تحديات "الصناعة والتعدين" على طاولة الخريف بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة اليوم    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2719.19 دولارا للأوقية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة : خريطة لميزان القوى وسيناريو الحرب الأهلية يتراجع
نشر في الحياة يوم 15 - 05 - 1995

بددت غزة توقعات جهات عدة - عربية واسرائيلية - بأنها ستتحول جبهة لمعارك حرب أهلية بين السلطة الفلسطينية والمتشددين الاسلاميين المناوئين لها. ورغم الخلافات والصدامات يبدو أن ثمة تفاهماً بين الجانبين على عدم التصعيد مهما تفاقمت الخلافات، ومهما تباينت المواقف. غير أن مراقبي الشأن الفلسطيني يلفتون الى عوامل أخرى كالانقسامات وسط الفصائل الأخرى، وتعدد الاتجاهات السياسية داخل الأسرة الفلسطينية بوجه عام.
يقول صحافي فلسطيني أطلق أخيراً، بعدما اعتقلته الشرطة الفلسطينية بضعة أيام دون أن توجه اليه تهمة سوى التعاطف مع التيار الاسلامي، "إن معظم السجناء يتفهمون الدوافع التي ترغم السلطة الفلسطينية على القيام باعتقالات، ويقولون ان الأمر بالنسبة اليهم أضحى مثلثاً تتعرض أضلاعه الى ضغط متساو، إذ تضغط اسرائيل على سلطة الحكم الذاتي لكبح جماح الاسلاميين، وتضغط السلطة بدورها على الاسلاميين، ويضغط هؤلاء بدورهم بالانتقام من اسرائيل".
وقال عماد الفالوجي، مراسل احدى الصحف المحلية في قطاع غزة، انه لا يخشى أن يتحول القطاع مسرحاً لحرب أهلية، بين الاسلاميين والسلطة. وأضاف ان السجناء الذين رافقهم خلال فترة اعتقاله كانوا أشد حرصاً على عدم اعطاء الاسرائيليين "الفرصة الذهبية لمشاهدة الاقتتال بين الاخوة رغم الظلم الواقع على الاسلاميين من جراء عمليات الاعتقال والتوقيف والمحاكمات الصورية التي تتم تحت جنح الظلام".
وأضاف الصحافي الفلسطيني ان سجن غزة المركزي يؤوي حوالي 250 سجيناً من حركة حماس، وعشرات من تنظيم الجهاد الاسلامي، "ولا يشعر هؤلاء بأن عليهم الانتقام من السلطة لاعتقالهم" على حد تعبيره. ونقل عن أحد السجناء قوله: "إبان الانتفاضة قتل ناشطو حركة فتح خمسة من اعضاء حركة حماس، ورغم معرفة قيادة حماس هوية الجناة، فهي لم تلجأ الى الانتقام، بل سعت الى تطويق الحادث حتى لا يذهب الدم الفلسطيني هدراً".
ولا ينفي ذلك - من وجهة نظر المعتقلين بأمر السلطة الفلسطينية - ان الأخيرة تصنع أعداءها بيدها من جراء هذه الاعتقالات. وفي سياق توضيح ذلك قال الفالوجي "انها المرة الأولى التي ادخل فيها سجناً، حتى سلطات الاحتلال لم تعتقلني أثناء سيطرتها لعدم وجود أي دليل ضدي".
شعارات بلا برامج
وذكر ناشط اسلامي بارز في قطاع غزة "ان صمام الأمان في قطاع غزة يتمثل في التنوع وتعدد الاتجاهات السياسية والايديولوجية داخل الأسرة الفلسطينية. ففي الأسرة نفسها ينتمي كل من أفرادها الى فصيل أو حركة سياسية مختلفة، ولهذا فمن الصعب جداً نجاح تنظيم في اتخاذ قرار بشن الحرب ضد تنظيم آخر، لأن أفراد الأسرة الواحدة مع تعدد اتجاهاتهم السياسية يلتقون في المساء على مائدة واحدة وينامون تحت سقف واحد".
ورأى مسؤول فلسطيني من أبناء قطاع غزة "أن الشارع الفلسطيني يسير خلف خطين، الأول: تقوده فتح، والسلطة الفلسطينية، والثاني: تقوده حركة حماس، بعد أن أضحى حضور الفصائل الفلسطينية الأخرى شبه معدوم، خصوصاً أنها غدت تركز على طرح الشعارات دون أن تكون لديها برامج لتنفيذ شعاراتها".
