يسعى الاردن الى إتخاذ اجرءات تكفل منع تفاقم مشكلة الشيكات المرتجعة، بعدما تحولت الى مشكلة كبيرة تعاني منها المصارف، والتجار، ما يفقد التعاملات التجارية الصدقية التي تحتاجها. ومع ان القوانين الاردنية تفرض عقوبات مدنية وجزائية قوية على مصدري الشيكات المرتجعة بسبب عدم وجود تغطية لها، إلاّ أن ثمة اعتقاداً متزايداً بضرورة تشديد هذه العقوبات الى الحد الذي يمكن ان يجعل منها رادعاً فعلياً، الى جانب اجراءات اخرى، يمكن للمصارف ان تساهم في تنفيذها، خصوصاً لجهة التشدد في اعطاء العملاء دفاتر شيكات، او سحب هذه الدفاتر في حال تكررت المخالفة، وتبادل اسماء مصدري الشيكات المرتجعة بين جميع المؤسسات المصرفية لقطع الطريق على احتمال لجوء مثل هؤلاء الى مؤسسات أخرى. وكانت ظاهرة الشيكات المرتجعة سجلت تفاقماً واضحاً في العام 1994، وتقول تقديرات اعدها البنك المركزي ان قيمة الشيكات التي ردتها المصارف لعدم توافر رصيد كاف لها ارتفعت الى 350 مليون دينار 507 ملايين دولار، في العام الماضي، وهو رقم يزيد بنسبة 7،14 في المئة عن قيمة الشيكات المرتجعة في العام 1993. الى ذلك، أظهرت أرقام أعدتها أجهزة الامن الاردنية ارتفاع عدد الموقوفين بجرم اعطاء شيك من دون رصيد الى 3389 شخصاً، في مقابل 1884 شخصاً في العام 1993 و1681 شخصاً في العام 1992 وبنسبة تزيد عن 101 في المئة في خلال سنتين. ويقول مسؤولون اردنيون ان الاجهزة القضائية باشرت تطبيق اجراءات أكثر تشدداً ضد الذين يصدرون شيكات من دون رصيد، بما في ذلك، تطبيق عقوبة السجن لفترة لا تقل عن سنة، اذا لم يستطع مصدر الشيك الوفاء بالتزاماته او التوصل الى تسوية مع صاحب الدين. وينظر في عمان الى تفاقم مشكلة الشيكات المرتجعة على أنه نتيجة مباشرة للتوسع الحاصل في استخدام الشيك المصرفي كأداة دفع رئيسية في التعاملات التجارية، وهي ظاهرة يشجعها البنك المركزي على أساس أنها تساهم في تقليص كميات النقد المتداول، وتسمح للمصارف بزيادة محفظة ودائعها، وامكان توظيفها في استثمارات مختلفة. إلاّ أن غالبية الخبراء المصرفيين والماليين يرون ضرورة حماية هذه الوسيلة من سوء الاستخدام الذي يمكن ان يساهم بصورة مباشرة في تقليص الثقة بالتعاملات التجارية في البلاد، ويربك الجهاز المصرفي. الاّ أن ثمة تفسيراً اقتصادياً للمشكلة يتمثل في الربط بينها وبين الركود الاقتصادي الذي يعاني منه الاردن منذ سنوات، ويقول مصرفي أردني ان نسبة متزايدة من مصدري الشيكات المرتجعة حالياً هم من التجار بسبب تراجع حركة السوق وعجزهم عن تصريف مخزون السلع القائم لديهم. ويقول هذا المصرفي ان فئة واسعة من التجار باتت تلجأ الى استخدام الشيك المؤجل لضمان الحقوق المترتبة عليها، على أمل أن تتمكن في خلال فترة التأجيل من تكوين مؤونة كافية لتغطيته لكن واقع الحال ان ضعف السوق يمنع الكثير من التجار من الوفاء بالتزاماتهم، فيضطر اصحاب الحقوق للجوء الى القضاء لتحصيل أموالهم. ومع ان القوانين الاردنية، على غرار القوانين المعمول بها في الخارج، تمنع استخدام الشيك المؤجل، فإن فئة واسعة تلجأ اليه كوسيلة لتغطية الموجبات عليها، ووصل الامر الى حد قبول المصارف بهذا النوع من الشيكات. ويقول محافظ البنك المركزي الاردني الدكتور محمد سعيد النابلسي ان التوسع في قبول الشيكات، ربما كان سببه الرئيسي ثقة صاحب الحق بالاجراءات التي يمكن ان يلجأ اليها لضمان أمواله. وطبقاً لمعلومات متطابقة، تتجه الحكومة الى مضاعفة العقوبات ضد مصدري الشيكات من دون رصيد. ومن المقرر ان تنهي اللجنة الموسعة التي شكلها البنك المركزي برئاسة الدكتور حداد، وهو أحد الخبراء المعروفين في مجال القانون التجاري ومشاركة ممثلين لجهات حكومية مختلفة لمقترحاتها قريباً جداً للعمل على اقرارها وبدء تنفيذها قبل نهاية العام الجاري. وحسب المعلومات نفسها، فإن الاقتراحات تشمل ناحيتين: الاولى، زيادة العقوبات المدنية والجزائية ضد مصدر الشيك من دون رصيد، خصوصاً العقوبات المالية لجهة مضاعفتها بصورة قوية. ومن المعروف ان القانون الحالي يفرض عقوبة السجن بين سنة و3 سنوات، اضافة الى غرامة مالية، تصل الى 100 دينار حداً أدنى، و200 دينار حداً أقصى، الى جانب أساس الدين والفوائد المترتبة عليه. ومن المقدر أن تقترح اللجنة مضاعفة الغرامات المالية لمساعدتها على أن تصبح رادعاً فعلياً. اما الناحية الثانية، فتكمل الاولى وتتعلق بالزام المصارف اتخاذ اجراءات أكثر تشدداً ضد العملاء الذين يثبت انهم يعمدون الى اعطاء شيكات من دون رصيد. وقد يصل هذا التشدد الى حد سحب دفتر الشيكات من صاحبه في حال تجاوز الشيكات المرتجعة حداً معيناً، الى جانب اطلاع المصرف المركزي على اسمه لتعميمه على المصارف الاخرى لاقفال الطريق على احتمال اللجوء الى مؤسسات اخرى. كما ستشتمل هذه المرحلة على الزام المصرف التدقيق بصورة أكثر جدية في اعطاء دفاتر الشيكات لعملائها خلافاً للتساهل الذي تقول السلطات النقدية ان بعض المصارف يلجأ اليه لزيادة حصته من السوق. هل تؤدي هذه الاجراءات الى منع ظاهرة الشيكات المرتجعة؟ المصرفيون الاردنيون يقولون ان فائدتها تكمن في انها ستمنعها من التفاقم، وتبقيها ضمن حدود مقبولة مصرفياً واقتصادياً، فلا يصل الوضع الى حد فقدان الثقة بالتعاملات التجارية.