي يستخدم الحوافز الأيديولوجية في بناء شبكاته الاستخبارية. اذ كان يضم الى تلك الشبكات الشيوعيين المحليين أو اعضاء الأحزاب اليسارية الأخرى او حتى المتعاطفين. وكانت موسكو تستقبل الكثير من الطلاب والضباط العسكريين، ما ساعدها على تجنيد كوادر من العملاء الذين كانوا يخدمونها لدى عودتهم الى بلادهم. ويقول فولار: "ان هذا الأسلوب كان من العوامل الحاسمة التي ساعدت على النجاح المبدئي الذي حققته موسكو في أفغانستان".
لكن أحد ضباط الاستخبارات الفرنسية في واشنطن يرى ان هذا الاسلوب سلاح ذو حدّين، فالرئيس السابق لساحل العاج هوفويت بوانيي كان يقول: "اذا أرسلت ابنك في بعثة دراسية الى باريس على حساب الحكومة الفرنسية سيصبح بعد عودته شيوعياً يكره الفرنسيين. وإذا أرسلته في بعثة على حساب الحكومة الصينية الى بكين فانه سيعود كارها للشيوعية والصينيين العنصريين بل سيكون من أقوى مؤيدي حرية رؤوس الأموال وحرية الصحافة".
وفي اعتقاد فولار ان الوضع اكثر تعقيداً الآن بالنسبة الى الروس لأنهم خسروا الحرب الباردة وخسروا معها الكثير من أصدقائهم في الشرق الأوسط. ولهذا فان دولاً كثيرة في الاتحاد السوفياتي السابق وجدت ان عليها العمل من جديد على بناء شبكات تجسسها في المنطقة وبأموال أقل مما كان متوافراً لديها في السابق. وهذا ما يؤيده الجنرال فاديم كيربيشنكو أستاذ الجواسيس الروس الذي كان في احدى المراحل مديراً لمكتب "كي.جي.بي." في القاهرة. اذ يقول ان الاستخبارات الروسية تنفق على ضابطها في الشرق الأوسط مثلاً ربع المبلغ الذي تنفقه "السي.آي.اي."، وعلى رغم ذلك يعتقد فولار بأن استخبارات جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لا تزال "قادرة على الاستمرار في علاقاتها مع عملاء الكي.جي.بي. السابقين من العرب لأن روح الزمالة في الاستخبارات عموماً أهم من الأيديولوجية. لكن توجّه الاستخبارات الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي اصبح مختلفاً الآن. اذ ان روسيا تركز على ما تسميه "الخارج القريب"، أي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المجاورة لها اكثر مما تركز على الشرق الأوسط. يضاف الى ذلك انها لم تعد تنهمك الآن - مثلما كان الاتحاد السوفياتي في السابق - في النشاط الاستخباري العلني بهدف تحقيق تغييرات سياسية".
الحافز المالي
ويشير ضابط الاستخبارات البريطاني الى ان نهاية الحرب الباردة جعلت من الصعب على جميع أجهزة الاستخبارات عموماً اجتذاب الجواسيس داخل أجهزة أخرى الا اذا كان الحافز المالي قوياً، يقول: "لم تكن الحوافز الاساسية لجواسيس من أمثال فيلبي وفوش وماكلين هي المال. اذ كان دافعهم الأساسي تزويد الروس معلومات كافية عن القضايا النووية من أجل ضمان عدم تفوق اميركا والغرب الى درجة تجعلهم يبدأون بشن حرب نووية. ولعل الجاسوس "الطيب" الوحيد في الفترة الأخيرة هو جون فعنونو الذي فضح الاسرار النووية الاسرائيلية. اما الباقون فلا شك في ان المال هو حافزهم الأساسي".
ويؤيد ريتشارد هيلمز المدير السابق للوكالة الاميريكة هذا الرأي: "انني لا أذكر اطلاقاً أنني التقيت أي سوفياتي انحاز الى جانبنا لأنه يعشق دستورنا ويؤمن بالديموقراطية الأميركية. اذ كان الحافز وراء هربهم الينا هو المال ورخاء الحياة. كما ان الأميركيين الذين عملوا لحساب موسكو فعلوا ذلك في مقابل المال".
ويضيف فولار: "الاميركيون لا يتجسسون لمجرد حبهم للتجسس. فرجل الأعمال البريطاني أو الفرنسي في الخارج مثلا يشعر بواجب وطني حين ينقل أي معلومات استخبارية الى سفارته. لكن رجل الاعمال الاميركي لا يريد تشويه سمعته بالارتباط بحكومته بأي شكل من الأشكال وليس باستخباراتها فقط".