وأشار المسؤول، الذي طلب من "الوسط" عدم ذكر اسمه، الى أن الفصائل الفلسطينية الموجودة في الضفة الغربية وقطاع غزة تعاني من انقسامات ونزاعات، وضرب لذلك مثلاً بالصراع الذي يدور داخل تنظيم "فدا" الذي يتزعمه ياسر عبد ربه مسؤول الثقافة والاعلام في السلطة الفلسطينية. وذكر ان هناك تياراً يتزعمه ممدوح نوفل، وآخر يمثله صالح رأفت يعمل ضد عبد ربه. وأشار ايضاً الى انشقاقات الجبهة الشعبية، وجبهة التحرير العربية. ووصف الحزب الشيوعي الفلسطيني بأنه "الأرملة التي شاركت في اتفاق واشنطن ولم تبارك الزواج في اتفاق أوسلو". غير أنه كشف ظاهرة جديدة في قطاع غزة، باشارته الى أن حركة حماس كانت تعتبر، على نطاق واسع، "تياراً شعبياً" قبل وصول الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى قطاع غزة، لكنها تحولت بعد أشهر من تسلم السلطة الفلسطينية مسؤولياتها حزباً يأتي في المرتبة الثانية بعد حركة فتح. وقال ان حماس كانت في السابق قادرة على فرض إرادتها في الشارع الفلسطيني، "أما الآن فذلك مستحيل، بدليل أن السلطة بدأت الاسبوع الماضي بتأجير بلاجات على شواطئ غزة ورعت قبل ذلك عرضاً للأزياء حضره جمع غفير من المواطنين كان سبباً في تشجيع الانفتاح الاجتماعي".
طبقة اجتماعية جديدة
ويؤكد المسؤول الفلسطيني أن شعبية حماس التي لا تتجاوز 30 في المئة في قطاع غزة، تزيد كل مرة تغلق فيها اسرائيل بوابات العبور اليها وتقل مع السماح لعشرات الآلاف من العمال بالذهاب الى أعمالهم لكسب لقمة العيش.
ويقول ناظم عويضة وهو محام فلسطيني معروف في قطاع غزة، تولى في وقت سابق الدفاع عن الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة حماس، أمام المحاكم الاسرائيلية "ان وجود السلطة الفلسطينية بدأ يلعب دوراً فاعلاً في تكوين طبقة جديدة في المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة".
وأوضح أن هذه الطبقة التي تضم قطاعات كبيرة من الموظفين - سواء في مؤسسات السلطة أو المراكز والمؤسسات التجارية في قطاع غزة والضفة الغربية - بدأت تنمو على حساب الطبقة العاملة وتأثيرها. وهي خلاصة توصل اليها أيضاً أحد كبار مستشاري الرئيس عرفات الذي قال ل "الوسط": افتتح حوالي 40 فرعاً في الضفة والقطاع لمصارف مختلفة، كما أن مئات الشركات فتحت فروعاً أو أسست حديثاً، وبالتالي فإن موظفي هذه البنوك والمؤسسات سيشكلون تياراً قد يكون له دوره وتأثيره في المرحلة المقبلة، أضف الى ذلك ان هناك آلافاً من الذين انضموا الى السلطة الفلسطينية، وتسلموا مسؤوليات ادارية ومهنية مختلفة.
وذهب المستشار الى أن ذلك التغيير داخل المجتمع الفلسطيني دفع بحركتي حماس وفتح للتسابق على استقطاب المستقلين الذين لا يزال دورهم مهمّشاً، نتيجة عدم وجود برنامج يلتفون حوله.
ويعتبر عدد من الفلسطينيين ان دور الدكتور حيدر عبدالشافي، وهو أبرز رموز هذا التيار، تراجع في الآونة الأخيرة، بعدما فرض نفسه خلال المرحلة الماضية ويسعى الدكتور عبدالشافي - حسبما ذكر ل "الوسط" - الى جمع مختلف الفصائل الفلسطينية في حوار موسع، يهدف الى التوصل الى وجهة نظر مشتركة لتفادي المخاطر التي تهدد الفلسطينيين. وقال "ان جماهير قطاع غزة فقدت ثقتها بالتنظيمات القائمة التي يسعى كل منها الى تحقيق مكتسبات ذاتية على حساب مصلحة الشعب بشكل عام".
