وافق فيكتور اوستروفسكي، وهو عميل سابق ل "موساد"، على تقديم أدلة لفريق الدفاع في المحاكمة المقبلة لليبيين المشتبه بهما في قضية تفجير طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي عام 1988. واثار هذا النبأ غضب افراييم هاليفي المدير العام ل "موساد". وكان نائب المدير السابق لجهاز الاستخبارات الاسرائيلي ديفيد كيمحي وصف اوستروفسكي بأنه "خائن للجهاز واسرائيل". لكن اوستروفسكي 45 عاماً وافق، بعد اسابيع من المفاوضات، على ان يقدم أدلة عبر الاقمار الاصطناعية. وابلغ فريق المحامين الاسكتلندي ان "السفر الى هولندا يمثل خطورة بالغة على حياتي، فقد يحاول ال "موساد" خطفي واعادتي الى اسرائيل". وكان اوستروفسكي ادعى قبل سنوات ان الشرطة الكندية تدخلت لمنع عملاء "موساد" من خطفه في تورونتو بعدما كان اصدر اول كتابين يتناولان تجربته في "موساد". وحاولت الحكومة الاسرائيلية ان تمنع نشر الكتاب الاول باقامة دعوى غير مسبوقة في نيويورك، لكنها خسرت الدعوى واصبح اوستروفسكي كاتباً ذا شهرة عالمية. ومنذ ذلك الحين، يحيط اوستروفسكي تحركاته بستار من الكتمان، وانتقل من كندا الى ولايات عدة في اميركا. وهو يعيش حالياً في اريزونا. وتمكن محامي الدفاع في قضية لوكربي من الاتصال به هناك. وكانوا في البداية مهتمين بالحصول على معلومات عن اجتماعه مع مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6" بعد وقت قصير على الحادث. وكان اللقاء جرى في صالة فندق "شاتو لوريه"، وهو احد فنادق اوتاوا الفخمة. وابلغ اوستروفسكي المحامين ان المسؤول في "إم آي 6" سأله "دون مواربة" ما اذا كان "موساد" متورطاً في اسقاط طائرة "بان اميركان". وادعى امامهم بأنه لا يزال يحتفظ، على رغم انتهاء عمله مع "موساد"، بصلات وثيقة مع مسؤول في الجهاز يُدعى "افراييم". واجرى اتصالاً به من صالة الفندق. وقال افراييم لاوستروفسكي ان "موساد" كان متورطاً في الكارثة، ملمحاً الى دور لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية. وكان هذا الادعاء هو الذي هزّ قيادة "موساد"، وسيكون بلا شك حدثاً مثيراً عندما يقدم اوستروفسكي أدلته في وقت لاحق السنة الجارية. فهو سيدعي بأنه كان هناك ثمانية من العاملين في اجهزة الاستخبارات الاميركية على متن طائرة "بان اميركان" عندما تحطمت، وبينهم اربعة عملاء في "سي آي أي" يتزعمهم ماثيو كانون، احد المسؤولين الميدانيين المخضرمين. وكان الفريق اوفد الى تل ابيب في مهمة تتعلق "بتقاسم معلومات استخبارية" التقى خلالها مسؤولين في "موساد". وما يحتمل ان يكون اكثر اثارة هو التفاصيل التي سيقدمها اوستروفسكي عما يعرفه في شأن تشارلس ماكي، وهو رائد في الجيش الاميركي مقره في البنتاغون، واللغز المحير الذي يتعلق بحقيبته. فبعد تحطم الطائرة، عثر عملاء ال "سي آي أي"، الذين هرعوا الى مكان الحادث من قاعدتهم في السفارة الاميركية في لندن، على الحقيبة التي كانت "سليمة تماماً". وكانوا وصلوا بعد وقت قصير على عثور الشرطة الاسكتلندية على الحقيبة. وصادر فريق ال "سي آي أي" الحقيبة متذرعاً باسباب لم تُكشف حتى الآن. وبعد ذلك بيومين اعادوا الحقيبة. وثبّت المحققون الاسكتلنديون - المسؤولون عن التحقيق - في سجلاتهم انها كانت "فارغة". ويعتقد فريق محامي الدفاع ان في امكان اوستروفسكي ان يلقي بعض الضوء على محتويات الحقيبة. كما ستوجّه اليه اسئلة عن دور شركة محققين خاصين في نيويورك اسمها "انترفور"، تأسست في 1979 على يد ضابط آخر في "موساد" هو يوفال أفيف. وفي تقرير سري اُعد لشركة "بان اميركان" لم تُنشر محتوياته حتى الآن، ادعى أفيف ان "مجموعة مارقة" من "سي آي أي" كانت لديها معرفة مسبقة بالاعتداء على الطائرة، "الاّ انها لم تفعل شيئاً لان المجموعة كانت جزءاً من عملية لتهريب المخدرات من مطار فرانكفورت تحت اسم كوريا". ستكون الضربة الاقوى ل "موساد" ادعاء اوستروفسكي بأن الجهاز تلقى، قبل 24 ساعة من بدء الرحلة، إشعاراً من جهاز الاستخبارات الالماني "بي إن دي" بأن قنبلة ستُزرع على الطائرة في فرانكفورت. كما سيدعي اوستروفسكي ان الالمان نقلوا المعلومة الى فريق "سي آي أي" في فرانكفورت الذي لم يتخذ اي اجراء. ومن المحتمل ان تكون حقيبة ماكي احتوت على أدلة تتعلق بعملية نقل المخدرات. او ربما كانت تحتوي ادلة تثبت ان "موساد" اوصل تحذيراً الى "سي آي أي". واحبطت واشنطن حتى الآن كل المحاولات الهادفة الى كشف الحقائق متذرعة ب "مبررات الامن القومي". لكن شهادة اوستروفسكي قد توفر بعض الاجابات المذهلة. ومن المؤشرات الى ذلك، الطريقة التي بدأ ينشط بها "موساد" لاضعاف الثقة باوستروفسكي. فقد شرع ديفيد كيمحي بابلاغ صحافيين في تل ابيب بأن اوستروفسكي "صاحب خيال جامح خطر سيدمر أدنى صدقية يأمل فريق الدفاع في الاحتفاظ بها". وشبّه رافي إيتان، النائب السابق لمدير العمليات في "موساد"، اوستروفسكي ب "ثرثار من اسوأ صنف". لكن على رغم كل هذه المساعي لتشويه سمعة عميلهم السابق، يبقى سؤال واحد: "لماذا يتحملون كل هذه المشقة اذا لم يكن اوستروفسكي سوى صاحب خيال جامح؟". * خبير في شؤون الاستخبارات، ومؤلف كتاب "جواسيس جدعون- التاريخ السري لموساد".