ويتفق فولار وغروس على ان الاستخبارات التي تتوافر لبريطانيا وفرنسا عن العالم العربي أفضل كثيراً من تلك التي تتوافر للأميركيين. ومن أهم الأسباب التي تساعد الدولتين على ذلك علاقتهما التاريخية السابقة مع المنطقة وروابطهما التجارية والثقافية القوية معها. كما ان الدولتين تهتمان الى درجة كبيرة جدا بكل ما يجري في الشرق الأوسط. ويشير فولار الى ان الأسلوب الروسي في ميدان الاستخبارات في الشرق الاوسط بدأ يحذو حذو النهج البريطاني - الفرنسي.
الموساد أكثر عنفاً
وحين سألت "الوسط" فولار عن رأيه في الاستخبارات الاسرائيلية الموساد قال: "ان معظم ما تسمعه عن الاستخبارات الاسرائيلية صحيح الى درجة كبيرة باستثناء ما تدعيه من انجازات خارقة. فالاسرائيليون يستخدمون اليهود الشرقيين عملاء الى درجة كبيرة. وهم يستخدمون ضباط الاستخبارات للظهور أناساً عاديين جداً وبمستوى لا تجرؤ عليه أية استخبارات أخرى في العالم. فالاستخبارات الاسرائيلية تجند اليهود الشرقيين مثلاً ثم ترسلهم الى الخارج بأسماء جديدة وشخصيات منتحلة وتاريخ حياة ملفق بعناية فائقة. وربما سأل بعضهم: وهل ينجح هذا الأسلوب؟ نعم. من حين الى آخر. وفي واقع الأمر ان الاسرائيليين يتفوقون كثيراً على الغرب في هذا الجانب، كما ان الروس يلجأون اليه ايضاً. وهناك خدعة أخرى كثيراً ما يلجأ اليها الاسرائيليون وهي تجنيد عملاء تحت وهم العمل لجهة اخرى مثل روسيا او بريطانيا او فرنسا وما الى ذلك.
ومن الحقائق المعروفة ان ضباط الاستخبارات الاسرائيلية اكثر خشونة وقسوة من الآخرين. فهم يقتلون ويخطفون ويبتزون بل يلجأون الى تهديد عائلات العملاء اذا قرر هؤلاء مثلاً الانسحاب. كذلك يمارسون ابتزاز الأموال في بعض الاحيان. ومع ذلك فإن المعلومات الاستخبارية التي يحصلون عليها ليست على تلك الدرجة من التهويل كما يقول المدافعون اليهود في اوروبا وأميركا. وقصارى القول ان الاستخبارات الاسرائيلية لها أوجه ضعفها وأوجه قوتها. ولعل اهم أوجه ضعفها هو انها كثيراً ما تخطئ في تحليل المعلومات الاستخبارية ولا سيما الاستراتيجية منها. والواقع ان الاكاديميين في الجامعات الاسرائيلية افضل في تحليلاتهم من محللي الاستخبارات الاسرائيلية الذين يميلون الى التهويل والمبالغة، خصوصاً في المعلومات التي تقدمها استخباراتهم عن العالم العربي والاسلامي الى الاميركيين".
العرب يقلدون الروس
كيف ينظر فولار الى أجهزة الاستخبارات العربية؟
يجيب عن ذلك بقوله: "الكثير من الأجهزة العربية قلّد الاستخبارات السوفياتية لأنها كانت ممتازة جداً. ولهذا اعتمدت على الأموال واستخدام العملاء لتأييد أيديولوجية معينة، مثل القومية العربية او البعثية. اما اليوم فهذه الايديولوجية هي التطرف الديني. فمثلاً يوجد لايران عملاء استخبارات من السودانيين في السودان اكثر مما لها من الايرانيين. اذ ان التوافق الايديولوجي من أهم العوامل المساعدة على تعاون الاستخبارات. يضاف الى ذلك ان المتطرف الاسلامي السوداني الذي يتجسس لحساب ايران مثلاً لا يفكر اطلاقاً في المال… ربما حصل على نفقاته العادية أو وجبة طعام، لكنه لا يتقاضى راتباً. كذلك تستغل الاستخبارات العربية عموماً انتشار ابناء عائلات مواطني دولة ما في مختلف انحاء العالم العربي بل العالم أجمع. ولهذا فان ضابط الاستخبارات اللبناني مثلاً يمكن ان يعتمد على أقارب له في مصر أو دول الخليج أو نيجيريا أو واشنطن وما الى ذلك".
وسألت "الوسط" فولار عن أكفأ الاستخبارات العربية، فأجاب: "انها الاستخبارات المصرية من دون أدنى ريب. اذ ان خبرتها طويلة كما انها ورثت الكثير عن الاستخبارات البريطانية".