وأقر عبدالشافي، الذي رأس الوفد الفلسطيني الى مفاوضات السلام في مدريد وواشنطن، ويرأس حالياً جمعية الهلال الأحمر في قطاع غزة، بعدم نجاح المستقلين في بلورة "واقع جديد ملموس رغم أن حركة البناء الديموقراطي التي أعلن عن تأسيسها أخيراً بصدد التحضير لعقد مؤتمر تأمل بأن يكون نواة لجمع المستقلين في اطار منظم يفرض كلمته على السلطة والمعارضة".
وذكر المحامي عويضة أن سكان قطاع غزة باتوا معنيين بالوضع الاقتصادي أكثر من الوضع السياسي. ورأى أن ذلك يبرر لجوء اسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي الى اغلاق بوابات العبور للتأثير على رصيد المعارضين لعملية السلام.
وحاورت "الوسط" أحد أعيان غزة فقال ان السلطة الفلسطينية بدأت تستخدم نفوذها في مجالات متعددة من خلال الموازنات المفتوحة، والامكانات المادية السخية "لاستقطاب المعارضين لا سيما المنتمين الى حركتي حماس والجهاد، الأمر الذي بدأ يدفع بعض عناصر هذين التنظيمين الى الانسحاب منهما، في مقابل الحصول على وظائف في مؤسسات السلطة وأجهزتها".
ثلث السكان مستقلون
وردّ المحامي عويضة على ذلك بقوله "ربما اكتشف كثيرون أن معظم التنظيمات عبارة عن شركات استثمار هدفها الربح، وليس الالتزام بايديولوجيات معينة". وأعرب عن اعتقاده بأن نسبة المستقلين في صفوف الفلسطينيين في قطاع غزة قد تصل الى ثلث السكان، الأمر الذي يُنبئ في المستقبل "بأنهم سيطالبون حتماً بحصتهم في الحكم".
وقال فريح أبو مدين وزير العدل الفلسطيني ل "الوسط" ان رغيف الخبز أضحى بالنسبة الى سكان القطاع "أهم من كل السياسات الحمقاء". وأضاف أن الرئيس عرفات "حسم أمره، وقرر عدم مهادنة أي جهة تحاول تحطيم ما تم تحقيقه من مكتسبات، وان كانت تلك المكتسبات متواضعة للغاية".
وأشار الى أن السلطة الفلسطينية نجحت في التوصل الى اتفاق ضمني بوقف انطلاق أي عمل عسكري ضد اسرائيل من المناطق الخاضعة لسلطة الحكم الذاتي. وأردف "ان الشعب، بغالبيته الساحقة، يريد أن يرى السلام ... ومثل هذا يضع حركتي حماس والجهاد تحت ضغط شعبي ملموس".
وذكر رجل أعمال فلسطيني كبير زار قطاع غزة قبل أيام ل "الوسط" انه فوجئ بارتياح أبداه بعض أهالي القطاع الى مقتل كمال كحيل، أحد قادة كتائب عزالدين القسام، في انفجار عبوة ناسفة في حي الشيخ رضوان.
وعزا ذلك الى تحميل السكان القتيل كمال كحيل مسؤولية اغتيال نحو 30 شخصاً، بينهم عدد من المتعاملين مع اسرائيل. ونقل رجل الأعمال الفلسطيني عن أصدقاء وأقارب التقاهم "أن قطاعاً كبيراً من الفلسطينيين أراد أن يعبر عن رفضه لأسلوب عمل كمال كحيل، لا سيما في تعذيب المعتقلين، سواء أكانوا عملاء لاسرائيل أو غير ذلك، خصوصاً أن حديثاً يتردد عن استخدام آلات الحفر الكهربائية للحصول على اعترافات".
خوف من المجاعة
ولا يأمل منصور الشوا، نجل رئيس بلدية غزة السابق رشاد الشوا، وهو أحد أبرز أهالي القطاع، في امكان حدوث تغيير مفاجئ على صعيد الأداء السياسي أو التنظيمي في غزة. وأبلغ "الوسط" بأن ثمة نشاطاً ملحوظاً في قطاع غزة "لاستقطاب كل صوت جديد أو حركة فاعلة تبرز على الساحة". وذكر أن جهة لم يُسمِّها عرضت أكثر من 200 ألف دولار "لاستيعاب حركة جديدة ناشئة".
غير أن الشوا حذر من وجود مجاعة في بعض انحاء قطاع غزة، وتساءل: ماذا لو خرج أب بسلاحه الى الشارع لأن ليس بمقدوره تأمين وجبة لأطفاله؟ وأضاف ان الكثير من أبناء قطاع غزة "ليسوا قادرين على تناول ثلاث وجبات في اليوم بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يفرضها الاحتلال".
ورأى الدكتور عاطف عدوان - محلل سياسي فلسطيني معروف بتوجهاته الاسلامية - "أن الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني خط أحمر تجمع الفصائل كلها على عدم الاقتراب منه". وقال ل "الوسط" ان الصراع بين الشعب الفلسطيني وخصمه اسرائيل لم ينته بعد، رغم عملية السلام "الأمر الذي وفر قناعة حقيقية للفلسطينيين بمختلف فصائلهم وتياراتهم بأن الجميع سيخسرون في أي مجابهة، سواء أكانوا فائزين أو مهزومين".
وفسر الدكتور عدوان فشل الرهانات السابقة على اندلاع مواجهة أو حرب أهلية فلسطينية بأنه يعزى الى الوعي الواضح الذي تولّد لدى الفلسطينيين وأتاح لهم أن يتبينوا كثرة المتربصين، "أي أن هذا الوعي أسفر أيضاً عن شيء من التنبّه واليقظة والخوف من الوقوع في المحظور الفلسطيني".
وأوضح عدوان الذي كان أحد الذين أبعدتهم السلطات الاسرائيلية الى مرج الزهور ان لكل حركة أو فصيل فلسطيني موقفاً من ذلك، ففيما يخص الحركات الاسلامية، القضية بالنسبة اليها في نهاية المطاف سؤال أمام الله سبحانه وتعالى، عن إزهاق الأرواح، وهو أمر لا يسهل على المتدينين اقترافه.
وخلص الى ان "هذا البعد الديني أضحى رادعاً نفسياً وعقلياً يحول دون اتخاذ قرار الدخول في مواجهة شاملة". ويعتبر أن السلطة الفلسطينية، من جهتها، بحاجة ماسة الى الاستقرار، "والشعب الفلسطيني يمر بمرحلة نقاهة، وبالتالي فإن عملية السلام إذا لم تثمر تغييراً حقيقياً، فإن الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين سيعود الى سابق عهده".
خلفيات الحركات السياسية
وفي تحليل دقيق للواقع السياسي الفلسطيني أوضح الدكتور عدوان أن الشرائح التي يتشكل منها كل تنظيم أو حركة فلسطينية تأتي على النحو التالي:
- حركة حماس: من اتجاهات يغلب عليها طابع الوعي، سواء أكانوا من أبناء الطبقة الوسطى، أو الطلبة، أو المتعلمين والأشخاص العاديين.
- اليسار الفلسطيني: ارتكز في السابق على العمال، وبعض المثقفين. لكن أنصاره أخذوا بالانحسار لصالح قوى الوسط واليمين، إثر انهيار الشيوعية، وعودة الصحوة الاسلامية.
- حركة فتح: تضم قطاعات من مختلف فئات المجتمع، وبدأت تتعمق أكثر في الوسط المثقف خصوصاً عقب تأسيس السلطة الفلسطينية، وذلك لوجود علاقة مصلحة بين السلطة وتلك الفئات ذات المطالب الفئوية.
- حركة الجهاد الاسلامي: معظم اتباعها من الشباب، وصغار الطلبة. ومعروف عنهم ميلهم الى التشدد في أفكارهم، وطروحاتهم، للتميّز عن الآخرين المعروفين بالمرونة في أوساط الحركة الاسلامية.