وماذا عن الاستخبارات التركية؟
"بعد سقوط الامبراطورية العثمانية ابتعدت كثيراً عن الساحة العربية وبدأت بالتركيز على المشكلات التركية الداخلية. لكن جهاز الاستخبارات التركي فعال وهو يركز في الدرجة الأولى على الخطر الكردي".
وأين تقف استخبارات دول مثل اليابان والصين؟ فمن الواضح ان الاستخبارات الآسيوية عموماً متخلفة عن نظيراتها في الغرب.
يقول ضابط الاستخبارات الفرنسية: "الاستخبارات الآسيوية لم تنهج عموماً ذلك النهج المألوف في الغرب. فالصين كانت تقلد السوفيات في استخدام الناحية الايديولوجية أرضية لتجنيد العملاء. فمن الصعب عليها استخدام رعاياها لأنه يمكن ملاحظتهم، كاليابانيين، بسهولة في أي بلد في الشرق الأوسط. وفي الفترة الأخيرة بدأت الصين تركز في الواقع على الجانب التجاري مثل روسيا، انطلاقاً من رغبتها في تطوير علاقاتها التجارية مع المنطقة واليابانيون أكثر توجهاً تجارياً من الصين. ولهذا فهم يركزون على الجوانب التجارية والاستثمار والنفط ويهمهم الاستقرار. ولا أعتقد بأن اليابانيين انهمكوا في أي فترة في نشاط استخباري سري بمفهومه العادي. وهم في الواقع يبحثون عن أصدقاء لليابان ما يعني اصدقاء لمنتجاتهم".
اذن هل أثر التجسس بمفهومه السري وما ينطوي عليه من خطورة وما يحققه من نجاح في موقف دول الشرق لأوسط من التجسس عموماً؟
لا يعتقد فولار ذلك مع انه يعترف بأن قصص الجاسوسية في السينما والتلفزيون ربما تركت بعض الأثر، يقول: "الناس في الشرق الاوسط يميلون الى الاعتقاد بأن أجهزة الاستخبارات الغربية وقدراتها أعظم كثيراً مما هي في واقع الحال".
وحقيقة الأمر ان جميع المصادر التي تحدثت اليها "الوسط" تؤكد ان هناك نظرة في الشرق الأوسط الى استخبارات الغرب كأنها "سوبرمان". ونظراً الى ان هناك مؤامرات كثيرة فان هناك أيضاً نزعة الى القاء اللوم فيها على الاستخبارات الغربية. وهذه مشكلة يقول فولار انها تواجه الأميركيين خصوصاً في بلد مثل ايران. اذ ان الاستخبارات البريطانية والأميركية أطاحت فعلاً نظام مصدّق وأعادت الشاه الى الحكم في طهران، بينما أطاحت بريطانيا والد الشاه.
ويشك كثيرون في ان الاستخبارات الأميركية هي التي جاءت بالامام الخميني الى الحكم لمعاقبة الشاه على تنظيم عملية زيادة أسعار النفط بنسبة ثلاثة أضعاف سعره السابق. وهناك نظرية أخرى هي ان بريطانيا هي التي أطاحت الشاه عقاباً للولايات المتحدة على اخراج ايران من منطقة النفوذ البريطاني، بل هناك نظرية ثالثة هي ان الاستخبارات البريطانية والاستخبارات الأميركية تعاونتا على تغيير نظام الشاه والمجيء بنظام جديد يغلق الأبواب في وجه الاستثمارات والتجارة اليابانية.
ويلخص فولار الوضع بقوله: "انني لا أنكر أننا ممتازون في بعض الجوانب. فنحن في الصدارة تكنولوجياً، اذ لا يمكن أحداً ان يقول لك بدقة أكثر منا كم هو عدد الدبابات مثلاً في هذه الدولة أو تلك. وليس هناك من هو أفضل منا في التنصت على حديث رئيس دولة أجنبية أو رئيس حكومة الى وزرائه على الهاتف. ومع ذلك فان فرنسا هي التي قدمت أول برهان قاطع على ان كوريا الشمالية لديها منشأة لصنع الأسلحة النووية بفضل قمر "سبوت" الاصطناعي. أما من حيث "كمية الاستخبارات" فليس هناك من يستطيع منازعة الولايات المتحدة. وعلى رغم هذا فان الغرب لا يحسن قياس اتجاه التاريخ عموماً لأنه ليس مستنيراً بما فيه الكفاية في مجال التفكير الاقليمي".
هل يمكن ان يكون السبب في ذلك عدم رغبة بعضهم في تغيير الواقع في أجهزة الاستخبارات نظراً الى اعتمادهم في حياتهم وثروتهم ومعيشتهم على هذا الواقع؟
يقول فولار: "أظن ان هذا صحيح".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.