وفي ما يتعلق بالفرق بين حركتي الجهاد وحماس، قال الدكتور المحاضر عدوان في الجامعة الاسلامية في غزة "بالنسبة الى حماس فهي أكبر لجهة عدد الأعضاء ومدى الفاعلية، كما أن لها مؤسسات ومراكز منتشرة. في حين لا يتجاوز نشاط الجهاد في هذا الاطار وجود مؤسسات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة".
وانبرى عبد علون - أحد قادة فتح في القدس المحتلة - للمقارنة بين "كتائب عزالدين القسام" و"صقور فتح"، فيشير الى أن "صقور فتح" بعد اتفاق أوسلو التزموا وقف نشاطاتهم العسكرية، وما حصل في مناسبات متفرقة مثل عملية قتل مستوطن في رام الله اعتبر - على نطاق واسع - تصرفاً فردياً. وقال ان صقور فتح يرابطون غالباً في مناطق جنين ونابلس والخليل، كما أن جماعة "الفهد الأسود" - وهي مجموعات عسكرية تابعة لحركة فتح - مارست نشاطاً منفرداً، بقيادة مختلفة.
وأشار الى أن معظم "صقور فتح" كانوا من الذين لاحقتهم سلطات الاحتلال. وذكر أن أبرز قادتهم كان جمال شاهين، في حين تولى قيادة جماعة "الفهد الأسود" كميل أبو العوض من قباطية قبل اعتقاله العام 1991.
وذكر صحافي من أبناء غزة ان "كتائب عزالدين القسام" حظيت باحترام الشارع الفلسطيني "بسبب طابع السرية الذي ميّز نشاطها، كما أن الكثير من العملاء كانوا يُعدمون بعد أن تُنشر اعترافاتهم في أشرطة فيديو. غير أنه أخذ على صقور فتح وجود مراكز قوى في داخلها.
ولاحظ مسؤول بارز في قيادة حركة فتح في قطاع غزة أن الرئيس عرفات ركز، خلال الأشهر الماضية، على اعادة ترتيب بيت الحركة في القطاع بعدما أدرك أهمية مراعاة المرحلة الجديدة والاستعداد لمواجهة "خصم منظم ويعمل بشكل فاعل".
ويستعين الرئيس الفلسطيني بقيادات غزاوية محلية أفرزتها الانتفاضة، والعمل العسكري ضد الاحتلال، لا سيما أن هؤلاء يتميزون عن قيادات حركة فتح التي وفدت من خارج الأراضي المحتلة بمعرفتهم الدقيقة بالأوضاع على الأرض، وخبرتهم في التعامل مع الشؤون اليومية الحساسة وردود فعل الشارع الفلسطيني في الداخل.
وأشار علون الى أن معظم "صقور فتح" انضموا الى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.
ولا يبدو أن فصائل مثل الجبهتين الديموقراطية والشعبية بصدد احداث تحول في نشاطها. وقال مسؤول كبير في أحد التنظيمات الاسلامية في غزة ل "الوسط" انه يعتبر تلك الفصائل "معارضة ورقية تنعدم لديها الفعاليات على الصعيدين الجماهيري والعسكري".
وقال ان تنظيماً مثل الجبهة الشعبية في قطاع غزة لا يخفي تعاونه مع أجهزة سلطة الحكم الذاتي، ويضيف أن العقيد محمد المصري عضو الجبهة المذكورة يشغل منصب مدير العلاقات العامة في المخابرات العامة الفلسطينية، كما أن اثنين من محرري مجلة "الهدف" الناطقة باسم الجبهة الشعبية - وهما هاني حبيب ورجب أبو سرية - يعملان في أجهزة الاعلام الرسمي الفلسطيني.
ولا يتخطى نشاط بعض عناصر الجبهة الشعبية التحرك لنصرة قضايا المعتقلين من خلال مؤسسة تحمل اسم "الضمير"، ووصف المسؤول الاسلامي موقف الجبهة الشعبية في الحوار مع السلطة بأنه يتميز بالمهادنة "اما نشاط الجبهة الديموقراطية فيكاد يكون اعلامياً، وضجيجه أكثر".
ويفرِّق المسؤول الاسلامي بين نشاط حركة حماس في الضفة الغربية ونشاطها في غزة. وأوضح "أن حماس في الضفة تعتمد على المؤسساتية والنقابات في الجامعات والجمعيات المهنية. غير أن قطاع غزة هو معقل حماس وهي هناك أحسن تنظيماً وجذوراً منها في الضفة الغربية، بدليل أن قيادات حماس في الضفة كانت تستعين بخبرات مقاتلي الحركة في القطاع كالشهيد عماد عقل، أو محمد حرز، ومحمد أبو عباس، ومحمد أبو عطايا الذين اعتقلوا في رام الله. كما أن دور المتحدثين الاعلاميين لحماس في القطاع أجدى منه في الضفة، وربما يعود ذلك الى أن اعلان الانتماء لحركة حماس في الضفة لا يزال محظوراً من قبل السلطات الاسرائيلية".
ولا يعطي الدكتور محمود الزهار - أحد أبرز رموز حماس في قطاع غزة - أهمية للحديث عن حماس في الضفة أو قطاع غزة، أو أي بقعة في ما يسميه أرض الشتات، وقال ل "الوسط" "نحن وحدة متماسكة". وحذر السلطة "من النوم على حرير، إذ ان الشارع الفلسطيني ملّ الممارسات الخاطئة، والاعتقالات، والسجن دون محاكمات عادلة ... وإذا انفجر الشارع فلا تمكن السيطرة عليه".
واعترف الدكتور الزهار بحصول لقاءات بين السلطة وحماس، وقال ان أحد تلك اللقاءات تمّ في منزله، فيما عقد اجتماع آخر في منزل سفيان أبو زايدة، أحد مسؤولي فتح. وأكد الزهار ان تلك اللقاءات كانت للتهدئة، ولم تسفر عن اتفاقات لوقف العمليات العسكرية ضد القوات الاسرائيلية. وذكر أن حماس وضعت شروطاً طلبت من السلطة تنفيذها قبل البدء في أي حوار، منها وقف عمليات الدهم والاعتقال.
ونفى مسؤول كبير في تنظيم الجهاد الاسلامي التوصل الى اتفاق مع السلطة. وقال ل "الوسط" ان حركة الجهاد ترفض الحوار مع السلطة "من منطلق أن الحركة تملك برنامجاً سياسياً متناقضاً مع برامج السلطة".
ويتهم بعض قادة الجهاد الاسلامي السلطة باستخدام مطابخها الاعلامية للتأثير في الرأي العام، خصوصاً لاحداث بلبلة تتعلق بوقف العمليات العسكرية ضد اسرائيل انطلاقاً من قطاع غزة. ورفض أحد مساعدي الدكتور فتحي الشقاقي زعيم الجهاد أن يكون التنظيم على وشك الاعلان عن تسليم أسلحته الى الشرطة الفلسطينية.
وقال اللواء يوسف نصر المدير العام للشرطة الفلسطينية ل "الوسط" ان المهلة المحددة لتسليم السلاح غير الشرعي في قطاع غزة ستنتهي في أجلها المحدد، "بعد ذلك سنبدأ جمع السلاح غير المرخص". غير أنه أضاف انه "بلا شك ستكون هناك استثناءات تأخذ بعين الاعتبار حماية حياة بعض الأشخاص ضد المخاطر".
وأوضح اللواء يوسف أن الكثير من عصابات التهريب تملك أسلحة تحصل عليها من اسرائيل، أو تهرب اليها من جنوب لبنان. ورفض الحديث عن الطريقة التي يحاكم بها المتهمون. واكتفى بالقول "هذا أمر يعود الى المدعي العام".
ويلاحظ من يزور مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في قطاع غزة انشغاله الدائم بتنظيم جهاز فتح ومتابعته لكل شاردة وواردة في كل قرية ومخيم ومدينة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويقول الزوار ان سبب هذا الاهتمام يعود لاقتراب موعد اجراء الانتخابات العامة، الأمر الذي يعتبره عرفات امتحاناً يريد أن يثبت عبره لخصومه السياسيين أنه صاحب الشعبية الأكبر على الرغم من عيوب السلطة والاتهامات التي توجه الى مجمل أدائها.
ابرز مسؤولي التنظيمات الفلسطينية في الضفة وغزة
حركة فتح
هشام عبدالرزاق، سفيان أبو زايدة، محمد دحلان، دياب اللوح، رشيد أبو شباك، زكريا الآغا، سامي أبو سمهدانه، سليم الزريعي، فيصل الحسيني، مروان البرغوثي، جبريل الرجوب، أحمد غنيم، على دخل الله، جمال الشوبكي، موسى أبو صبحه ، محمد الحوراني، زياد هب الريح، أحمد هزاع شريم، عصام أبو بكر، أمين مقبول، رشيد أبو شباك، ماجد أبو شماله.
الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين
د. عبداللطيف الحاج، خالد أبو شرخ، طه أبو العطا، نهاد أبو غوش، جودت السويركي، عبدالحميد أبو حيا
جبهة التحرير العربية
ناصيف عواد
جبهة التحرير - الحركة التصحيحية
جميل شحادة
جبهة النضال الشعبي
د. سمير غوشه، فضل طهبوب
تنظيم الجهاد الاسلامي
الشيخ عبدالله الشامي معتقل لدى السلطة الفلسطينية، ناقد عزام، عمر شلح معتقل، علاء الصفطاوي، عدنان أبو حسنة.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
عبداللطيف غيث، د. رياض المالكي، كامل جبيل، د. رباح مهنا، المحامي يونس الجرو، غازي أبو جياب، محمد دهمان، عمر الغو، أبو نضال مسلمي، أبو علي ناصر
فدا
ياسر عبدربه، د. عزمي الشعيبي، زهيرة كمال
حزب الشعب
بشير البرغوثي، سليمان النجاب
حركة حماس
الشيخ أحمد ياسين معتقل، د. عبدالعزيز الرنتيسي معتقل، صلاح شحادة معتقل، أحمد بحر، أحمد غر، د. عبدالعزيز دويك، جميل حمامي، جمال سليم، عبدالفتاح دخان، عماد الفالوجي، اسماعيل هنيه، الشيخ حماد الحسنات، سالم سلامة، محمد طه، د. ابراهيم المقادقة، د. ابراهيم اليازوري، د. محمود الزهار، خالد الهندي، د. محمد شهاب، عدلي البرش، د. عاطف عدوان، محمد عدوان، سيد أبو مسامح
نسبة تمثيل الفصائل والحركات الفلسطينية في
مدن الضفة الغربية وقطاع غزة
الأرقام تمثل النسبة المئوية
اسماء المدن الجبهة حزب فتح الجبهة حماس فدا
الديموقراطية الشعب الشعبية
نابلس - - 59.6 0.9 11 -
طولكرم 3.4 1.1 51.7 2.2 13.5 1.1
جنين 1.1 1.1 65.9 1.1 6.8 -
أريحا - - 56 8 4 -
رام الله 1.9 0.9 28.7 1.9 12 0.9
الخليل 2.8 0.8 40.2 5.3 18 0.3
بيت لحم 2.7 1.4 41.9 - 6.8 -
القدس 0.6 - 40.2 1 10.5 -
شمال غزة - - 44.3 18.0 14 -
غزة المدينة - 0.6 56.1 2.9 16.2 -
غزة الوسط - 0.7 53.8 0.30 12.9 0.7
غزة الجنوب 4 2 40 8 14 -
اسماء حركة مستقلون مستقلون غير لا أحد
المدن الجهاد اسلاميون وطنيون ذلك
نابلس 1.8 1.8 7.3 2.8 12.8
طولكرم 4.5 4.5 2.2 2.2 13.5
حنين 1.1 2.3 4.5 3.4 12.5
أريحا - - 4 12 16
رام الله 0.9 1.9 6.5 29.6 14.5
الخليل 6.1 4.4 6.4 2.8 12.9
بيت الحم 2.7 6.8 8 12.2 17
القدس 3.9 2.6 6.6 20 15.14
شمال غزة - 1.4 1.2 11 8.6
غزة المدينة 1.2 1.2 1.2 5.2 15
غزة الوسط 0.7 0.7 3.6 9 12
غزة الجنوب 2 4 - 20 6
ملاحظات:
1- نسبة الخطأ في الاحصائيات التي أشرف على تنظيمها مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس تصل الى 4 في المئة.
2- غزة الشمال تضم بيت حانون وجباليا حتى حاجز اريتز
3- غزة الوسط تضم مخيمات النصيرات والبريج والمغازي.
4- غزة الجنوب تضم خان يونس، ورفح، وبني سهيلة، وعيسان الكبرى، وعيسان الصغرى، والمخيمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.